وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
من وحي العقل ونهج البلاغة

بسم الله الرحمن الرحيم

القدرة الالهية
مقدمة
من المعلوم ان القدرة احدى الصفات الالهية الثبوتية الذاتية وايضا احد من اسماء الله تعالى القادر وفي هذا الموضوع سناخذ بعض النصوص الواردة في نهج البلاغة المتضمنة لهذه الصفة المباركة ثم نعرج بالبحث عن هذه الصفة في جملة من المحاور ...وقد انتخبت من بين ما ورد في النهج المبارك المواضع الستة التالية :
الموضع الاول خطبة٩٠ : هُوَالْقَادِرُ الَّذِي إِذَا ارْتَمَتِ الْاوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِه .
الموضع الثاني من نفس الخطبة ايضا .. وَارَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ
الموضع الثالث في الخطبة ١٦٤ : وَأقامَ مِنْ شَواهِدِ الْبَيِّناتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، ....الى ان يقول :
الموضع الرابع  من نفس الخطبة ايضا .. وَنَسَقَها عَلَى اخْتِلافِها فِي الْاصابِيغِ بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ، وَدَقِيقِ صَنْعَتِهِ
الموضع الخامس الخطبة رقم ١٨٦ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اءَظْهَرَ مِنْ آثارِ سُلْطانِهِ، وَجَلالِ كِبْرِيائِهِ، مَاحَيَّرَ مُقَلَ الْعُيُونِ مِنْ عَجائِبِ قُدْرَتِهِ ...
الموضع السادس والاخير الخطبة رقم ٢٢٧ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا تُدْرِكُهُ الشَّواهِدُ،وَلا تَحْوِيهِ الْمَشاهِدُ، وَلا تَراهُ النَّواظِرُ، وَلا تَحْجُبُهُ السَّواتِرُ،الدَّالِّ عَلى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ، وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلى وُجُودِهِ، وَبِاشْتِباهِهِمْ عَلَى اءَنْ لا شَبَهَ لَهُ.
الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعادِهِ، وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبادِهِ، وَقامَ بِالْقِسْطِفِي خَلْقِهِ، وَعَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ، مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْاشْياءِ عَلَى ازَلِيَّتِهِ، وَبِما وَ سَمَها بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ ...
وحديثي عن هذه الصفة سيكون في محاور اربعة :
١ـ مفهوم القدرة .
٢ـ براهين اثبات القدرة وعمومها .
٣ـ بين صفة القدرة و بين الجبر في افعال العباد وافعال الله تعالى .
٤ـ اشكالات على القدرة الالهية ـ عرض ونقد ـ

المحور الاول : ( مفهوم القدرة وتعريفها)
للقدرة عدة تعريفات ننتخب من بينها ثلاثة:
التعريف الاول : هي صحة الفعل والترك .. فالقادر هو الذي يصح ان يفعل والا يفعل ..
التعريف الثاني : هي الفعل او الترك مع المشيئة او عدمها .. فالقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ..
التعريف الثالث : القدرة هي صدور الفعل من الفاعل عن علم ومشيئة ..
قال السبزواري في المنظومة :
 

للقدرة انسب قوة فعلية ****** إن قُرنت بالعلم والمشية

وعلى التعريف الاخير للقدرة فهي عبارة عن قيود ثلاثة :
١ـ مصدرية الفاعل للفعل ومبدئيته له ..
٢ـ علم الفاعل بفعله ..
٣ـ اختيار الفاعل ومشيئته في قيامه بالفعل ..
وعلى بعض هذه التعريفات نقض وابرام ولكن اعرضنا عنها خشية ان يكثر الكلام فيطول بنا المقام ..
المحور الثاني : براهين اثبات القدرة وعمومها .
اما الدليل على اصل القدرة فلوجوه ثلاثة :
الاول : بعد ان عرفنا ان القدرة تتقوم بالمبدئية للفعل والعلم به وكلاهما ثابتان بالضرورة اما مبدئيته تعالى للفعل فبالتوحيد الافعالي . واما علمه ففي صفة العلم الثابتة فيمحلها .. والحاصل لما ثبت مصدريته لكل فعل ولكل وجود ولكل كمال وجودي لا يشذ منهكمال فتثبت فاعليته لكل فعل من جهة ومن جهة اخرى فهو عالم تعالى والقدرة هي مصدريته للفعل وعلمه به تبارك وتعالى .. هذا خلاصة ما افاده حكمائنا في هذا المجال ..
الثاني : برهان الفطرة .. واترك صياغة هذا الدليل للحديث الاتي :
معاني الاخبارللشيخ الصدوق ص ٢٤
وهو ماقال رجل للصادق عليه السلام: يا بن رسول الله دلني على الله ماهو فقد أكثر عليّ المجادلون وحيروني. فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم. قال:فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الاشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟قال: نعم.
قال الصادق عليه السلام: فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث.
الثالث: حاصله من أمرين :
١ـ نحن معاشر البشر قادرون مخلقون له تبارك وتعالى كذلك.
٢ـ معطي الكمال وواهبه يستحيل ان يكون فاقدا له ..بل يكون متوفرا عليه بنحو اكمل واتم واشرف فالله تعالى قادر واما الدليل على عموم قدرته فمن وجهين :
الاول: فكل برهان دل على ثبوت القدرة هو بنفسه دال على سعتها وشمولها وعمومها ..
الثاني: لعموم ركني القدرة وهما العلم وفاعليته للفعل ..
المحور الثالث: ( بين صفة القدرة و بين الجبر في افعال العباد وافعال الله تعالى) بعد اثبات قدرته سبحانه وعمومها

تواجهنا عقبة يمكن ان تنحل الى مشكلين :
الاول : مقاطعة عموم القدرة مع اختيار الانسان .فإما تحديد قدرة الله او القول بجبرالانسان في افعاله .
الثاني : ايضا لزوم الجبر وكون الواجب تبارك وتعالى موجَبا في افعاله .
ولكن بهذا المقدار تبقى المقاطعة بين الجبر وبين الامرين الى حد ما مجملة فتحتاج الى تقريب وبيان فنقول :
اما منافاة عموم قدرته سبحانه مع اختيار الانسان فتقريرها بالسير والتقسيم كالتالي :
افعال الانسان الاختيارية هل نفس الانسان موجد لها ام الواجب ؟
فان قلتم : الانسان موجود لإفعاله فيلزمكم تحديد قدرته تعالى بما عدا افعال الانسان .
وإن قلتم : الموجِد لها هو الله تعالى فيلزمكم الجبر ، فهذان خياران احلاهما مرٌ كما يقال .!!
واما بالنسبة لإفعاله سبحانه ولزوم ايجاب الفعل عليه لعموم قدرته فبيانه كالتالي :
حيث انا الله واجب الوجود بالذات فإليه تنتهي سلسلة الموجودات جميعا ذاتا وافعالا وآثارا ،ومن جملة ذلك افعال الانسان والسبب في ذلك هو قاعدة ( كل ما بالغير لا بد ان ينتهي الى ما بالذات ) فافعالنا واجبة الوجود بالغير وواجب الوجود بالغير لابد ان ينتهي الى الواجب بالذات وهو الله سبحانه والا فلن توجد لان الشيء ما لم يجب لم يوجد فاذا رجعت اليه تعالى تكون واجبة الوجود لانها ستصبح فعله وفعله واجب الوجود وليس ممكن الوجود وعليه فيكون سبحانه وتعالى فاعلا موجَبا في فعله اي مجبرا اذ الفعل سيكون حتمي الوقوع .!!
ولكن عند التدقيق في هذه المقاطعة الثنائية ستنهار وتصبح سرابا يحسبه الظمآن ماءً حتى اذاجاءه لم يجده شيئا بالبيان التالي :
اما بالنسبة الى افعال الانسان فالقدرة الالهية انما تتعلق بها بضمية اختيار الانسان (فعل الانسان + الاختيار ) فيكون اختيار الانسان احد اجزاء العلة التامة لوجود الفعل فاذا فقد احد اجزاء العلة التامة فلن يوجد المعلول والسلام .!
واما بالنسبة الى الله تعالى فالجواب اسهل من سابقه ويكفي هنا ان انقل جملة مختصرة تلخص لنا الاجابة وهي للعلامة الطباطبائي في البداية حيث يقول :
( ..ويتبين بما تقدم انه تعالى مختار بالذات اذ لا اجبار إلا من امر وراء الفاعل يحمله على خلاف ما يقتضيه او على ما لا يقتضيه وليس وراءه تعالى الا فعله والفعل ملائم لفاعله فما فعله من فعل هو الذي تقتضيه ذاته ويختاره بنفسه .) إهــ الفصل السادس من المرحلة الثانية عشر .. وحاصل ما افاده قدس سره : هو ان الفرضية المذكورة في المشكل لا تنطبق عليه تعالى اذ لا شيء وراءه حتى يجبره وكما يقول المثل :
وما وراء عبادان من قرية . وانتزاع الوجوب انما هو من الفعل ـ فعل الانسان ـ الذي هو متأخر رتبة عن الفاعل وهو الله تعالى ولا يمكن ان يؤثر المتأخر في المتقدم .
المحورالرابع والاخير : اشكالات على القدرة الالهية

بعد ان اردت ان اكتب المحور الرابع والاخير من هذا المقال المختصر تذكرتُ ان العلامة السبحاني قد تعرض الى ما اريد ان ارمياليه و بشكل جيد ولهذا رأيت ان انقل كلامه بطوله في هذا المجال حيث طرح بحثا بعنوان أَسئلة وأَجوبتها في كتابه المفيد "الالهيات " في صفحة ١٤٤ حيث قال :
"إِنا لقائلين بعموم قدرته سبحانه قوبلوا بعدة أَسئلة نطرحها ثم نحللها ، وهذه هي الأسئلة :
١ـ هل يقدرسبحانه على خلقِ مِثْلِهِ ؟ فلو أُجيب بالإِيجاب لزم افتراضُ الشريك له سبحانه ، ولو أُجيب بالنفي ثَبَت ضِيقُ قدرته وعدم عمومها.
٢ـ هل هو قادرعلى أَنْ يجعل العالم الفسيحَ في البيضة من دون أَن يَصْغُرحجم العالم أَو تَكْبُر البيضة ؟ فإِنْ أُجيب بالإِيجاب لزم خلاف الضرورة وهو كون المظروف أَكبر من الظرف وإِنْ أُجيبب النَّفي لزم عدم عموم قدرته.
٣ـ هل يمكنه سبحان أنْ يُوجد شيئاً لا يقدر على إفنائِه ؟ فإنْ أُجيب بالإِيجاب لزم عدمُ سعة قدرته حيث لا يقدر على إِفنائه. وإِنْ أُجيب بالسلب لزم أَيضاً عدم عموم قدرته. ففي هذا السؤال يلزم من الجواب ،إِيجاباً وسلباً ، ضِيقُ قدرته.هذه هي الأسئلة ، وأَمّا الإِجابةعنها فبوجهين تارة بالإِجمال وأخرى بالتفصيل.

أما الإِجمال : فلأن المدَّعَى هو تعلق قدرته بالممكن بالذات وما ورد في هذه الأَسئلة ليست أُموراً ممكنة بالذات بل كلُّها إِمَّا محال بالذات أَو شيء يستلزم ذلك المحال.
ولايُعَدّ عدمُ القدرة عليها نقصاً في الفاعل. فعدم قدرة الخياط على خياطة القميص من الآجُرّ ، وعدم قدرةِ الرسام على رسم صورة الطاووس على الماء لايعد نقصاً في قدرتهما. وهذامثلما إِذا طلبنا من عالم رياضي ماهر أَنْ يجعل نتيجة (٢×٢)خمسة. وعلى هذا الأَساس لا ينحصر السؤال في ماذُكر ، بل كل ما لا يكون ممكناً بالذات لا يقع في إِطار القدرة لقُصورفيه لا لقصور في القدرة.
وأما الجواب التفصيلي عن الأسئلة الثلاثة فإليك بيانه :
أما الأول ،فلأن المِثْلَ مَحال بالذات أنْ يقع في إِطار القدرة والمطالبة بخلقِه ،مطالبة بأَمر محال.

وببيان آخر ، إِنَّ القيام بخلق المِثْل يستلزم اجتماع الضدين في شيء واحد ، فبما أنّ المُفْتَرَضَ وجوده مِثْلُه سبحانه ،يجب أنْ يكون واجباً لا ممكناً ،قديماً لاحادثاً ، غير متناهٍ لا متناهٍ. وبما أنَّه تعلقت به القدرة وهي لا تتعلق إلا ّبشيء غير موجود ، يجب أنْ يكون حادثاً لاقديماً ، ممكناً لا واجباً ، متناهياً لاغير متناهٍ. وهذا ما قلناه من أنه يستلزم اجتماع الضدين في شيء واحد .

وبهذا تتبين الإِجابة عن السؤال الثاني.فإِنَّ عدم تعلق القدرة بجعل الشيء الكبير في الظرف الصغير ، هو من جهة كونه غيرممكن في حد ذاته. إذ البداهة تحكم بأَنَّ الظرف يجب أَن يكون أَكبر من مظروفه ،هذا من جانب ومن جانب آخر ،لو جعل الكبير في الظرف الصغير يلزم نقيضُه أَيْ كون الظرف أَصغر من مظروفه.فالقيامُ بهذا الإِيجاد يستلزم كونَ شيءٍ واحدٍ أعني الظرفَ أو المظروفَ في آن واحد صغيراً وكبيراً.
وأما السؤال الثالث ، فلأن المفترض محال لاستلزامه المحال بالذات ، ففرض خلقه سبحانه شيئاً لايقدر الخالق على إفنائه ، لاينفك عن المحال ، بيانه : إِنَّا لشيء المذكور بما أَنَّه أَمر ممكن فهو قابل للفناء ، وبما أَنَّه مُقَيَّد بعدم إِمكان إِفنائه فهو واجب غير ممكن.فتصبح القضية كونَ شيء واحد ممكناً وواجباً ،قابلاً للفناء وغير قابل له.
وبعبارة أُخرىٰ : إِنَّ كونه مخلوقاً يلازم إِمكان إِفنائه ، لأَن المخلوق قائم بالخالق فلو قُطِعت صلتُه بهلزم انعدامه ،وكونه غير قابل للإِفناء يستلزم أَنْ لايكون مخلوقاً ، فالمفروض في السؤال يستلزم تحققه ـ على الفرض ـ اجتماع النقيضين.وبهذا تَقْدِرُ على الإِجابةعلى نظائر هذه الأَسئلة مثل أَنْ يقال : هل الله قادر على خلق جسم لا يقدرعلى تحريكه ؟ فإِنَّ هذا من باب الجمع بين المتناقضين.

فإِنَّ فرض كونه مخلوقاً يلازم كونه متناهياً ، قابلاً للتحريك. وفي الوقت نفسه فرضنا أَنَّه سبحانه غيرُ قادرعلى تحريكه !!إِنَّ هذه الفروض وأَمثالها لا تضرّ بعموم القدرة ، وإِنما يَغْتَرُّ بها بُسطاء العقول من الناس ، وأَما أهل الفضل والكمال فأَجلّ من أنْ يخفى عليهم جوابها." اهـ ـ ص ١٤٦ ، وقد اجاد حفظه الله فيما افاد .
وهناك اشكالات اخرى قد تعرض لها بعد هذه الاسئلة فمن اراد الرجوع اليها فاليرجع الى ما بعد ما نقلناه عنه وانما لم انقله هنا خشية الاطالة .
والحمد لله رب العالمين

****************************