وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
من هو جامع نهج البلاغة

السيد محمد حسين الجلالي
 

قال ابن خلكان ( ت / ٦٨١ ه‍ ) : « اختلف الناس فيه ، هل أنّ الشريف أبي القاسم علي بن طاهر المرتضى المتوفى سنة ٤٣٦ جمعه من كلام علي بن أبي طالب عليه السّلام ، أم جمعه أخوه الشريف الرضي البغدادي ، وقد قيل : إنّه ليس من كلام علي » [١].
وكثر ممن جاء بعد ابن خلكان ( ت / ٦٨١ ه‍ ) تبعيّته في ترديد دعواه ، راجع ميزان الاعتدال ، للذهبي ( ت / ٧٤٨ ه‍ ) ٣ : ١٢٤ . ومرآة الجنان ، لليافعي ( ت / ٧٦٨ ه‍ ) ٣ : ٥٥ .والبداية والنهاية ، لابن كثير ( ت / ٧٧٤ ه‍ ) ١٢ : ٣ و ٥٣ . ولسان الميزان ، لابن حجر ( ت / ٨٥٢ ه‍ ) ٥ : ١٤١ ، كما تبعه في ذلك بعض المتأخرين منهم : فريد وجدي في دائرة المعارف ٤ : ٢٦٠ .
وليس لهذا الاختلاف أثر في مصادر أهل البيت ، فقد أطبقت المصادر والأسانيد على أنّ الجامع هو الشريف الرضي ، فإنّ أقرب مصدر للترجمة إلى زمان الشريف للنهج هو فهرستا الطوسي والنجاشي ، وكلاههما ترجما المرتضى ولم يذكرا نهج البلاغة من تأليفه ، بل ذكر النجاشي ( ت / ٤٥٠ ه‍ ) أنّه من تأليف الشريف الرضي ، وهو أقدم من ابن خلَّكان ( ت / ٦٨١ ه‍ ) وأعرف ، وغير خفيّ على المتتبّع أنّ السبب في هذه التهمة هو الصراع المذهبي ، كما يظهر جليا من ترجمة الشريفين الرضي والمرتضى ممن لا يوافقهما في العقيدة والمذهب .
قال الذهبي ( ت / ٧٤٨ ه‍ ) في تاريخ الإسلام في حوادث سنة ٤٣٦ في ترجمة الشريف المرتضى : « قلت : وقد اختلف في كتاب نهج البلاغة المكذوب على عليّ عليه السّلام ، هل هو من وضعه ، أو وضع أخيه الرضي . وقد حكى عنه ابن برهان النحوي أنّه سمعه ووجهه إلى الحائط يعاتب نفسه ويقول : أبو بكر وعمر وليا فعدلا ، واسترحما فرحما ، أفأنا أقول : ارتدا قلت : وفي تصانيفه سبّ الصحابة وتكفيرهم »  [٢] .
وقال الذهبي أيضا : « هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام عليّ رضى اللَّه عنه ، ولا أسانيد لذلك ، وبعضها باطل ، وفيه حقّ ، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النّطق بها ، ولكن أين المنصف وقيل : بل جمع أخيه الشريف الرضي »  [٣].
وقال أيضا في الميزان : « هو المتّهم بوضع كتاب نهج البلاغة ، وله مشاركة قويّة في العلوم ، ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بأنّه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضى اللَّه عنه ، ففيه السب الصراح والحط على السيدين أبي بكر وعمر ، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم من بعدهم من المتأخرين جزم بأنّ أكثره باطل » [٤].
وقد يرى البغضاء من قلمه والكذب في قوله : « في تصانيفه [ المرتضى ] سبّ الصحابة وتكفيرهم » فإنّه ليس لذلك في تصانيفه عين ولا أثر .

وقوله : « لا أسانيد لذلك » يدل على جهله بأسانيد المرويات عن عليّ عليه السّلام - كما ستعرف في هذا الكتاب - ومن اتهامه الشريف المرتضى بالوضع ، وهذا ما لم يتهمه منصف في حياته وبعد وفاته ، ولا أدري هل هو أعرف بنفس القرشيّين أم أهل البيت الذين اغترفوا من زلال علوم النبي الأطهر صلَّى اللَّه عليه وآله وعاصروا الصحابة الأخيار وحافظوا على تراث الإسلام .
ولعل أقرب الأقوال ما ذكره زكي مبارك في كتابه النثر الفني ، حيث قال : « وقد أراد المسيو ديمومبين أن يغضّ من قيمة ما نسب إلى علي بن أبي طالب من خطب ورسائل ، استنادا إلى ما شاع منذ أزمان من أنّ الشريف الرضي هو واضع كتاب نهج البلاغة ، أما نحن فنتحفّظ في هذه المسألة كل التحفّظ ، لأن الجاحظ يحدثنا : إنّ خطب علي وعمر وعثمان كانت محفوظة في مجموعات .

ومعنى هذا أن خطب عليّ كانت معروفة قبل الشريف الرضي . والذين نسبوا نهج البلاغة إلى الرضي يحتجّون بأنّه وضعها لأغراض شيعية ، فلم لا نقول من جانبنا بأن تهمة الوضع جاءت لتأييد خصوم الحملات الشيعية »  [٥].
ونحن نقول : إنّ تهمة الرضي بالانتحال ساقطة لأمرين : أولا : إنّ شخصية الرضي معروفة بالأمانة ، كما ذكرته مصادر الأدب والتأريخ .
ثانيا : إنّ الذهبي ، وهذه دعوى يجب أن تخضع للدراسة والنقد ، ومن الثابت في قواعد الجرح والتعديل أنّ ذلك مما لا يعبأ به ، وأنّها حقا تهمة ظالمة لرجل وصفته المصادر بالورع والشرف والصراحة في تطبيق حكم اللَّه .
ونكتفي بما نقله ابن عنبة ( ت / ٨٢٨ ه‍ ) من حادثتين تكشف عن مدى أمانة الشريف الرضي ننقلهما من لفظه من دون تعليق ليحكم القارئ الكريم بنفسه على هذه الاتهامات : نقل ابن عنبة عن أبي إسحاق الصابي عن الوزير أبي محمد المهدي في الشريف الرضي قال : « وأما أخوه الرضي ، فبلغني ذات يوم أنه ولد له غلام فأرسلت إليه بطبق فيه ألف دينار ، فرده وقال : قد علم الوزير أني لا أقبل من أحد شيئا . فرددته إليه وقلت : إني إنما أرسلته للقوابل . فرده الثانية وقال : قد علم الوزير أنه لا تقبّل نساءنا غريبة . فرددته إليه وقلت : يفرّقه الشريف على ملازميه من طلاب العلم . فلما جاءه الطبق وحوله طلاب العلم قال : هاهم حضور فليأخذ كل أحد ما يريد . فقام رجل وأخذ دينارا فقرض من جانبه قطعة وأمسكها ورد الدينار إلى الطبق ، فسأله الشريف عن ذلك فقال : احتجت إلى دهن السراج ليلة ولم يكن الخازن حاضرا فاقترضت من فلان البقال دهنا فأخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه ، وكان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضي في دار قد اتخذها لهم سماها ( دار العلم ) وعيّن لهم جميع ما يحتاجون إليه ، فلما سمع الرضي ذلك أمر في الحال بأن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة ويدفع إلى كلّ منهم مفتاح ليأخذ ما يحتاج إليه ولا ينتظر خازنا يعطيه ، وردّ الطبق على هذه الصورة ، فكيف لا أعظَّم من هذا حاله » [٦].
وكان الرضي ينسب إلى الإفراط في عقاب الجاني من أهله وله في ذلك حكايات ، ومنها : « أنّ امرأة علوية شكت إليه زوجها وأنه يقامر بما يتحصل له من حرفة يعانيها ، وأنّ له أطفالا وهو ذو عيلة وحاجة ، وشهد لها من حضر بالصدق فيما ذكرت ، فاستحضره الشريف وأمر به فبطح وأمر بضربه فضرب والامرأة تنتظر أن يكف ، والآمر يزيد حتى جاوز ضربه مائة خشبة ، فصاحت الامرأة : وايتم أولادي ، كيف تكون صورتنا إذا مات هذا فكلَّمها الشريف بكلام فظَّ فقال : ظننت أنّك تشكينه إلى المعلَّم »  [٧].
ويكفي الشريف فخرا أنّه لم يدنّس ثوبه بمغريات الحياة الزائلة حتى قال فيه تلميذه الوفي مهيار الديلمي :
 

أبكيك للدنيا التي طلَّقتها ***** وقد اصطفتك شبابها وعرامها
ورميت غادتها بفضلة معرض ***** زهدا وقد ألقت إليك زمامها [٨]

 

تعقيب : استساغ للذهبي أن يتّهم الشريف الرضي بمجرّد الهوى ومخالفة العقيدة والمذهب . ولا أدري كيف استساغ كارل برو كلمان الألماني لنفسه ان يقول بصورة قاطعة : « وينسب إلى الشريف الرضي أيضا كتاب نهج البلاغة ، والصحيح أنه من جمع أخيه الشريف المرتضى »  [٩].
ولعله قلَّد في ذلك ادوارد فانديك ، وقد التمس شيخنا العلامة الشهرستاني عذرا لهذه الدعوى وقال : « ونسبة ( ادوارد فانديك ) في اكتفاء القنوع كتاب نهج البلاغة إلى الشريف المرتضى أخي الرضي خطأ منشأه أنّ الشريف الرضي كان يلقب بالمرتضى أحيانا ، لأن جدّه إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام ، كما أن أخاه المرتضى كان يلقّب بذلك ، ثم بقي هذا اللقب على هذا ، ولقّب الأول بالرضي يوم رضوا به نقيبا على نقباء العلويين ليتميّز عن بقية آل المرتضى » [١٠].
ومن تقوّلات إدوارد فانديك في اكتفاء القنوع انه ينسب نهج البلاغة إلى الرازي ( ت / ٤٠٦ ه‍ ) ، ولعل السبب أنّه ليس من أبناء الضاد ، وقادته عجمته إلى تبديل الضاد بالزاي ، فهو تصحيف .

أدلة خمسة

هذا وقد استدل إمتياز علي العرشي على أنّ المؤلف هو الرضي بأدلَّة خمسة ، ملخّصها :
أولا : ان المؤلف أشار في مقدمة النهج إلى كتابه خصائص الأئمة ، ويوجد من هذا الكتاب نسخة في مكتبة رامپور - الهند ، مؤرخة سنة ٥٥٣ وعليها إجازات ، فإذا ثبت أنّ مؤلَّف الخصائص هو الشريف الرضي ثبت أنه كذلك مؤلَّف نهج البلاغة .
ثانيا : ذكر النجاشي وغيره أنّ له : حقائق التنزيل ، وقد طبع المجلد الأول في النجف سنة ٣٥٥ وقد جاء في ص ١٦٧ إحالة إلى كتابه الآخر ( نهج البلاغة ) .
ثالثا : لا خلاف في أنّ كتاب مجازات الآثار النبوية للشريف الرضي ، وقد طبع ، وفيه يحيل الشريف إلى كتاب نهج البلاغة في ص ٢٢ وص ٤١ ، كما ويشير في النهج ٣ : ٢٦٣ إليه ، ويقوّي ذلك كلَّه ما نجد بين عبارتيهما في هذا المحل من تماثل وتقارب مما لا يدع لنا مجالا لتخيّل أنّ الكتابين لمؤلَّفين ، بل لمؤلَّف واحد .
رابعا : نجد في بعض نسخ نهج البلاغة أنّ النسخ تبدأ باسم الرضي ، وأهم هذه النسخ ما طبعها محمد محيي الدين عبد الحميد الأستاذ بجامع الأزهر ، ولا يكاد يظن أنّ المصحح هو الذي أضاف هذه الجمل في المتن .
خامسا : بلغ عدد شروح نهج البلاغة بالعربية والفارسية ما ينيف على أربعة ، وأجمع الشراح على أنّ الكتاب من تأليف الرضي ، وذكر سبعة شروح [١١].

قال الجلالي :

ونزيد ذلك حجة :
سادسا : سلاسل الإجازات الموصولة إلى الشريف الرضي بطرق عديدة ، ستأتي في أسانيد المؤلف .
سابعا : العناية بالنهج عبر القرون بالنسخ والمقابلة والقراءة والإجازة وغيرها كما سيأتي .

-----------------------------------------------

[١] . وفيات الأعيان ١ : ٤٧١ .

[٢] . راجع تاريخ الاسلام : وفيات عام ٤٣٦ .

[٣] . سير أعلام النبلاء ١٧ : ٥٨٩ .

[٤] . ميزان الاعتدال ٣ : ١٢٤ .

[٥] . النثر الفنّي ١ : ٦٩ .

[٦] . عمدة الطالب : ٢٠٩ - ٢١٠ .

[٧] . عمدة الطالب : ٢١٠ .

[٨] . ديوان مهيار الديلمي ٣ : ٣٦٩ .

[٩] . راجع تاريخ الأدب العربي ٢ : ٦٤ ، ترجمة د . عبد الحليم النجار ، ط / ٣ دار المعارف القاهرة سنة ١٩٧٤ م .

[١٠] . ما هو نهج البلاغة : ١٨ .

[١١] . استناد نهج البلاغة : ٥ - ١٣ .

****************************