وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
نهج البلاغة ودفع الشبهات عنه – الرابع

آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء

المقتطف ونهج البلاغة:

كتب في (المقتطف) في (ص٢٤٨ من المجلد الـ٤٢) تحت عنوان (عهد الإمام علي وكتاب السلطان بايزيد الثاني) ما نورد منه هنا الشيء الذي له دخل بالخطة التي نتوخاها، قال: (لا يخفى أن عهد الإمام علي هذا وارد في نهج البلاغة، ونهج البلاغة كله مظنون في نسبته إلى الإمام علي، ويقال انه من وَضْع الشريف الرضي، وليس هذا محل البحث في ذلك، ولكن هذه النسخة المخطوطة نحو خمسمائة سنة -يعني بها كتاب السلطان المذكور وهو كتاب كتب فيه عهد الإمام إلى مالك الأشتر[١] حين ولاه مصر سنة ٨٥٨هـ- تدل على أن البعض من كتّاب العربية يستحلون أن يقحموا أقوالهم وآراءهم بين أقوال غيرهم وآرائه وينسبونها إليه، ومن كان كذلك لا يكبر عليه أن يؤلف كتاباً وينسبه إلى غيره مبالغة في إكرامه وإثباتاً لغرض يقصده؛ بل قد استحل كتابنا ورواتنا سامحهم الله ما هو أعظم من ذلك فوضعوا الشيء الكثير من الأحاديث وجعلوها أركاناً تبنى عليها المعاملات، كما استحل الرواة قبلهم نظم الأشعار ونسبتها إلى الجاهلية ليبيعوها من الخلفاء والأمراء). قال: (وقد نشرنا فيما يلي بضع صفحات من هذا العهد كما هو في نسخة السلطان بايزيد التي عندنا، وكما هو في نهج البلاغة المطبوع في مصر، وذلك في حقلين متقابلين لإظهار ما في الثاني -نهج البلاغة- من الزيادات المقحمة فيه، ثم نقل ما في النهج وما في نسخة السلطان بايزيد في أربعة صفحات تقريبا، ثم عَقّب ذلك بقوله: (ترى من ذلك ان الذين تطاولوا على صورة هذا العهد التي كانت متعارفة منذ خمسمائة سنة، وزادوا فيها هذه الزيادات الكثيرة، زادوها غير متعمدين ضراً، ولعلنا لو وقع لنا نسخة خطت قبلها بخمسمائة سنة لرأينا في نسختنا -يعني نسخة السلطان بايزيد- من الزيادات الشيء الكثير حتى نصل إلى النسخة الأولى التي نسبت إلى الإمام علي فلا نجدها ربع ما هي الآن، وسواء كتب هذا العهد الإمام علي نفسه أو كتبه آخر ونسبه إليه فيبعد عن التصديق أن يكتبه مطولاً مسهباً على هذه الصورة التي نراه فيها الآن، وأهل ذلك العصر كان يعوزهم القرطاس[٢]، حتى أنهم كانوا يكتبون على الجلود والعظام، وما وجد مكتوباً من عهودهم نراه في غاية الإيجاز، والعهد في صورته الحاضرة لا يكتبه إلاّ رجل متأنق حرفته صوغ الكلام، لا أمير مشغول بالحرب والجهاد كما كان الإمام علي، وقس عليه كل الخطب المنسوبة إليه، والأشعار التي قيل أنه نظمها. ثم ختم هذه المقالة الشنيعة التي حط فيها من كرامة رجال الدين والأدب بقوله: (والنصائح التي فيه من أبلغ وأحكم ما كتبه الحكماء والفلاسفة في كل عصر، وما أحراها أن تكون مرشداً لكل من ولي أمر الناس). هذا نص ما كتبه (المقتطف) في (الجزء الثالث من المجلد ٤٢(١مارس) آذار سنة ١٩١٣، الموافق٢٥ ربيع الأول سنة ١٣٣١هـ)، وفي هذه المقالة جملة أمور مهمة منها ما يمكن للمنكر أن يتمسك به ويستند إليه، ومنها أمور أخَر يلزم كشف الحقيقة عنها استطراداً، وسنشير إلى جميع ذلك إن شاء الله.

قوله: (نهج البلاغة كله مظنون... إلخ) إن هذا القائل لا خبرة له بمثل هذه الموضوعات ولا قيمة لكلامه فيها، وقد ذكر انه لا محل للبحث في نسبة النهج ولكن الناظر في كلامه يرى أنه لم يترك في الكنانة[٣] سهماً إلا رماه.

قوله: (لكن النسخة المخطوطة تدل على أن البعض من كتّاب العربية يستحلون أن يقحموا أقوالهم... إلخ) هذا الكلام في غاية السقوط والوهن، والدلالة بأقسامها ممنوعة أشد المنع كما سيتضح لك ذلك؛ أن المقتطف قايس بين العهد الذي في النهج والعهد الذي في نسخة السلطان المخطوطة سنة (٨٥٨)، فوجد أن نسخة النهج أبسط وأطول من نسخة السلطان، فاستنتج من ذلك أن هذه الزيادات إنما حدثت من سنة (٨٥٨) إلى زمن طبع نسخة النهج في مصر أو بيروت سنة (١٣٠٧)، وبنى على هذا الأساس ما بنى، وفرّع على هذا الأصل ما فرّع، ولم يلتفت إلى أن نسخة النهج أقدم وأسبق تأريخاً من نسخة عهد السلطان؛ لأن نسخة النهج التي طُبِع عليها كتبت سنة (٤٠٠)، وهي متلقاة من جامعها الشريف يداً بيد، وعصراً بعد عصر، ولو كان فيها إقحام أو زيادة لنبه على ذلك أحد الشرّاح على كثرتهم، أو أحد أهل العناية بهذا الكتاب من رواته وحامليه، وفي إحدى مكتبات النجف الاشرف ألآن نسخة من النهج مخطوطة سنة (٧٠٦)، ونسخة العهد فيها مطابقة للعهد المذكور في نسخة النهج المطبوعة. ثم إن عبد الحميد شارح النهج قد شرح العهد المذكور على الصورة الموجودة في النسخة المطبوعة، وقد توفي عبد الحميد سنة (٦٥٥) وكذا شارح النهج الفيلسوف الحكيم بن ميثم المتوفي سنة (٦٧٩)، ومن هذا كله يتضح لك أن نسخة السلطان إما مختصرة من نسخة النهج، أو أنها نُسِخت على رواية أخرى، فان روايات الخطب والعهود تختلف اشد الاختلاف، وصاحب (المقتطف) رأى نسخة السلطان فكأنه ظفر بالوحي المنزل والحقيقة الراهنة، وقد راقه حسن خطها وبديع زبرجها ونسبتها إلى السلطان بايزيد، وهذه أمور عرضية لا تزيد الكتاب قيمة أدبية ورفعة شأن، وإنما المجدي في ذلك أن يكون الكتاب مصححاً مقروءاً على الأساتذة، مطابقاً لأصل معتبر، نقل منه بشهادة أهل الفضل بجميع ذلك، ونسخة السلطان لم تحو صفة من هذه الصفات، وعلى فرض صحتها فلا يمكن الحكم والجزم بأن نسخ العهد في العصر الثمانمائة في جميع نسخ النهج مطابقة لنسخة السلطان، وصاحب (المقتطف) لم ير غير تلك النسخة، ولم يبحث عن النسخ من زمن الأربعمائة إلى زمن خط نسخة السلطان؛ بل استكشف نسخة السلطان من أن جميع النسخ المنسوخة من الثمانمائة إلى الأربعمائة الذي هو زمن فراغ مؤلف النهج منه كلها مطابقة وموافقة لنسخة السلطان، وان مصدرها هو نفس نهج البلاغة دون غيره من المصادر، وكل هذه الأمور لم تثبت، ودون إثباتها خرط القتاد[٤]، واحتمال كونها في الواقع كذلك لا يوجب الجزم والحكم، وهذا أظهر من أن يخفى.

ثم ان هذا الكاتب الكبير الذي نرى له الميزة على أترابه والتفوق على أقرانه بعد أن حكم بالزيادة والإقحام في العهد المذكور من بعض الكتّاب، حكم بمثل ذلك على جميع كتّاب العربية بأنهم يستحلون إقحام أقوالهم بين أقوال الغير ونسبتها إليه، وقد علمت أن أصل الزيادة غير محققة؛ بل محققة العدم، وعلى فرض تحققها فلا معنى للحكم على جميع الكتاب بواسطة ثبوت ذلك لفرد منهم على فرض ثبوته، فيا قرّاء (المقتطف) وأنصاره هل يتسع لمقتطفكم بمثل هذه الأسس الواهية أن يصم[٥] جميع كتاب العربية بالتدليس وتشويه الحقائق وفيهم أهل الورع والدين والفضيلة والكمال، وهم جديرون بأن ينزهوا عن الكذب والغش، ويبرؤوا عن التدليس والوضع، ولا يستحلوا الكذب والباطل؟! ولعمر الحق إن هذا أمر لم نعرفه في كاتب عربي ولا شاعر إسلامي أو جاهلي، والذين يقولون شعراً وينسبونه لغيرهم أشخاص معروفون ساقطون لا يعتمد عليهم ولا يوثق بهم، ولا تكاد تجد طائفة من أهل العلوم والآداب من سائر الملل والأديان إلاّ وتجد فيهم أفراداً ساقطين لا يؤبه بهم ولا يعول عليهم.

ثم إن كاتب المقتطف لم يقتنع بذلك المقدار من وصم كتاب العرب ورواة الشعر بما يوجب القدح فيهم والحط من شأنهم حتى ارتقى إلى رواة الأحاديث والأخبار التي عليها تدور رحى الديانة الإسلامية، فنسبهم إلى الوضع والاختلاق والتدليس، وهو افتراء بلا امتراء[٦]، وكذب وبهتان. كيف يستحل رواة الأحاديث أن يكذبوا على الله تعالى أو على رسوله أو على أحد أئمة الدين، وأن يدخلوا في الدين ما ليس منه؟! والكذب عندهم من الكبائر الموبِقة والمحرمات الفضيعة. نعم، يوجد بعض الكذابين والوضاعين في الرواة وهم معروفون، وقد كتب علماء المسلمين في معرفة رجال الحديث ومقدار ما لهم من الوثاقة والصدق وفي أحوال المدلسين والوضاعين وفي الأحاديث الموضوعة كتباً تفوق الحصر، وليس في جميع المسلمين من يستحل الوضع، والواضع منهم يعلم أنه قد أقدم على ما لا يحل له، كالعاصي الذي يرتكب بعض المحرمات والآثام.

قوله: (ولعلنا لو وقع لنا نسخة خطت قبلها بخمسمائة سنة... إلخ) لا وقع لهذا الترجي عندنا أصلاً، وقد وقعت لنا نسخ من نهج البلاعة وفيها صورة العهد المنوّه عنه، وقد خطت قبل نسخة السلطان بأكثر من مائة سنة، والآن توجد نسختان منها أحدهما في النجف الأشرف والثانية في بغداد عند فاضل نجفي.

قوله: (ويبعد عن التصديق أن يكتبه مطولاً مسهباً على هذه الصورة، أهل ذلك العصر كان يعوزهم القرطاس) إعواز القرطاس كان في مبدأ الإسلام قبل أن ينتشر في الآفاق وتكثر فتوحاته وتتسع بلاده، وأما في زمن ظهور خلافة أمير المؤمنين عليه السلام فلم يكن الأمر كذلك، فإن المسلمين قد فتحوا بلاداً كثيرة، وملكوا دول الأكاسرة[٧] والقياصرة[٨]، فلم يكن يعوزهم ذلك، قال ابن أبي الحديد في (ص٤٨٤ ج٢): (وكانت الكوفة يومئذ-يعني يوم كان فيها أمير المؤمنين- تُجبى لها ثمرات كل شيء، وتأتي إليها هدايا الملوك من الآفاق)[٩] ، على أنه قد وُجِد من الكتب السماوية والصحف الدينية ما هو أطول من هذا العهد.

قوله: (والعهد في صورته الحاضرة لا يكتبه إلا رجل متأنق حرفته صوغ الكلام، لا أمير مشغول بالحرب والجهاد كما كان الأمير علي، وكذا الخطب المنسوبة إليه) إن كاتب (المقتطف) لا يعرف قدر أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يدري ما له من القيمة والمنزلة، ولا يعلم ما جَبَله الله عليه من الفصاحة والبلاغة، وما أتاه من العلم والحكمة، وإنما يراه كرجل عادي، ولو تكلمنا معه على هذا الفرض وعلى مبلغه من العلم فيه لقلنا فيه: إن عليا من أفصح بيت في العرب، وأعلاهم ذروة في البلاغة، وقد مُنِح لساناً طلقاً، وفكرة وقادة، وفهماً ثاقباً، وقد رَبي ودَرج مع أفصح من نطق بالضاد[١٠]، حتى صارت الفصاحة من غرائزه وملكاته، فلا يتكلم إلا بالفصيح والأفصح والبليغ والأبلغ، ولا يحتاج في صوغ الألفاظ ونظمها إلى تأنق ولا إعمال فكر وروي؛ بل تنقاد له أزمة الكلام العالي طوعاً بلا تكلف، وتجري معه صعابه طبعاً وعادة، فلا يشغله حرب ولا جهاد، ولا يصده جدال ولا جلاد، وقد فات هذا الكاتب إن الحروب والفتن مما تنبه الخواطر وتهيج النفوس، وتدعو الأمير والقائد إلى الاستنهاض والاستنفار وإثارة العزائم والوعد والوعيد والحث والتهييج والوعظ والإرشاد وإقامة الحجة والبرهان وغير ذلك من المقاصد والأغراض، وكان ينبغي أن ينتشر عنه عليه السلام من الخطب والمقالات والكتب والرسائل والحكم والنصائح أكثر مما تناقلته الصحف وأثبتته الرواة؛ لأن أيام خلافته الظاهرية أكثرها أيام أمور هائلة، تشحذ اللسان وتصقل الأفكار والخواطر[١١]، وكان عليه السلام يصرف أيام حياته وأوقات صحته ونشاطه في الأمور التي نوهنا عنها، لا يشغله عن أمر الإصلاح الديني والنجاح الحقيقي وإعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل لذة من لذائذ الدنيا ولا شهوة من شهواتها، بسنانه ولسانه وأقواله وأفعاله يعترف له بذلك المبغض والودود والوامق[١٢] والحسود، ومن قرأ كتب التاريخ يقف على ذلك.

وأما قوله: (لا يكتبه إلا رجل متأنق حرفته صوغ الكلام) فهو كلام رجل قليل الخبرة بأحوال العرب، وبما منحهم الله من الفصاحة وعلمهم من البيان، والعرب كانت ترتجل الشعر الرجز والقصيد، وتقوله بداهة وبلا روية، وقد ذكر ابن ظافر من ذلك شيئاً كثيراً، وإذا كان الشعر وهو أشد كلفة وأكثر قيوداً من النثر المسجوع مما ترتجله العرب وتقوله بلا روية، ولا يعجزها أمره، ولا يأبى عليها صعبه، وان لم يكن لها ذلك حرفة ولا عمله صنعة، فكيف بالنثر المسجوع، وهو أهون من النظم وأقل كلفة وأسهل مؤونة؟! أفيستبعد بعد هذا من إمام البلاغة ومالِك أزمّة الفصاحة الذي يقول فيه عدوه[١٣]: (لو جُمعت ألسن الناس فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي)[١٤] أن يرتجل الكلام المنثور الذي يتفق فيه السجع، ولا يستبعد ارتجال الشعر والخطب من أذناب العرب وصعاليكهم؟!

وأما خطبه في التوحيد والعدل والمباحث الإلهية التي لم تعرف إلاّ من كلامه عليه السلام كما نبـّه على ذلك عبد الحميد في شرحه (ص١٢٠ من ج٢)، وعَدّ ذلك من أعظم فضائله ومميزاته على أقرانه، فلا ينبغي أن يرتاب فيها من علم مقام أمير المؤمنين عليه السلام، وعلم ما استمده من علوم مَن لا ينطق عن الهوى [إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى][١٥].

صاحب دائرة المعارف المصرية[١٦] ونقده:

قال في مادة (الك) (ص٤٦٨): (إن ما روي عن علي رضي الله عنه حظه من عدم الثقة حظ سابقه؛ لأن هذه الجملة منقولة عن نهج البلاغة -يعني بها جملة قدم ذكرها في كلام نقله عن النيسابوري في تفسيره[١٧]- وقد حكم نقدة الكلام ان هذا الكتاب ليس له، بل تقوله عليه المتقولون، وقد غري[١٨] أهل البطالة[١٩] قديماً وحديثاً بنسبته إليه رضي الله عنه ما لم يقله ترويجاً لبضائعهم)[٢٠]. انتهى كلامه.

ولا يخفى عليك إن ارتيابه وعدم وثوقه؛ بل حجته على مرامه ملفقة من تقليد محض، ودعاوى بلا بينة، فلا يحتاج منكرها إلى حل ولا نقض ولا معارضة، ولعل مراده بنقدة الكلام بعض من تقدمت الإشارة إليهم ممن ذكرنا حجته ووهّنا أدلته، وهم أفراد معدودون لا يقاسون بغيرهم من أرباب الفضيلة الذين حكموا بنسبة ما في الكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام في العلوم والمعارف وطول الباع في التاريخ والآداب.

وأما ترويج البضائع فكان الأولى أن يكون بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فان ذلك أروج للبضاعة، ولِم لَم يكن ذلك بالنسبة إلى غيره من الصحابة الكرام، ليته أبان الوجه في ذلك.

مَن اعتقد إن في النهج دخيلاً:

ذهب جماعة من المتأخرين إلى أن في النهج دخيلاً، منهم صاحب كتاب (ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام)[٢١] قال في (ص١٢٥): (إنّا نعتقد أن فيه -نهج البلاغة- دخيلاً، وفي (ص١٣٢)، على أنا نحس ريبة في هاتين الخطبتين: الخطبة المسماة بـ(القاصعة) وخطبة (الأشباح)[٢٢] ، ونرجّح أن فيهما دخيلاً من وضع الشيعة والصوفية، حداهم إلى دَسّه مغالاتهم في حب الإمام، وحرصهم على أن يرفعوه مكاناً علياً يقرب من درجة الرسول).

أقول: إن الدخيل الذي يرجحه هذا الكاتب بل يعتقده أما أن يكون من الشريف الرضي أو من غيره، أما كونه من الشريف فنحن لا نوافق عليه ولا نحتمله أصلاً، وقد مَر فيما تقدم ما هو كبرهان على امتناع صدوره من الشريف، ولمّا كان هذا الكاتب يوافقنا على ذلك، كما يأتي فيما نذكره من كلامه فلا حاجة إلى إقامة الدليل هنا على ذلك.

وأما إذا كان من غيره فلا يخلو الأمر من أن يكون ذلك أما بعد زمن الشريف وبعد ظهور كتاب نهج البلاغة أو قبله؛ بأن يكون في الخطب وغيرها مما رواه السيد دخيل وكلام موضوع لغير أمير المؤمنين عليه السلام، أما احتمال أن يكون بعد ظهور كتاب النهج ووقوعه في الأيدي فهو ممتنع كسابقه؛ لأن ما اتفقت عليه نسخ النهج الموجودة الآن لا تخالف النسخة الأصلية التي أظهرها السيد وأُخِذت منه يداً بيد وخَلفاً عن سَلف، وقد ذكر بعض أهل العلم والفضيلة إن نسخة عصر الشريف موجودة، والتي وشّحت بخطه الشريف مشهورة. انتهى. وحيث ان هذا الاحتمال مما لا يوافق عليه الكاتب أيضاً فلا حاجة إلى إطالة الكلام في شأنه.

وأما أن يكون ذلك في الخطب الموجودة قبل ظهور النهج، وان السيد رواها مع ما فيها من الدخيل والكلام الموضوع من غير تمحيص ولا تدبر؛ بل بمجرد وجودها منسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام أيّاً كان الناسب والراوي، وهذا الاحتمال هو الذي اختاره صاحب الكتاب (كتاب ترجمة علي) قال في الكتاب المذكور (ص١٥٩): (وصفوة الرأي إنّا نعتقد ان الشريف قبل كل ما نمي[٢٣] إليه من كلام الإمام معتمداً في ذلك على رواية الرواة دون أن يتوخى التمحيص الدقيق، لا عن قصر نظر أو قلة اضطلاع بصناعة الأدب، وإنما صَرَفه عن ذلك باعث الحب الشديد لجده، والافتتان ببلاغته أيما افتتان، فوقع فيما جمعه الصحيح والمشوب، أما انه انتحل بعضه فذلك ما لا نرى السبيل إلى اتهامه به سهلاً). انتهى.

وفي كلامه هذا من النقد والمؤاخذة ما سنبديه إن خفي عليك، وقد تلخّص بعد ضم هذا الكلام إلى ما نقلناه عنه سابقاً انه يعتقد أن فيما رواه السيد في النهج دخيلاً من وَضْع الشيعة والصوفية، والسيد رواه بلا تمحيص ولا تحقيق، وأن الحامل للواضع والناقل لما فيه الوضع هو الحب -والحب يعمي ويصم-[٢٤]. هذا رأيه ومعتقده ونحن نمحصه ونحلله.

قوله: (إن الدخيل من وضع الشيعة والصوفية)، إن الدَس في الخطب البليغة التي هي في أقصى مراتب الفصاحة، والمحتوية على كنوز علوم الحكمة والمعرفة، ليس كالدس والإدخال في الحديث والرواية، فان ذلك لا يقتدر عليه كل من عرف اللغة العربية ومارس الأدب والشعر، ولا نعرف شيعياً أو صوفياً قبل زمن الشريف أو في عصره بلغ في الفصاحة والبلاغة شأواً يقتدر به أن يساجل أمير المؤمنين عليه السلام في فصاحته، ويأتي بمثل كلامه، ويدخله فيه، فلا يُعْرَف ولا يُتَمَيّز حتى يخفى أمره على صَيارفة الكلام ونقدته، ولو كان في الشيعة أو في الصوفية من لديه هذه القدرة، لاشتهر أمره وعرف خبره، ولَعُد من أعاظم الخطباء و أكابر الحكماء، هذا السيد الرضي مع علمه و أدبه ومعرفته باللغة وفنون العربية، وبلوغه في الشعر والأدب رتبة صَحّت أن يُقال فيه: (انه اشعر قريش)[٢٥] لم يرض أهل العلم أن يُنسب إليه بعض ما في النهج؛ لأنه وان بلغ ما بلغ لا يستطيع أن يأتي بمثل ما في النهج من الخطب والكتب والوصايا والعهود. ولقد نُقِل عن ابن الخشاب لمّا قيل له في بعض خطب النهج إن كثيراً من الناس يقولون أنها من كلام الرضي أنه قال: (أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب، قد أوقفنا على رسائل الرضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر)[٢٦].

فقل لي أي رجل من الشيعة أو الصوفية أفضل من الرضي في الأدب واقدر منه على إنشاء كلام يضاهي كلام أمير المؤمنين؟ يعرفه هذا الكاتب المترجم ويجوز صدور الدخيل منه، ولا نعرفه نحن ولا غيرنا من أهل التراجم والخبرة التامة بأحوال الرجال. ولا أعلم مَن أراد بالصوفية، الصوفية من الشيعة أم أهل السنة؟ والظاهر انه أراد صوفية الشيعة، وهم على قلتهم وعدم معروفيتهم في تلك الأزمنة، وعدم عنايتهم بالنثر والشعر العربيين أكثرهم ليسوا من أهل اللسان العربي، فكيف يَحتمل المحتمِل أنهم أدخلوا من كلامهم في خطب النهج شيئاً، وصاغوا من فرائده عقوداً[٢٧]. وهل هذا إلاّ كاحتمال أن بعض الأوربيين صنعوا بعض لامية أمري القيس أو ميمية ابن أبي سلمى[٢٨].

ثم إن المغالاة في حب الإمام إنما تدعو إلى أن يختلقوا له كرامات أو معجزات غير منقولة، أو يفتعلوا أحاديث في فضله غير مأثورة، ولا تقضي بأن يدخلوا في كلامه ما ليس منه ليقال انه خطيب ماهر، وهم يرونه أفضل المخلوقات بعد أخيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وان نسبة الكتاب إليه مما تزيد الكتاب شرفاً وتغلي قيمته، وهو لا يزداد بذلك مرتبة ونبلاً:

من كان فوق محل الشمس موضعه              فليس يرفعه شيئاً ولا يضع[٢٩]

وكيف يكون إدخال بعض الفقرات في كلامه مما يرفعه مكاناً علياً يقرب به من درجة الرسول، وكيف ساغ له أن يجوز الكذب على من أحب علياً ووالاه، وعلياً ممن يمقت الكذب وأهله، ولا يرضى بالقليل منه واليسير. ثم انه كيف خفي ذلك على الشريف الرضي مع تبحره في العلم، وثقافته الأدبية، ومزاولته لكلام جده، ومعرفته بنَفَسه وأسلوبه. ثم ان ذلك لو خفي على السيد أو أخفاه عليه حبه لجده كما يزعم كاتب الترجمة فكيف خفي ذلك على جميع شرّاح النهج، وهم أكثر من أربعين شارحاً[٣٠]، وفيهم من فيهم من العلماء وأرباب الفضيلة.

وكيف خفي ذلك على جامعي كلام أمير المؤمنين ممن تقدم على عصر السيد وممن تأخر عنه، وهم عدد كثير وجم غفير، فلم يسمع عن أحد منهم انه احتمل أن في كلامه عليه السلام دخيلاً أو وضعاً، والخَطْب[٣١] الأفظع أن يجعل ذلك السيد الورع البر ممن يميل مع الهوى ويقهره هوى نفسه، وميل عواطفه إلى ما لا يليق به وبأمثاله من أهل التقوى والفضيلة.

نظرة في كلمات المترجم:

ولنعرج بعد هذا على كلمات لهذا المترجم أوردها في كتابه هذا، قال في (ص١٢٢): (ومبعث هذه الشكوك) وذكر شكوكاً ستة:

الأول: خلو الكتب الأدبية والتاريخية التي ظهرت قبل الشريف من كثير مما في النهج، وقد أجاب عنه بما يزيله، كما أنا قد تعرضنا لذلك فيما تقدم، وبقي هنا ما لا بأس بأن نلفت إليه النظر وهو:

أولاً: إن ما ذكره من خلو الكتب لابد وان يريد به خلو الكتب الموجودة بين أيدينا اليوم، وأما الكتب التي كانت في عصر الشريف وقد أخنى عليها الدهر فلم يعلم خلوها من ذلك، فإن مكتبة أخيه المرتضى كانت تشمل على ألوف من المجلدات، وكتب الصاحب إسماعيل بن عباد[٣٢] كان يحتاج لحملها إلى مئات من الإبل، وحُكي عن الشيخ الرافعي[٣٣] أن كتبه أكثر من مائة ألف مجلد، ويُحْكى عن بعض علماء الحجاز أنه رأى بمصر مجموعاً من كلام علي في نيف وعشرين مجلداً، إلى غير ذلك مما يغني عنه الرجوع إلى الكتب التي تبحث عن هذا الشأن، وقد كانت هذه الكتب عيناً ثم أثراً ثم لا عين ولا أثر.

ثانياً: إن ما بأيدينا اليوم من كتب الشيعة من الجوامع وكتب الآداب والسنن والأخلاق والمواعظ غير خالٍ مما في النهج، وأمّا التالف من كتبهم فهو فوق حد الإحصاء، فكم ألّفوا وصنّفوا ولكنها كانت في زوايا الكتمان وأعماق الخفاء، مَنَع من إظهارها خوف الهلاك والعطب فلا يطّلع عليها ولا يستمد منها إلا النادر منهم.

ثالثاً: إن المصادر التي بالأيدي اليوم لم تُؤَلّف لمثل ذلك الغرض الذي ألّف له الشريف كتاب النهج من جمع كلام شخص وتدوينه، فلا يكون عدم ذكرها لشيء من كلامه دليلاً على عدم وجوده في مصدر آخر لم تَصِل إليه أيدينا اليوم.

وأما الشك الثاني فقد أورده وأجاب عنه.

الثالث: يخالج نفوسنا الشك في عهد الأشتر من حيث طوله وإسهابه لاعتبارات نوردها لك:

الأول: إن الخلفاء عهدوا إلى ولاتهم فلم يؤثر عنهم ذلك الإسهاب في عهودهم.

أقول: إن الإطناب والإيجاز والمساواة لا يحتاج فيها إلى أن تُؤثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن أحد خلفائه الراشدين، ولم يَكن أحدها مرسوماً في الإسلام بحيث يجب اتباعه؛ بل هي تابعة لما تقتضيه المصلحة وتفرضه الحاجة، وربما كانت أحوال وغايات لا بد فيها من ذلك، وشتان ما بين زمانه عليه السلام وأزمنة الخلفاء، والقياس لو قيل به في شيء فالقول به هاهنا أوهى من بيت العنكبوت[٣٤]. ثم أن هاهنا ملاحظة يجب أن يستلفت النظر إليها، وبها تندفع الشكوك التي يستثيرها الإسهاب في عهد أو خطبة، وهي: إن السيد الشريف ربما لَفّق الخطبة الواحدة من خطب يختار فصولها، وفقرات يضم بعضها إلى بعض، وربما كان ذلك من خُطَبٍ شتى وكلمات متشتتة، فيجمع ما يختاره ويجعله كخطبة واحدة، وقد ألمعنا إلى ذلك فيما سلف، ووجدت شرّاح: النهج الشارح الفاضل والشارح العلامة والأستاذ محمد عبده نبهوا على ذلك في شرح قوله: (فقمت بالأمر حين فشلوا)[٣٥] ، قال الشيخ محمد عبده في شرحه (ص٥٥): (هذا الكلام ساقه الرضي كأنه قطعة واحدة لغرض واحد، وليس كذلك؛ بل هو قطع غير متجاورة، كل قطعة منها في معنى غير ما لِلأخرى، وهو أربعة فصول... إلى آخره)[٣٦].

أقول: وهذا الأمر ربما يُستفاد من خطبة كتاب النهج فانه رحمه الله قد نبّه على ذلك فيها، وبين عذره، فلا اعتراض عليه، وإذا تم هذا الأمر كان من الجائز أن يكون الشطر الأوفى من العهد لمالك، والسيد[٣٧] قد ضم إليه جملاً وفصولاً من عهود أخرى لأمير المؤمنين عليه السلام كانت لمالك أو لغيره من الولاة، ويجري مثل هذا في الخطب التي يكون الإسهاب فيها مثيراً للشك من أمثاله.

الثاني: إن الإمام ولّى محمداً وغيره ولم يعهد لهم بمثل هذا العهد.

أقول: وهذا في الوهن كسابقه وجوابه يظهر مما حررناه في جوابه.

الثالث: قال في(ص١٣٠): (إن مالك بن الحارث الأشتر الذي كتب له ذلك العهد كان الإمام...) إلى آخر ما سطره، وملخصه إن مالكاً كان موضع ثقة من أمير المؤمنين عليه السلام، فلا يحتاج إلى التوصية وإلى الإسهاب في الحيطة[٣٨]، وأن محمد ابن أبي بكر أولى بهذا العهد من الأشتر.

أقول: إن مالكاً كما ذَكَر وفوق ذلك، ولكن الحال اقتضت أن يكتب له الإمام عليه السلام هذا العهد ليقرأه على الناس، فيعلموا ما لأمير المؤمنين من الحكمة واليقظة والعناية بأمور الرعية وغير ذلك، فإن مصر لمّا سار إليها الأشتر كانت مختلة الأمر[٣٩]، قد أفسدها معاوية بكتبه ودسائسه، فاحتاج ذلك إلى كتاب يُقرأ على أهلها يعلمون منه شدة عنايته بالرعية، والعطف على ضعفائها، ورعاية شؤونهم، وقد ذكر المترجم في آخر هذا البحث انه يرى العهدين -عهد الأشتر، وعهد طاهر بن الحسين[٤٠] لابنه عبد الله- يجريان في سبيل واحد أسلوباً وغرضاً وروحاً.

أقول: ولكن أين الثرى وأين الثريا ونحن لا نستبعد أن أكثر كتّاب العهود كانوا يقرؤون عهود أمير المؤمنين عليه السلام، ويجعلونها قدوة وإماماً، فينسجون على منوالها، ويطبعون على غرارها، ولكن الأديب البصير إذا أنصف يرى الفرق واضحاً جلياً، ويشهد لذلك قول السيد في خطبة النهج: (وعلى أمثلته حذا كل [قائل][٤١] خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ)[٤٢].

وقال في (ص١٣١): (ويستوقفنا أيضاً مِن طِوال خطبه خطبتان، هما أطول ما أثر عنه بعد عهد الأشتر (القاصعة) وخطبة (الأشباح)، إلى أن قال: ونحن لا نقول إن هذا القدر من الطول في الخطب غير مقبول عقلاً؛ ولكنّا نقول إن المعروف في ذلك العهد والمتداول بين أيدينا من خطب النبي وخطب أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية لا يبلغ هذا الحد؛ بل ولا نصفه).

أقول: إن المسلمين الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ما عدا أفراداً منهم لم يتأهلوا لاستماع الخطب الطويلة المشتملة على العلوم والمعارف ودقائق الحكم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلم وأدرى بما يقتضيه الحال من الإطناب في الخطب والإيجاز فيها، وبما يليق أن يُودِع خطبه من العلوم والمعارف والآداب. والذي اعتقده ان مثال هاتين الخطبتين لا يمكن أن يصدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من أمير المؤمنين، وما كنت أظن أن حال أمير المؤمنين وحال غيره مما يخفى على أهل الكمال والأدب وذوي الخبرة بأحوال الرجال، وكان عليه السلام مدة خلافة الخلفاء التي تنيف على العشرين سنة منقطعاً إلى التعليم والإرشاد، ونشر العلوم والمعارف، وبث الآداب والأخلاق، وهو بحر العلم المتلاطم والعرفان، فلا يستبعد من مثله أمثال ما روي عنه وأسند إليه.

وقال في (ص١٣٢): (واعتقادنا أن علياً انفرد بأنه اخطب الخطباء بعد الرسول لا يحملنا على التسليم بأنه انفرد بطول الخطب دونهم).

أقول: إن اعتقادنا انه كما انفرد بأنه أخطب الخطباء بعد الرسول، انفرد بطول الخطب والإطناب فيها؛ لطول باعه وسعة اطلاعه وفراغه من الأمور الشاغلة برهة من الزمان؛ إذ لعل هذه الخطب مما أنشأه قبل زمن خلافته، والظاهر أن الغالب هو التلازم بين الاعتقادين.

وقال في (ص١٣٣): (ثم اقرأ ما ورد فيها من قصة الشجرة، وما في تضاعيف هذه القصة مما يرمي إلى إظلال علي بما أظل الرسول).

أقول: الإظلال بالظاء المعجمة من الظل، وقد تضمنت الخطبة إن الشجرة ظللت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً، ولا أرى أي مانع من أن تكون الشجرة ظِلالاً للرسول ولعلي إذا كان معه؛ بل لو كان غير علي عليه السلام معه صلى الله عليه وآله وسلم لجاز أن تظلله الشجرة، ولعل هذا المترجم أراد بكلامه هذا غير المعنى الذي فهمناه، وقد مر الكلام على ذلك، وأن حديث الشجرة رواه أكثر الناس[٤٣].

وقال: (ثم تدبر الخطبة الثانية... إلى آخر كلامه، وحاصله أنها اشتملت على كلمات لم تُعْرَف إلاّ بعد نشأة العلوم، وذلك بعد عصر علي عليه السلام.

أقول: إنّ علياً كان مدينة العلم، ومن الجائز أن يكون قد عرفها دون غيره قبل انتشارها، ومنه أُخِذَت ومن كلماته عُرِفَت، على أنّ من الممكن منع ما ادعاه من أنها لم تُعرف إلاّ بعد عصر علي، ويؤيّد ذلك إن الدخيل في كلامه لابد وأن يكون مما يمكن نسبته إلى صاحب ذلك الكلام، وهو من جنس كلامه؛ لأن إدخال غير ذلك مما ينافي غرض المدخل ومطلوبه.

وقوله: (على أن بعض جملها لا تتجلى فيه روح الإمام).

لا يُعلم ما أراد بالروح هنا، وهي دعوى يمكن لغيره أن يدعي خلافها.

وقوله: (هو بأسلوب متفلسفة القرن الرابع أشبه).

لعلّ هذا الأسلوب وقع في كلام أمير المؤمنين أولاً، وإن أهل القرن الرابع نسجوا على منواله.

ثم إن المترجم ذكر الشك الرابع في (ص١٣٤)، وانه لا سبيل لاتهام الرضي بانتحال الخطبة (الشقشقية) ؛ لأنها كانت معروفة قبل مولد الرضي من أكثر من طريق. ثم قال ولكنا مع ما نرى فيها من جزالة اللفظ وروعة الأسلوب التي تُغرينا أن ننظمها مع كلام علي في سلك نتراجع حين يبدو لنا شبح الشك ماثلاً فيها. أجل، يستوقفنا منها -ثم ذكر الأمور التي تستوقفه- وهي ما اشتملت عليه الخطبة من التعرض لأكابر الصحابة.

وأقول: لا يمكن إنكار ما وقع بين الصحابة من التنازع والتخاصم، وكتب التاريخ مشحونة منه، وذلك مما يستلزم الطعن والقدح بين المتخاصمين غالباً، وقد ذكر هذا المترجم في (ص١٤٠) ما روي من شديد كلامه عليه السلام بشان معاوية وابن العاص. وقال في (ص٤٢) هذا الكلام وأشباهه -يعني كلاماً للإمام عليه السلام نقله فيهما- نلتمس لعلي فيه العُذر، وإنْ هو إلاّ نفثة مصدور[٤٤]... الخ، وعلى هذا فلا ينبغي أن يستوقفه ما في الخطبة؛ بل يلتمس لعلي فيه العذر كما التمسه في غيرها. ثم اخذ يذكر ما استوقفه من الخطبة، وهو التعريض أولاً بعمر، ثم بِمَن بعده، وبِمَن قبله، ونعتهم بصفات يرجع من أراد الوقوف عليها إلى كتب السير والتاريخ، وكان على المترجم أن يقول: يستوقفني ما اشتملت عليه من التعريض، ولا يتصدى لذكر أمور سِتْرها أولى من نشرها، والأعجب من ذلك انه يقول بملء فمه، ويكتب بقلمه (ص٣٧) من كتابه (ترجمة علي بن أبي طالب) مطبعة العلوم سنة (١٣٥٠): فلقد كان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء ظاهر وعنجهية[٤٥] ظاهرة، وإن أصلحها بزعمه حيث وصفها بأن السامع لها يحسبها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد، فقد كان الواجب عليه أن لا يذكر ذلك، وأن يحسن الأدب مع أكبر أئمته وأعظم أقطاب مذهبه، والحرية التي تتباهى بإظهارِها كَتَبَة هذا العصر لا ينبغي أن تتجاوز الأدب والاحترام مع رؤساء دينهم.

وقال قبل هذا وذلك إلى انه ورد في (نهج البلاغة) نفسه كلام لعلي يثني فيه على عمر إذ يقول: (لله بلاء فلان)[٤٦] ، فهل يسوغ مع هذا الثناء أن يرميه بتلك التهمة النكراء.

وأقول: نقل عن شاذ لا يعرف إلى أنه دخيل في النهج، وآخر إلى أنه من التقية واستصلاح العمريين، وأوله ثالث بما لا ينافي ما في الخطبة، ونقول على فرض المعارضة بين الكلامين وإن أحدهما ساقط عن الاعتبار في البين، أن الترجيح لكلام الخطبة لأنه مروي بأكثر من طريق، وهو مشهور معروف معتضد بما في النهج وغيره مما رُوِي عن أمير المؤمنين من تَظَلّمه من قريش، ومن اعتدائها عليه وغصبه حقه، ولعلّ اشتمال الخطبة على ذلك مما يؤيد صدورها عن الإمام في نظر بعضهم، وأما الكلام فهو خبر مرسل، لا شهرة تؤيده، ولا حديث يعضّده. هذا ما ذكروه هنا والله تعالى أعلم بحقائق الأحوال ونوايا الرجال.

وقال في (ص١٤٣): (فهاك اقرأ خطبته التي يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض، وانظر قوله فيها: (أول الدين معرفته)، إلى قوله: (فاعل لا بمعنى الحركات، والإله... الخ)، تر أن هذا الأسلوب قصي[٤٧] عن نهج الإمام ومسلكه، إلى أن قال: (وهذا الأسلوب المنطقي لم يعهد في كلام العرب، ولم يستعمله العلماء إلاّ بعد ترجمة المنطق والعلوم الدخيلة، وذلك عصر لم يدركه الإمام.

وأقول: لقد قرأنا كلام أمير المؤمنين في غير النهج، وأحطنا بالكثير منه في كتب لا إنها وصلت إلى المترجم؛ بل ولا إلى سمعه، فلم نر أسلوب هذه الخطبة قصيّاً عن نهج الإمام ومسلكه، ولا أظن أن المترجم اطلع على غير النهج من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وعلم منه النهج والمسلك حتى يحكم بأن هذا الأسلوب قصي عنهما، ولا نعلم أي كلام للعرب قبل الإسلام وقف عليه لم يعهد فيه هذا الأسلوب، وهم لم يخوضوا هذه المباحث ولم يصل إلينا شيء من كلامهم فيها، وهذا المسلك والمنهج لو لم يكن معروفاً قبل أمير المؤمنين فلا يستبعد منه أن يكون هو المبتكِر له، ومنه أُخِذ وعلى مثاله احتذي.

وقال في (ص١٤٨): (إقرأ هذه النبذة وتفهمها جيداً تحكم غير مرتاب إنها من وضع عالم من علماء الكلام، لا من كلام الإمام.

وأقول: ليته أشار إلى هذا العالم، ولو في ضمن جماعة محصورين، وهذا العالم لابد وأن يكون من الشيعة في زمان السيد أو قبله، وجميع من نعرفه من الشيعة على كثرة أدبائهم وكتابهم لا نعرف أحداً يليق أن يُنسب إليه هذا الكلام؛ بل لا تصح نسبته لغير أمير المؤمنين، ولا يقتدر عليه سواه.

وقال أيضا في (ص١٤٧): (وشيء آخر ننبهك إليه وهو قوله: وكل قائم في سواه معلول، فان علماء اللغة يخطئون الكلاميين في استعمال كلمة معلول. ثم كلمة الأزل والأزلي والأزلية لا أصل لها في كلام العرب).

وأقول: أما كلمة الأزل فقد قدمنا الكلام عليها وذكرنا نصوص اللغويين فيها، وإن هذه اللفظة لو وُجِدت في كلام أي عربي لكانت حجة على علماء اللغة، فضلاً عن كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وقد احتج الفاضل عبد الحميد على صحة أن يقال أبرق وأرعد بقوله عليه السلام: (أبرقوا وأرعدوا)[٤٨].

وأما كلمة معلول فالكلام فيها طويل الذيل، والقول الذي لا يتطرقه ريب أن يقال: إن هذه اللفظة بمادتها وهيئتها موجودة في كلام العرب بمعنى يمكن التجوّز فيه؛ لأن باب المجاز واسع، فإذا انتفى كون العلة لغة بمعنى السبب، أمكن [أن][٤٩] يقال إن إطلاقها عليه من باب المجاز؛ لأن السبب يؤثر في المسبب كتأثير العلة والمرض في البدن، فاستعير له هذا اللفظ، وقال في (شرح القاموس)[٥٠]: (العلة بالكسر معنى يحل بالمحل فيتغير به حال المحل، وسمي المرض علة؛ لأنّ بحلوله يتغير الحال من القوة إلى الضعف... الخ)[٥١] ، وعلى هذا تكون العلة بمعنى المؤثِر والمغير فيكون إطلاقها على السبب حقيقة.

ثم إن المترجم ذكر ان من بواعث الشك ما في النهج من كلام مسجّع، وفقر[٥٢] قصار، ومن صناعة بديعية، ونظام منسق لا يأتي عفو الخاطر وبديهة الارتجال. وقد تقدم منا الجواب، ويظهر ان المترجم كلما ازداد كلام النهج حُسناً، واشتمل على المحسنات البديعية، يزداد بُعداً عن احتمال صدوره عن الإمام، وكأنه لم يَعلم إن كلامه إنما امتاز عن كلام غيره بما حوى من المحاسن والمحسنات، وبذلك تفوّق على كلام الخطباء، ولو كان عاطلاً مثل كلام أهل عصره لما كان له ما كان.

ثم ذكر: ان بعض المروي في النهج قد يوجد منسوباً لغيره، ولا يستبعد أن يكون ذلك مأخوذاً من كلامه عليه السلام أو من بعض من يرويه عنه من أصحابه، ورواية السيد سيدة الروايات؛ لأنه صيرفي الكلام ونيقده وهو اعرف بكلام جده وأسلوبه.

ثم ختم المترجم كتابه بكلام ابن أبي الحديد وجعله ممن يتعصب للنهج ويرى إن جميعه للإمام، وبعد أن أورده بتمامه قال في آخر صفحة من كتابه (ص١٦٢): (واعتقادنا إن نزوع ابن أبي الحديد هذه النزعة لأنه ألّف كتابه ذلك للوزير مؤيد الدين بن العلقمي[٥٣] وزير المستعصم العباسي، وكان ابن العلقمي رئيس الشيعة في عصره)، انتهى كلام المترجم.

أقول: وهذا منه غير لائق في مثل عبد الحميد الذي لا يخفى على أمثال الأستاذ المترجم فضله وكماله، فانه قد انتصر في موارد من كتابه لأهل السنة والجماعة، وقد أنكر النص الصريح على خلافة أمير المؤمنين، ولم يلحظ ابن العلقمي ولا غيره.

ثم إن هذا المترجم الفاضل قد يعرض في مواضع من هذا الكتاب للشيعة، وينطق بما يجرح العواطف، ويثير الشحناء والتفرقة بلا سبب موجب، ولا اضطرار ملجأ، ونحن في عصر يجب فيه التآلف والتناصر بين فرق المسلمين المحمديين؛ ليكونوا يداً واحدة على أعدائهم الذين أحاطوا بهم إحاطة السوار بالمعصم، وملكوا أزمة بلادهم وأوطانهم، ولا لوم على المترجِم وحده، فإن له أمثالاً في مصر وفي سوريا وفلسطين، فلا زالت مؤلفاتهم وكتبهم تأتينا فلا نرى مصنَّفاً لهم خالياً من وخز أو طعن أو همز أو لمز[٥٤]، ولا يثمر ذلك إلا البغضاء والنفرة والعداء والوحشة، ولقد كان يقع بين علماء المسلمين في الأزمنة السابقة ردود ونقود وتعرّض للمذاهب والأديان، ذلك حيث كان المسلمون في عِزة ومنعة، وحيث كانوا يأملون أن يهتدي مهتد أو يتبصر متبصر، أما الآن وقد علمنا أن ما أجهدوا به أفكارهم وأقلامهم لم يرجع به سنّي عن تسننه، ولا شيعي عن تشيعه؛ بل كل من الفريقين ثابت على مبادئه الدينية لا يردعه برهان ولا يصده دليل، فالتعرض للمذاهب والأديان، والحط من كرامة بعض دون بعض؛ حيث لا يرجى بذلك إقلاع عن عقيدة، ولا رجوع عن نحله[٥٥]، لغو وعبث، وضرب في حديد بارد[٥٦]، ونصيحتي اليوم للعلماء والكتاب أن يطووا بساط التعرّض للأديان والمذاهب، ولا ينظروا إلى ما جرى بين علماء الفرق من الرد والنقد والطعن والسباب، فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ويكون واجبهم اليوم أن تَحتَرم كل فرقة الأخرى، ولا تتعرض لها إلاّ بما يوجب التعاطف والتكاتف، ويكون الجميع يداً واحدة في حفظ كلمتي الشهادة وإعلاء منارها، وليحترزوا من كيد الأعداء ودهائهم وخدعهم، فإنهم يمزجون السم بالعسل ويسرون حسوا في ارتغاء،[٥٧] والله حسبنا ونعم الوكيل.

يتبع  ...

------------------------------------------------------
[١] . مالك بن الحارث الأشتر النخعي، جليل القدر، حاله أشهر من أن ينبه عليهما، لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام موته تأوه حزيناً وقال: (رحم الله مالكا، وما مالكاً أعز على هالكا، ولو كان صخراً لكان صلدا، ولو كان جبلاً لكان فندا وكأنه قدمني قدا). رجال ابن داود: ١٥٧.
[٢] . القرطاس: الذي يكتب فيه. الصحاح: ج٣، ص٩٦٢.
[٣] . الكنانة: التي تجمع فيها السهام. الصحاح: ج٦، ص٢١٨٨.
[٤] . الخَرْط: قَشرُك الورق عن الشجرة اجتذاباً بكفك، والقتاد: شجر له شوك أمثال الأبر، فيقال (دون ذلك خرط القتاد) وهو مثل يضرب للأمر دونه مانع. مجمع الأمثال: ج١، ص٢٦٥.
[٥] . وصم الشيء وصماً: إذا عابه، وزاد بعضهم: بأشد العيب. تاج العروس: ج١٧، ص٧٣١.
[٦] . الامتراء في الشيء: الشك فيه. الصحاح: ج٦، ص٢٤٩٢.
[٧] . الأكاسرة جمع كسرى بفتح الكاف وكسرها، وهم الفرس المجوس، ملكوا العراق والعجم نحواً من خمسمائة سنة، وأول ملوكهم دارا، وعدة ملوكهم خمسة وعشرون نفساً منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزدجرد الذي هلك في زمن عثمان. تاريخ الإسلام: ج٣، ص١٦٠؛ المواقف: ج١، ص١٨.
[٨] . القياصرة: من أعظم ملوك العالم وأشهرهم، وكان لهم الاستيلاء على جانب البحر الرومي من الأندلس إلى روما إلى القسطنطينية إلى الشام إلى مصر والاسكندرية إلى أفريقيا والغرب، وحاربوا الترك والفرس بالشرق، والسودان بالغرب، كانوا أولاً على دين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين ونشر دين النصرانية بأرضهم وتسلطهم عليهم بأرضهم أخذوا بدينهم. تاريخ ابن خلدون: ج٢، ص٢١٠.
[٩] . شرح ابن أبي الحديد: ج٩، ص٢٧٠.
[١٠] . وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائل: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أفصح من نطق بالضاد). شرح أصول الكافي: ج٩، ص٣٣٢.
[١١] . الخاطر: ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر، وقال ابن سيدة: هو الهاجس. تاج العروس: ج٦، ص٣٥٧.
[١٢] . المقة: المحبة، وقد ومقه يمقه بالكسر فيهما: أي أحبّه ، فهو وامق. الصحاح: ج٤، ص١٥٦٨.
[١٣] . وهو معاوية بن أبي سفيان.
[١٤] . الإمامة والسياسة: ج١، ص١٠١.
[١٥] . سورة النجم: ٤.
[١٦] . هو محمد فريد بن مصطفى وجدي (١٢٩٥-١٣٧٣هـ)، مؤلف (دائرة المعارف)، من الكتاب الفضلاء الباحثين، أصدر مجلة ٠الحياة)، وأنشأ مطبعة أصدر بها مجلة (الدستور)، ثم (الوجدانيات) وهي شبه مجلة أسبوعية، ونشر كتاب (دائرة معارف القرن الرابع عشر) في أجزاء متتابعة اكتملت في عشرة مجلدات، تولى تحرير مجلة (الأزهر). الأعلام: ج٦، ص٣٢٩-٣٣٠.
[١٧] . غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير، لنظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري، المعروف بالنظام النيسابوري، وهو تفسير معنوي ولغوي أيضاً لغرائب القرآن. والكلام المنقول المشار إليه في المتن في: ج١، ص١٥١ من التفسير المذكور. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج١٦، ص٣١.
[١٨] . غري به بالكسر: أولع به، والغرو: العجب. الصحاح: ج٦، ص٢٤٤٦.
[١٩] . البطالة بالكسر والمبطل: من يقول شيئاً لا حقيقة له. تاج العروس: ج١٤، ص٥٦.
[٢٠] . دائرة المعارف: ج١، ص٤٦٨.
[٢١] . هو الأستاذ احمد زكي صفوة باشا أستاذ اللغة العربية بدار العلوم العليا.
[٢٢] . الأشباح: الأشخاص، والمراد بهم ها هنا (الملائكة)؛ لأن الخطبة تتضمن ذكر الملائكة. شرح ابن أبي الحديد: ج٦، ص٣٩٨.
[٢٣] . نما: زاد وكثر. تاج العروس: ج٢٠، ص١٥٩.
[٢٤] . (حبك الشيء يعمي ويصم)، حديث للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجرى مثلاً، وأراد أن حبك للشيء يعميك عن مساوئه، ويصمك عن استماع العذل. جمهرة الأمثال: ج١، ص٣٥٦.
[٢٥] . يتيمة الدهر: ج١، ص٣٥٧.
[٢٦] . وممن أورد هذا النص السيد علي خان المدني في كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: ٣٦.
[٢٧] . الفرد: الدر إذا انتظم، ويقال: فرائد الدر، كبارها. العقد، بالكسر: القلادة، وهي الخيط ينظم فيه الخرز. الصحاح: ج٢، ص٥١٨؛ تاج العروس: ج٥، ص١١٥.
[٢٨] . زهير بن أبي سلمى ربيعة، ولد بنجد ونشأ في غطفان، وأخذ الشعر والحكمة عن خال أبيه، وكان شيخاً مقعداً، وغنياً برجاحة العقل والمال، فلزمه زهير وحفظ له، كما تتلمذ لزوج أمه ِأوس بن حجر واتخذ طريقته في الشعر، ولزهير معلقة مشهورة مطلعها: أمن أم أوفى دِمنَة لم تكلم *** بحومانة الدرّاج فالمتكلّمِ ، وتوفي زهير وله من العمر نحو ٩٧سنة، قضاها حكيماً داعياً إلى الخير والصلاح، منصرفاً إلى الحق بكل جوارحه. الجامع في تاريخ الأدب العربي: ج١، ٢١٤.
[٢٩] . من قصيدة للمتنبي، ذُكِرت في الصفحات السابقة.
[٣٠] . ومن هؤلاء الشرّاح:
١- شرح العلامة علي بن الناصر المعاصر للرضي, واسمه (اعلام نهج البلاغة).
٢- شرح الشيخ أبي الحسن البيهقي المتوفى سنة (٥٦٥هـ).
٣- شرح قطب الدين الراوندي سعيد بن هبة الله المتوفى سنة (٥٧٣هـ), المسمى (منهاج البراعة).
٤- شرح قطب الدين الكيدري أبو الحسين محمد بن الحسين الموسوم بـ(حدائق الحقائق).
٥- شرح الشيخ أفضل الدين الحسن بن علي الماهابادي.
٦- شرح فخر الدين الرازي محمد بن عمر المتوفى سنة (٦٠٦هـ) ولم يتم.
٧- شرح عز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد المعتزلي, المتوفى ببغداد سنة (٦٥٦هـ).
٨- شرح السيد علي بن طاوس المتوفى سنة (٦٦٤هـ).
٩- شرح ابي طالب تاج الدين المعروف بابن الساعي علي بن أنجب البغدادي, المتوفى (٦٧٤هـ).
١٠- شرح الشيخ كمال الدين ميثم بن علي البحراني, المتوفى سنة (٦٧٩هـ). وله شرح متوسط وآخر صغير ويسمة (مصباح السالكين في شرح النهج).
١١- شرح أحمد بن الحسن الناوندي, من أعلام القرن السابع.
١٢- شرح يحيى بن بن حمزة العلوي اليمني, من أئمة الزيدية, المتوفى (٧٤٩هـ).
١٣- شرح لبعض علماء أهل السنة اسمه (النفائس), كتابته سنة (٧٥٩هـ), موجود في الخزانة الرضوية.
١٤- شرح ابن العتائقي الحلي عبد الرحمن بن محمد.
١٥- شرح سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني, المتوفى سنة (٧٩٢هـ).
١٦- الشرح الموسوم بـ(التحفة العلية في نهج البلاغة الحيدرية), للسيد أفصح الدين محمد بن حبيب الله الحسيني.
١٧- شرح العلامة الحلي, المتوفى سنة (٧٣٦هـ).
١٨- شرح المولى قوام الدين يوسف بن حسن الشهير بقاضي بغداد, المتوفى (٩٢٢هـ).
١٩- شرح المولى كمال الدين الحسين بن عبد عبد الحق الأردبيلي المتوفى (٩٥٠هـ), واسمه (منهج الفصاحة).
٢٠- شرح عماد الدين علي القارئ الاسترابادي بنحو الحاشية.
٢١- شرح أبي الحسن علي بن الحسن الزواري, فارسي اسمه (روضة الأبرار) فرغ منه سنة (٩٤٧).
٢٢- شرح تلميذ المولى فتح بن شكر الله الكاشاني بالفارسية, المتوفى (٩٨٨).
٢٣- شرح عز الدين الآملي (القرن العاشر).
٢٤- شرح علي المعروف بالحكيم الصوفي بالفارسية, فرغ منه سنة (١٠١٦).
٢٥- شرح المولى عبد الباقي الخطاط الصوفي التبريزي, المتوفى (١٠٣٩هـ), شرحه بالفارسية وسماه (منهاج الولاية).
٢٦- شرح الشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي, المتوفى (١٠٧٦هـ).
٢٧- شرح السيد ابن المطهر بن محمد الجرموزي اليماني, المتوفى (١١١٠هـ).
٢٨- شرح السيد نعمة الله بن عبد الله الجزائري التستري, المتوفى (١١١٢هـ).
٢٩- شرح المولى محمد رفيع بن فرج الجيلاني, المتوفى حدود (١١٦٠هـ).
٣٠- شرح ميرزا باقر النواب بالفارسية, في القرن الثالث عشر.
٣١- شرح السيد عبد الله بن محمد محمد رضا الشبر الحسيني الكاظمي, المتوفى (١٢٤٢هـ).
٣٢- شرح السيد محمد تقي الحسيني القزويني, المتوفى (١٢٧٠هـ).
٣٣- شرح الشيخ محمد عبدة, المتوفى (١٣٢٣هـ).
٣٤- شرح الشيخ جواد الطارمي الزنجاني, المتوفى (١٣٢٥هـ) بالفارسية, الموسوم (شرح الاحتشام على نهج الإمام).
٣٥- شرح ميرزا ابراهيم بن الحسين الدنبلي الخوئي, المستشهد سنة (١٣٢٥هـ), واسمه (الدرة النجفية).
٣٦- شرح السيد حبيب الله بن محمد الموسوي الخوئي, المتوفى حدود (١٣٢٦هـ).
٣٧- شرح الأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد, المدرس في كلية اللغة العربية بالأزهر.
٣٨- شرح الشيخ طه ياسين الهنداوي, نزيل الأهواز, سماه (الصياغة من نهج البلاغة).
٣٩- شرح آية الله المولى محمد كاظم بن الحسين الخراساني النجفي صاحب (الكفاية), المتوفى سنة (١٣٢٩هـ).
٤٠- شرح العلامة الشيخ هادي ابن المولى حسين بن محسن البرجندي.
٤١- شرح محي الدين الخياط, وهو انتخابات من شرح ابن أبي الحديد.
ينظر: أعيان الشيعة: ج١٢, ص٣٢٥؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج١٤, ص١١١؛ الغدير: ج٤, ص١٨٦.
[٣١] . الخطب: الشأن، والحال، والأمر، وقيل هو سبب الأمر، وجل الخطب أي عظم الأمر والشأن. تاج العروس: ج١، ص٤٦٧.
[٣٢] > هو اسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني، وزير، غلب عليه الأدب، فكان من نوادر الدهر علماً وفضلاً وتدبيراً وجودة رأي، استوزره مؤيد الدين ابن بابويه الديلمي ثم أخوه فخر الدولة، ولقب بالصاحب؛ لصحبته مؤيد الدولة من صباه، فكان يدعوه بذلك، ولد في الطالقان (من أعمال قزوين) وإليها نسبته، سنة (٣٢٦هـ)، وتوفي بالري سنة (٣٨٥هـ)، ونقل إلى أصبهان فدفن فيها، له تصانيف جليلة منها: (المحيط). الأعلام: ج١، ص٣١٦.
[٣٣] . أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني الشافعي، فقيه أصولي محدث مفسر مؤرخ، ولد سنة (٥٥٥هـ)، وتوفي بقزوين، وهو من كبار الشافعية، كان له مجلي بقزوين للتفسير والحديث، من تصانيفه: (فتح العزيز على كتاب الوجيز). معجم المؤلفين: ج٦، ص٣؛ الأعلام: ج٤، ص٥٥.
[٣٤] . مثل متداول. ينظر: جمهرة الأمثال: ج٢، ص٣٢٩.
[٣٥] . نهج البلاغة: ٨٠.
[٣٦] . شرح محمد عبدة: ج١، ص٨٨.
[٣٧] . السيد: لقب مشهور للشريف الرضي.
[٣٨] . احتاط الرجل لنفسه: أي أخذ بالثقة. الصحاح: ج٣، ص١١٢١.
[٣٩] . مختلة الأمر: متفرقة. ينظر: تاج العروس: ج١٤، ص٢٠٤.
[٤٠] . أبو الطيب، وأبو طلحة طاهر بن الحسين مصعب الخزاعي (١٥٩-٢٠٧هـ)، من كبار الوزراء والقواد أدباً وحكمةً وشجاعةً، وهو الذي وطّد الملك للمأمون العباسي، ولد في بوشنج (من أعمال خراسان) وسكن بغداد، وقد ظفر بالأمين في بغداد وقتله سنة (١٩٨هـ)، قيل أن المأمون قتله لقتله (أخاه) الأمين بغير مشورة، وقيل مات مسموماً، ولقب بذي اليمينين، له وصية لأحد أبنائه، أظن أنها المشار إليها في المتن. الأعلام: ج٣، ص٢٢١.
[٤١] . الإضافة من المصدر.
[٤٢] . نهج البلاغة: ٣٤.
[٤٣] . ينظر: المناقب: ١٤٣؛ تاريخ مدينة دمشق: ج٤١، ٣٣٥؛ ميزان الاعتدال: ج٢، ص٣٠٦؛ كنز العمال: ج١١، ص٦٠٨.
[٤٤] . المصدور: الذي يشتكي صدره، وهو يستريح ويشفى بالنفث الذي هو شبيه بالنفخ. مجمع الأمثال: ج٢، ص٢٤١.
[٤٥] . العنجهية: الكبر والعظمة، ويقال: الجهل والحمق. الصحاح: ج٦، ص٢٢٣٩-٢٢٤٠.
[٤٦] . نهج البلاغة: ٢٦٧.
[٤٧] . قصي: بعيد. الصحاح: ج٦، ص٢٤٦٢.
[٤٨] . نهج البلاغة: ٥٤.
[٤٩] . إضافة يستقيم معها السياق.
[٥٠] . وهو كتاب (تاج العروس في شرح القاموس) لأبي الفيض محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بالسيد المرتضى الحسيني اليماني الزبيدي الحنفي، شرع في تأليفه حتى أتمه في عدة سنين في نحو أربعة عشر مجلداً، وكانت مدة اشتغاله بهذا التصنيف أربع عشرة سنة ونيف، استعان به على عدة كتب منها (الصحاح) للجوهري. معجم المطبوعات العربية: ج٢، ص١٧٢٦.
[٥١] . تاج العروس: ج١٥، ص٥١٧.
[٥٢] . يقال: ما أحسن فقر كلامه، أي نكته، وهي في الأصل حُلي تُصاغ على شكل فقر الظهر. تاج العروس: ج٧، ص٣٥٩.
[٥٣] . أبو طالب مؤيد الدين محمد بن أحمد بن علي الأسدي البغدادي المعروف بابن العلقمي (٥٩٣-٦٥٦هـ)، وزير المعتصم العباسي، إشتغل في صباه بالأدب، وارتقى إلى رتبة الوزارة سنة (٦٤٢هـ)، فوليها أربعة عشر عاماً، ووثق به المعتصم، فألقى إليه زمام أموره، وكان حازماً، خبيراً بسياسة الملك، كاتباً فصيح الإنشاء، إشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد، ومات ودفن في مشهد موسى بن جعفر(الكاظمية) ببغداد. الأعلام: ج٥، ص٣٢١.
[٥٤] . الهمزة: المغتاب في الوجه، واللمزة: المغتاب في القفا. تاج العروس: ج٨، ص١٤٦.
[٥٥] . النحلة: الديانة. الصحاح: ج٥، ص١٨٢٦.
[٥٦] . مَثَل تقوله العامة، يُضرب للحاجة التي تطلب في غير موضعها، أو من غير أهلها. جمهرة الأمثال: ج١، ص١٦٨.
[٥٧] . مثل يضرب لمن يظهر أمرا ويريد به غيره.
****************************