وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
نداء لأمة الإسلام‏ (كلمة صبحي الصالح في نهج البلاغة)

نداء لأمة الإسلام
إن حبي للإمام عليّ عليه السلام، ولآل البيت الطيبين الطاهرين، ولكل مجاهد مخلص يرفع راية الإسلام، ليدعوني اليوم- وقد منّ اللّه عليّ بخدمة (النهج) ابتغاء وجهه الكريم- لمناشدة المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها إلى الانضواء تحت لواء التوحيد، فلقد تعاقب على مصرع إمام الهدى ومصرع ابنه شهيد كربلاء أكثر من ثلاثة عشر قرنا انفصمت خلالها بين المسلمين عرى الوحدة، وكثرت الفرق، وتشعّت الآراء، وإنّ على المؤرّخ المنصف اليوم- بأي مذهب أخذ، وإلى أي فرقة انتمى- أن يكشف الحقائق لا انتصارا لفريق على فريق، بل دعوة خيّرة إلى تناسي تلك المآسي الداميات.
ألا وإن الوحدة بين جميع المسلمين- في ظل دين التوحيد- كانت في أشدّ الفتن اضطراما وفي أشدّ الظروف سوادا وقتاما، أصلا جامعا كبيرا بين أفراد الأمة كلها، فها هوذا القرآن يسرد طائفة من قصص الرسل في سورة الأنبياء ثمّ يخاطب أمة الإسلام قائلا: «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ»، ثمّ يوضح في سورة المؤمنين أنّه قد خاطب جميع الأنبياء بهذه الوحدة الجامعة للأمة: «يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحاً، إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ».
إن الانقسام المذهبي بين المسلمين قد ارتدى- في نظرنا- لبوس نزاع سياسي قديم يعدّه اليوم عقلاء السنّة والشيعة عندنا «متحفيّا» إلى أبعد الحدود.
ولقد انقشعت السحب الخفاف العوابر- في السنين الأخيرة- بين أبناء هذه العقيدة السمحة الواحدة، بما اتخذه المسئولون الكبار في مختلف البلدان الإسلامية من خطوات إيجابية نحوالتقارب والتوحيد. فها هوذا الأزهر الشريف يدرّس في معاهده وكلياته العظمى الفقه الجعفري، وعقائد الشيعة الإماميّة، جنبا إلى جنب مع مذاهب الإسلام المختلفة في العقيدة والشريعة، مؤكدا للمسلمين جميعا أن الإسلام فوق الفرق والشيع والمذاهب كلها، وأن معالم العقيدة الدينية مبرّأة من التعقيد، وأن طبيعتها تقتضي إيجاد الحلول العملية الإيجابية التي تحرّك الوجدان، وتستجيش الضمير، وتدفع بالطاقات البشرية إلى البناء والتعمير، على هدي‏ من الفكر النيّر والمنطق السليم: فلا مكان في هذه التشريعات والعقائد للثرثرة الفارغة والجدل العقيم!
إن على علماء المسلمين اليوم- من أي مذهب كانوا- أن يستذكروا الكلمات الحلوة العذاب، التي توحّد الصف، وتلمّ الشعث، وترأب الصدع، حتى نعتصم جميعا بحبل اللّه غير متفرّقين.
وأود أن يعلم إخواننا من شيعة عليّ عليه السلام أن مكانة الإمام من ابن عمّه الرسول الكريم لا يجهلها مسلم، وأن الأحاديث النبويّة التي تصف منزلته الخصيصة لا يحصيها المحصون، ولكن الناس أعداء ما جهلوا كما قال عليّ كرّم اللّه وجهه.
إنّ ممّا أفضى به الإمام إلى عشيرته قوله: (أما وصيتي: فاللّه لا تشركوا به شيئا، ومحمّدا فلا تضيّعوا سنّته. أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين).
ولما حاول القوم إطفاء نور اللّه من مصباحه، وسدّ فوّاره من ينبوعه، وجدحوا بين عليّ وبينهم شربا وبيئا، وأقبل الظالم منهم مزبدا كالتيّار لا يبالي ما غرّق، أوكوقع النار في الهشيم لا يحفل ما حرّق، ولما رأى أول القوم قائدا لآخرهم، وآخرهم مقتديا بأولهم، يتنافسون في دنيا دنيّة، ويتكالبون على جيفة نتنة، نبّه الأتباع والمتبوعين وهتف بهم:
(عما قليل ليستبرّ أنّ التابع من المتبوع، والقائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء، ويتلاعنون عند اللقاء) بينما هتف بأصحابه يدعوهم إلى وحدة الكلمة: (الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة، واقدموا على اللّه مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين).
بل أنشأ الإمام عليه السلام يصنّف الناس في موقفهم منه أصنافا، تهدئة للمشاعر الثائرة، وكبحا لجماح النفوس: إنّه هوالذي قال: (إن الناس من هذا الأمر إذا حرّك على أمور:
فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتّى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها) .
وحتّى يوم صفّين لم يكن يشغل باله ويقلق خاطره إلّا تفرّق الأمة وضياع الدين، ففي خطابه لأصحابه يومذاك قال: (ألا وإنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم) .
وكان يخشى على أصحابه- إن أفرطوا في حبّه- أن يضيعوا دينهم، وعلى أعدائه- إن أفرطوا في بغضه- أن يخسروا كل شي‏ء: (هلك فيّ رجلان: محبّ غال، ومبغض قال).
وفي خطابه للخوارج- لما أقام عليهم الحجة- أوضح هذا الكلام الموجز بعبارة مفصّلة بليغة حين قال: (سيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحقّ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيّ حالا النمط الأوسط فالزموه، والزموا السواد الأعظم، فإن يد اللّه مع الجماعة، وإيّاكم والفرقة! فإن الشاذّ من الناس للشيطان، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب. ألا من دعا إلى مثل هذا الشعار فاقتلوه ولوكان تحت عمامتي هذه).
وبعد، فيا دعاة الوحدة بين جميع المسلمين:
(لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فمن سلك الطريق الواضح ورد الماء، ومن خالف وقع في التيه!)

بيروت، في ذكرى عاشوراء سنة ١٣٨٧ ه.
صبحي الصالح‏

****************************