وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
نظرة في كتاب نهج البلاغة

نهج البلاغة عبارة عن كتاب يضم بين دفتيه مجموعة من الخطب والرسائل والكلمات المتفرقة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.
ينقسم هذا الكتاب الشريف الى ٣ أقسام :
- قسم الخطب .
- قسم الرسائل .
- قسم قصار الكلمات ، او ما يعبر عنها به «الحكم» .

لمحة تاريخية
جمع هذا الكتاب من قبل الشريف الرضي أواخر القرن الثالث الهجري (حوالي ٤٠٠ هـ) ، أي منذ حوالي الألف سنة تقريباً .
كانت هذه الخطب والكلمات والحكم منتشرة في كتب الحديث والتاريخ ، إلا انها لم تكن مدّونة بهذه الكيفية وقد حاول البعض جمعها قبل الشريف الرضي ، إلا انه لم يوفق كما وفق هذا العالم الجليل الذي يدين للجهد والإبداع الذي قام به كل عشاق نهج البلاغة وروّاد معارفه المتنوعة .
وليس كل ما نقل عن أميرالمؤمنين (ع) من خطب ورسائل وحكم موجود في نهج البلاغة ، بل يوجد الكثيرمنها في بطون الكتب المختلفة وقد سعى بعض العلماء المتأخرين لجمعها تحت عنوان «مستدرك نهج البلاغة» .

اعتبار النهج
أدعى البعض ان كتاب نهج البلاغة ليس معتبراً ، لأنه ليس مسنداً إن الراوي ، وهو الشريف الرضي ، لم يذكرسلسلة الاسانيد التي تنتهي الى اميرالمؤمنين ، وهكذا لا يمكن للفقهاء دراسة هذه الاسانيد والتحقق من صحتها ومقبوليتها ، ولذلك لابد من إسقاط الاعتبار والحجية للكتاب .
والجواب : أولاً إن ما ورد في نهج البلاغة منقول في كتب الاحاديث المعتبرة ، ويوجد فيها جميع سلسلات الاسانيد للخطب والرسائل والحكم المجموعة في نهج البلاغة وقد ألف بعض الكتب مؤلفاً في ذلك أسماه :
«مدارك نهج البلاغة ومسانيده» فعدم وجود الأسانيد في نفس نهج البلاغة لا يعني انها فاقدة للسند وبالتالي فهي ليست فاقدة للاعتبار.
ثانياً : إن الغرض من السند هوالحصول على الاطمئنان بصدورالحديث من المعصوم ولا ينحصرذلك به بل قد يكون نفس متن الحديث دليلاً بذاته على صدوره من المعصوم لما يحل من معانٍ إعجازية لا يمكن للناس العاديين في ذلك العصر إدراكها فالأحاديث التي تتحدث عن أحوال المستقبل لا يمكن صدورها إلا من مثل اميرالمؤمنين عليه السلام الذي يتحلّى بالعلم الالهي اللدنّي .
وهذه الفصاحة والبلاغة الراقية لا يمكن ان تصدرعن بشرعادي على هامش الكثيرمن الخطب ، كان يذكرالشريف الرضي : «هذا الكلام لا نظيرله في كلام البشر» .
ومع ان ذلك العصرعصرالفصحاء والبلغاء والمفكرين ، إسلاميين وغيراسلاميين ، إلا انه لم يعترض عليه احد في مقولته تلك (حتى قيل من النهج : «دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين»).

أهمية النهج
تكمن أهمية نهج البلاغة من جهتين ، أولاً من جهة طرح المسائل الاصولية للإسلام : معرفة الله ، الانسان تشخيص الرؤية الاسلامية حول الانسان ، مسألة النبوة وموقعها في تاريخ الانسانية ، مقام النبي ورسالة النبي وأمثالها من المسائل التي تطرح في باب النبوة و...
والخلاصة فإن نهج البلاغة يطرح المسائل الاصولية للاسلام ، وهي اليوم وسيلة لنا لمعرفة الاسلام .
ومن جهة اخرى يشير الامام في نهجه الى المسائل الاجتماعية في محيط المنافقين والمذبذبين ، وهي سمة بارزة في عصره ، ونحن اليوم إذ اردنا إيجاد الحلول لكثير من مسائل الحياة والمسائل السياسية والمشكلات والمعضلات الاجتماعية ، فعلينا أن نستلهم من نهج البلاغة .
ان الكثير من خطب النهج للأسف الشديد ناقصة ، اي انه سقط منها ، إما في بداية الخطبة و إما في نهايتها ، قسماً ، بل ان السيد الرضي كان يحذف بعض كلام الامير في وسط الخطبة ، حيث يصل الى مكان فيقطع الحديث ويقول : «ومنها» منتقلاً الى مقطع آخر، لأنه كان يجمع كلام اميرالمؤمنين بلحاظ أدبي ، أي بالالتفات الى ما فيه من البلاغة والفصاحة فقط ولذلك أسماه نهج البلاغة .

أمهات المسائل في النهج
١ - العقائد : لم تطرح المسائل العقائدية على نسق متكلمي القرن الثالث والرابع الهجري ، بل كانت دائماً متحلية بالذوق المعنوي والعرفاني وإذا أراد انسان ان يسمع كلام علي (ع) في باب التوحيد فسيجد بيانه اجمالاً متفاوتاً مع بيان الخواجة نصيرالدين الطوسي ، المتكلم والفيلسوف الاسلامي المعروف ، ومع أي متكلم وفيلسوف آخر .
وتشمل المسائل العقائدية مسائل عديدة مثل التوحيد ، الانسان ، القيامة ، النبوة ، الامامة وسائر المسائل الاصولية الاسلامية .
٢ - المسائل الاجتماعية والسياسية سواء بالنظر الى السياسة الكلية للمجتمع ام السياسة الجزئية مثلاً : كيفية إدارة البلد وروابط الحاكم مع مرؤوسيه ومع عامة الناس ، كما في عهده المشهور لمالك الاشترعند تعيينه والياً على مصر، ومنها كيفية المواجهة مع العدو ، القاطعية مع عدم إثارة العدوات العديمة الجدوي ، وعدم اشغال القلب بما لا طائل منه ، ووسائل اجتماعية اخرى كثيرة منها ما يتعلق بذلك العصر ، ومنها ما يتعلق بكل مجتمع ، وفي اي حقبة من التاريخ .
٣ - الاخلاق : تزكية النفس وتهذيبها ، وتربية الانسان من العناوين الرئيسية التي تعرض لها نهج البلاغة بالتفصيل وهذا الموضوع من المواضيع ، المهمة جداً في الكتاب ، لكن للأسف لم يدرس بشكل كامل حتى الآن وحتى المرحوم الشهيد المطهري في كتابه «في رحاب نهج البلاغة» لم يتعرض للموضوع بالكامل ، وإنما اتخذ منه موضوعات متناثرة وقام بشرحها وتوضيحها وكذلك فعل آخرون .
سؤال : قلتم ان نهج البلاغة معتبر بشكل كامل ، فهل هذا يعني أن جميع ما ورد في نهج البلاغة مسند وصحيح ،وما تقولون في مورد حديث الامام (ع) عن النساء : هن نواقص العقول ؟ .
الجواب : تعلمون جيداً اننا عندما نقول باعتبار كتاب ما ، فهذا لا يعني ان كل ما ورد فيه صحيح ومسند ، حتى تقولوا لا يوجد اي حديث غير معتبرفي هذا الكتاب فلا ينطبق هذا الكلام على اي كتاب ومنها نهج البلاغة ، ولكن هذا لا يسمح لنا بالقول ان هذا الكتاب غير معتبر، فهذا كلام خاطىء ، لأن اسانيد محتويات هذا الكتاب موجودة في مصادرها ، واما بخصوص المثال الذي ذكرتموه عن النساء «هنّ نواقص العقول» فيمكن تأويل هذا الكلام دون أية إهانة للمراة ودون ان يتعارض مع روح القرآن .
من الاخطاء الشائعة انه اذا لم ندرك الوجه الصحيح للحديث ، فإننا فوراً نقول : بأنه غيرمسند ولكن ماذا لوجاء شخص واكتشف سند هذا الحديث فماذا نقول ؟
في الواقع يجب ان نفكر دائماً بهذه الطريقة ، هل يمكن ان نفهم شيئاً من الرواية لا يتنافي مع القرآن ؟ فلو كان المعنى متنافياً مع القرآن نضرب به عرض الحائط سواء كان مسنداً ام لا ، الأئمة انفسهم قالوا : «ما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الحائط» .
ولكن ألا يمكن ان نفهم من الرواية معنى لا يخالف القرآن ؟ مثلاً: افرضوا ان علي بن ابي طالب (ع) يشير الى نساء ذلك الزمان ، ألم تكن النساء في ذلك الحين قد خرجت لتوّها من عصر الجاهلية ؟ وهل تخلصت واقعاً في تلك الفترة الوجيزة من رواسب التربية الجاهلية وثقافتها المختلّفة ؟
وبالتأكيد هذا لا يعني ان الرجال قد تخلصوا جميعاً من هذه الرواسب ، ولكن الآثار الجاهلية كانت أقوى بكثيرعند المرأة من الرجل، خصوصاً إذا علمنا ان المرأة حسب التقاليد الاجتماعية السائدة آنذاك ، كانت تابعة بشكل شبه كامل للرجل وما لم يصلح الرجال لن تصلح النساء وفي الواقع ، فالحديث الشريف يشير الى مظلومية للمرأة ، وليس الى انقاص مكانتها او إهانتها .

****************************