وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
نسخة من نهج البلاغة ابن ناقة المُسلي الكوفي – الثالث

خُطْبَةٌ خَطَبَهَا أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ وَتُعْرَفُ بِخُطْبَةِ الأَقَالِيمِ

رَوَى أَبُو عَبْدِاللّه ِ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ سِرَاجٍ الْهُذَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقَلاَنِسِيُّ بِالرَّمْلَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ بْنِ وَهَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لُهَيْعَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ الأَصْبَغَ بْنَ نُبَاتَةَ يَقُولُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي أَصْحَابِ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام أَحْفَظُ مِنِّي لِخُطْبَةِ الوَدَاعِ ـ الَّتِي تُعْرَفُ بِخُطْبَةِ الأَقَالِيمِ وَالْبَيَانِ ـ بِالْكُوفَةِ: إنَّهُ عَهِدَ إِلَيَّ ـ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ وَآلِهِ ـ أَنِّي خَاطِبٌ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ خُطْبَةً مُبَيِّنَةً، فِيهَا بَعْضُ مَا عَهِدَهُ إلَيَّ أَخِي وَابْنُ عَمِّي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله، فَاحْفَظْهَا عَنِّي يَا أَصْبَغُ وَ عِهَا بِعَقْلِكَ وَحَظِّكَ[١]، فَتَأَهَّبْتُ لِذلِكَ، فَلَمْ يَلْفِظْ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِلَفْظَةٍ إلاَّ كَتَبْتُهَا، وَلَقَدْ كَتَبَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ فَقَابَلْتُهُمْ، فَمَا زَادَ عَمَّا مَعِي أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئاً.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ [ أبي ][٢] سِنَانٍ: فَسَمِعْتُهَا مِنَ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ مِنْ فِيهِ إِلى أُذُنِي، وَعَرَّفَنِي وَالِدِي الْعَبَّاسُ بْنُ مَأْمُونٍ أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ البَرْقَعِيدِي، فَمَضَى أبي إلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْهَا فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَهُ بِهَا، وَقَرَأْتُ أَنَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْخُطْبَةَ فَقَالَ: هِيَ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ مِمَّا عِنْدِي. فَعَرَضْتُ أَنَا هَذِهِ الْخُطْبَةَ عَلَى أَبِيبَكْرٍ عَمْرِو بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ الْمِنْبَجِيِّ، فَقَابَلَنِي بِنُسْخَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى / ۲/۲۹۹ / الأشعري قال: سَمِعتُ الأصبغَ بنَ نُباتَةَ يقولُ: رأيتُ أميرَ المؤمنينَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ ـ صلواتُ اللّه ُ عليه ـ على مِنْبَرِ الكوفَةِ مُتَقَلِّدا بِسَيفه وهو يهدّرُ كَهَدر البعير وزجرة كَزَجْرة المطعون، والناسُ يَدخُلونَ مِنْ أبوابِ المسجد حتى غصَّ المَسجدُ بالناسِ: وارْتَفَعَتِ الأصواتُ، وكَثُرَ الكلامُ، وازْدَحَمَتِ الصُّفوفُ، وأميرُ المؤمنين عليه السلام جالسٌ على المِنْبَرِ يُطْرِقُ إلى الأرض مُفِكِّرا في نفسه حتّى هُدَّتِ الأصْواتُ، وسَكَنَ القالُ والقيلُ، ووَقَعَ عَلى الناسِ النُّعاسُ، فَقامَ الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ عليه السلام عَلى قَدَمَيهِ، وضَرَبَ بَعرجيج[٣] السَّيفِ قائمةَ المِنْبَر فَارتاعَ لَها الناسُ، ثمّ تَنَحْنَحَ فَنَصَتوا إليه الناسُ، ثمّ نادى بعُلُوِّ صَوتِه: أَيُّهَا الناسُ، سَلُوني قبلَ أنْ تَفْقِدُوني ؛ فَإنَّ بَينَ جَنْبَيَّ عِلما جَمّا كامِلاً عَلَّمنيه رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله، فَلَو وَجَدْتُ فيكُم لَهُ حَمَلَةً لَأوعَيْتُ إليكُم عِلْما نافِعا.

ثمّ قالَ: أيّها الضالُّ الغافلُ بِغَفْلَتِهِ، ويا أيَّتها الأنعامُ المُزَعْزَعَةُ عَنْ وَطَنِها، والنّازِحةُ عَن بَلَدِها والمُغَيَّبُ عنها عَجزُ اُمُورِها، والمُكَلْكِلَةُ بِساحَتِها، والظاعِنَةُ عَن مَنازِلِها، ولو قد تَعْلَم ما يرادُ بها لَكَلَّ لِسانُها عَمَّا فِيها مِن العَجْزِ لِما هِيَ لاقِيَةٌ مِن مَصِيرِها.

فالحمد للّه المُسَبَّحِ في المَكانِ الأَفْيَحِ مِنَ العَرْشِ، الأَفْيَحِ الذي تَعَظَّمَ في تَزاخُرٍ مِن قُدَراتِ طَوافِحِ عَظَمَتِهِ ومَلَكُوتِ سُلْطانِهِ، الذي لا يُرَدُّ أَمْرُهُ، ولا يُؤمَنُ مَكْرُهُ، ولا يُنسَى ذِكْرُهُ، ولا يُؤَدَّى شُكْرُه. الذي دامَ بَذْلُه فَاتَّسَع فَضْلُه، وصَدَقَ قَولُهُ وظَهَرَ عَدْلُهُ، فَلَهُ الدِّينُ الواصِبُ والجُنْدُ الغالِبُ، والمَنُّ الراتِبُ والنُّورُ الثّاقِبُ. القَدِيمِ سُلْطانُه، المُبِينِ بُرْهَانُهُ، الشّافِي بَيانُه، ذي العِزِّ المَنِيعِ والعَرْشِ الرَّفِيعِ والخَلْقِ البَدِيعِ، أهلِ البَهاءِ والسَّناءِ والعَظَمَةِ، مُدَهِّرِ الدُّهُورِ وقاضِي المُكُورِ، ومالِكِ حَتْمِ مَواضِي الاُمُورِ، الخالقِ لما يَشاءُ، له الكِبْرِياءُ والفَضْلُ والآلاءُ والجُود والإعْطاءُ، أهْلِ المَغْفِرَةِ والتَّقْوَى، الذي رَفَعَ السماواتِ بِغَيرِ عَمَدٍ فَعَلَّقَها، وجَعَلَ الأَرْضَ فِراشا فَمَهَّدَها، والجِبالَ أَوْتادا فَأَرْسَاها، وَفَتَقَ البِحارَ فأَجراها، وأَنْشَأَ أَجْناسَ البَرايا فَذَرَأَها، وكَفَلَ الأرْزاقَ فَقَدَّرَها، وقَسَمَ الآجالَ فَوَقَّتَها، وَزَيَّنَ الجَنّةَ فَوَعَدَها، وَسَعَّرَ النارَ فَحَذَّرَها، لم يَمسَسْهُ في إنْشاءِ ذلِكَ وابْتِداعِهِ نَصَبٌ ولا لَغَبٌ، بل كانَ كُلُّ ذلك كَخَلْقِ نَفْسٍ واحِدَةٍ، دَعاها فَاسْتَجابَتْ، وأَمَرَها فَأَطاعَتْ، «يَعْلَمُ ما فِي البرِّ والبَحْرِ وما تَسقُطُ مِنْ ورقةٍ إلاّ يَعْلَمُهُا ولا /۳/۲۹۹/ حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرضِ ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلاّ في كِتابٍ مُبِينٍ».

أحْمَدُهُ قائِلٌ فاعِلٌ، وأَسْتَعيِنُه ضارِعٌ مُتَّكِلٌ، واُؤْمِنُ به مُؤمِنٌ صادقٌ، وأَتَوكَّلُ عَلَيهِ على كُلِّ حالٍ. وأشهدُ أَنْ لا إلهَ إلاّ اللّه ُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ولا ضِدَّ مَعَهُ، ولا شَكَّ فِيه، ولا مناصَ مِنْهُ، لَهُ القِدْمَةُ والدَّوامُ، وبه النَّقِمَةُ وَالاِعْتِصامُ، ومِنْهُ الإِفضالُ والإِنْعامُ.

وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المُؤتَمَنُ عَلى مَخْزونِ وَحْيِهِ، الصّادِعُ لِعزائمِ أَمرِهِ ونَهْيِهِ، الذي بَشَّرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، ونُسِخَت به المِلَلُ، سِراجٌ سَطَعَ فَأَشْرَقَتْ به الظُّلَمُ من الدُّجا، وأَنارَتْ بِه مَعالِمُ الهُدَى، فصلَّى اللّه ُ عَلَيهِ صلاةً شَرِيَفةَ الجياءِ مُنِيرَةَ الضِّياءِ، وعليهِ مِنَ اللّه ِ رَحْمَةٌ وَسَلامٌ.

أَرْسَلَهُ إلى خَلْقِهِ كافَّةً، مُهَيْمِنا عَلَى الرُّسُلِ خاصَّةً، فَسَعِدَ مَنْ سَعِدَ بِاتِّباعِهِ، وحَلَّ البَلاءُ بِمَنْ خالَفَهُ، صاحِبُ الوَجْهِ الأَقْمَرِ، والجَبينِ الأَزْهَرِ، والتاجِ والمِغفَرِ، خَيْرُ مَن حَجَّ وكَبَّر، وبالنِّكاحِ أَمَرَ، وعَنِ السِّفاحِ زَجَرَ، ذاكَ رسولُ اللّه، صلى اللّه عليه وآله الطاهرين، أَئِمَّةِ الهُدَى والمُسْلِمِينَ، وخُلَصاءِ الدِّينِ وَآلِ ياسِينَ، غَيرِ عابِدِينَ الأَوْثانَ ولا ناكِثِينَ بِالرَّحمنِ، بَلْ هُمُ الأَخْيارُ الصّالِحُونَ وأَركانُ الدِّينِ وأَئِمَّةُ المُؤْمِنِين «لِيَهْلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنةٍ ويَحْيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ»[٤] أَلا فَاسْألُونِي إلى العَشْرِ الآخِرِ مِن شَهْرِ رَمَضانَ فَإنَّكُم تَفْقِدُونِي.

قال الأَصْبَغُ بنُ نُباتَةَ: فَعلَتِ الأصْواتُ بِالبُكاءِ، فقامَ إِليهِ عَبْدُاللّه ِ بنُ الكَوّاء فقال: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أخْبِرْنا عَن قَولِ اللّه ِ عز و جل «الـم * ذَ لِكَ الْـكِتَـبُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ»[٥].

قال: نعم يا ابْنَ الكَوّاءِ، قَضَى اللّه ُ الذي هُو كائنٌ، بَعدَ السِّتِّينَ تَظْهَرُ يَومَئِذٍ الضَّغائِنُ البَدْرِيَّةُ والأَحْقادُ الاُحُدِيَّةُ، وتُؤْخَذُ الأَتْرابُ العَلَوِيَّةُ فَيُقتَلُ ابْنِي الحُسَينُ وأَوْلادُهُ بِكَرْبَلاءَ غَرِيبا ظَمْآنا، ويُهْتَكُ حَرِيمُ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله، ويُحْمَلُونَ كَسَبْيِ هِرَقْلٍ إِلَى الطُّغاةِ الكَفَرَةِ، وَبَعْدَ الثَّمانِينَ سَنَةً يَدْخُلُ المارِقُ العِراق، وبَعْدَ التِّسْعِينَ سَنَةً يَظْهَرُ الخاسِرُ الجَمُوعُ الفَجُورُ، وبَعْدَ المِئَةِ وَعَشَرَةٍ تُقْتَلُ البَرَرَةُ الطاهِرَةُ، يا وَيلَ قاتِلِها وحارِقِها! إنَّ الذِي خَلَقَها لَيَجْمعُها لِيَومٍ لا رَيْبَ فِيهِ.

ثُمَّ بَكَى أَمِيرُالمُؤْمِنينَ عليه السلام وبَكَى الناسُ.

ثمّ قال: سَيَهْدِمُ اللّه ُ مُلْكَهُمْ، ويُهْلِكُ سَادَتَهُمْ، ويُطْفِئُ نارَهُمْ. ألاَ وبَعْدَ ثَلاَثِينَ ومِئَةٍ يَنْقَضِي أَمْرُ الأَرْجاسِ بَنِي اُمَيَّةَ الأَرْكاسِ، يَأْخُذُهما رِجالٌ شِدادُ البَأس بِوَلَدٍ مِن بَنِي العَبّاسِ، مُلُوكٌ لَهُمْ صَوْلَةٌ فِيها أَقْباسٌ، فَي أَيّامٍ بَعْدَها أَنْفاسٌ، مُلْكُهُمْ ضَخْم، وظُلْمُهُمْ فَضْمٌ، تَدُومُ لَهُم أعوامٌ وأعوامٌ، وتَطْحَنُها رِجالٌ بِأَنْيابٍ وَأَضْراسٍ، كَأَنَّما اختُلِسَتْ /۳۰۰/ مِنْهُمُ اخْتِلاَسٌ، سَلَفَتْ لَهُمُ الْمُدَّةُ، وَكَثُرَتْ لَهُمُ النَّجْدَةُ، فَبِغَيْرِ دِينِ اللّه ِ كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَلِمَحَارِمِهِ كَانُوا يَنْتَهِكُونَ.

أَلاَ وَإِنَّ فِي قَوْلِ اللّه ِ عز و جل « حم عسق »[٦] بَعْدَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ مَلِكاً مِنْ وَلَدِ العَبَّاسِ تَكُونُ الْمُلُوكُ ظَلَمَةً غَشَمَةً، يُغَيِّرُونَ الْحُدُودَ، وَيَعْكُفُونَ عَلَى الْخُمُورِ، وَيَنْكِحُونَ الْحُورَ، وَيَلْعَبُونَ بِالْبُكُورِ، فَلاَ جَهَادَ يَطْلُبُونَ، وَلاَ بَيْتَ اللّه ِ يَعْمُرُونَ، وَبِسِيَرِ الْمُلُوكِ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْرِشُونَ، وَبِالْجَبَابِرَةِ يَقْتَدُونَ، فَهُمْ مَعَهُمْ يُحْشَرُونَ.

الْمُلُوكُ ظَلَمَةً غَشَمَةً، يُغَيِّرُونَ الْحُدُودَ، وَيَعْكُفُونَ عَلَى الْخُمُورِ، وَيَنْكِحُونَ الْحُورَ، وَيَلْعَبُونَ بِالْبُكُورِ، فَلاَ جَهَادَ يَطْلُبُونَ، وَلاَ بَيْتَ اللّه ِ يَعْمُرُونَ، وَبِسِيَرِ الْمُلُوكِ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْرِشُونَ، وَبِالْجَبَابِرَةِ يَقْتَدُونَ، فَهُمْ مَعَهُمْ يُحْشَرُونَ.

أَلاَ وَإِنَّ فِي قَوْلِ اللّه ِ تَعَالَى « المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ »[٧] وَهِيَ فِتْنَةٌ بِالْبَصْرَةِ وَفِتْنَةٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ يَهْلِكُ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ «وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ»[٨].

أَلاَ وَإِنَّ فِي قَوْلِ اللّه ِ تَعَالَى « الر[٩] * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ »[١٠] تَدَاوُلَ الْفِتَنِ بَعْدَ ثَلاثِمِئَةِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ تَكُونُ الْحُرُوبُ فِي الْقَبَائِلِ وَالدُّورِ، فَلاَ حُرْمَةَ لِمَسْتُورٍ وَلاَ مُفَرِّجَ عَنْ مَكْرُوبٍ.

وَبَعْدَ الثَّلاثِمِئَةٍ وَالثَّلاَثِينَ تَكُونُ السَّنَةُ الدَّهْمَاءُ، وَالصَّارِخَةُ الثَّكْلاَءُ، فِتْنَةٌ تَكُونُ بِمَكَّةَ يَدْخُلُهَا شِرَارُ الْخَلْقِ، فَيُقْتَلُ[١١] بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ، وَيُؤْخَذُ الْحَجَرُ الْمُسْتَوْدَعُ لِلنَّسَمَاتِ، فَعِنْدَهَا إيَاسُ النَّاسِ مِنْ رُجُوعِ الْحَجَرِ وَقَبُولِ الشَّهَادَاتِ، فَيَرُدُّهُ اللّه ُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ بِهَذِهِ كُوفَانِكُمْ ـ وَأَوْمَى بِيَدِهِ إلَى الْمَسْجِدِ ـ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ شِئْتُ لَأَنْبَأْتُكُم بِأَبْيَنِ البَيِّنَاتِ وَأَوْضَحِ الْبَرَاهِينِ.

فَقَامَ إلَيْهِ صَعْصَعَةُ بْنُ صَوْحَانَ وَسَهْمُ بْنُ اليَمَانِ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، وَمَالِكُ الأَشْتَرِ، وَعُمَرُ بْنُ حُجْرٍ الْخُزَاعِيُّ، وَصَالِحُ بْنُ ضَابِئٍ البُرْجُمِيُّ

فَقَالُوا: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ قَوْلَكَ تَحْيى بِهِ قُلُوبُنَا وَيَزِيدُ فِي إِيمَانِنَا.

فَقَالَ صلى الله عليه و آله: سَمِعْتُ ابْنَ عَمِّي رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ تَكْمُلُ فِي اُمَّتِي مِئَةُ خَصْلَةٍ لَمْ تَجْتَمِعْ فِي اُمَّةٍ قَبْلَهَا: يَكُونُ فِيهِمْ قَوْمٌ لَهُمْ وُجُوهٌ جَمِيلَةٌ، وَضَمَائِرُ رَدِيَّةٌ، مَنْ رَآهُمْ أَعْجَبُوهُ، وَمَنْ عَامَلَهُمْ ظَلَمُوهُ، وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ الآدَمِيِّينَ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ، هُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، وَلاَ قَبِيحٍ ارْتَكَبُوهُ. إِنْ أَنْتَ حَدَّثْتَهُمْ كَذَّبُوكَ، وَإِنِ ائْتَمَنْتَهُمْ خَانُوكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهُم اغْتَابُوكَ. «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ للسُّحْتِ»[١٢]، يَسْتَحِلُّونَ الرِّبَا بِالشُّبُهَاتِ، وَيَشْرَبُونَ الْخُمُورَ بِالمَقَالاَتِ، وَيَلْعَبُونَ بِالشَّاهَامَاتِ[١٣]. الْفَقِيرُ بَيْنَهُمْ ذَلِيلٌ، وَالْمُؤْمِنُ ضَعِيفٌ، وَالْفَاسِقُ عِنْدَهُمْ مُكْرَمٌ شَرِيفٌ. صَغِيرُهُمْ عَارِمٌ، وَشَابُّهُمْ شَاطِرٌ، وَشَيْخُهُمْ لاَ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ.

فَعِنْدَهَا تَكُونُ الْفِتَنُ بَيْنَهُمْ دُوَلاً، وَالأَمَانَةُ مَغْنَماً، وَالزَّكَاةُ مَغْرَماً، يُطِيعُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَيَعِقُّ وَالِدَهُ، وَيَبُرُّ صَدِيقَهُ /۳۰۱/ وَيَجْفُو أَبَاهُ. وَتُرْفَعُ أَصْوَاتُ الفُسَّاقِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيُعَظَّمُ رَبُّ الْمَالِ، وَيُدَاهَنُ الْفَاجِرُ، وَيَفْشُو النِّفَاقُ، وَيُغَارُ عَلَى الْغِلْمَانِ، وَتَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ وَتُزَفُّ كَمَا تُزَفُّ الْعَرُوسُ. فَتَظْهَرُ دَوْلَةُ الصِّبْيَانِ، وَيَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَتَرْكَبُ الْفُرُوجُ السُّرُوجَ، وَتُسْتَعْمَلُ الْمَعَازِفُ وَالْقِيَانُ، وتَكُونُ الاِمْرَأَةُ مُسْتَوْلِيَةً عَلَى زَوْجِهَا فِي التِّجَارَةِ.

وَتَحُجُّ النَّاسُ لِثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: الأَغْنِيَاءُ لِلنُّزْهَةِ، وَالأَوْسَاطُ لِلتِّجَارَةِ، وَالْفُقَرَاءُ لِلْمَسْأَلَةِ.

ذَاكَ زَمَانُ انْدِرَاسِ الأَحْكَامِ، وَدَوْلةِ الأَشْرَارِ. عِنْدَهَا يَكْذِبُ التَّاجِرُ فِي تِجَارَتِهِ، وَالصَّانِعُ فِي صِنَاعَتِهِ، فَتَقِلُّ الْمَكَاسِبُ، وَتَضِيقُ الْمَطَالِبُ، وَيَكْثُرُ الْفَسَادُ، وَيَقِلُّ الرَّشَادُ، وَتَمُوتُ الْعُلَمَاءُ، وَيَكْثُرُ الأَشْرَارُ، وَتُعْمَرُ الْمَسَاجِدُ، وَتُطَوَّلُ الْمَنَابِرُ، وَتُحَلَّى الْمَصَاحِفُ.

وَيُصَلِّي أَحَدُهُمْ فَلاَ يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَيَكُونُ أَحَدُهُمْ قَائِماً وَهُوَ مُفَكِّرٌ كَيْفَ يَظْلِمُ إِنْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ الرِّئَاسَةُ. يَقِفُ عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِهِمْ أَوْلاَدُ الْعُلُوجِ، زَعِيمُهُمْ مَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِ[١٤]، يَمْلِكُ الْمَالَ مَنْ لَمْ يَمْلِكْهُ مِنْ قَبْلُ، تَضَعَ[١٥] الرُّؤَسَاءُ رُؤُوسَهَا خاضعةً لِمَنْ لاَ يُشْبِهُهَا.

تَفْشُو الْبِدَعُ وَالْغَدْرُ، فَكَلاَمُهُمْ فُحْشٌ وزُورٌ، وأُمَرَاؤُهُمْ ظَلَمَةٌ، وَفُقَهَاؤُهُمْ يُفْتُونَ لَهُمْ بِمَا يَشْتَهُونَ، مَنَ كَانَ لَهُ دِرْهَمٌ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مَرْفُوعٌ، وَمَنْ عَلِمُوا أَنَّهُ قَدْ أَقَلَّ فَهُوَ مَنْقُوصٌ، الصَّالِحُ مَا بَيْنَهُمْ مَذْبُولٌ، وَمَنْ لَمْ يَخِفِ اللّه َ مَخُوفٌ، يَأْكُلُونَ الفِرَاخَ[١٦] وَالطَّيْهُوجَ[١٧]، وَيَلْبَسُونَ اليَمَانِيَّ الْحَرِيرَ، وَيُحِلُّونَ الرِّبَا بِالشُّبُهَاتِ، وَيَكْتُمُونَ الشَّهَادَاتِ، يُرَاؤُونَ بِالأَعْمَالِ، لاَ يَحْظَى عِنْدَهُمْ إلاَّ مَنْ نَمَّ وَسَعَى، وَعَنِ الْخَيْرِ نَهَى، يَتَدَارَسُونَ فِيمَا بَيْنَهُمُ الْبَاطِلَ، وَيَتَزَاوَرُونَ فِي غَيْرِ اللّه ِ، وَيَهْتِكُونَ الْمَحَارِمَ، وَفِي [ غَيْرِ ]اللّه ِ يَتَقَاطَعُونَ، لاَ يَهَابُونَ إِلاَّ مَنْ يُخَافُ شَرُّهُ.

عِنْدَهَا تَكْثُرُ أَوْلاَدُ الزِّنَاءِ وَالآبَاءُ فَرِحِينَ، يَرَى الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ الْمُنْكَرَ فَلاَ يَنْهَى عَنْهُ إلاَّ كَمَا يُؤَدِّبُ الْمَرْءُ الْهِرَّ إذَا اخْتَلَسَ اللُّقْمَةَ، فَعِنْدَهَا لَوْ نُكِحَتْ طُوْلاً وَعَرْضاً لَمْ يَسُؤْهُ ذَلِكَ، فَذَاكَ الَّذِي لاَ يَقْبَلُ اللّه ُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً، وَلاَ يَتُوبُ عَلَيْهِ وَيُصْلِيهِ نَارَ جَهَنَّمَ.

وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَتَفَاكَهُونَ بِشَتْمِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَتَبِينُ العَبِيدُ مِنَ الأَرْبَابِ، وَتَعِزُّ االأَنْبَاطُ، وَتَذِلُّ السَّادَةُ. فَمَا أَقَلَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ المَكْسَبَ وَالدِّرْهَمَ الْحَلاَلَ، حَيْثُ تَدُومُ دَوْلَةُ الشَّيَاطِينِ، وَيَتَوَاثَبُ السَّلاَطِينُ عَلَى الضُّعَفَاءِ كَوُثُوبِ الْفَهْدِ عَلَى فَرِيسَتِهِ، وَيَشُحُّ الغَنِيُّ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، وبَاعَ الْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ. وَيْلٌ لِلْفَقِيرِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنَ الْحَسَرَاتِ وَيُصِيبُهُ مِنَ النَّكَبَاتِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَقْبَلَتْ فِتَنٌ لاَ قِبَلَ لَكُمْ بِهَا، أَوَّلُهَا الهَجَرِيُّ وَآخِرُهَا السُّفْيَانِيُّ.

أَلاَ وَإِنَّهُمْ عَلَى سَبْعِ طَبَقَاتٍ /۳۰۲/:

فَأَوَّلُ طَبَقَةٍ أَهْلُ بِرٍّ وَتَقْوَى إلَى سَبْعِينَ سَنَةً.

وَالطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ أَهْلُ تَعَاطُفٍ وَتَبَاذُلٍ إلَى ثَلاَثِينَ وَمئةِ سَنَةٍ.

وَالطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ أَهْلُ تَقَاطُعٍ وَتَدَابُرٍ إلَى مِئَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سَنَةً.

ثُمَّ الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ أَهْلُ هَرْجٍ وَمَرْجٍ إلَى ثَلاثِمِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً.

ثُمَّ الطَّبَقَةُ الْخَامِسَةُ أَهْلُ تَخَالُسٍ وَتَكَالُبٍ وَبُهْتَانٍ، وَمَوْتُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَحُرُوبٌ بَيْنَ السَّلاَطِينِ إلَى عِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِئَةِ سَنَةٍ.

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ أَهْلُ فِتَنٍ وَغِشٍّ وَقَحْطٍ وَجَدْبٍ، وَيَنْقَطِعُ الْحَجُّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ سَنَوَاتٍ، وَيَنْقَطِعُ النَّبَاتُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الآفَاقِ، وَيَقِلُّ مَاءُ الأَنْهَارِ، وَتُخَالِطُ النَّاسَ السِّبَاعُ فِي طُرُقَاتِهِمْ، وَيَكْتَفِي الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَيَكْثُرُ الْفُجُورُ، وَيَظْهَرُ بَنُو الأَصْفَرِ مِنَ الإِفْرَنْجِ وَمَعَهُ الرُّومُ وَالأَرْمَنُ إلَى أَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِئَةٍ.

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ أَهْلُ حُرُوبٍ وَفِتَنٍ يَكْثُرُ فِيهَا الْخَوَارِجُ عَلَى السَّلاَطِينِ، وَتَغْلُو الأَسْعَارُ، وَيَظْهَرُ كَوْكَبٌ لَهُ شَاخَتَانِ[١٨]، وَيُنْصَرُونَ بَنُو العَبَّاسِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَيَكْثُرُ الْفَسَادُ وَفِعْلُ الْمُنْكَرَاتِ، وَتَقِلُّ الْعُلَمَاءُ وَالْوُعَّاظُ إلَى سَنَةِ ثَلاَثِينَ وَسِتِّمِئَةٍ.

ثُمَّ الطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ أَهْلُ ضَمَائِرَ مُخْتَلِفَةٍ وَأَلْسِنَةٍ كَاذِبَةٍ، وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ عَلاَمَةُ مَا يَكُونُ مِنَ الْحُرُوبِ وَالْعَظَائِمِ وَخَرَابِ الْمُدُنِ وَالأَطْرَافِ إلى ظُهُورِ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الْوَادِي الْمَيْشومِ، وَانْكِشَافِ الْمَسْتُورِ بالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ.

فَقَامَ إلَيْهِ مَالِكُ الأَشْتَرِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُبَيِّنْ لَنَا تِلْكَ الْفِتَنَ وَالْعَظَائِمَ الَّتِي ذَكَرْتَهَا خَشِينَا عَلَى قُلُوبِنَا إِزَالَتَهَا عِنْدَ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ فَقْدِنَا إِيَّاكَ، لاَ أَرَانَا اللّه ُ ذَلِكَ.

فَقَالَ عليه السلام: قُضِيَ الأَمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ، ألاَ إِنَّ الْفِتَنَ مِنْ بَعْدِ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ مَكَّةَ وَالْحَجَرِ مِنْ جُوعٍ أَغْبَرَ وَمَوْتٍ أَحْمَرَ، فَيَا حَسرَتَا عَلَى أَوْلاَدِ نَبِيِّكُمْ مِنْ غَلاَءٍ وَفَقْرٍ ! حَتَّى يَكُونُوا أكْثَرَ بَيْتٍ سُؤالاً، فَلاَ يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ، وَلاَ تُلَبَّى لَهُمْ دَعْوَةٌ، ثُمَّ لاَ خَيْرَ فِي الْحَياةِ بَعْدَ ذلِكَ.

ثُمَّ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ مُلُوكٌ مَنْ أَطَاعَهُمْ كَفَرُوهُ[١٩]، وَمَنْ عَصَاهُمْ قَتَلُوهُ، هَاهٍ هَاهٍ يَا وَيْلَ كُوفَانِكُمْ هَذِهِ مِنْ عَزِيزٍ الْهَجَريّ.

فَقَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: بِمَاذَا يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ ؟

قَالَ: مِنْ خَيْلِ الْهَجَرِيّ إِذَا خَرَجَ الغُلاَمُ الأَسْمَرُ يَقُودُ أُسْداً ضَرَاغِمَةً وَلُيُوثاً مَلاَهِمَةً، أَوَّلُ اسْمِهِ سِين، وَأَوَّلُ بَأْسِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَقْتُلُ سَادَاتِهُمْ، وَيَسْبِي حَرِيمَهُمْ. وَتَكُونُ لَهُ وَقْعَةٌ بَيْنَ تُلُولٍ وَآكَامٍ، يُقْتَلُ بَهَا الرِّجَالُ، وَتَهْلِكُ الأَبْطَالُ، بَيْنَ تِلْكَ التُّلُولِ والرِّمَالِ.

فَيَا وَيْلَ كُوفَانِكُمْ هَذِهِ مِنْ نُزُولِهِ فِي دِيَارِكُمْ، وَهَتْكِهِ لِحَرِيمِكُمْ، عُمْرُهُ طَوِيلٌ، وَشَرُّهُ غَزِيْرٌ، وَرِجَالُهُ ضَرَاغِمَةٌ. وَاللّه ِ مَا نُصِرُوا بِعَمَلٍ سَبَقَ، وَلكِنَّهَا فِتْنَةٌ يَهْلِكُ بِهَا الْمُنَافِقُونَ وَالْفَاسِقُونَ، الَّذِينَ فَسَقُوا فِي دِينِ /۳۰۳/ اللّه ِ وَبِلاَدِهِ، وَأَظْهَرُوا الْبَاطِلَ فِي عِبَادِهِ، فَكَأَنِّي بِهِمْ وَقَدْ قَتَلُوا مَنْ تُهَابُ صَوْلَتُهُمْ وَيُخَافُ شَرُّهُمْ مِنْ أُمَرَاءَ وَخَدَمٍ، يَقُودُونَ سَادَاتٍ وَأَبْطَالاً كَالسَّيْلِ الْمَمْدُودِ، كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، قَلِيلٌ حِلْمُهُمْ، يَزُولُ مُلْكُهُمْ، وَيُسْتَأْسَرُ سَيِّدُهُمْ، وَهِيَ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى، فَيَلْحَقُ أَوَّلُهَا بِآخِرِهَا.

وَإِنَّ لِكُوفَانِكُمْ هَذِهِ آيَاتٌ وَعَلاَمَاتٌ وَعِبَرٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ.

وإِنَّهُ لَيَدْخُلُ الْبَصْرَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ بِالسَّيْفِ وَالأَمَانِ، فَيَا وَيْلَ الْمُؤْتَفِكَةِ وَمَا يَحِلُّ بِهَا مِنْ سَيْفٍ مَشْهُورٍ وَقَتِيلٍ مَجْدُولٍ.

ثُمَّ يَأْتِي الزَّوْرَاءَ وَهِيَ الْفِتْنَةُ الْقُصْوَى، فَيَحُولُ اللّه ُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَمَا أَشَدَّ بُهْتَانَهَا وَأَكْثَرَ طُغْيَانَهَا وَأَغْلَبَ سُلْطَانَهَا !

ثُمَّ قَال عليه السلام: الدَّيْلَمَ الدَّيْلَمَ، عَجَمٌ لاَ يَفْقَهُونَ، قِصَافُ الأَبْدَانِ، بِيضُ الوُجُوهِ، وَثّابَةٌ لِلْحَرْبِ، قَاسِيَةٌ قُلُوبُهُمْ، رَدِيئةٌ ضَمَائِرُهُمْ. الْوَيْلُ لِبَلَدٍ يَدْخُلُونَهُ[٢٠]، وَأَرْضٍ يَسْلُكُونَهَا[٢١]، خَيْرُهُمْ طَامِسٌ، وَأَمْرُهُمْ لاَبِسٌ، صَغِيرُهُمْ شَرٌّ مِنْ كَبِيرِهِمْ. يَتْبَعُهُمُ الأَكْرَادُ بَيْنَ تُلُولٍ وَجِبَالٍ، فَكَمْ مِنْ قُلَّةٍ[٢٢] تَخْرَبُ، وَمُدُنٍ تَهْلِكُ.

الْوَيْلُ لِقَزْوِينَ مِنَ الْفِتْنَةِ الّتِي تَكُونُ بِهَا، تُسْبَى بِهَا النِّسَاءُ وَيُقْتَلُ بِهَا الأَطْفَالُ.

الوَيْلُ لِهَمَذَانَ إِذَا نَزَلَ مِنْ شَرْقِيِّ بَابِهَا، وَعَمِلَ السَّيْفُ فِي أَكْنَافِهَا، فَيُقْتَلُ بِهَا خَمْسُونَ أَلْفاً. عَلاَمَةُ ذَلِكَ إذَا بُنِيَتِ القُبَّةُ فِي جَامِعِهَا. وَيَصِيحُ بِهِمْ صَائحٌ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ ! فَعِنْدَهَا يُقْبِلُ الدَّيْلَمُ كَدَبِيبِ النَّمْلِ.

الوَيْلُ للدِّيْنَوَرِ، ثُمَّ الوَيْلُ لِقُرْمِيسِينَ، مِنَ الْقَتْلِ وَالجَلاَءِ، يُقْتَلُ بِهَا عَلَى سَيْفٍ وَاحِدٍ مئةُ أَلْفٍ، وَيَرْكَبُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَتَهْجِمُ خَيْلُ الدَّيْلَمِ عَلَى أَصْفَهَانَ، وَيَقَعُ حَصَارٌ عَظِيمٌ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، لَقَدْ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَلْفَ مَسْأَلَةٍ، تَفَرَّعَتْ [ مِنْ ] كُلِّ مَسْأَلَةٍ أَلْفُ مَسْأَلَةٍ، مَا فِيهَا مَسْأَلَةٌ إلاَّ وَفِيهَا أَلْفُ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ. وَإِنَّمَا أَوْرَدْتُ لَكُمْ ذَلِكَ لِتَعْرِفُوا مَا يَنَالُكُمْ مِنَ الْفِتَنِ مِنْ شِدَّةِ ظُلْمِ مُلُوكِهِمْ، وَظُلْمِ قُضَاتِهِمْ فِي أَحْكَامِهِمْ، وَكَلَبِ زَمَانِهِمْ، وَفِسْقِ تُجَّارِهِمْ ؛ فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَطُولُ آمَالُهُمْ، وَيَقِلُّ مَعْرُوفُهُمْ، وَتَكْثُرُ شَكْوَاهُمْ.

«فَإِنَّا للّه ِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ» مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمِنْ أَهْلِهِ ؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يَكْتُمُونَ مُصِيبَةً، وَلاَ يَقْبَلُونَ عُذْراً، قَدْ خَالَطَ الشَّيْطَانُ أَبْدَانَهُمْ، فَهُوَ يَلْعَبُ بِهِمْ كَمَا يَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْكُرَةِ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ تَخَلَّى بِدِينِهِ إِلَى الشَّامِ، وَتَبِعَ آثَارَ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ. إِنَّ الفِتَنَ لَتَرْكَبُ الأَمْصَارَ حَتَّى يَقُولَ الْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ المُحِبُّ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ: إِنِّي لَمُسْتَضْعَفٌ فِي الأَرْضِ.

ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ يَسْتَوِي الظَّالِمُ وَالْمظْلُومُ، وَلاَ الْجَاهِلُ وَالْعَالِمُ، وَلاَ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ، وَلاَ الْعَدْلُ وَالْجَوْرُ /۳۰٤/، إِنَّ لَكُمْ شَرِيعَةً مَعْلُومَةً. وَمَا مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيٍّ إلاَّ وَلَهُمْ أَضْدَادٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ إذَا ذُكِرَ آلُ حَرْبٍ يَفْرَحُونَ، وَإِذَا ذُكِرَ آلُ مُحَمَّدٍ تَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ كَقِطَعِ اللَّيْلِ، كَأَنَّمَا أُخْرِجُوا مِنْ بِحَارٍ مُظْلِمَةٍ أَوْ سُفُنٍ مُتَطَامِسَةٍ. فَإِنْ دُعِيتُمْ إلَى سَبِّنَا فَسُبُّونا، وَإِنْ دُعِيتُمْ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنَّا ؛ فَلا تَتَبَرَّؤُوا مِنَّا ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَبَرَّأَ مِنَّا تَبَرَّأَ مِنَ اللّه ِ وَبَرِئَ اللّه ُ مِنْهُ وَرَسُولُهُ.

مَسَاكِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ.

فَقَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: وَمَنِ الْمَسَاكِينُ يَا مَوْلاَيَ ؟

قَالَ: شِيعَتُنَا وَمُحِبُّونَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ هُمْ عِنْدَ النَّاسِ كُفَّارٌ، وَعِنْدَ اللّه ِ أَبْرَارٌ، وَعِنْدَ النَّاسِ كَاذِبُونَ، وَعِنْدَ اللّه ِ صَادِقُونَ، وَعِنْدَ الناسِ هالِكُونَ، وَعِنْدَ اللّه ِ فَائِزُونَ، فَازُوا وَاللّه ِ بِالإيمَانِ، وَخَسِرَ الْمُنَافِقُونَ.

أَيُّهَا النَّاسُ، « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ »[٢٣] كَأَنِّي بِطَائِفَةٍ مِنْكُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ادَّعَى الْغَيْبَ فَهُوَ الرَّبُّ، كَذَبُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ وَاجْعَلُونَا عَبِيداً مَرْبُوبِينَ فَإنَّكُمْ سَتَحْلِفُون[٢٤].

ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَاصِفٌ لَكُمُ السِّنِينَ الْمُغْوِيَةَ الجَامِعَةَ لِلْفِتَنِ:

فَإِنَّ بَعْدَ ثَلاثِمِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً تَأْتِيكُمُ السَّنَةُ الدَّهْمَاءُ تَدْهَمُ فِيهَا الفِتَنُ.

وَالغرَّاءُ تَغُرُّ بِأَهْلِهَا.

وَالسَّقْطَاءُ يَسْقُطُ فِيهَا الْوِلْدَانُ.

وَالْكَسْحَاءُ يُكْسَحُ فِيهَا النَّاسُ.

وَالْفِتْنَةُ يَفْتَتِنُ أَهْلُ الأَرْضِ.

وَالنَّازِحَةُ نَزَحَتْ بِأَهْلِهَا فِي الظُّلَمِ.

وَالغَمَاغِمُ فِيهَا الْجَوْرُ.

وَالْمُنْفِيَةُ تَنْفِي عَنْهُمُ الإِيمَانَ.

وَالكَرَّارَةُ كَرَّتْ عَلَيْهِمْ خَيْلُ هَجَرَ.

وَالبَرْشَاءُ نَزَلَ الأَبْرَشُ بِخُرَاسَانَ.

وَالشَّوْلاَءُ تَمَكَّنَ فِيهَا الأَقْرَعُ النَّاقِصُ مِنَ الْجَزِيرَةِ، وَغَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْلَمِ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَصَعِدَ القِيَانُ إِلَى الشَّامِ.

وَالدَّمْدَمَةُ الغَشْواءُ غَشَتِ الْخَيْل، وَاُطْلِقَتْ فِي دِيَارِ مِصْرَ.

وَالطَحْنَاءُ طَحَنَتِ الجِبَالَ وَأَذَرْبِيجَانَ بِكَلْكَلِهَا.

وَالْفَتْنَاءُ يُفْتَنُ العِرَاقُ بِشَرِّهِ.

وَالْمَرْجَاءُ يَمْرُجُ الشَّامُ العَتِيدُ بِالقَبَائِلِ.

وَالْمَكْنَاءُ تَمَكَّنَتِ الْفِتَنُ مِنَ الأَرْضِ بِالْعِرَاقِ وَالشَّامِ.

وَالصَّعْداءُ صَعِدَتِ الْفِتْنَةُ إِلى أَرْضِ الْجَزِيرَةِ.

وَالْمَلْكَاءُ يُمْلَكُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ كَمَا يُمْلَكُ الْعَبْدُ.

وَالطَّمُوحُ خَرَجَتِ الْفِتْنَةُ مِنْ خُرَاسَانَ.

وَالْجَوْزَاءُ جازَتِ الْفِتْنَةُ بِأَرْضِ فَارِسَ.

وَالْهَوْجَاءُ هَاجَتِ الفِتْنَةُ مِنْ جِبَالِ عُمانَ.

والصَّرُودُ تَسِيلُ الْجِبَالُ بِأَرْضِ الشَّامِ.

وَالْمُنْزِلَةُ نَزَلَتِ الْفِتْنَةُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ.

وَالطَّائِرَةُ خَرَجَتِ الْفِتْنَةُ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ.

وَالْمُحْرِقةُ [... ][٢٥] صَاحِب الأَكْرَادِ مِنْ شَهْرَزُورَ.

وَالْمُرْمِلَةُ أَرْمَلَتْ نِسَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ.

وَالْكَاسِرَةُ تَكَسَّرَتِ الْخَيْلُ عَلَى الْجَزِيرَةِ.

وَالسَّحُورُ رَمَتِ النَّاسَ إلَى أَرْضِ الشَّامِ.

وَالطَّامِحَةُ /۳۰٥/ طَمَحَتِ الْبَصْرَةُ بِالْفِتْنَةِ.

وَالقَتَّالَةُ قَتَلَتِ النَّاسَ عَلَى القَنْطَرَةِ وَبِرَأْسِ عَيْنٍ.

وَالْمُقْبِلَةُ أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ إِلَى الْيَمَنِ وَأَرْضِ الْحِجَازِ.

وَالصَّرُوخُ صَرَخَ صَارِخٌ مِنْ أَرْضِ العِرَاقِ لاَ ناصِرَ لَهُ.

وَالْمُسْمِعَةُ أَسْمَعَتِ الْمُؤْمِنَ الإِيْمَانَ.

وَالسَّابِحَةُ يَسْبَحُ الفِيْلُ فِي أَرْضِ الْجَزِيرَةِ.

وَالْكَرُودُ يُفْتَقَدُ وَاحِدٌ مِنْ وُلْدِ العَبّاسِ مِنْ فِرَاشِهِ.

وَالْكَمُودُ مَاتَ الْمُؤْمِنُ مِنْ حَسَرَاتِ قَلْبِهِ.

وَالْغَامِرةُ غَمَرَتِ النَّاسَ بِالنِّفَاقِ.

وَالسَّائِلَةُ سَالَ النِّفَاقُ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يَدُورَ السَّائِلُ مِنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ فَلاَ يَقَعُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ.

وَالْغَالِيَةُ تَغْلُو فِيهَا الشِّيعَةُ حَتَّى يَتَّخِذُونِي رَبّاً، وَأَنَا بَرِيْءٌ مِمَّا يَقُولُونَ.

قَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَيَتَّخِذُونَكَ رَبّاً !

قَالَ: نَعَمْ.

وَالْمَكْثَاءُ يَمْكُثُ النَّاسُ يَطْلُبُون، فَرُبَّمَا يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، يَكُونُ الصَّارِخُ فِيهَا مَرَّتَيْنِ يُنَادِي: أَلاَ إِنَّ الْمُلْكَ فِي آلِ عَلِيٍّ، فَتِلْكَ الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ. وَيُنَادِي إبْلِيسُ ثَانِيَةً: أَلاَ إِنَّ الْمُلْكَ فِي آلِ زِيَادٍ، فَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ الصَّارِخَ الأَوَّلَ مِنْ سِحْرِ عَلِيٍّ، وَالثَّانِي هُوَ الْحَقُّ. فَعِنْدَ ذلِكَ يَخْرَسُ مِنْهُمْ قَوْمٌ، وَيَعْمَى آخَرُونَ، وَيَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه ِ.

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أَعُوذُ بِاللّه ِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلاَثِينَ وَثَلاثِمِئَة، لَقَدْ تَرَكَتِ الْمُدُنَ خَرَاباً وَأَهْلَهَا حَيَارَى شَرْقاً وَغَرْباً، مِنْ غَلاَءٍ جَالٍ، وَحَرْبٍ مُفْتِنٍ، وَمَوْتٍ جَارِفٍ. وَفِيهَا يُؤْخَذُ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ[٢٦]، يَأْخُذُهُ قَوْمٌ مِنَ الْقَرَامِطَةِ، فَيُعِيدُهُ اللّه ُ إِلَيْهَا عَنْ قَرِيبٍ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّتِي.

أَلاَ إِنَّ أَسْوَأَ [ الناسِ ][٢٧] حَالاً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بَلَدُ الْجَزِيرَةِ الْحَمْرَاءِ، يَا لَهَا وَيَا لَأُخْتِهَا نَصِيبَيْن، وَمَاهل يَنَالُهَا مِنْ سِنيْنَ[٢٨] عَدَد، وَمَا يَتَجَدَّدُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِمِئَةٍ مِنْ خَرَابِ الدُّورِ وَالقُصُورِ بِظُهُورِ الأَقْرَعِ النَّاقِصِ [... ][٢٩] المُكْفَهِرّ وَالْجُوعِ الْمُضِرِّ.

الوَيْلُ لِنَينَوَى الصُّغْرَى مِنْ بَنِي الأَصْفَرِ، تَخْرُبُ دُورُهُمْ وَتَهْلِكُ أَمْوَالُهُمْ، وَهِيَ دِيَارُ يُونُسَ بْنِ مَتّى عليه السلام.

قِيلَ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ، فَصِفْ لَنَا الأَقْرَعَ النَّاقِصَ.

فَقَالَ: هُوَ الّذِي جَمَعَ فَأَكْثَرَ، وأُمْهِلَ فَتَجَبَّرَ، قَلِيلُ الإِيْمَانِ، كَثِيرُ الطُّغْيَانِ، يَشِيدُ الْبُنْيَانَ، بَعِيدُ الأَمَلِ، عُمْرُهُ أَقْصَرُ مِنْ أَمَلِهِ، ظُلْمُهُ كَثِيرٌ وَعَدْلُهُ قَلِيلٌ، كَأَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ سِجِّيلٍ، مَسْكَنُهُ نَصِيبَيْنَ. فَيَا مُصِيبَةُ لِتِلْكَ المَدِينَةِ وَمَا يَنَالُ أَهْلَهَا مِنْ غَلاَءٍ مُجْحِفٍ، وَانْقِطَاعِ السَّبِيلِ، وَلاَ عَالِمٌ يَزْجُرُهُ، وَلاَ زَاهِدٌ يَعِظُهُ، يُفْتُوهُ عَلَى ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ كَمَا يُرِيدُ، أُولئِكَ الَّذِينَ بَاعُوا الدِّينَ بِالدُّنْيَا. وَالّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَبَذَلَ فِيهِمُ السَّيْفَ حَتَّى يُلْحِقَ آخِرَهُمْ بِأَوَّلِهِمْ بِأَزِقَّةٍ كَفَرةٍ[٣٠]، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ مَوْتَتَهُ.

فَقَالَ مَالِكُ الأَشْتَرِ: وَمَا مَوْتَتُهُ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ ؟

قَال: يَقْتُلُهُ أَخُوهُ الأَصْغَرُ، يَمْلِكُ /۳۰٦/ مَكَانَهُ تِلكَ القِلاَعَ، وَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ مِنَ الشَّأْنِ.

وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ يَخْرُجُ الرُّومُ إِلَى أَرْضِ نَصِيبَيْنِ، فَيَرُدُّهُمُ اللّه ُ إلى تِكْرِيتَ، فَذلِكَ الْعَجَبُ الْعَجِيبُ. وَمِنْ مَارِدِينَ إلَى نَصِيبَيْنِ لآيَاتٌ تَبِينُ، وَمِنْ هَيْتَ إلى تِكْرِيتَ يَشِيبُ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ هُنَاكَ وَحِصْنٍ مَفْتُوحٍ، حَتَّى يَذْهَبَ مِنَ النَّاسِ الإِيمَانُ.

وَتُمْرَجُ خُرَاسَانُ بِفِتْنَةٍ يَقْدُمُها المُصَفَّرُ الرِّجْلَيْنِ. فَيَا وَيْلَ الرَّيِّ مِنْ وَقْعَةٍ تَكُونُ عَلَى بَابِهَا، ثُمَّ عَلَى جَبَلٍ يُعْرَفُ بِطَبرَكَ مِمَّا يَلِي جَامِعَهَا، يُقْتَلُ عَلَيْهِ مِئَةُ اَلْفٍ.

ثُمَّ يَنْزِلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَتَقَعُ وَقْعَةٌ بِأَرْضِ جَلُولاَءَ وَخَانِقِينَ يُقْتَلُ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ.

وَتَكُونُ بِالْمَدَائِنِ وَقَائِعُ كَثِيرَةٌ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي العَبَّاسِ يُقْتَلُ فِيهَا المُسَجمُ وَالهَجْهَاجُ وَالْفَجْفَاجُ فَيُذْبَحُ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ.

وَيَخْرُجُ شُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ مِنْ بَيْنِ قَصَبٍ وَآكَامٍ[٣١]، وَهُوَ الأَعْوَرُ الْمُحِلُّ حَتَّى يَصْعَدَ إِلَى الْفُراتِ.

ثُمَّ الْعَجَبَ الْعَجَبَ بَيْنَ جُمَادَى وَرَجَبٍ، مِنْ نَشْرِ أَمْوَاتٍ، وَحَصْدِ نَبَاتٍ، وَثُكْلِ أُمَّهَاتٍ، وَقَتْلِ رِجَالٍ وَسَبْيِ أَخَوَاتٍ.

ثُمَّ تُقْبِلُ الْفِتْنَةُ إِلَى أَرْضِ الْجَزِيرَةِ، فَعِنْدَهَا يُظْهِرُ الْمَنْصُورُ رَايَتَهُ، فَيُوَاقِعُهُ أُصَيْفِرُ تَغْلِبَ عَلَى قَنْطَرَةِ رَأْسِ عَيْنٍ فَيُقْتَلُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ أَلْفَ صَاحِبِ سَيْفٍ مُحَلّىً.

وَتَرجِعُ الْفِتْنَةُ إِلَى الْعِرَاقِ.

وَتَظْهَرُ فِتْنَةٌ بِشَهْرَزُورَ وَهِي الْفِتْنَةُ الصَّمَّاءُ الدَّهْمَاءُ الْمُسَمَّاةُ بِالْهَمَاهِمِ.

فَقَال عَمْرُو بْنُ الحَمِقِ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ، فَمِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ أُصَيْفرُ تَغْلِبَ؟ صِفْهُ لَنَا.

أَلاَ إِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ وَهِيَ السَّابِعَةُ تَجْدِيدُ الأَسْوَارِ بِالْمُدُنِ، وَإِنَّ وَلاَيَتَهُ اثْنَتا عَشْرَةَ سَنَةً.

فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ، وَمَا الَّذِي يَتَجَدَّدُ مِنَ الأَسْوَارِ ؟

قَالَ: يُجَدَّدُ سُورُ مَدِينَةِ الشَّامِ وَهِيَ خَرَابٌ، وَيُبْنَى عَلَيْهِ سُورَانِ، وَعَلَى الْبَيْضَاءِ سُورٌ، وَعَلَى الْكُوفَةِ سُورٌ، وَعَلَى وَاسِطٍ سُورَانِ، وَعَلَى دُسْتَرَ سُورٌ، وَعَلَى السُّوسِ سُورٌ، وَعَلَى اُرْمِيَّةَ سُورٌ، وَعَلَى الْمَوْصِلِ/۳۱۰/ سُورٌ، وَعَلَى هَمَذَانَ سُورٌ، وَعَلَى بَرْدَعَةَ سُورٌ، وَعَلَى مَرَاغَا سُورَانِ بَعْدَ خَسْفٍ يَكُونُ بِهَا، وَعَلَى الْكَرْخِ سُورٌ سُورَانِ[٣٢]، وَعَلَى دِيَارِ يُونُسَ سُورَانِ، وَعَلَى الرَّحْبَةِ سُورٌ، وَعَلَى قِرْقِيسِيَا سُورٌ، وَعَلَى حَلَبٍ سُورَانِ، وَعَلَى حِمْصٍ سُورٌ أَرْقَطُ وَبِهِ سُمِّيَتِ الرَّقْطَاءَ، وَعَلَى بَالِسَ سُورٌ، وَعَلَى إِرْبِلَ سُورٌ.

وَتَكُونُ لَهُ[٣٣] وَقَائِعُ كَثِيرَةٌ، فَأَوَّلُ وَقْعَةٍ بِحَمْصٍ، ثُمَّ بِالرَّقَّةِ، ثُمَّ بِقِرْقِيسِيَا، ثُمَّ بِرَأْسِ عَيْنٍ، ثُمَّ بِنَصِيبَيْنِ، ثُمَّ بِالْمَوْصِلِ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهَا رِجَالٌ مِنَ الزَّورَاءِ وَمِنْ دِيَارِ يُونُسَ، وَيَكُونَ بَيْنَهُمْ مَلْحَمَةٌ عَظِيمَةٌ يُقْتَلُ فِيهَا ثَلاَثُونَ أَلْفاً، وَتَحِلُّ بِالْمُوصِلِ فِتَنٌ وَبَلاَيَا مِنَ الْغُوَاةِ.

ثُمَّ يَنْزِلُ الزَّورَاءَ فَتَقَعُ الْوَقْعَةُ عَلَى الْقَنْطَرَةِ الْعَتِيقَةِ، فَيُقْتَلُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ أَلْفاً. أَلاَ إِنّ فِيهَا كُنُوزَ قارُونَ، وَلَهَا وَصْفٌ عَظِيمٌ بَعْدَ الْخَسْفِ وَالْقَذْفِ، وَهِيَ أَسْرَعُ ذَهَاباً فِي الأَرْضِ مِنَ الْوَتِدِ الْحَدِيدِ فِي الأَرْضِ الرِّخْوَةِ، وَلاَ يَزَالُ يَقْتُلُ عَلَى الأَسْمَاءِ مِمَّنِ اسْمُهُ كَاسْمِنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ لِعَدَاوَتِهِ لَنَا وَبُغْضِهِ. ثُمَّ يَجْمَعُ الأَطْفَالَ وَيَغْلِي لَهُمُ الزَّيْتَ فَيَقُولُونَ لَهُ: إِنْ كَانَ قَدْ عَصَاكَ آبَاؤُنَا فَمَا ذَنْبُنَا نَحْنُ ؟ فَيَأْخُذُ مِنْهُمْ رَجُلاً اسْمُهُ حَسَنٌ وَرَجُلاً اسْمُهُ حُسَيْنٌ فَيَصْلِبُهُمَا.

ثُمَّ يَسِيرُ إلَى كُوفَانِكُمْ هَذِهِ فَيَعْمَلُ بِأَهْلِهَا كَذَلِكَ، وَيَصْلِبُ عَلَى بَابِ مَسْجِدِكُمْ هذَا طِفْلَيْنِ حَسَناً وَحُسَيْناً.

ثُمَّ يَسِيرُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَنْهَبُهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، وَيَقْتُلُ بِهَا خَلْقاً كَثِيراً، وَيَصْلِبُ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ طِفْلَيْنِ حَسَناً وَحُسَيْناً، فَتَغْلِي دِمَاؤُهُمَا كَمَا غَلَى دَمُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ أَيْقَنَ بِالْبَلاَءِ.

فَيَخْرُجُ هَارِباً مُتَوَجِّهاً إِلَى الشَّامِ، فَلاَ يَرَى فِي طَرِيقِهِ أَحَداً يُخَالِفُهُ. فَإِذَا دَخَلَ دِمَشْقَ اعْتَكَفَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْمَعَاصِي، وَيَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. ثُمَّ يَخْرُجُ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ فَيَأْخُذُ امْرَأَةً حَامِلاً فَيَدْفَعُهَا إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَيَقُولُ لَهُ: افْجُرْ بِهَا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ، وَيَبْقُرُ بَطْنَهَا فَيَسْقُطُ الْوَلَدُ مِنْ بَطْنِهَا.

فَحِينَئِذٍ تَضْطَرِبُ الْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَيَأْمُرُ اللّه ُ تَعَالَى جَبْرَئِيلَ فَيَصِيحُ عَلَى سُورِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ: أَلاَ قَدْ جَاءَكُمُ الْفَرَجُ، وَيُنَادِي عَلَى سَائِرِ الْمُدُنِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، قَدْ جَاءَكُمُ الْفَرَجُ وَالْغَوثُ، فَيَقُولُونَ: مَا هذَا الفَرَجُ ؟ فَيَقُولُ: هذَا الْمَهْدِيُّ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فَأَجِيبُوهُ.

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أَلاَ أَصِفُهُ لَكُمْ ؟

قَالَوا: بَلَى يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ: هُوَ الأَقْمَرُ صَاحِبُ الشَّامَةِ وَالْعَلاَمَةِ، الأَسْمَرُ الْعَالِمُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، الْمَحْبُوُّ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ. أَلاَ وَإِنَّ الدَّهْرَ فِينَا قُسِمَتْ حُدُودُهُ، وَإِلَيْنَا أُخِذَتْ عُهُودُهُ، وَإِلَيْنَا تَرْجِعُ وَتُرَدُّ شُهُودُهُ، وَإِنَّ /۳۱۱/ أَهْلَ حَرَمِ اللّه ِ سَيَطْلُبُونَ لَنَا بِالْقِصَاصِ. مَنْ عَرَفَ غَيْبَتَنَا فَهُوَ مُشَاهِدُنَا. نَحْنُ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى وَالْجَانِبُ وَالْجَنْبُ، وَمُحَمَّدٌ الْعَرْشُ عَرْشُ الرَّحْمنِ عَلَى الْخَلاَئِقِ، وَنَحْنُ الثَّوَابُ أُصُولُ الْعِلْمِ، وَنَحْنُ الْعَمَلُ، وَمُحِبُّونَا الثَّوَابُ، وَوَلاَيَتُنَا فَصْلُ الْخِطَابِ، وَنَحْنُ حُجَّابُ الْحِجَابِ، وَخَلْقُنَا أَحْسَنُ خَلْقِ اللّه ِ، فَرَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله خَلْقاً وَخُلُقاً، والْمَهْدِيُّ أَشْبَهُ الْخَلْقِ بِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله، وَهُوَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام، فَمَنِ ادَّعَى غَيْرَ هذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّه ِ.

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: فَيَجْمَعُ اللّه ُ لَهُ أَصْحَابَهُ وَهُمْ عَدَدُ أَهْلِ بَدْرٍ وَعَلَى عَدَدِ أَصْحَابِ طَالُوتَ ثَلاَثُمِئَةٍ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، كَأَنَّهُمْ لُيُوثٌ خَرَجُوا مِنْ غَابَةٍ، قُلُوبُهُمْ مِثْلُ زُبَرِ الْحَدِيدِ، لَو رَامُوا الْجِبَالَ لأَزَالُوهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا، الزِّيُّ وَاحِدٌ، واللِّبَاسُ وَاحِدٌ، كَأَنَّمَا هُمْ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَإِنِّي لَأَعْرِفُهُمْ وَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَمْصَارَهُمْ.

فَقَالَ لَهُ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، سَمِّهِمْ لَنَا.

فَقَالَ: نَعَمْ، اكْتُبُوا: أَمَّا أَوَّلُهُمْ فَمِنَ الْبَصْرَةِ وَآخِرُهُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ:

فَمِنَ الْبَصْرَةِ رَجُلاَنِ: غَزْوَانُ، وَأَحْمَدُ.

وَرَجُلٌ مِنَ البَيْدَاءِ: أَحْمَدُ.

وَرَجُلاَنِ مِنَ الْبَانِ: عَلِيٌّ، وَمُحَارِبٌ.

وَرَجُلاَنِ مِنَ البَاسَتَانِ: عَبْدُاللّه ِ، وَعُبَيْدُاللّه ِ.

وَثَلاَثَةُ رِجَالٍ مِنَ هَجَر[٣٤]: مُحَمَّدٌ، وَعُمَرُ، وَمَالِكٌ.

وَرَجُلٌ مِنَ البَرِيدِ: عَبْدُالرَّحْمنِ.

وَثَلاَثَةُ رِجَالٍ مِنَ الْجَرْدَاءِ: جَعْفَرٌ، وَبَكْرٌ، وَلَيْثٌ.

وَرَجُلٌ مِنْ عَقْرٍ: أَحْمَدُ.

وَرَجُلاَنِ مِنَ الْمَهْجَمِ: مُوسَى، وَعَبَّاسٌ.

وَرَجُلٌ مِنَ الْكَدرَةِ: إبْرَاهِيمُ.

وَرَجُلٌ مِنَ الْمُشْتَرَكِ: عَبْدُالْوَهَّابِ.

وَثَلاَثَةُ رِجَالٍ مِنْ عَانَةَ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وَأَفْلَحُ.

وَثَلاَثَةُ رِجَالٍ مِنْ سَورا: حَسَنٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَفَهْدٌ.

وَرَجُلٌ مِنَ الصَّدْرَيْنِ: عَبْدُاللّه ِ.

وَخَمْسَةٌ مِنَ الْوَقْفِ: مُحَمَّدٌ، وَصَالِحٌ، وَمُوسَى، وَدَاوُدُ، وَجَعْفَرٌ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ بَابِلَ: عَلِيٌّ، وَحُسَيْنٌ.

وَخَمْسُةُ[٣٥] رِجَالٍ مِنَ الصِّينِ: عَبْدُالرَّحْمَنِ، وَمُلاَعَبٌ، وَحَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَفَارِسُ.

وَرَجُلٌ مِنْ كَرْبَلاَءَ: عَبَّاسٌ.

وَأَرْبَعَةٌ مِنْ صَنْعَاءَ: حَسَنٌ، وَعُمَرُ، وَحَيٌّ، وَسَمِيعٌ.

وَرَجُلٌ مِنْ نَجْدٍ: إِبْرَاهِيمُ.

وَأَرْبَعُةُ رِجَالٍ مِنْ مَكَّةَ: عُمَرُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ.

وَعَشَرَةُ رِجَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ: مُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبَّاسٌ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ، وَطَاهِرٌ، وَقَاسِمٌ، وَإبْرَاهِيمُ.

وَأَرْبَعَةُ رِجَالٍ مِنَ الْكُوفَةِ: هُودٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَزَّانُ، وَغِيَاثٌ.

وَرَجُلٌ مِنْ مَروز: مُحَمَّدٌ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ سَابُورَ: عَلِيٌّ، وَمُهَاجِرٌ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ سَمَرْقَنْدَ: عَلِيٌّ، وَمَاجِدٌ.

وَثَلاَثَةٌ مِنْ كَازِرُونَ:/۳۱۲/ عُمَرُ، وَمُعَمَّرٌ، وَيُونُسُ.

وَرَجُلاَنِ مِنَ الشُّوشِ: شَيْبَانُ، وَعَبْدُالْوَهَّابِ.

وَرَجُلٌ مِنْ دِمَشْقَ: أَحْمَدُ.

وَرَجُلٌ مِنَ الطِّيبِ: هِلاَلٌ.

وَأَرْبَعَةُ رِجَالٍ مِنْ شِيرَازَ: خَالِدٌ، وَمَالِكٌ، وَنَوفَلٌ، وَإبْرَاهِيمُ.

وَرَجُلٌ مِنَ الْمِرْبَاطِ: جَعْفَرٌ.

وَثَلاَثَةٌ مِنْ عُمانٍ: مُحَمَّدٌ، وَصَالِحٌ، وَدَاوُدُ.

وَرَجُلٌ مِنَ الغَلْثِ: مَالِكٌ.

وَثَلاَثَةٌ مِنَ الأَهْوَازِ: عَبْدُالْمَلِكِ، وَعَبْدُاللّه ِ، وَمُوسى.

وَرَجُلٌ مِنْ بَرْدَعَةَ: يُوسُفُ.

وَرَجُلاَنِ مِن الْعَسْكَرِ: مُكْرَمٌ، وَمَيْمُونٌ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ وَاسِطٍ: عَقِيلٌ، وَأَحْمَدُ.

وَثَلاَثَةٌ مِنَ الزَّورَاءِ: عَبْدُالمُطَّلِبِ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُاللّه ِ.

وَسَبْعَةٌ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى: عَامِرٌ، وَعُمَارَةُ، وَصَدَقَةُ، وَلَيْثٌ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعْقُوبُ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ عُكْبَرَ: عَبْدُالْغَنِيِّ، وَهَارُونُ.

وَأَرْبَعَةٌ مِنْ بَاقِرقَا: عَلْوَانُ، وَحِصْنٌ، وَآدَمُ، وأَيُّوبُ.

وَأَرْبَعَةٌ مِنْ بَلَدٍ: عَبْدُاللّه ِ، وَعَبْدُونُ، وَجَاهِرٌ، وَلُقْمَانُ.

وَرَجُلاَنِ مِنَ المَوْصِلِ: إبْرَاهِيمُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ.

وَرَجُلٌ مِنْ سِنْجارَ: عَلِيٌّ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ نَصِيبَيْنِ: عَبْدُالوَهَّابِ، وَفَضْلٌ.

وَرَجُلٌ مِنَ الرَّقَّةِ: سَهْلٌ.

وَرَجُلٌ مِنْ حَرَّانَ: هَارُونُ.

وَرَجُلٌ مِنْ تَدْمُرَ: عُمَارَةُ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ أَنْطَاكِيَّةِ: مُحَمَّدٌ، وَعُمْرَانُ.

وَثَلاَثَةٌ مِنْ غَزْنَانَ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَسَعْدٌ.

وَرَجُلاَنِ مِنَ الصَّعِيدِ: نَوفَلٌ، وَمُهَاجِرٌ.

وَرَجُلاَنِ مِنْ طُوسٍ: جَعْفَرٌ، وَعَلِيٌّ.

وَخَمْسَةٌ مِنَ الأَنْبَارِ: فَهْدٌ، وَنَجْمٌ، وَنَصْرٌ، وَعَاضِدٌ، وَثَابِتٌ.

وَرَجُلٌ مِنَ الصَّروَاتِ: يُوسُفُ.

وَرَجُلاَنِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ: مَنْصُورٌ، وَأَحْمَدُ.

وَرَجُلٌ مِنَ الْمَزَارِ[٣٦]: خَلَفٌ.

يتبع  ...

---------------------------------------------------------
[١] . كذا، مهملة الحاء معجمة الظاء، وأرى أن صوابها «وخَطِّك» بدليل قول الأصبغ «فلم يلفظ أميرالمؤمنين عليه السلام بلفظة إلا وكتبتها».
[٢] . زيادة منا لأن أبا سنان لقب للعباس بن مأمون، كما سيأتي.
[٣] . لم أجد هذه الكلمة ولا معناها فيما تيسّر لي من كتب اللغة.
[٤] . سورة الأنفال، الآية ٤۲.
[٥] . سورة البقرة، الآيتان ۱ ـ ۲.
[٦] . سورة الشورى، الآيتان ۱ ـ ۲.
[٧] . سورة الأعراف، الآيتان ۱ ـ ۲.
[٨] . سورة فصّلت، الآية ٤٦.
[٩] . في الأصل: «الم»  ولم ترد آية فى القرآن الكريم بهذه الحروف تتبعها آية  «تلك آيات....». نعم وردت  «الر * تلك آيات»  في سورة يوسف، الآيتان ۱ ـ ۲.
[١٠] . دخل القرامطة مكة المشرّفة في سنة ۳۱۷ وقلعوا الحجر الأسود ولم يقتل صاحبها وإنما قتلوا هم الحُجّاج بين الركن والمقام، فيحتمل أن يكون الصواب: «فيَقتُل [الناس ]بين الركن والمقام».
[١١] . في الأصل: «عُمَر».
[١٢] . سورة المائدة، الآية ٤٢.
[١٣] . لعل المراد بهذه اللفظة الشطرنج ؛ حيث نهاية لعبه بموت الشاه ـ والشاه حجر من أحجار الشطرنج ـ ويقول الغالب: شاه مات.
[١٤] . في الأصل: «بهم».
[١٥] . في الأصل: «أن تضع» وحذفنا «أن» ليستقيم الكلام.
[١٦] . الفراخ: فراخ الحمام.
[١٧] . الطيهوج: طائر حلال اللحم.
[١٨] . كذا في الأصل، و«شاخه» في الفارسية بمعنى الغصن والفرع. وهذا من أدلة وضع هذه الخطبة ؛ حيث لم تعرّب «شاخه» إلى الآن.
[١٩] . أي لم يشكروا له طاعته. ويمكن أن تقرأ «كَفَّروه».
[٢٠] . في الأصل: «يَدخلوه».
[٢١] . في الأصل: «يسلكوها».
[٢٢] . القُلّة: أعلى الجبل، ولعل المراد الحُصُون المسوّرة.
[٢٣] . سورة المائدة، الآية ٥٥.
[٢٤] . كذا.
[٢٥] . هنا سقط بقدر كلمة.
[٢٦] . سبق أن ذكرنا أن سلب الحجر الأسود و كان سنة ۳۱۷.
[٢٧] . زيادة منا يقتضيها السياق.
[٢٨] . كذا.
[٢٩] . هنا نقص حيث الكلام منقطع.
[٣٠] . كذا.
[٣١] . أرى صوابها: «وآجام». والآجام جمع أجمة، وهي الغابة.
[٣٢] . كذا في الأصل.
[٣٣] . أي للسفياني، وقد سبق ذكر وقائعه.
[٣٤] . في الأصل: الهَجْرِ، وأثبتّ ما لعله الصواب.
[٣٥] . في الأصل: «وخمس».
[٣٦] . كذا، ولعلها «المذار» وهو موضع قرب مدينة العمارة في العراق.
****************************