طبقات الرعية وتكاملها
من كتاب للامام علي ( ع ) كتبه لمالك الاشتر النخعي ، لما ولاه على مصر وأعمالها ، حين اضطرب أمر محمد بن أبي بكر . وهوأطول عهد وأجمع كتبه للمحاسن .
يقول فيه : واعلم أنّ الرّعيّة طبقات لا يصلح بعضها إلاّ ببعض ، ولا غنى ببعضها عن بعض :
فمنها جنود اللّه ، ومنها كتّاب العامّة والخاصّة ، ومنها قضاة العدل ، ومنها عمّال الإنصاف والرّفق ، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذّمّة ومسلمة النّاس ، ومنها التّجّار وأهل الصّناعات ، ومنها الطّبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة ، وكلّ قد سمّى اللّه له سهمه ( أي نصيبه من الحق ) .
ووضع على حدّه فريضة في كتابه أوسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عهدا منّه عندنا محفوظا .
فالجنود بإذن اللّه ، حصون الرّعيّة ، وزين الولاة ، وعزّ الدّين ، وسبل الأمن . وليس تقوم الرّعيّة إلاّ بهم . ثمّ لا قوام للجنود إلاّ بما يخرج اللّه لهم من الخراج الّذي يقوون به على جهاد عدوّهم ، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ، ويكون من وراء حاجتهم . ثمّ لا قوام لهذين الصّنفين إلاّ بالصّنف الثّالث من القضاة والعمّال والكتّاب ، لما يحكمون من المعاقد ، ويجمعون من المنافع ، ويؤتمنون عليه من خواصّ الأمور وعوامّها . ولا قوام لهم جميعا إلاّ بالتّجار وذوي الصّناعات ، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ، ويقيمونه من أسواقهم ، ويكفونهم من التّرفّق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم . ثمّ الطّبقة السّفلى من أهل الحاجة والمسكنة ، الّذين يحقّ رفدهم ومعونتهم ، وفي اللّه لكلّ سعة ، ولكلّ على الوالي حقّ بقدر ما يصلحه ، وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه اللّه من ذلك إلاّ بالإهتمام والإستعانة باللّه ، وتوطين نفسه على لزوم الحقّ ، والصّبر عليه فيما خفّ عليه أوثقل . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٢ ، ٥٢٢ )
الغوغاء
وقال الامام علي ( ع ) :
في صفة الغوغاء ( وهم اوباش الناس ) : هم الّذين إذا اجتمعوا غلبوا ، وإذا تفرّقوا لم يعرفوا . وقيل : بل قال عليه السلام : هم الّذين إذا اجتمعوا ضرّوا ، وإذا تفرّقوا نفعوا .
فقيل : قد عرفنا مضرة اجتماعهم ، فما منفعة افتراقهم ؟ فقال ( ع ) : يرجع أصحاب المهن إلى مهنتهم ، فينتفع النّاس بهم ، كرجوع البنّاء إلى بنائه ، والنّسّاج إلى منسجه ، والخبّاز إلى مخبزه . ( ١٩٩ ح ، ٦٠٢ )
وقال ( ع ) وقد أتي بجان ومعه غوغاء : لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ عند كلّ سوأة . ( ٢٠٠ ح ، ٦٠٣ )
سياسة الخاصة واختيار البطانة الصالحة
ومن كتابه ( ع ) لمالك الاشتر ، لما ولاّه على مصر وأعمالها : وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ وأعمّها في العدل ، وأجمعها لرضا الرّعيّة ، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة ، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة . وليس أحد من الرّعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرّخاء ، وأقلّ معونة له في البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ، وأقل شكرا عند الإعطاء ، وأبطأ عذرا عند المنع ، وأضعف صبرا عند ملمّات الدّهر من أهل الخاصّة . وإنّما عماد الدّين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء ، العامّة من الأمّة . فليكن صغوك لهم وميلك معهم . ( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥١٩ )
ومن كتابه ( ع ) لمالك الاشتر : إنّ شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ، ومن شركهم في الآثام ، فلا يكوننّ لك بطانة . فإنّهم أعوان الأثمة ، وإخوان الظّلمة . وأنت واجد منهم خير الخلف ممّن له مثل آرائهم ونفاذهم ، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم ، ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه ، ولا آثما على إثمه . أولئك أخفّ عليك مؤونة ، وأحسن لك معونة ، وأحنى عليك عطفا ، وأقلّ لغيرك إلفا ( أي محبة ) . فاتّخذ أولئك خاصّة لخلواتك وحفلاتك . ثمّ ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك ( أي الحق الذي قوله مر ) وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك ، ممّا كره اللّه لأوليائه ، واقعا ذلك من هواك حيث وقع . والصق بأهل الورع والصّدق ، ثمّ رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله ، فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزّهووتدني من العزّة .( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥٢٠ )
ومن كتابه ( ع ) لمالك الاشتر : ثم الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصّالحة والسّوابق الحسنة ، ثمّ أهل النّجدة والشّجاعة والسّخاء والسّماحة ، فإنّهم جماع من الكرم ، وشعب من العرف ( أي المعروف ) . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٢ ، ٥٢٤ )
ومن كتابه ( ع ) لمالك الاشتر : ثمّ إنّ للوالي خاصّة وبطانة ، فيهم استئثار وتطاول وقلّة إنصاف في معاملة ، فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال . ولا تقطعنّ لأحد من حاشيتك وحامّتك ( أي قرابتك ) قطيعة ( أي منحة من الارض ) ، ولا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة ، تضرّ بمن يليها من النّاس ، في شرب أوعمل مشترك ، يحملون مؤونته على غيرهم ، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك ، وعيبه عليك في الدّنيا والآخرة . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٤ ، ٥٣٥ )
المشيرون
قال الامام علي ( ع ) :
فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ ، أومشورة بعدل . فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطيء ، ولا آمن ذلك من فعلي ، إلاّ أن يكفي اللّه من نفسي ما هوأملك به منّي . فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره . يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا ، وأخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه . فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى ،وأعطانا البصيرة بعد العمى . ( الخطبة ٢١٤ ، ٤١٣ )
ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ، ويعدك الفقر . ولا جبانا يضعفك عن الأمور . ولا حريصا يزيّن لك الشّره بالجور . فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظّنّ باللّه . ( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥٢٠ )
وأكثر مدارسة العلماء ، ومنافثة الحكماء ، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك ، وإقامة ما استقام به النّاس قبلك . ( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥٢٢ )
وقال ( ع ) لعبد اللّه بن العباس : لك أن تشير عليّ وأرى ، فإن عصيتك فأطعني . ( ٣٢١ ح ، ٦٣٠ )
معاملة ذوي المروءات والاحساب
ومن كتابه ( ع ) لمالك الاشتر ، لما ولاه مصر : ثمّ الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصّالحة والسّوابق الحسنة ، ثمّ أهل النّجدة والشّجاعة والسّخاء والسّماحة ، فإنّهم جماع من الكرم ، وشعب من العرف ( أي المعروف ) . ثمّ تفقّد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما ، ولا يتفاقمنّ في نفسك شيء قوّيتهم به ، ولا تحقرنّ لطفا تعاهدتهم به وإن قلّ ، فإنّه داعية لهم إلى بذل النّصيحة لك ، وحسن الظّنّ بك . ولا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها ، فإنّ لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به ، وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٢ ، ٥٢٤ )
سياسة ( الجنود )
ويتابع الامام ( ع ) كتابه لمالك الاشتر قائلا :فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه ولرسوله ولإمامك ، وأنقاهم جيبا ، وأفضلهم حلما . ممّن يبطيء عن الغضب ، ويستريح إلى العذر ، ويرأف بالضّعفاء ، وينبوعلى الأقوياء . وممّن لا يثيره العنف ، ولا يقعد به الضّعف . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٢ ، ٥٢٤ ) وليكن آثر رؤوس جندك عندك ، من واساهم في معونته ، وأفضل عليهم من جدته . بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم ، حتّى يكون همّهم هما واحدا في جهاد العدو. فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك . وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد ، وظهور مودّة الرّعيّة . وإنّه لا تظهر مودّتهم إلاّ بسلامة صدورهم ، ولا تصحّ نصيحتهم إلاّ بحيطتهم على ولاة الأمور ، وقلّة استثقال دولهم ، وترك استبطاء انقطاع مدّتهم . فافسح في آمالهم ، وواصل في حسن الثّناء عليهم ، وتعديد ما أبلى ذووالبلاء منهم ، فإنّ كثرة الذّكر لحسن أفعالهم تهزّ الشّجاع ، وتحرّض النّاكل ، إن شاء اللّه . ثمّ اعرف لكلّ امريء منهم ما أبلى ، ولا تضيفنّ بلاء امرىء إلى غيره . ولا تقصّرنّ به دون غاية بلائه ، ولا يدعونّك شرف امرىء إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ، ولا ضعة امرىء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٢ ، ٥٢٤ )
سياسة ( القضاة )
ويتابع الامام ( ع ) كتابه لمالك الاشتر قائلا :
ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك ، ممّن لا تضيق به الأمور ، ولا تمحكه الخصوم ، ولا يتمادى في الزّلّة ، ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على طمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه . وأوقفهم في الشّبهات . وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم على تكشّف الأمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم . ممّن لا يزدهيه إطراء ، ولا يستميله إغراء . وأولئك قليل . ثمّ أكثر تعاهد قضائه ، وافسح له في البذل ما يزيل علّته ، وتقلّ معه حاجته إلى النّاس . واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك . ليأمن بذلك اغتيال الرّجال له عندك . فانظر في ذلك نظرا بليغا ، فإنّ هذا الدّين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار ، يعمل فيه بالهوى ، وتطلب به الدّنيا . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٢ ، ٥٢٦ )
سياسة ( العمال على البلاد )
ويتابع الامام ( ع ) كتابه لمالك الاشتر قائلا : ثمّ انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا ( أي ولهم الاعمال بعد الامتحان ) ، ولا تولّهم محاباة وأثرة ، فإنّهما جماع من شعب الجور والخيانة . وتوخّ منهم أهل التّجربة والحياء ، من أهل البيوتات الصّالحة والقدم في الإسلام المتقدّمة ، فإنّهم أكرم أخلاقا وأصحّ أعراضا ، وأقلّ في المطامع إشراقا ، وأغلب في عواقب الأمور نظرا . ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق ، فإنّ ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أوثلموا أمانتك . ثمّ تفقّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصّدق والوفاء عليهم ، فإنّ تعاهدك في السّرّ لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرّفق بالرّعيّة . وتحفّظ من الأعوان ، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك ، اكتفيت بذلك شاهدا ، فبسطت عليه العقوبة في بدنه ، وأخذته بما أصاب من عمله . ثمّ نصبته بمقام المذلّة ، ووسمته بالخيانة ، وقلّدته عار التّهمة .
( الخطبة ٢٩٢ ، ٣ ، ٥٢٧ )
سياسة ( جباية الخراج وعمارة الارض )
ويتابع الامام ( ع ) كتابه لمالك الاشتر قائلا : وتفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله ، فإنّ في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ، ولا صلاح لمن سواهم إلاّ بهم . لأنّ الناس كلّهم عيال على الخراج وأهله . وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج ، لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة . ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ، ولم يستقم أمره إلاّ قليلا . فإن شكوا ثقلا أوعلّة أوانقطاع شرب أوبالّة ( أي مطر تبل الارض ) ، أوإحالة أرض اغتمرها غرق أوأجحف بها عطش ، خفّفت عنهم بما ترجوأن يصلح به أمرهم ، ولا يثقلنّ عليك شيء خفّفت به المؤونة عنهم ، فإنّه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك ، وتزيين ولايتك ، مع استجلابك حسن ثنائهم ، وتبجّحك باستفاضة العدل فيهم ، معتمدا فضل قوّتهم ، بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم ( أي اراحتك لهم ) والثّقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم ، فربّما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به . فإنّ العمران محتمل ما حمّلته ، وإنّما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها ، وإنّما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع ، وسوء ظنّهم بالبقاء ، وقلّة انتفاعهم بالعبر . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٣ ، ٥٢٨ )
سياسة ( الكتّاب )
ويتابع الامام ( ع ) كتابه لمالك الاشتر قائلا : ثمّ انظر في حال كتّابك ، فولّ على أمورك خيرهم ، واخصص رسائلك الّتي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ، ممّن لا تبطره الكرامة ، فيجتريء بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمّالك عليك ، وإصدار جواباتها على الصّواب عنك ، فيما يأخذ لك ويعطي منك ، ولا يضعف عقدا اعتقده لك ، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك . ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور ، فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل . ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك ( أي ثقتك ) وحسن الظّنّ منك ، فإنّ الرّجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنّعهم وحسن خدمتهم ، وليس وراء ذلك من النّصيحة والأمانة شيء . ولكن اختبرهم بما ولّوا للصّالحين قبلك ، فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثرا ، وأعرفهم بالأمانة وجها ، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك للّه ولمن ولّيت أمره . واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأسا منهم ، لا يقهره كبيرها ، ولا يتشتّت عليه كثيرها ، ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٣ ، ٥٢٩ )
سياسة ( التجار وذوي الصناعات )
ويتابع الامام ( ع ) كتابه لمالك الاشتر قائلا : ثمّ استوص بالتّجّار وذوي الصّناعات وأوص بهم خيرا : المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفّق ببدنه ، فإنّهم موادّ المنافع ، وأسباب المرافق ، وجلاّبها من المباعد والمطارح ، في برّك وبحرك وسهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم النّاس لمواضعها ولا يجترؤون عليها ، فإنّهم سلم لا تخاف بائقته ، وصلح لا تخشى غائلته . وتفقّد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك . واعلم مع ذلك أنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا ، وشحّا قبيحا ، واحتكارا للمنافع ، وتحكّما في البياعات . وذلك باب مضرّة للعامّة وعيب على الولاة . فامنع من الإحتكار ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم منع منه . وليكن البيع بيعا سمحا : بموازين عدل ، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع . فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به ، وعاقبه في غير إسراف . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٣ ، ٥٣٠ )
معاملة الطبقة السفلى ( المحرومين )
ويتابع الامام ( ع ) كتابه لمالك الاشتر قائلا : ثمّ اللّه اللّه في الطّبقة السّفلى من الّذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزّمنى ( أي أصحاب العاهات المانعة من الكسب ) ، فإنّ في هذه الطّبقة قانعا ( أي سائلا ) ومعترا ( أي يعطى بلا سؤال ) . واحفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم ، واجعل لهم قسما من بيت مالك ، وقسما من غلاّت صوافي الإسلام في كلّ بلد ، فإنّ للأقصى منهم مثل الّذي للأدنى ، وكلّ قد استرعيت حقّه ، فلا يشغلنّك عنهم بطر ، فإنّك لا تعذر بتضييعك التّافه ، لإحكامك الكثير المهمّ . فلا تشخص ( أي لا تصرف ) همّك عنهم ، ولا تصعّر خدّك لهم ، وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون ، وتحقره الرّجال . ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتّواضع ، فليرفع إليك أمورهم ، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى اللّه يوم تلقاه ، فإنّ هؤلاء من بين الرّعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم ، وكلّ فاعذر إلى اللّه في تأدية حقّه إليه . وتعهّد أهل اليتم وذوي الرّقّة في السّنّ ممّن لا حيلة له ، ولا ينصب للمسألة نفسه ، وذلك على الولاة ثقيل ( والحقّ كلّه ثقيل ) . وقد يخفّفه اللّه على أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا أنفسهم ، ووثقوا بصدق موعود اللّه لهم . واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك ، وتجلس لهم مجلسا عامّا فتتواضع فيه للّه الّذي خلقك ، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك ، حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول في غير موطن : « لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع » . ثمّ احتمل الخرق منهم والعيّ ، ونحّ عنهم الضّيق والأنف ، يبسط اللّه عليك بذلك أكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب طاعته . وأعط ما أعطيت هنيئا ، وامنع في إجمال وإعذار . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٣ ، ٥٣١ )
سياسة الرعية ( العامة )
من كتاب له ( ع ) الى بعض عماله : أمّا بعد . فإنّ دهاقين أهل بلدك ( أي أكابرهم ) شكوا منك غلظة وقسوة ، واحتقارا وجفوة ، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم ( أي لأنهم مشركون ) ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم . فالبس لهم جلبابا من اللّين تشوبه بطرف من الشّدّة ، وداول لهم بين القسوة والرّأفة ، وامزج لهم بين التّقريب والإدناء ، والإبعاد والإقصاء . إن شاء اللّه .( الخطبة ٢٥٨ ، ٤٥٧ )
ومن عهد له ( ع ) الى محمد بن أبي بكر يوصيه بالرعية : فاخفض لهم جناحك ، وألن لهم جانبك ، وأبسط لهم وجهك . وآس ( أي سو) بينهم في اللّحظة والنّظرة . حتّى لا يطمع العظماء في حيفك لهم ، ولا ييأس الضّعفاء من عدلك عليهم . فإنّ اللّه تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصّغيرة من أعمالكم والكبيرة ، والظّاهرة والمستورة ، فإن يعذّب فأنتم أظلم ، وإن يعف فهوأكرم . . . ( الخطبة ٢٦٦ ، ٤٦٥ )
ومن كتاب له ( ع ) الى بعض عماله : أمّا بعد ، فإنّك ممّن أستظهر به على إقامة الدّين ، وأقمع به نخوة الأثيم ، وأسدّ به لهاة الثّغر المخوف . فاستعن باللّه على ما أهمّك ، واخلط الشّدّة بضغث من اللّين ، وارفق ما كان الرّفق أرفق ، واعتزم بالشّدّة حين لا يغني عنك إلاّ الشّدّة . واخفض للرّعيّة جناحك ، وابسط لهم وجهك ، وألن لهم جانبك وآس ( أي سو) بينهم في اللّحظة والنّظرة ، والإشارة والتّحيّة ، حتّى لا يطمع العظماء في حيفك ، ولا ييأس الضّعفاء من عدلك ، والسّلام ( الخطبة ٢٨٥ ، ٥١٠ )
من كتاب له ( ع ) كتبه لمالك الاشتر لما ولاه مصر : ثمّ اعلم يا مالك ، أنّي قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور ، وأنّ النّاس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، وإنّما يستدلّ على الصّالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده . فليكن أحبّ الذّخائر إليك ذخيرة العمل الصّالح . فاملك هواك وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك ، فإنّ الشّحّ بالنّفس الإنصاف منها فيما أحبّت أوكرهت . وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة ، والمحبّة لهم ، واللّطف بهم ، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدّين ، أونظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزّلل ( أي يسبق منهم الخطأ ) ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ . فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الّذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، واللّه فوق من ولاّك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم . ولا تنصبنّ نفسك لحرب اللّه ، فإنّه لا يد لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ، ولا تندمنّ على عفو، ولا تبجحنّ ( أي تفرحن ) بعقوبة ، ولا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة ، ولا تقولنّ إنّي مؤمّر آمر فأطاع ، فإنّ ذلك إدغال في القلب ، ومنهكة للدّين ، وتقرّب من الغير ( نوائب الدهر ) . ( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥١٧ )
أنصف اللّه وأنصف النّاس من نفسك ومن خاصّة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيّتك ، فإنّك إلاّ تفعل تظلم ومن ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده ، ومن خاصمه اللّه أدحض حجّته ، وكان للّه حربا حتّى ينزع أويتوب . وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم ، فإنّ اللّه سميع دعوة المضطهدين وهوللظّالمين بالمرصاد . ( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥١٩ )
وليكن أبعد رعيّتك منك وأشنأهم عندك ( أي أبغضهم ) أطلبهم لمعائب النّاس ، فإنّ في النّاس عيوبا ، الوالي أحقّ من سترها . فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها ، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك . واللّه يحكم على ما غاب عنك . فاستر العورة ما استطعت يستر اللّه منك ما تحبّ ستره من رعيّتك . أطلق عن النّاس عقدة كلّ حقد ، واقطع عنك سبب كلّ وتر ، وتغاب ( أي تغافل ) عن كلّ ما لا يصحّ لك ، ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع ، فإنّ السّاعي غاشّ ، وإن تشبّه بالنّاصحين . ولا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر . ولا جبانا يضعفك عن الأمور . ولا حريصا يزيّن لك الشّره بالجور . فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى ، يجمعها سوء الظّنّ باللّه . ( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥٢٠ )
وإنّما عماد الدّين ، وجماع المسلمين ، والعدّة للأعداء العامّة من الأمّة ، فليكن صغوك لهم ، وميلك معهم . ( ٢٩٢ ، ١ ، ٥٢٠ )
ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه . واعلم أنّه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم ، وتخفيفه المؤونات عليهم ، وترك استكراهه إيّاهم على ما ليس له قبلهم . فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظّنّ برعيّتك ، فإنّ حسن الظّنّ يقطع عنك نصبا طويلا . وإنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده ، وإنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده . ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة ، واجتمعت بها الألفة ، وصلحت عليها الرّعيّة . ولا تحدثنّ سنّة تضرّ بشيء من ماضي تلك السّنن ، فيكون الأجر لمن سنّها والوزر عليك بما نقضت منها . وأكثر مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء ( أي محادثتهم ) ، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك ، وإقامة ما استقام به النّاس قبلك . ( الخطبة ٢٩٢ ، ١ ، ٥٢١ )
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك ، وتجلس لهم مجلسا عامّا ، فتتواضع فيه للّه الّذي خلقك ، وتقعد عنهم جندك وأعوانك ، من أحراسك وشرطك ، حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول في غير موطن : « لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع » . ثمّ احتمل الخرق منهم والعيّ ( الخرق العنف ، والعي العجز عن النطق ) ، ونحّ عنهم الضّيق والأنف ، يبسط اللّه عليك بذلك أكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب طاعته . وأعط ما أعطيت هنيئا ، وامنع في إجمال وإعذار .
ثمّ أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها : منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك ، ومنها إصدار حاجات النّاس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك .( الخطبة ٢٩٢ ، ٤ ، ٥٣٣ )
وإذا قمت في صلاتك للنّاس ، فلا تكوننّ منفّرا ولا مضيّعا ، فإنّ في النّاس من به العلّة وله الحاجة . وقد سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حين وجّهني إلى اليمن كيف أصلّي بهم ؟ فقال : « صلّ بهم كصلاة أضعفهم ، وكن بالمؤمنين رحيما » . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٤ ، ٥٣٤ ) وأمّا بعد ، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرّعيّة شعبة من الضّيق ، وقلّة علم بالأمور . والإحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصّغير ، ويقبح الحسن ، ويحسن القبيح ، ويشاب الحقّ بالباطل . وإنّما الوالي ، بشر لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور ، وليست على الحقّ سمات تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب . وإنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ ، ففيما احتجابك من واجب حقّ تعطيه ، أوفعل كريم تسديه أومبتلى بالمنع ، فما أسرع كفّ النّاس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أنّ أكثر حاجات النّاس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك ، من شكاة مظلمة ، أوطلب إنصاف في معاملة . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٤ ، ٥٣٤ )
وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد ، وكن في ذلك صابرا محتسبا ، واقعا ذلك من قرابتك وخاصّتك حيث وقع . وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه . فإنّ مغبّة ذلك محمودة . وإن ظنّت الرّعيّة بك حيفا ، فأصحر ( أي أبرز ) لهم بعذرك ، واعدل عنك ظنونهم باصحارك . فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيّتك ، وإعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحقّ .( الخطبة ٢٩٢ ، ٤ ، ٥٣٥ )
إيّاك والدّماء ، وسفكها بغير حلّها . فإنّه ليس شيء أدنى لنقمة ، ولا أعظم لتبعة ، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة ، من سفك الدّماء بغير حقّها . واللّه سبحانه مبتديء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدّماء يوم القيامة ، فلا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك ممّا يضعفه ويوهنه ، بل يزيله وينقله ، ولا عذر لك عند اللّه ولا عندي في قتل العمد ، لأنّ فيه قود ( أي قصاص ) البدن . وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أوسيفك أويدك بالعقوبة ، فإنّ في الوكزة ( الضربة بجمع الكف ) فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّي إلى أولياء المقتول حقّهم . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٥ ، ٥٣٧ )
وإيّاك والمنّ على رعيّتك بإحسانك أوالتّزيّد فيما كان من فعلك ، أوأن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك ، فإنّ المنّ يبطل الإحسان ، والتّزيّد يذهب بنور الحقّ ، والخلف يوجب المقت عند اللّه والنّاس . قال اللّه تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ( الخطبة ٢٩٢ ، ٥ ، ٥٣٨ ) .
وإيّاك والإستئثار بما النّاس فيه أسوة ، والتّغابي عمّا تعنى به ممّا قد وضح للعيون ، فإنّه مأخوذ منك لغيرك . وعمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ، وينتصف منك للمظلوم . إملك حميّة أنفك وسورة حدّك ( أي حدة بأسك ) وسطوة يدك ، وغرب لسانك ، واحترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة ( ما يبدر من اللسان عند الغضب ) وتأخير السّطوة ، حتّى يسكن غضبك فتملك الإختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٥ ، ٥٣٩ )
من كتاب له ( ع ) الى الاسود بن قطيبة صاحب جند حلوان ( في فارس ) : أمّا بعد فإنّ الوالي إذا اختلف هواه ، منعه ذلك كثيرا من العدل ، فليكن أمر النّاس عندك في الحقّ سواء . فإنّه ليس في الجور عوض من العدل . فاجتنب ما تنكر أمثاله ( المقصود : من غيرك ) وابتذل نفسك فيما افترض اللّه عليك ، راجيا ثوابه ، ومتخوّفا عقابه . واعلم أنّ الدّنيا دار بليّة ، لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة ( أي الانسان مسؤول عن كل ساعة فراغ لا يعمل فيها لنفعه ونفع أمته ) ، وأنّه لن يغنيك عن الحقّ شيء أبدا . ومن الحقّ عليك حفظ نفسك ، والاحتساب على الرّعيّة بجهدك ، فإنّ الّذي يصل إليك من ذلك أفضل من الّذي يصل بك ، والسّلام . ( أي ان الثواب الذي يصل للوالي من اللّه والكرامة التي تصله من الرعية هي أعظم بكثير من النفع الذي يصل الى الرعية بسببه ) . ( الخطبة ٢٩٨ ، ٥٤٤ )
من كتاب له ( ع ) الى قثم بن العباس وهوعامله على مكة : ولا يكن لك إلى النّاس سفير إلاّ لسانك ، ولا حاجب إلاّ وجهك . ولا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها ، فإنّها إن ذيدت عن أبوابك في أوّل وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها . ( الخطبة ٣٠٦ ، ٥٥٥ )
من وصية له ( ع ) لعبد اللّه بن العباس ، عند استخلافه اياه على البصرة : سع النّاس بوجهك ومجلسك وحكمك . وإيّاك والغضب فإنّه طيرة من الشّيطان ( أي يتفاءل به الشيطان ) . واعلم أنّ ما قرّبك من اللّه يباعدك من النّار ، وما باعدك من اللّه يقرّبك من النّار . ( الخطبة ٣١٥ ، ٥٦٣ )
اختيار العيون والمخبرين
قال الامام علي ( ع ) :
في عهده لمالك الاشتر في معرض حديثه عن العمال والولاة : ثمّ تفقّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصّدق والوفاء عليهم ، فإنّ تعاهدك في السّرّ لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرّفق بالرّعيّة . وتحفّظ من الأعوان ، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك ، اكتفيت بذلك شاهدا ، فبسطت عليه العقوبة في بدنه ، وأخذته بما أصاب من عمله . ثمّ نصبته بمقام المذلّة ، ووسمته بالخيانة ، وقلّدته عار التّهمة . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٣ ، ٥٢٧ )
وقال ( ع ) في موضع آخر من عهده : وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ، ممّن تقتحمه العيون ( أي تحتقره ) وتحقره الرّجال . ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتّواضع ، فليرفع إليك أمورهم . ( الخطبة ٢٩٢ ، ٤ ، ٥٣٢ )
ما كتب الامام ( ع ) من احلاف
من حلف له ( ع ) كتبه بين ربيعة واليمن : هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها وباديها ، وربيعة حاضرها وباديها ( الحاضر : ساكن المدينة ، والبادي : المتردد في البادية ) ، أنّهم على كتاب اللّه ، يدعون إليه ويأمرون به ، ويجيبون من دعا إليه وأمر به ، لا يشترون به ثمنا ولا يرضون به بدلا ، وأنّهم يد واحدة على من خالف ذلك وتركه ، وأنصار بعضهم لبعض : دعوتهم واحدة ، لا ينقضون عهدهم ، لمعتبة عاتب ، ولا لغضب غاضب ، ( أي لا يعودون للتقاتل عند غضب بعضهم من بعض ) ولا لاستذلال قوم قوما ، ولا لمسبّة قوم قوما على ذلك شاهدهم وغائبهم ، وسفيههم وعالمهم ، وحليمهم وجاهلهم . ثمّ إنّ عليهم بذلك عهد اللّه وميثاقه إِنَّ عَهْدَ اللّهِ كَانَ مَسْؤُولاً . ( الخطبة ٣١٣ ، ٥٦١ )