لبيب بيضون
(عند نهر النهروان في العراق )
مدخل :
بعد ان أنهزم معاوية في موقعة صفين انهزاما ذريعا ، وقد كاد ان يفنى جيشه ، أشار عليه عمروبن العاص برفع المصاحف على الرماح . فقامت فئة من جيش الامام علي ( ع ) تدعوه الى التحكيم وهم الخوارج . ودفعوا بأبي موسى الأشعري حكما في وجه عمروبن العاص . فحذرهم الامام ( ع ) من خديعة التحكيم وأنها حيلة كاذبة .
فلما أصروا على رأيهم ، قال لهم : اذا كان لا بد من التحكيم فليكن لعبد اللّه بن عباس ، دون أبي موسى الاشعري ، لان الاشعري رجل مغفل أحمق ، وكانت سمعته عند الامام ( ع ) غير حسنة .
ولكن الخوارج هددوا الامام ( ع ) بالخروج عليه أذا لم يقبل بشروطهم كاملة . فلما التقى الحكمان تمت خديعة عمروبن العاص لأبي موسى الاشعري كما توقع الامام ( ع ) . فقام الخوارج يلومون الامام ( ع ) على قبوله التحكيم ، وهم الذين ألزموه به ، فظهر بذلك نفاقهم .
وقالوا : ان عليا كفر منذ ان قبل بالتحكيم . وكانت اول عملية قام بها الامام ( ع ) بعد الانتهاء من صفين ، أن جهز جيشا لقتال الخوارج ، والتقى بهم في معركة النهروان ، وأفناهم عن بكرة أبيهم ، ولم يفلت منهم اكثر من عشرة .
الخوارج التحكيم وأبوموسى الأشعري
قال الامام علي ( ع ) :
بعد التحكيم وبعد ما بلغه من أمر الحكمين : أمّا بعد ، فإنّ معصية الناصح الشّفيق العالم المجرّب ، تورث الحسرة وتعقب النّدامة . وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ، ونخلت لكم مخزون رأيي ، لوكان يطاع لقصير أمر ( قصير : هومولى جذيمة المعروف بالابرش ، وكان حاذقا . وقد أشار على سيده جذيمة أن لا يأمن للزباء ملكة تدمر ، فخالفه وقصدها بناء على دعوتها لزواجه ، فقتلته ) فأبيتم عليّ إباء المخالفين الجفاة ، والمنابذين العصاة . حتّى أرتاب النّاصح بنصحه ، وضنّ الزّند بقدحه . فكنت أنا وإيّاكم كما قال أخوهوازن :
أمرتكم أمري بمنعرج اللّوى ***** فلم تستبينوا النّصح إلاّ ضحى الغد ( الخطبة ٣٥ ، ٩٣ )
ومن كلام له ( ع ) في الخوارج لما سمع قولهم (لاحكم إلاّ للّه) قال عليه السلام : كلمة حقّ يراد بها باطل نعم إنّه لا حكم إلاّ للّه .ولكنّ هؤلاء يقولون :لا إمرة إلاّ للّه ،وإنّه لا بدّ للنّاس من أمير . .وفي رواية أخرى انه (ع ) لما سمع تحكيمهم قال:حكم اللّه أنتظر فيكم .(الخطبة ٤٠ ، ٩٨ )
ومن كلام له ( ع ) كلم به الخوارج حين اعتزلوا الحكومة وتنادوا : ( الا حكم إلاّ للّه ) وشرطوا عليه في دعوتهم الى طاعته ان يعترف بأنه كان قد كفر ثم آمن : أصابكم حاصب ، ولا بقي منكم آبر . أبعد إيماني باللّه ، وجهادي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أشهد على نفسي بالكفر لَقَدْ ضَلَلْتُ إذاً ومَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ فأوبوا شرّ مآب ، وارجعوا على أثر الأعقاب . أما إنّكم ستلقون بعدي ذلاّ شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة يتّخذها الظّالمون فيكم سنّة . ( الخطبة ٥٨ ، ١١٣ )
وقال ( ع ) في الخوارج : لا تقاتلوا الخوارج بعدي ( يقصد ابناء الخوارج وأحفادهم ) ، فليس من طلب الحقّ فأخطأه ( يعني الخوارج ) كمن طلب الباطل فأدركه(يعني معاوية واصحابه) .( الخطبة ٥٩ ، ١١٥ )
ومن كلام له ( ع ) بعد ليلة الهرير ، وقد قام اليه رجل من اصحابه فقال : نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها ، فلم ندر أي الامرين أرشد ؟ فصفق عليه السلام احدى يديه على الاخرى ثم قال : هذا جزاء من ترك العقدة . أما واللّه لوأنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الّذي يجعل اللّه فيه خيرا ، فإن استقمتم هديتكم ، وإن اعوججتم قوّمتكم ، وإن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى . ولكن بمن وإلى من ؟ أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي ، كناقش الشّوكة بالشّوكة ، وهويعلم أنّ ضلعها معها . اللّهمّ قد ملّت أطباء هذا الدّاء الدّويّ ، وكلّت النّزعة بأشطان الرّكيّ . . إنّ الشّيطان يسنّي لكم طرقه ، ويريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة ، ويعطيكم بالجماعة الفرقة وبالفرقة الفتنة . فأصدفوا عن نزغاته ونفثاته ، واقبلوا النّصيحة ممّن أهداها إليكم ، واعقلوها على أنفسكم . ( الخطبة ١١٩ ، ٢٢٩ )
ومن كلام له ( ع ) قاله للخوارج وقد خرج الى معسكرهم وهم مقيمون على انكار الحكومة ، فقال عليه السلام : أكلّكم شهد معنا صفّين ؟ فقالوا : منّا من شهد ومنّا من لم يشهد . قال : فامتازوا فرقتين ، فليكن من شهد صفّين فرقة ، ومن لم يشهدها فرقة ، حتّى أكلّم كلا منكم بكلامه . ونادى النّاس فقال : أمسكوا عن الكلام ، وأنصتوا لقولي ، وأقبلوا بأفئدتكم إليّ ، فمن نشدناه شهادة فليقل بعلمه فيها . ثمّ كلّمهم عليه السّلام بكلام طويل ، من جملته أن قال عليه السّلام : ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ، ومكرا وخديعة : إخواننا وأهل دعوتنا ، استقالونا واستراحوا إلى كتاب اللّه سبحانه ، فالرّأي القبول منهم والتّنفيس عنهم . فقلت لكم : هذا أمر ظاهره إيمان وباطنه عدوان . وأوّله رحمة ، وآخره ندامة . فأقيموا على شأنكم ، والزموا طريقتكم ، وعضّوا على الجهاد بنواجذكم . ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق : إن أجيب أضلّ ، وإن ترك ذلّ . وقد كانت هذه الفعلة ، وقد رأيتكم أعطيتموها . واللّه لئن أبيتها ما وجبت عليّ فريضتها ، ولا حمّلني اللّه ذنبها . وواللّه إن جئتها إنّي للمحقّ الّذي يتّبع . وإنّ الكتاب لمعي ، ما فارقته مذ صحبته . فلقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وإنّ القتل ليدور على الآباء والأبناء والإخوان والقرابات ، فما نزداد على كلّ مصيبة وشدّة إلاّ إيمانا ، ومضيّا على الحقّ ، وتسليما للأمر ، وصبرا على مضض الجراح . ولكنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزّيغ والإعوجاج والشّبهة والتّأويل . فإذا طمعنا في خصلة يلمّ اللّه بها شعثنا ، ونتدانى بها إلى البقيّة فيما بيننا ، رغبنا فيها وأمسكنا عمّا سواها . ( الخطبة ١٢٠ ، ٢٣٠ )
ومن كلام له ( ع ) في التحكيم وذلك بعد سماعه لأمر الحكمين : إنّا لم نحكّم الرّجال ، وإنما حكّمنا القرآن . هذا القرآن إنّما هوخطّ مستور بين الدّفّتين ، لا ينطق بلسان ، ولا بدّ له من ترجمان . وإنّما ينطق عنه الرّجال . ولمّا دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا القرآن ، لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب اللّه سبحانه وتعالى ، وقد قال اللّه سبحانه : فَإنْ تَنَازَعْتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللّهِ والرَّسُولِ . فردّه إلى اللّه أن نحكم بكتابه ، وردّه إلى الرّسول أن نأخذ بسنّته . فإذا حكم بالصّدق في كتاب اللّه ، فنحن أحقّ النّاس به ، وإن حكم بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فنحن أحقّ النّاس وأولاهم بها . وأمّا قولكم : لم جعلت بينك وبينهم أجلا في التّحكيم ؟ فإنّما فعلت ذلك ليتبيّن الجاهل ويتثبّت العالم . ولعلّ اللّه أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمّة ، ولا تؤخذ بأكظامها ، فتعجل عن تبيّن الحقّ ، وتنقاد لأوّل الغيّ . إنّ أفضل النّاس عند اللّه من كان العمل بالحقّ أحبّ إليه وإن نقصه وكرثه من الباطل ، وإن جرّ إليه فائدة وزاده . فأين يتاه بكم ومن أين أتيتم استعدّوا للمسير إلى قوم حيارى عن الحقّ لا يبصرونه ، وموزعين بالجور ( أي أغراهم الظلم ) لا يعدلون به . جفاة عن الكتاب ، نكب عن الطّريق . ما أنتم بوثيقة يعلق بها ، ولا زوافر عزّ يعتصم إليها . لبئس حشّاش نار الحرب أنتم أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا ، يوما أناديكم ويوما أناجيكم ، فلا أحرار صدق عند النّداء ، ولا إخوان ثقة عند النّجاء . ( الخطبة ١٢٣ ، ٢٣٤ )
ومن كلام له ( ع ) وفيه يبين بعض أحكام الدين ، ويكشف للخوارج الشبهه وينقض حكم الحكمين : فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّي أخطأت وضللت ، فلم تضلّلون عامّة أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله بضلالي ، وتأخذونهم بخطئي ، وتكفّرونهم بذنوبي سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء والسّقم ، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب . وقد علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رجم الزّاني المحصن ، ثمّ صلّى عليه ، ثمّ ورّثه أهله . وقتل القاتل وورّث ميراثه أهله . وقطع السّارق وجلد الزّاني غير المحصن ، ثمّ قسم عليهما من الفيء ، ونكحا المسلمات . فأخذهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بذنونهم ، وأقام حقّ اللّه فيهم ، ولم يمنعهم سهمهم من الإسلام ، ولم يخرج أسماءهم من بين أهله « كان من زعم الخوارج ان من أخطأ وأذنب فقد كفر ، فأراد الامام ( ع ) أن يقيم الحجة على بطلان زعمهم بما رواه عن النبي ( ص ) » . ثمّ أنتم شرار النّاس ومن رمى به الشّيطان مراميه ، وضرب به تيهه . وسيهلك فيّ صنفان : محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحقّ ، وخير النّاس فيّ حالا النّمط الأوسط فالزموه . والزاموا السّواد الأعظم فإنّ يد اللّه على الجماعة . وإيّاكم والفرقة فإنّ الشّاذّ من النّاس للشيطان ، كما أنّ الشّاذّ من الغنم للذّئب . ألا من دعا إلى هذا الشّعار فاقتلوه . ولوكان تحت عمامتي هذه . فإنّما حكّم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن . وإحياؤه الاجتماع عليه ، وإماتته الافتراق عنه . فإن جرّنا القرآن إليهم اتّبعناهم ، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا . فلم آت لا أبا لكم بجرا ( أي أمرا وشرا عظيما ) ، ولاختلتكم عن أمركم ، ولا لبّسته عليكم . إنّما اجتمع رأي ملئكم على اختيار رجلين ، أخذنا عليهما أن لا يتعدّيا القرآن ، فتاها عنه ، وتركا الحقّ وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما فمضيا عليه . وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكومة بالعدل والصّمد للحقّ سوء رأيهما ، وجور حكمهما . ( الخطبة ١٢٥ ، ٢٣٦ )
ومن كلام له ( ع ) في معنى الحكمين : فأجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يجعجعا عند القرآن ( أي يقيما ) ، ولا يجاوزاه ، وتكون ألسنتهما معه وقلوبهما تبعه ، فتاها عنه ، وتركا الحقّ وهما يبصرانه .
وكان الجور هواهما ، والاعوجاج رأيهما . وقد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل والعمل بالحقّ ، سوء رأيهما وجورحكمهما (أي أن وصية الامام (ع ) لهما بأن لا يحكما الا بالعدل ،كانت سابقة لمخالفتهما هذا الشرط ) ،والثّقة في أيدينا لأنفسنا ،حين خالفا سبيل الحقّ ،وأتيا بما لا يعرف من معكوس الحكم .(الخطبة ١٧٥ ، ٣١٨ )
وقال ( ع ) في قوم من جند الكوفة لحقوا بالخوارج لينضموا اليهم : بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ أما لوأشرعت الأسنّة إليهم ، وصبّت السّيوف على هاماتهم ، لقد ندموا على ما كان منهم . إنّ الشّيطان اليوم قد استفلّهم ( أي دعاهم الى الانهزام عن الجماعة ) وهوغدا متبرّيء منهم ، ومتخلّ عنهم . فحسبهم بخروجهم من الهدى ، وارتكاسهم في الضّلال والعمى ، وصدّهم عن الحقّ ، وجماحهم في التّيه . ( الخطبة ١٧٩ ، ٣٢٢ )
وقال ( ع ) للبرج بن مسهر الطائي وكان من الخوارج ، وقد سمعه يقول : لا حكم الا للّه : أسكت قبّحك اللّه يا أثرم ، فواللّه لقد ظهر الحقّ ، فكنت فيه ضئيلا شخصك ، خفيّا صوتك ، حتّى إذا نعر الباطل (أي صاح ) نجمت ( أي ظهرت ) نجوم قرن الماعز . ( الخطبة ١٨٢ ، ٣٣٣ )
وقال ( ع ) يذكر ذا الثدية من رؤساء الخوارج : ألا وقد قطعتم قيد الإسلام ، وعطّلتم حدوده ، وأمتّم أحكامه . ألا وقد أمرني اللّه بقتال أهل البغي والنّكث والفساد في الأرض . فأمّا النّاكثون فقد قاتلت ، وأمّا القاسطون فقد جاهدت ، وأمّا المارقة فقد دوّخت . وأمّا شيطان الرّدهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه ورجّة صدره . وبقيت بقيّة من أهل البغي . ولئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم ( أي لأمحقنهم ) إلاّ ما يتشذّر ( أي يتفرق ) في أطراف البلاد تشذّرا . ( الخطبة ١٩٠ ، ٤ ، ٣٧٢ )
ومن كلام له ( ع ) لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة : أيّها النّاس ، إنّه لم يزل أمري معكم على ما أحبّ ، حتّى نهكتكم الحرب . وقد واللّه ، أخذت منكم وتركت ، وهي لعدوّكم أنهك . لقد كنت أمس أميرا ، فأصبحت اليوم مأمورا . وكنت أمس ناهيا ، فأصبحت اليّوم منهيّا . وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون . ( الخطبة ٢٠٦ ، ٣٩٩ )
ومن كلام له ( ع ) في شأن الحكمين : ألا وإنّ القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم ممّا تحبّون . وإنّكم اخترتم لأنفسكم أقرب القوم ممّا تكرهون . وإنّما عهدكم بعبد اللّه بن قيس ( وهوأبوموسى الاشعري ) بالأمس يقول « إنّها فتنة فقطّعوا أوتاركم ، وشيموا سيوفكم » فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره ، وإن كان كاذبا فقد لزمته التّهمة . فادفعوا في صدر عمروبن العاص بعبد اللّه بن العبّاس ، وخذوا مهل الأيّام ، وحوطوا قواصي الإسلام . ألا ترون إلى بلادكم تغزى ، وإلى صفاتكم ترمى ( الخطبة ٢٣٦ ، ٤٣٨ )
ومن وصية له ( ع ) لعبد اللّه بن العباس ، لما بعثه للاحتجاج الى الخوارج : لا تخاصمهم بالقرآن ، فإنّ القرآن حمّال ذووجوه ( أي يحمل معاني كثيرة ) . تقول ويقولون . ولكن حاججهم بالسّنّة ، فإنّهم لن يجدوا عنها محيصا ( أي مهربا ) . ( الخطبة ٣١٦ ، ٥٦٣ )
ومن كتاب له ( ع ) الى أبي موسى الاشعري جوابا في أمر الحكمين : فإنّ النّاس قد تغيّر كثير منهم عن كثير من حظّهم ( يقصد به حظهم الحقيقي وهونيل السعادة بنصرة الحق ) ، فمالوا مع الدّنيا ونطقوا بالهوى . وإنّي نزلت من هذا الأمر ( أي الخلافة ) منزلا معجبا ( أي موجبا التعجب ) ، اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم . فإنّي أداوي منهم قرحا ( مجاز عن فساد ضمائرهم ) أخاف أن يكون علقا ( أي ان يكون صار في الجرح دما غليظا جامدا تصعب معه مداواة الجرح ) . وليس رجل فاعلم أحرص على أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وألفتها منّي ، أبتغي بذلك حسن الثّواب وكرم المآب . وسأفي بالّذي وأيت على نفسي ( أي أخذت عليها ) . وإن تغيّرت عن صالح ما فارقتني عليه ، فإن الشّقيّ من حرم نفع ما أوتي من العقل والتّجربة ، وإنّي لأعبد ( أي أغضب ) أن يقول قائل بباطل ( أي يغضبني قول الباطل ) ،وأن أفسد أمرا قد أصلحه اللّه .فدع ما لا تعرف ،فإنّ شرار النّاس طائرون إليك بأقاويل السّوء ،والسّلام .(الخطبة ٣١٧ ، ٥٦٣ )
وقال ( ع ) في الذين اعتزلوا القتال معه : خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل . ( ١٧ ح ، ٥٦٧ )
وسمع ( ع ) رجلا من الحرورية ( وهم الخوارج الذين خرجوا عليه بحروراء ) يتهجد ويقرأ ، فقال ( ع ) : نوم على يقين ، خير من صلاة في شكّ . ( ٩٧ ح ، ٥٨٢ )
وقال ( ع ) لما سمع قول الخوارج « لا حكم الا للّه » : كلمة حقّ يراد بها باطل . ( ١٩٨ ح ، ٦٠٢ )
تكلم الامام ( ع ) في أمر ، فقال رجل من الخوارج « قاتله اللّه كافرا ما أفقهه » . فوثب القوم ليقتلوه . فقال عليه السلام : رويدا ، إنّما هوسبّ بسبّ ، أوعفوعن ذنب . ( ٤٢٠ ح ، ٦٥١ )
موقعة النهروان
قال الامام علي ( ع ) :
في تخويف أهل النهروان : فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النّهر ، وبأهضام هذا الغائط ( الغائط : ما سفل من الارض ) . على غير بيّنة من ربّكم ، ولا سلطان مبين معكم : قد طوّحت بكم الدّار ، واحتبلكم المقدار . وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة ، فأبيتم عليّ إباء المخالفين المنابذين ، حتّى صرفت رأيي إلى هواكم ، وأنتم معاشر أخفّاء الهام ( كناية عن خفة العقل ) ، سفهاء الأحلام . ولم آت لا أبا لكم بجرا ، ولا أردت لكم ضرّا . ( الخطبة ٣٦ ، ٩ )
وقال ( ع ) لما عزم على حرب الخوارج ، وقيل له ان القوم عبروا جسر النهروان : مصارعهم دون النّطفة ( أي ماء النهر ) واللّه لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة . ( الخطبة ٥٨ ، ١١٤ )
وقال ( ع ) لما قتل الخوارج ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، هلك القوم بأجمعهم ، فقال : كلاّ واللّه ، إنّهم نطف في أصلاب الرّجال ، وقرارات النّساء كلّما نجم ( أي ظهر ) منهم قرن قطع ، حتّى يكون آخرهم لصوصا سلاّبين . ( الخطبة ٥٨ ، ١١٥ )
أمّا بعد حمد اللّه ، والثّناء عليه . أيّها النّاس ، فإنّي فقأت عين الفتنة ( يعني الخوارج ) ولم يكن ليجتريء عليها أحد غيري ، بعد أن ماج غيهبها ( أي ظلمتها ) ، واشتدّ كلبها . ( الخطبة ٩١ ، ١٨٣ )
وقال ( ع ) وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهروان : بؤسا لكم ، لقد ضرّكم من غرّكم . فقيل له : من غرّهم يا أمير المؤمنين ؟ فقال : الشّيطان المضلّ ، والأنفس الأمّارة بالسّوء ، غرّتهم بالأمانيّ ، وفسحت لهم بالمعاصي ،ووعدتهم الإظهار ، فاقتحمت بهم النّار .( ٣٢٣ ح ، ٦٣١ )
من كتاب تصنيف نهج البلاغة