بقلم : الشيخ محمد الكرمي
التوحيد وتحليل القائد
قال عليه السلام : الحمد لله الذي بطن خفيات الامور . ودلت عليه أعلام الظهور . وامتنع على عين البصير فلا عين من لم يره تنكره . ولا قلب من أثبته يبصره . سبق في العلو فلاشىء أعلا منه . وقرب في الدنو فلا شىء أقرب منه . فلا استعلاؤه باعده عن شىء من خلقه . ولا قربه سواهم في المكان به. لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته – فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على اقرار قلب ذي الجحود تعالى الله عما يقوله المشبهون به والجاحدون له علوا كبيرا .
يراجع لذلك الخطبة المثبتة في ج ١ ص ٢٩٢ من النهج الحديدي يجب ان يلتفت الدارس لهذه الفصول الى أن ما نستقبله بالبحث نقاط ثلاثة :
١ – نقطة البحث عن مبدأ المادىء واصل كل الاصول .
٢ – ونقطة البحث عن تكون العوالم وتنوعها الى أنواعها المتكثرة .
٣ – ونقطة البحث عن الحكمة في تسيير المخلوقات على ماهي عليه سابقا ولا حقا. وانه لا ربط لكل نقطة من هاته النقاط الثلاثة بالنقطة الاخرى .
وفي بحثنا هذا انما نتعرض للكلام على النقطة الاولى فحسب – فنقول – نحن مشيا مع ذوق العصر الحاضر يلزمنا أن نبحث عن وجود الصانع بحثا يواكب الفلسفة الدارجة في الغرب المأخوذ بها في الشرق لنفند علماء المادة وننقذ اخواننا الشرقيين من هوة الالحاد الماحق فنقول قبل كل شىء ٠
نحن نعلم بالقطع أن في أقراد النوع الانساني اناسا بلغوا الغاية في المثالية وكانوا معجزة الدهر في بني آدم قدسا وايمانا وعبادة مع تبحرهم العميق في الكون والكونيات ولا تكاد العقول تستريب في أن عبادتهم كانت عبادة مركزة على واقع مكشوف لهم لا شأن لمتعبدين من طغمة الناس .
مثلا أي انسان من البشر المتنور لا يعرف علي بن ابي طالب ولا يعتقد بمثاليته وقدسه وتقواه ولم يقف من كلامه في متشتت مواضيعه على تعريفه وتمجيده للمبدأ الاعلى تمجيدا يأخذ بالاسماع والققلوب على ما صادفه علي في دنياه من أذى وباء استمرا معه من لدن أن شب وأخذا يزدادان الى جانبه كل ماكبر سنا وزاد معنوية الى أن قتل ونراه كل ما ازداد بال ازداد عبادة وتفويضا وشكرا.
واذا قارنا بين هذه المقدمات يحصل لنا القطع بأن أمثال هذه الذوات وقفوا من ناحية المبدأ الاعلا على أسرار غمضت على غيرهم ومن طريق غموضها نراهم يفتشون عن هذا المبدأ العظيم من طريق الدليل العقلي أوهذه الآثار الشاخصة في عرصة الوجود من شمس وقمر وانسان وحيوان – الى غير ذلك – وبما أن الاعم الاغلب من الناس من أهل هذه الطبقة القائمة في الحياة على ما توحيه اليها عقولها أوتلمسه حواسها لزمنا أن نبحث عن الصانع من طرق هؤلاء لا من الطريق الذي سلكه المثاليون العظام , لان الطرق الاولى يمكننا أن نعالجها بسهولة .
وطريق المكاشفة طريق وعر ولم يسلكه من مجموعة بني الانسان الضخمة العدد الا أفراد منزورون جدا وهم من ثبتت مثاليتهم باليقين الصدق للناس لا كما يدعيه جملة من الدجالين بسمة أنهم عرفاء اوأقطاب تصوف ليستميلوا بذلك الهمج الرعاع من بني ادم حتى يعيشوا بينهم على جاه واسع ودنيا واسعة – ولذلك نقول – ان الانسان من ست جهاته يرى بعينيه المجردة والمسلحة عوالم زخارة بالعجائب أخاذة بالعقول خلابة للافكار غير متناهية في عجائبها وغرائبها ولا تزال على مرور الزمان تنكشف عن خبايا تقهر القلوب والعقول في بدائعها وروائعها سواء في منظومات الشموس والاقمار والكواكب أم في ذخائر الارض وكنوزها أم في البحار وما يسبح فيها ويقر في قعورها من ملايين الحيوانات المختلفة الشكول والحقائق أم في الانسان والحيوان والنبات القائم على وجه الارض المتنوع الى حدود لا تحصى والمختلف جوهرا ومعنى .
ولا نراه يسيغ له لبه وعقله أوضميره ووجد انه بأن يعتبر كل ما في هذه الاكوان وجد عقوا لاعن قصد وحصل صدفة لا من طريق حكمة وكان لاعن مكون فان هذه الخاطرة لا تجول في أي ذهن يفرض .
وان ادعاها المادي الملحد فهو يقولها لفظا بادىء الامر ويعجز عن تثبيتها لاول مرة من وروده في البحث كيف لا يعجز وهو يرى باحداقه المفتحة ملايين الملايين من الخلايا الحية في جسم حيواني واحد وكل فصيلة منها تشكل جهازا خاصا ذا شعب وتفرعات واعدادات يقل الشرح ومهما طال عن بيان خصوصياته ووظائفها وأعمالها الجبارة .
فجهاز المخ والمخيخ . وجهاز السمع والبصر والبصر وجهاز الشم والذوق واللمس . وجهاز المضغ والبلع . وجهاز القلب والرئة وجهاز الكبد والكليتين . وجهاز الطحال والدورة الدموية. وجهاز الهضم والترشح والدفع والبول. وجهاز التباضع والتناسل . وجهاز الاعصاب والعروق وجهاز العضلاء والغضاريف . وأجهزة الغدد والعظام . وما لكل جهاز من اتصالات وفوائد وآثار.
وقد أثبت علماء الطبيعة والتشريح في بنيان الانسان مجموعات خطيرة لخلاياه تعمل كل مجموعة منها لمنظور واحد مشخص .
وأهم المجموعات عبارة عن : المجموعة الغشائية . الغددية . التركيبية . الغضروفية العظمية. الدموية . العضلانية . العصبية . الدهنية وأطالوا البحوث القيمة القائمة على أساس التجزءة والتحليل في الدم والدورة الدموية وعمل القلب والشرايين حمرها وسودها صغارها وكبارها . وفي عمل التغذية والمضغ والهضم الشامل للفم والحلق والمري والمعدة والمعاءين الضيق والواسع . وفي غدد الهضم وغدد المعدة وغدد الامعاء وغدد لوز المعدة وغدد الكبد.
وفي الاعمال الميكانيكية للمضغ والبلغ والمعدة والمعائين . والاعمال الكيمياوية لهذه الجهازات أيضا . وفي خواص الكبد ولوز المعدة بالنظر الى هضمها . وفي الجذب وما في عوالمه من غرائب . وفي عمل التنفس والاكياس الهوائية التي يقرب تعدادها في الرئتين من مليوني كيس ووجود هذه البيوت هوالذي يوسع سطح تبادل ان سطح التبادل في مجموع الرئتين قد يصل الى ١٥٠ بل الى ٣٠٠ متر مربع وهذا هو الذي يجعل مركزية بيوت الرئتين مهمة عظيمة.
وفي جهاز دفع الادرار الشامل للكليتين وللمجاري من الطشت والحالب والمثانة ومجرى الخروج. وما في انابيب الادرار من غرائب تبهر العقل وتحير العاقل حتى انهم ذكروا ان الانابيب المزبورة تتراوح بين المليونين والاربعة ملايين انبوب وان هذه الانابيب الدقيقة جدا لاجل تصفية الدم تعمل في محيط واسع. وفي الاعمال الارتباطية من غدد لها فعالية مهمة وغير غدد.
وفي جهاز الارتباط من البنية العظمية المركبة من ٣٠٨ عظام والقائمة بأعمال واجهزة جبارة. وفي الطحال وعمل الارتباطات العصبية في شبكة الاعصاب المهمة – وفي اعمال المخ والمخيخ والنخاع وانشعاباتها ومراكزها المنظمة المعظمة. وفي جهاز اللمس الجبار ذي الخواص والانشعابات الكثيرة .
فقد ذكروا من بعض خواص الجلد ان النقاط الجلدية اللاقطة للبرودة في البدن تبلغ ٣٥٠,٠٠٠ الفا وان اللاقطة للحرارة تبلغ ٣٠,٠٠٠ الفا وان اللاقطة للألم فيه تبلغ ٣,٥٠٠,٠٠٠ الى غير ذلك . وفي جهاز الذوق والشم المهمين. وجهاز السمع والبصر العظيمين . الى ما سوى ذلك من جهاز يقوم في محيطه بعمل حيوي جبار يقف امامه ذو البصيرة في حيرة وبهت لانهاية لهما.
أثرى ان الانسان يأخذه مديد العجب من مضخة الماء ووسائل الكهرباء وسفينة الفضاء لانه يرى في ذلك صنعة ودقة وفنا وعملا جبارا ولا يتخالجه الشك في نسبتها الى الافذاذ الذين قاموا بأشادتها ووجوب تعظيمهم والخضوع لهم ثم تراه بالنسبة الى عوالم الارض والسماء ذات العظمة القهارة والآثار الجبارة يدعي الصدفة في وجودها والاتفاقات غير المحتسبة في كينونتها ويشك اويقطع بعدم وجود ما هو اعظم منها قد صورها ودبرها . وسيرها لمقاصد حكيمة هذا ما لا يجيزه العقل منسوبا الى عاقل اصلا .
اذن فهناك مبدأ قهار ونقطة انبعاث جبارة هي التي كبست هذه العوالم بهذه الذخائر الدالة بآثارها المنظمة وصنعتها المحكمة وسلطانها القهار على ان هذه الصنعة قد صفي حسابها وعدل نظامها وأوقع حكل شيء منها في نصابه اللائق به بدقة عميقة حتى تؤتي عوائدها المتوخاة وفوائدها المراد ، لمقصد من المقاصد الغامضة اوالجلية من الحياة.
وعدم وصول الافكار والحواس الى صميم هذا المبدأ ومركز هذه النقطة وغموض هويتهما لا يبرر لها الجحود والافكار كما لا يجيز لها التغاضي عن وجودهما.
وهذا الذي امليناه يعدُّ في طليعة مدركات العقول . ولم أر بدوري فيما قرأت وطالعت من أقوال الماديين ما ينفي هذا اصلا وانما قرأت ورأيت شروحا مبسوطة في مباحث النشوء والنماء وتنازع البقاء واتنخاب الطبيعة للفرد الاصلح وما الى ذلك من نظير وهذه كلها بعد تسليمها – وهيهات – لا تنفي هذا المبدأ ولا تزاحمه على قدسه بل لا ترتبط به في مطافها وانما تستعرض أمورا وراء ذلك.
لكن هذا المعنى وحده بنحو إجمالي لا يكفي المكلف بنظر الشرع في معرفة الصانع بل يحتاج الى توسع فيه وان كان يكفي في طرد المادي عن مزاعمه التي يحاولها من طريق دراساته التي آنفنا فهرسها .
اذن فهلم بنا الى قول امير المؤمنين عليه السلام في هذا المجال.
قال قوله : دلت عليه اعلام الظهور ، فصل قصير جامع لما اوعيناه التفصيل فان جميع ما في الكوائن أدلة ظاهرة على اثباته ولزوم الاعتراف به والاعلام جمع علم وهوالشاخص الذي يستدل به، وامتنع – لرقيق لطافته ، على علين البصر – ومهما كحان شديد البصر فوي الحاسة لانه ليس من المادة والماديات ومع ذلك ، فلا عين من لم يره تنكره ، لانها بحاكمية العقل عليها تراه كالمحس بين يديها ، ولا قلب من أثبته يبصره ، لبعد هويته الا عن الادراك الجمالي، سبق في العلوفلا شيء ، اعلا منه ، لانه في صانعيته لكل شيء فوق كل شيء رفعة وشأنا ،وقرب في الدنوفلا شيء اقرب منه ، لان اتصال العلة بالمعلول يعطيها من القرب مالا شىء أقرب وصلة منها اليه فلا استعلاؤه باعده عن شىء من خلقه ، لان العلو المعنوي لا يقتضي بعدا بين العالي والداني ، ولا قربه ساواهم في المكان به ، فانهم وان كانوا ذوي مكان وحيز الا ان قربه لما كان معنويا كبعده لم يستدع أي مكان يفرض فهوفي قربه اليهم وعلوه عليهم لم يقتض ما يحصل منه التنافي والتضاد بخلاف علو المكان ما بين شىء وشىء فانه يقتضي عمد القرب طبعا وهكذا القرب المكاني يقتضي عدم العلوفيه ، لم يطلع القول على تحديد صفته ، الابما ادركته حسب مقدورها من أثره وصنعته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، بما تكون به معترفة بصانع الكون وموجده ، فهوالذي تشهدله ، بالضرورة القاطعة ، أعلام الوجود ، ومظاهره البينة الواضحة ، على اقرار قلب ذي الجحود بلسانه فان العاقل لا يستطيع ان يخادع عقله وان استطاع ان يتذبذب بلسانه فان الاعاقل لا يستطيع ان يخادع عقله وان استطاع ان حكَّموا أواهامهم في استطلاعه فجاء كل وهم بمآ انتج ومن هنا فشت الخرافات بين الناس قديما وحديثا ، والجاحدون له علوا كبيرا ، ولا جاحد في مجموعة العقلاء من البشر الا وقلبه مطمئن بالايمان نعم من انطمست عليه مجاري عقله والتهى عن كل معقول بما بين يديه صارفا كل همه وهمته الى اشباح نهمته واطفاء شهوته قديقال في حقه انه جاحد قلبا ولسانا لبعده عن عالم المعنويات بالمرة.
والمنظور بقوله (ع) ، بطن خفيات الامور ، انه علم بمستورها ووقف على كوافيها لانها خلقته ألا يعلم من خلق وما انشأ .
للبحث صلة .....