اشار امير المؤمنين عليه السلام في عدد من خطبه الشريفة في نهج البلاغة وغيرها من كتب الحديث الى تفاصيل اكثر دقة ما يخص نشاءة الكون وبداية الخلق والقارئ لهذه الفقرات يجد ان هنالك تباين كبير بين ما يذكره عليه السلام وبين نظرية الانفجار الكبير فمنه ما ذكر في الخطبة الاولى من نهج البلاغة يذكر فيه بداية الخلق نقتبس منه ما يفيد الموضوع....
(......... اِنْشَاءَ الْخَلْقَ اِنْشاءً وَاِبْتَدَاهُ ابْتِداءً، بِلا رَوِيَّهٍ اَجالَها، وَلا تَجْرِبَهٍ اِسْتَفادَها، وَلا حَرَكَهٍ اَحْدَثَها، وَلا هَمامَهِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فيها، اءَحالَ الاَشْياءَ لاَوْقاتِها، وَلاَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفاتِها، وَغَرَّزَ غَرائِزَها وَاَلْزَمَها اَشْباحَها عالِما بِها قَبْلَ اِبْتِدائِها مُحِيطا بِحُدودِها وَاِنْتِهائِها، عارِفا بِقَرائِنِها وَاَحْنائِها.
ثُمَّ اِنْشاءَ سُبْحانَهُ فَتْقَ الاَجْواءِ وَشَقَّ الاَرْجاءِ وَسَكائِكَ الْهَواءِ، فَاءَجْرى فِيها ماءً مِتَلاطِما تَيّارُهُ، مَتَراكِما زَخّارُهُ، حَمَلَهُ عَلى مَتْنِ الرِّيحِ الْعاصِفَهِ، وَالزَّعْزَعِ الْقاصِفَهِ، فَاءَمَرَها بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَها عَلى شَدِّهِ، وَقَرَنَها الى حَدِّهِ، الْهَواءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيْقٌ، وَالْماءُ مِنْ فَوْقِها دَفِيقٌ، ثُمَّ اءَنْشَاءَ سُبْحانَهُ رِيْحا اِعْتَقَمَ مَهَبَّها وَاءدامَ مُرَبَّها، وَاءَعْصَفَ مَجْراها، وَاءَبْعَدَ مُنْشاها، فَاءمَرَها بِتَصْفِيقِ الْماءِ الزَّخّارِ، وَاِثارَهِ مَوْجِ الْبِحارِ.
فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ الْسِّقاءِ، وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَها بِالْفَضاءِ، تَرُدُّ اَوَّلَهُ عَلى آخِرِهِ، وَساجِيَهُ عَلى مائِرِهِ، حَتّى عَبَّ عُبابُهُ، وَرَمى بِالزَّبَدِ رُكامُهُ فَرَفَعَهُ فى هَواءٍ مُنْفَتِقٍ، وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ، فَسَوّى مِنْهُ سَبْعَ سَماواتٍ جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجا مَكْفوفا وَعُلْياهُنَّ سَقْفا مَحْفوظا، وَسَمُكا مَرْفوعا. بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُها، وَلا دِسارٍ يَنْتَظِمُها، ثُمَّ زَيَّنَها بِزينَهٍ الْكَواكِبِ، وَضِياءِ الثَّواقِبِ، وَاءَجْرى فِيها سِراجا مُسْتَطِيرا، وَقَمَرا مُنيرا، فى فَلَكٍ دائِرٍ، وَسَقْفٍ سائِرٍ، وَرَقِيمٍ مائِرٍ.
ثُمَّ فَتَقَ ما بَيْنَ السَّماواتِ الْعُلى، فَمَلَاءَهُنَّ اءَطْوارا مِنْ مَلائِكَتِهِ....)[١].[٢]
تعد نظرية الانفجار الكبير أكثر النظريات مقبولية في الوسط العلمي الأكاديمي والتي تفسر نشاءة الكون، واستندت عليه أكثر الرؤى والفرضيات الفيزيائية التي اتت بعدها بشان عمر الكون ومراحل تطوره وطبيعة تكوين وحداته البنائية من الذرة الى المجرة، وربما تكون هذه النظرية قد أصابت في بعض من الجوانب وفي بعض المراحل لتفسير بعض الظواهر الفيزيائية الجزئية على النطاق ألمختبري الا انه تبقى هنالك بعض المواخذات والأسئلة الاساسية التي لم تفلح هذه النظرية الإجابة عليها، واذا رجعنا الى ظروف ولادة هذه النظرية نجدها انها قبلت في الوسط العلمي على مضض لان الوسط العلمي آن ذاك (وربما الان على نطاق غير قليل) كانت تتبنى الفلسفة المادية والتي تقول بالكون سرمدي الوجود ونظرية مثل الانفجار الكبير التي استندت على اكتشاف اوين هابل وفق مبدا تاثير دوبلر او الانزياح الاحمر[٣] لتوسع الكون والذي يثبت بالنتيجة القطعية بان للكون كان له يوم قد خلق فيه في الزمن الماضي وهذا يجرهم طبعا الى الاقرار بوجود خالق للكون.
وعلى الرغم مما امتلكته هذه النظرية قبولا بين المع علماء الفيزياء الكونية بل وحتى في بعض الأوساط الدينية وكذا بالنسبة لما موجود في مخطوطات بعض الحضارات القديمة مما وجد في ما يسمونه بالأساطير و الملاحم الشعرية إلا انه تبقى هنالك تساؤلات يجب على متبني هذه النظرية الإجابة عليها بشكل أكثر دقة و تفصيلا والابتعاد عن سرد الفرضيات التي تتبعها فرضيات وفق ما الزمت نفسها من المنهج العلمي للبحث والتي أصبحت تتمتع بقواعد صارمة في العقود الأخيرة لإقرار نظرية ما او تفنيدها او اعطاء نسبة لوجاهتها المنطقية، فضلا عن المطالبة بالمعادلات والارقام الرياضية لاثبات تلك الفرضيات ومن ناحية اخرى فاننا نجد ان القران الكريم له راي تفصيلي في قضية نشاءة الكون الذي لا نسميها بالانفجار الكبير ومن بعد القران الكريم فان للإمام علي عليه السلام وقفات كثيرة لإعطاء المفهوم الصحيح والدقيق لنشاءة الكون بصورة مباينة عن من يتبنى هذه النظرية فالقرآن الناطق ها هنا هو الذي يفسر لنا القران الصامت واذا لم نقل بالأدلة الفلسفية والمنطقية لمحاججة متبني هذه النظرية فليس امامنا الا ان نطرح الاسئلة المنطقية وفق المنظور الفيزيائي المادي ونرى اين تكمن الاجابات المنطقية التي تكون احق بالاتباع والتبني.
يشرح لنا ستيفن هاوكنك[٤] قصة الانفجار الكبير في كتابه (موجز تاريخ الزمن) ويقول:
في البدء كانت هناك (بيضة كونية) أشبة بذرة غبار موضوعة على طاولة، ثم تكثف العالم بأسره وبكامل وزنه حول هذه الجسيمية. ؟؟؟؟؟؟
نقول حسنا.... ما هي هذه البيضة الكونية ؟
(بيضة دجاج ام بيضة نعام ام بيضة بلاستيكية...) ؟
من أي شي كانت مادته....؟
من أين جاءت هذه البيضة ؟
هل جاءت من وحدها ام اتى بها احد ؟
لماذا تكثف العالم به ؟
ومن ثم لماذا انفجرت؟
وكيف انفجرت ؟
من الذي فجرها ؟
ولماذا سوف تنكمش ؟
ووفقا للمنطق العلمي الصارم للبحث فالعقل يحتم علينا ان لا نقبلها الا بعد الإجابة عن كل تلك الأسئلة او بعضها على الاقل... ايمكن ان ينشاء من انفجار قنبلة في منزل فيؤدي الى ترتيب اثاث المنزل في اماكنه الصحيحة بدلا من تحطيم المنزل، فهل كانت هذه القنبلة ما نسميها بالقنابل الذكية بحيث يؤدي انفجارها الى كل هذا النظام الديناميكي الدقيق ؟
واذا تابعنا المراحل التي مرت بها اثار هذا الانفجار.... فكل انفجار في سلسلة تفاعلات نظرية الانفجار الكبير يؤدي الى ترتيب وكل تصادم بين الكواكب يؤدي الى نظام، نحن نعلم بان العشوائية لا يمكن ان يؤدي الى الترتيب... فهل هذا مجرد خطا في التسمية ام ان الاسم عين المعنى.
يعترف علماء الفيزياء بعجزهم عن الإجابة فبعضهم قال (كانت البيضة هناك منذ البدا)!!!
ويقول آخرون نحن لا نعلم شيئا بالضبط من هذه النظرية رغم تبنيهم لها، ويقول ستيفن هويكنك متهربا (الاجابة على هذا السؤال كمن تسال احد يقف في القطب الشمالي وتساله اين يقع القطب الشمالي من القطب الشمالي)، ومن ثم يحددون زمن هذا الانفجار بزهاء عشرة الآف مليون سنة وقال البعض اكثر من ذلك وربما أضاف او انقص البعض الاخر وتبقى الرقم الحقيقي في تراقص مستمر.
ثم كان على أول مجموعة بدائية من النجوم أن تتكون أولا وهذه النجوم هي التي عملت على تحويل بعض جزيئات الهيدروجين والهليوم الأصلية إلى العناصر التي تتكون منها، كالكربون والاكسجين، وهكذا دواليك.
وفي كتاب (هل ضل هاوكينك) المنشور عام ١٩٩٣ لمؤلفه كراوس يذكر بانه قدر وزن الكون الاجمالي بنحو(٨*١٠ ٢٥ طن) ويعقب مستنتجا فيقول (ان ذرة من المادة أصغر حجما من جسمية الغبار التي على طاولتي، قد تمكنت من استيعاب وزن العالم باسره بعد تكثيفه، تفوق كل تصور وكل خيال... من هنا ضرورة التشكيك الجدي في صحة نظرية الانفجار العظيم).
وفي كتاب آخر تحت عنوان (الانفجار العظيم لم يحصل على الإطلاق) للمؤلف (لرنر)، الذي برهن ان الانفجار العظيم ليس سوى مجرد اسطورة مناقضة للملاحظات العلمية، ولم تصمد نظرية الانفجار العظيم أمام أي امتحان، ومع هذا لا تزال تاتي في طليعة النظريات حول أصل الكون ومن جهة اخرى، فالافتراضات النظرية المبنية عليها فكرة الانفجار العظيم، لاتزال ترتفع مثل برج عال وبذلك، يكون علماء الأبحاث الكونية قد عادوا إلى شكل من أشكال الأسطورة الحسابية... كما ان اختصاصات كثيرة في هذا الحقل، هي مبنية الان على نظريات لم يجر إخضاعها للاختبار الحسي، و استمر التمسك بها على الرغم من عدم صمودها تجاه هذه الامتحانات.
وفي آب ١٩٨٩ نشرت مجلة (الطبيعة Nature) الانكليزية مقالا اختتاميا تحت عنوان (لتسقط نظرية الانفجار العظيم) وصفت هذه النظرية بانها غير مقبولة وقالت ايضا انها لن تعمر على مدى عشر السنوات التالية، ثم اختتمت هذه المجلة المقال بالقول (ان هذه النظرية عن اصل الكون، وعلى الرغم من سهولتها، هي غير مقبولة على الإطلاق من كل وجه، انها نتيجة لا يمكن تحديد مسببها، ولا حتى التداول حوله)[٥].
فهذا التناقض في الرؤى الفيزيائية يزيد من رفضنا لهذه النظرية رغم اننا نؤيد التوسع كما نؤيد بداية خلق الكون وتبقى هنالك الخلاف محصورا في طريقة نشوء الكون في كونها نشاءت تدريجيا ام انفجاريا.
ونضيف ايضا بعضا من التساؤلات للنظرية وطريقة النشوء ونتائجها ونقول
ما الذي يجعل الكون يتمدد ؟
وما يخلف وراء هذا التمدد؟
فهل يخلف الفراغ ورائه؟ ام طاقة ؟ ام شيئا اخر ؟
فاذا كانت فراغا فلنتصور مدى الدقة في دراسة مادية أكثر من ٩٩% من مادتها فراغ وهذه النسبة من الفراغ المكون والمزعوم للكون الذي قال عنه اينشتاين لا استطيع ان اتصور مكان خالي من المادة بحيث لا تشتمله قوانين الفيزياء واسقاطه على نظرياته في سفر الضوء لان الضوء لا تسافر في الفراغ[٦].
ورغم ذلك لم يدخله في حساباته الرياضية، اما اذا كانت الذي تخلف ورائه طاقة فمن اين اتت هذه الطاقة ؟
يعلل ستيفن هويكنك ذلك ويقول (الكون يقترض طاقته من نفسه) ؟؟؟
ويرد عليه مقدم البرنامج متعجبا.. (هذا ما نسميه بالمصطلحات المصرفية بانه سحب على المكشوف والنهاية ستشهد انسحاقا شديدا) وبقصد إفلاس المصرف الكوني.
فهم حائرون في هذا البرنامج في اهم سؤالين لم يستطيعوا الاجابة عنهما وقالوا ربما تلسكوب هابل سيجيبنا عن بعض هذه الاسئلة عند اطلاقه الى السماء او لا يوجد احد يستطيع الاجابة عليها[٧].
والسؤال الاول المطروح هنا هو:من اتى بهذه البيضة الكونية ؟
واذا اتى بها احد فمن اتى بمن اتى بها ؟
والسؤال الثاني هو مصدر الطاقة التي تغذي هذا التوسع ؟
وهي نفسها ما يمسى بالطاقة الكامنة التي لنا وقفة معها ايضا في الابحاث اللاحقة، ولا عجب ان نبتلي بهكذا عقول يحسبون إعلاميا من المع العقول العصرية فقد ابتلي بمثلها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما قيل له: هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا وتكبر البيضة ؟
(فيا عجبا على هذه العقول التي ما فتئت تدخل الدنيا والكون في البيضة قديما وحديثا تحت عناوين الزندقة تارة وأخرى بالقوانين الفيزيائية)!!
فقال عليه السلام: (إن الله لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا تكون)
يعني أن الله لا يعجز عن شئ من الممكنات والذي سألتني عنه محال لا يتعلق به القدرة وعدم تعلقها به لا يوجب العجز والنقص إذ لا نقص فيها وإنما النقص في المحال لعدم كونه قابلا للوجود، فالعدد الكبير لا يمكن ان يكون اصغر من العدد الصغير والرقم عشرة غير ممكن ان يكون اصغر من العدد سبعة.
وقصة (البيضة الكونية) كانت موجودة ايضا في زمن الإمام الصادق عليه السلام عندما سال عبد الله الديصاني (ومعناه الملحد) هشام بن الحكم احد تلامذة الإمام الصادق عليه السلام فقال له: ألك رب ؟ فقال: بلى، قال أقادر هو ؟ قال: نعم قادر قاهر قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا ؟ قال هشام: النظرة (امهلني الجواب) فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: عماذا سألك ؟
فقال: قال لي: كيت وكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام كم حواسك ؟ قال خمس قال: أيها أصغر ؟ قال الناظر قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها فقال له: يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا و براري وجبالا وأنهارا فقال له أبو عبد الله عليه السلام:
إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال: حسبي يا ابن رسول الله وانصرف إلى منزله
الى ان جاء الديصاني الى الامام عليه السلام فقال له أبو عبد الله عليه السلام: اجلس وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال له أبو عبد الله عليه السلام: يا ديصاني: هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبرا ؟! قال: فأطرق مليا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه[٨].
فاذا كان الديصاني قد تاب فمتى يتوب دياصنة العصر وهم يتبجحون عند كل اكتشاف علمي ليغذوا نظريتهم المزعومة (لا حاجة لله في معرفة الكون)[٩] والمحزن في نظرية الانفجار الكبير ان الكثير من المتكلمين في الاعجاز العلمي للقران الكريم قد وقعوا في شراك هذه النظرية واستدلوا بالآية الكريمة:
﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾
وفسورها او نقلوها من بعض المفسرين بان الله تعالى أشار في الآية إلى أن السماء والأرض كانتا ملتئمتين، أي كتلة واحدة ففتقهما فتقا.
وأن الكون في القديم كان في حالة الرتق وكان عبارة عن جرم صغير ثم حدث انفجار عظيم أو فتق الرتق اساشهادا بالآية السابقة وبدأ بالتوسع وسرعته تقارب سرعة الضوء فقال تعالى:
﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾
ويختلف العلماء في هذا الوضع فمنهم من يقول أن الكون مفتوح وسيبقى يتسع لما لا نهاية و منهم من يقول أنه منغلق بمعنى أنه يفقد من قوة الدفع إلى الخارج باستمرار حتى تتوقف عملية الاتساع وحينئذ تبدأ قوى الجاذبية في لم أطراف الكون في عملية معاكسة لعملية انفجار الكون وتمدده يسميها العلماء عملية الانسحاق الشديد) عكس عملية الانفجار العظيم للاشارة الى نهاية الكون بالمنظور الفيزيائي) أو عملية (رتق الفتق) تقوم بإعادة الكون إلى حالة الجرم الابتدائي الأول الذي بدأ منه الخلق وقد ورد في القرآن ما يدعم ذلك نصاً:
﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾.
نقول بان الآيات الكريمة الواردة آنفا لا تشير الى الانفجار العظيم ولا الانكماش العظيم وانما هذه الآيات تفسر مراحل مختلفة من نشاءة الكون فالرتق لا يكون الا لشيئين كانا موجودين وحسب سياق النظرية فانه لم يكن هنالك شي الا (البيضة الكونية)... وفي مراحل متقدمة نشاءت اجرام السماء فبماذا ارتتقت هذه البيضة.... والفتق عكس الرتق لا يكون الا للجنس الواحد من الشيء وليس لشيئين حسب ما لا حظناها في قاموس المعاني:
فَتِقَتِ الأَرْضُ اي ظَهَرَ خِصْبُهَا بِانْشِقَاقِ نَبَاتِهَا و فَتَقَ الثَّوْبَ اي فَكَّ خِيَاطَتَهُ وَفَصَلَ أَطْرَافَهُ عَنْ بَعْضِهَا وفَتَقَ بَيْنَ النَّاسِ اي أَشَاعَ بَيْنَهُمُ الْفُرْقَةَ وَالْخِلاَفَ و فَتَقَ الْمِسْكَ اي خَلَطَ بِهِ مَا يَنْشُرُ رَائِحَتُهُ و فَتَقَ الْكَلاَمَ يعني قَوَّمَهُ وَوَسَّعَهُ.
كما ان لا يوجد بمفهومنا وفق الفيزيائية القرآنية والنظريات العلوية ما يسمى بالانكماش العظيم ورغم انهم استدلوا بالآية: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ فلا وجود الى اشارة هنا بعملية الرتق او التلاصق بين الجنسين بالمفهوم الانكماشي بل الآية صورتها بصورة اخرى لنهاية الكون وقالت (كطي السجل للكتب) أي انطواء شيء مستوي مثل الورقة وهذا ما فهمته من سيدي ومولاي الإمام الصادق عليه السلام في تفسير آية الرتق.
اورد صاحب كتاب (البرهان في تفسير القرآن، ج٣، ص: ٨١٥) حديثا لهذه الاية الكريمة انه جاء رجل إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام من أهل الشام من علمائهم، فقال: يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسرها، و قد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس، فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): ما ذاك؟.
ومن ضمن مسائل الشامي قول الله عز و جل:
أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما؟
فقال له أبو جعفر (عليه السلام):
(فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا متلازقتين متلاصقتين ففتقت إحداهما من الاخرى؟).
فقال: نعم.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): (استغفر ربك، فإن قول الله عز و جل: كانَتا رَتْقاً يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر، و كانت الأرض رتقا لا تنبت الحب، فلما خلق الله تبارك و تعالى الخلق، و بث فيها من كل دابة، فتق السماء بالمطر، و الأرض بنبات الحب).
فقال الشامي: أشهد أنك من ولد الأنبياء، و أن علمك علمهم.
وفي رواية أخرى نفس المصدر يقول عليه السلام:
(إن الله تبارك و تعالى أهبط آدم إلى الأرض و كانت السماوات رتقا لا تمطر شيئا، و كانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا، فلما تاب الله عز و جل على آدم (عليه السلام): أمر السماء فتقطرت بالغمام، ثم أمرها فأرخت عزاليها[١٠]، ثم أمر الأرض فانبتت الأشجار، و أثمرت الثمار، و تفهقت[١١] بالأنهار، فكان ذلك رتقها و هذا فتقها).
فقال نافع: صدقت، يا بن رسول الله
اذا فالآية الكريمة لا تصف بداية النشاءة بل مرحلة متاخرة جدا من النشاءة وهو نزول ابينا آدم الى الارض....
اما الايات التي تؤيد النشاءة التدريجة للكون كثيرة وواضحة في القرآن الكريم نورد نموذجين منها....
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش. الاعراف: ٥٤
وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا. هود: ٧
و نستدل من الآيتين الآنفتين بان الكون قد خلق بصورة تدريجية وفي نفس الوقت نطرح عدة تساؤلات استفسارية:
١: لماذا خلق الله تعالى الكون بصورة تدريجية ولم يخلقه من باب (كن فيكون) الشبيهة بالنظرية الانفجارية ؟
٢: ما علة الستة أيام في خلق الكون ؟
٣: ما هي المادة التي خلق الله بها الكون ؟
٤: ما معنى (ثم استوى على العرش) بالمفهوم الفيزيائي ؟
٥: ما التفسير الفيزيائي لـ(كان عرشه على الماء) ؟
الإجابة على التساؤل الأول
نعم انه تعالى في عظيم قدرته قادر على ان يخلقها بطرفة عين او ما دون ذلك ولكنه تعالى أله حكيم ومقتضى حكمته في خلق الكون ان يكون تدريجيا فعالم المادة او كما يعبر عنه قرآنيا بعالم الخلق في قبال عالم الامر) يجري فيه قانون الاسباب والمسببات ولولا هذا التدريج في الخلق لما عرف المخلوق الخالق وها نحن نرى بوضوح استنكار الملحدين على الخلق التدريجي والتطوري او التكاملي فما بالهم اذا كان هذا الخلق آني وفجائي فبماذا يستدلون وكيف يعرفون آلية وترابط المنظومة الكونية ولو كان الخلق فوريا لكان استنكار الملحدين اكبر مما هم عليه الان، وهذا ما ساله المامون العباسي عنه من الامام الرضا عليه السلام حين سال عن الاية
(وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والارض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عزوجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم أنه على كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته، ونقله فجعله فوق السماوات السبع، ثم خلق السماوات والارض في ستة أيام وهو مستول على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عزوجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شئ فتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة. (التوحيد: ٣٢١)
ملاحظة: المستنبط من الرواية انه كان هنالك قبل خلق الكون ثلاثة اشياء (العرش والماء والملائكة) فاما العرش فهو مفهوم معنوي اكثر من كونه مفهوم مادي ولا نتطرق عليه في بحثنا الفيزيائي، اما الملائكة والماء سنقف عليه في ابحاث لاحقة.
الاجابة على التساؤل الثاني:
لا نستطيع الجزم والشرح على تفسير الستة ايام بالمفهوم الفيزيائي ولكننا نجزم بان هنالك حكمة ما في هذا العدد من الايام ومن أي نوع من الايام.
الاجابة على التساؤل الثالث:
ما هي المادة التي خلق الله بها الكون ؟
هنالك الكثير من الروايات التي تذكر عن اول شيء خلقه الله تعالى وماهيته او ماديته وهنالك تعدد في ذكر اول شيء خلقه الله تعالى فكانت على خمسة انواع فقسم من الروايات تذكر بان الله تعالى (خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها) والقسم الاخر تذكر (فأول شيء خلَقه من خلْقه الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء) واخرى تذكر بانه تعالى (نور النبي محمد صلى الله عليه وآله، وأبتدعه من نوره، واشتقه من جلال عظمته) و رابع (أول ما خلق الله القلم، فقال له: أكتب فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة) والخامس (أول ما خلق الله العقل) و الأولية تطلق بحسب الاعتبارات المختلفة والذي يتجلى هنا ايضا سنة التدريج فالاطلاقات هنا للاولية لا تعارض فيما بينها فاحدها في طول الاخر وما يهمنا هنا الاولية الفيزيائية والذي يبدوا ناخذ ما ذكرته القسم الثاني من الرويات وهو (الماء) ولا اشكال في تبني البقية ونضرب مثلا لتوضيح هذا المعنى فعندما اريد ان اقوم بعمل ما فانني بالمظور الكلي اقوم بسلسلة غير منتهية من الأفعال وتبقى اختيار الأولية تطبق حسب الحاجة الى البيان وحسب نوعية وفاعلية الفعل فمثلا عندما اعطش واريد شرب الماء، فنحن نختصرها لغويا ونقول أول ما أحسست بالعطش شربت الماء ولكن الفعل التفصيلي اكثر من ذلك فأول شي عملته هو انني احسست بالعطش ومن ثم فكرت بارواء العطش ومن ثم قمت من مكاني وذهبت الى المطبخ واخذت قدحا...... الى ان شربت الماء لذلك بالمنظور الفيزيائي فانني عندما اريد صنع سيارة فاول شيء اقوم به افكر في تصميم السيارة واول شي اقوم به التفكير في شكل السيارة وأول شيء اقو به تحضير المواد لأولية لصنع السيارة.... الخ، وما يهمنا هنا اول شيء مادي فيزيائي كان في الخلق هي الرواية التالية
عن أبي جعفر عليه السلام:
(أول شيء خلَقه من خلْقه الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء)
اصول الكافي (١ / ٢١ ح ١٤)
وقد ورد في الخطبة رقم (٢١١) من النهج
.... وَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَروتِهِ، وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ، يَبَساً جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَات بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ، وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ.....
والبحر الزاخر هاهنا هو بحر الماء المخلوق في اول الخلق.
واذا قال قائل من أي شيء خلق الله الماء فلقد أجاب الإمام الصادق عليه السلام عن هذا السؤال كما ورد في الاحتجاج عن هشام بن الحكم، قال: سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام فقال: من أي شئ خلق الله الاشياء ؟ قال عليه السلام: من لا شئ
قال: فكيف يجيئ من لا شئ شئ ؟
قال عليه السلام: إن الاشياء لا تخلو أن تكون خلقت من شئ أو من غير شئ، فإن كان خلقت من شئ كان معه فإن ذلك الشئ قديم، والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير، ولا يخلو ذلك الشئ من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا فمن أين جاءت هذه الالوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ؟
وحسب قول الفيزيائي الملحد كما يحب لنفسه ان ينادى (ومن الممكن ان يبدأ الكون من لا شي)
(نظرية لا حاجة لوجود الخالق) مصدر سابق
وفق منظوره الفيزيائي طبعا...(ومن فمك ادينك)
وللتفصيل اكثر ربما يسعفنا الوقت ونثبت التدرج الخلقي للماء وتاثير الكلمة الصوتية في خلق المجسم المادي بما يسمى بالمنهج الفيزيائي العلاقة تاثير التردد الصوتي في خلق المجسم المادي والعلاقة بين الصورة الثنائية الابعاد والثلاثية الابعاد وكيف انهما تتاثران في بعضهما البعض وتظهر احداهما في موقع الأخر او ما يمسى بصورة اكثر تفصيل في نظرية ترابط الوجودات الفلسفية.
وسنقف ايضا في بحث لاحق على كينونة الماء وهل هو الماء الذي نعرفه ام انها حقيقة ووجه اخرى من اوجه الماء.
الاجابة على التساؤل الرابع: ما معنى (ثم استوى على العرش) بالمفهوم الفيزيائي ؟
حسب المثال السابق فانني عندما صنعت سيارتي أكون مهيأ لقيادته وقبل صنعي للسيارة لا يعنني انني كنت غير موجودا قبل صنع السيارة والمثل للتقريب وليس للقياس.
نؤجل الاجابة على التساؤل الخامس الى مبحث الماء.
والملاحظة الملفتة لنا في ما فهمناه من القران الكريم و العترة الطاهرة في الفرق بين بداية الخلق ونهايته في ان البداية فيها تاني وتدريج في الوصول الى النتيجة (خلق السماوات والارض) على عكس النهاية التي يصورها لنا القران الكريم بشكل مرعب وفجائي ذات احداث سريعة متوالية وطبعا هذا ايضا ليس بمفهوم الانكماش او الانسحاق الكبير.
النتائج:
١ـ الكون لم يخلق بالانفجار الكبير بل بصورة تدريجية ؟
٢ـ خلق الكون من لا شي
٣ ـ اول شي في الكون الفيزيائي كان الماء
٤ ـ كوكب الارض خلق قبل اكتمال خلق السماوات وتقسيمها وقبل الشمس والقمر والنجوم.
٥ ـ لا يوجد شيء يدل على الانكماش العظيم ونهاية الكون يكون اسرع بكثير من بدايته.