وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
نهج الحياة ـ مجموعة بحوث ومقالات حول نهج البلاغة

تحت عنوان (نهج البلاغة.. هذا السِّفر الخالد ) جاءت هذه العبارات المعبّرة: إن كتاب ( نهج البلاغة ) هو يَنبوعٌ متدفّقٌ جيّاش، يزداد تدفّقاً كلّما نقّبتَ فيه، كما ظهر مدى اتّصاله ببحار المعارف الإلهيّة أيضاً.. وهو لكلّ الأجيال ولكلّ القرون.

ويعود تدفّقه وخلوده إلى شخصيّة مُنشئه، فالكتاب ظلٌّ رقيقٌ لشخصيّة الإمام عليّ المُشرقة عليه السلام...
وبعد.. فنهجُ البلاغة هو: مَجلى للحبّ ومنارٌ للمعرفة، ونبراس للسياسة، ومنهاجٌ للحُكم، وميزانٌ للعدالة، ومثارٌ للحماس والجهاد، ومَعدِنٌ للكياسة، ومنهل للتربية، ومحرابٌ للعبادة، ومثالٌ للفصاحة والبلاغة...
أجل.. ولقد هدى الإمام عليّ عليه السلام إلى الحقائق الثابتة، وإلى فلسفة الحياة بصورةٍ تجد فيها كلامَه الشفّاف يخلّد الحياة، وهو أيضاً خالدٌ خلودَ الدهر.

ولا غَرو، إذ هو مِن كلام مَن تربّى في كنف النبيّ صلّى الله عليه وآله، وارتوى مِن معين الوحي، ونما وترعرع في بيت القرآن والرسالة، ومِن كلام مَن لمس كلامَ الله بكل كيانه، فتجسّد فيه الإيمان، فأصبح عليه السلام مَجْلى الحقّ، وبابَ مدينة علمِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلا عَجَبَ أن يصدر منه كلامٌ على مستوى ( نهج البلاغة )...
هذا الكتاب.. الذي هو جوهرةٌ لا يعلوها غُبار البِلى، بل تزداد لَمعاناً وإشراقاً يوماً بعد يوم، ونرى العالَمَ يتعرّف عليه أكثرَ وأحسن؛ لأنّه صادرٌ من إمامٍ لمسَ الآالام كلَّها، وشَعَر بما يُعانيه الإنسان، وجَرّب الأعاصير وعانى الفتن، وخرَجَ منها خالصاً بفضل ما لديه من معرفةٍ ونورٍ إلهيّ، حيث هو إمام.
إنّ ( نهج البلاغة ) يحتوي كلامَ إمام، صِيغَ في عباراتٍ قصيرةٍ جَزلَةٍ رائعة، تُصوِّر لنا الكمالَ الإنسانيّ تصويراً دقيقاً، وتُميّز خَطَّ الفلاح مِن خلال المسالك الوعرة والمهاوي والمهالك الرهيبة، ولذلك ( نهج البلاغة ) ليس كتابَ بلاغةٍ وحسب، بل هو أيضاً كتاب فصاحة ونهجُ حياةٍ وصلاح.
ولكنّ من المؤسف أنّه مضى ما يقرب من ١٤٠٠ سنةٍ على جوهرةٍ مشرقة وذخيرةٍ زاخرة من هذا السِّفر الكريم، وما تزال الأُمة لم تستفد منه حقَّ الاستفادة.. فعامّة الناس محرومةٌ مِن بركات هذا النبراس... والكتاب الذي بين يديك ـ أيُّها القارئ الكريم ـ هو مجموعة مقالات حول نهج البلاغة.
نسأل الله تعالى أن يُروّيَ شبابَنا الظمآن بالمعارف الإلهيّة ـ العلويّة.
فصول الكتاب
وهي سبعة:
الأوّل: مقالة الدكتور حامد حنفي داود / أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس بالقاهرة، تحت عنوان: ( نهج البلاغة: توثيقه، ونسبته إلى الإمام علي عليه السلام ). تطرّقت مقدّمته إلى حالةٍ فكريّة قديمة هي التشكيك في الأعمال العظيمة، كان منها تشكيك المستشرقين في نسبة القرآن الكريم إلى الباري تبارك وتعالى، ومن المُحدَثين كان أحمد أمين المصري أوّل مَن رفع عقيرته بالتشكيك في نسبة نهج البلاغة إلى أمير البلاغة عليِّ بنِ أبي طالب عليه السلام، ثمّ تَبِعه تلميذه شوقي ضيف.
ثمّ أشار الدكتور حنفي إلى خطورة هذه الحالة على عقيدة الأمّة، فردّها بأدلّة كثيرة، منها: إعجابُ جهابذة الأُدباء والشعراء والكتّاب بنهج البلاغة واعتقادهم بنسبته إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكذا تأكيدُ المصادر التاريخيّة والرجاليّة والمعجميّة، ومراجع التحقيق والبحث العلمي.. مضيفاً إلى ذلك الأدلّة العقليّة والنقليّة، مُدرِجاً عدداً كبيراً من أسماء الكتب وأسماء العلماء والباحثين المؤكّدين على نسبة ( نهج البلاغة ) للإمام عليّ عليها السلام، ليختم الدكتور حنفي مقالته بهذا الاستدل:
لمّا كان أُسلوب ( نهج البلاغة ) في درجةٍ واحدةٍ من الصياغة والبلاغة؛ فإنّ ذلك يدلّ من طريقٍ آخر أنّ النهج كلَّه مِن كلام الإمام عليّ، وليس مِن كلام غيره من بلغاء القرن الرابع.
الفصل الثاني: مقالة تصنيفيّة لمحمّد باقر البهبودي تحت عنوان: ( أصول الدين على ضوء نهج البلاغة ) تحت خمسة فصول: التوحيد، العدل الإلهيّ، النبوّة ـ الخاصّة بالنبيّ صلّى الله عليه وآله ـ، الإمامة ـ الخاصّة بآل رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ، المعاد. وقد أورد في ظلّها مقتطفات من ( نهج البلاغة ) مشيراً إلى صفحاتها.
الفصل الثالث: مقالة لعبده حسن الزيّات تحت عنوان: ( الأغراض الاجتماعيّة في نهج البلاغة ) مأخوذة من كتاب ( المجالس السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبوية ) للسيّد محسن الأمين. وقد تطرقت المقالة بعد المدخل إلى المواضيع التالية: التعايش السِّلمي، الحُكم والسياسة والقضاء، الحريّة ( الديمقراطيّة ).
يُريد الكاتب من خلال ذلك أنّ مِن ( نهج البلاغة ) يمكن استخلاص منهج حكومي: تشريعيّ وقضائي وتنفيذي. كما يمكن رسم الخطوط المهمّة والحسّاسة في التعامل مع الرعيّة والولاة والدول الأخرى، في ضمانٍ للأمن والحرية، والكرامة الإنسانية.
الفصل الرابع: عنوانه: ( علوم الطبيعة في نهج البلاغة ) مقالة للاستاذ لبيب بيضون / ماجستير في الفيزياء ومدير أعمال في كلية العلوم بجامعة دمشق، مُنطلقاً من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ كما أورده : « أُوتِيتُ جَوامعُ الكَلِم، وأُوتيَ عليٌّ جوامعَ العِلم »، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: « سَلُوني قَبلَ أن تَفقِدوني؛ فإنّي بِطُرقِ السماء أعلَمُ مِنّي بِطُرق الأرض.. » ( الخطبة ٢٣١ من نهج البلاغة )، ليتطرّق الأستاذ بيضون بعد ذلك إلى المواضيع التالية:
علمُ التوحيد يشتمل على كلّ العلوم، علم الفَلَك، نظرية تمدّد الكون، الأبراج، خَلق الكون، نظريّة الإمام علي عليه السلام في خلق الكون والسماوات، خلقُ السماء الدنيا والشمس والقمر، علم الجيولوجيا، خلق الأرض، نظرية الإمام عليّ عليه السلام في خلق الأرض، خلق الجبال والينابيع، تسخير الينابيع والسُّحُب لحياة النبات والإنسان.
في كلّ ذلك يقدّم الأستاذ بيضون مقدّماتٍ علميّةً مختصرة في بعض المواضيع الطبيعيّة، ثمّ يُثبت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قبل أربعة عشر قرناً كان يتطرّق إليها بصِياغاتٍ علميّة، وأساليبَ أدبيّة، على غايةٍ من الدقِّة، مشفوعةً بالإشارات العقائديّة: الفكريّة والروحيّة.
الفصل الخامس: ( نهج البلاغة وأثره على الأدب العربي ) شِعراً ونثراً بعد مقدّمةٍ مُثْبِتةٍ لمصادر ( نهج البلاغة ) وجامعيه ورواتِه الأوائل، والمقالة هذه هي للشيخ الدكتور محمّد هادي الأميني، جاء فيها بمصاديق وشواهد عديدة على انتهال الأدباء والمفكّرين البارعين الكثيرَ من الأدب الرفيع المنساب من ( نهج البلاغة ) لأمير المؤمنين عليه السلام، مقتبسين منه: المعاني والصِّيَغَ والكلمات والأمثال والصور البلاغيّة الرائقة، والأساليب الجماليّة المؤثّرة.
الفصل السادس: وهذه المقالة أيضاً للشيخ محمّد هادي الأميني، وهي بعنوان: ( أعلام نهج البلاغة )، ترجم فيها لاثنين وستّين شخصيّةً وردت أسماؤهم في النهج الشريف: مدحاً، أو قدحاً، أو لمناسبةٍ ما، عرّف بهم، وأشار إلى مواقع ذكرهم من النهج، وأدرج في آخر مقالته أسماءَهم حسب الترتيب الهجائيّ للحروف، مع ذكر مصادر بحثه التي استفاد منها.
الفصل السابع: هذه المقالة كذلك للشيخ الأميني الدكتور محمّد هادي ابن العلاّمة الأميني الشيخ عبدالحسين صاحب الموسوعة الفاخرة ( الغدير ). والمقالة هنا عنوانُها: ( مصادر ترجمة الشريف الرضي ) ـ جمع وتحقيق. تعرّض فيها لترجمة الشريف الرضيّ باعتباره الجامع الأشهر والأكمل لنهج البلاغة، فكتب صفحات في حياته وعرّف بشيوخه وأساتذته، وعرض مؤلفاته ومصنّفاته، ثمّ ذكر وفاته، وختم مقالته بدرج المصادر التي كتبت حول الشريف الرضيّ، وهي في ثلاثة حقول:
١ ـ الدراسات الخاصّة التي تناولت حياته رحمه الله.
٢ ـ الكتب التي ترجمت له، وتنقسم إلى:
أ. المصادر العربيّة. ب. المصادر الفارسيّة.
٣ ـ الصحف والمجلاّت: العربية والفارسيّة.
وقد بلغت بمجموعها عند الشيخ محمّد هادي الأميني ٢١٤ ما بين كتابٍ ورسالةٍ ودراسةٍ ومعجمٍ ومقالة وفهرس وصحيفة.. ولا يدّعي الإحصاء الكامل.
إشارتان فقط :
الأُولى: هي أنّه قد ثبت للتاريخ على مستوى جميع الأوساط العلميّة والتحقيقيّة، أن ( نهج البلاغة ) لا يمكن أن يكون لأحدٍ غير الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فهو بحرٌ مترامي السواحل تنقطع دونها مَدَياتُ الأبصار، فعلى طول ألفٍ وأربعمائة عامٍ تقريباً ما زالت الشروح والدراسات تترى على ( نهج البلاغة ) تَفِد عليه وتَرجِع مُقِرّةً بالعَجزِ عن استيعابه وإدراك أعماقه ومقاصده السامقة كلِّها.
فهذا الكتاب.. بخُطبه وكتبه ورسائله وحكمه، وهذا النهج.. بصياغاته البلاغيّة، وعلومه المتعدّدة، ومعارفه العميقة الواسعة.. ما زال محيّراً للألباب والنفوس، ومُذهِلاً ومُعجِباً للعقول، وجاذباً للأرواح والقلوب. وقد تأسّست المؤسّسات، واجتمعت المجاميع العلميّة البحوثيّة، وجَدّت الدراسات الشخصيّة والجامعيّة على مستوى الدكتوراه وما فوقها، وطُرِحت المشاريع الكثيرة: الجماعيّة والفرديّة، لدراساتٍ جديدةٍ أعمق لنهج البلاغة، وما تزال.. وهي تحصل على جملةٍ من التوفيقات في المجالات الفكريّة والاجتماعيّة والتربويّة والعلميّة، حتّى ظهرت ضرورة التخصّص في هذا الكتاب ـ مع أنّه لم يَجمع كلَّ كلام أمير المؤمنين عليه السلام ـ، فكان مِن ثمرة الجهود المشكورة وضع مؤسّسات متخصّصة في نهج البلاغة تُعنى بتحصيل البحوث الدائرة حوله، وجمعها وطباعتها ونشرها.. ولعلّ شيئاً متكاملاً نعثر عليه في هذا المضمار ما حوته « المكتبة المتخصّصة بأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام ـ في مدينة مشهد الرضا عليه السلام ـ بإيران » من مصادر غزيرة فيها الكتب والمجلاّت والمقالات والدراسات الجامعيّة، وكلُّ ما صدر تقريباً حول نهج البلاغة، فيمكن الورود عليها على العنوان الالكتروني التالي:
info@imamalislib.com, أو خطّ الشبكة: www.imamalislib.com
الإشارة الثانية: دعوةٌ صريحةٌ ومخلصة إلى جميع المسلمين.. أيّاً كان أفرادهم: مِمّن يعشق الأدب العربيّ، أو ممّن يتولّع بالعرفان الإسلاميّ، أو ممّن يبحث في القضايا: السياسيّة، أو الاجتماعية الفرديّة والأسريّة، أو الاقتصاديّة، أو العسكريّة، أو الحُكميّة.. أو كان ممّن يُشغَف بالعلوم على مجالاتها: الطبّ، الفَلَك، علم النفس، الطبيعة.. أو ممّن يهوى الحديث حول الأخلاق، أو العقيدة، أو العبادة، أو الشرائع والأديان والنبوّات والرسالات، أو القيم الإنسانيّة الرفيعة، أو التاريخ في بعض مشاهده المهمّة..
هذه هنا دعوةٌ صريحةٌ إلى كلّ أولئك، وحتّى إلى مَن يبحث عن الحقائق الخطيرة، كالإمام الحقّ بعد النبوّة الخاتمة، وعن الحياة بعد الموت: برزخاً وبَعثاً وحساباً ومصيراً،.. إلى كلّ أولئك تُوجّهُ الدعوة وبإخلاص وإصرار، إلى أن يَفِدوا على ( نهج البلاغة )، فلعلّهم يَجِدون ضالّتَهم، وَيكفُّ البعضُ عن التشكيك، ويُنصِفُ المتهرّبُ نفسَه فلا يُغطّي عينَيه عن شمس الحقيقة ولا عن أنوار المعرفة.
فأميرُ المؤمنين عليه السلام مفخرة هذه الأمّة، وعنوان شرفها وكرامتها، ونهجُ بلاغته رَشَحٌ سماويّ عن نهج الإسلام الذي أراده الله، ونَفحَ به رسول الله، فكان عَذْبُ بيانه على لسانِ وحي الله، ولسانِ نبيّ الله، ثمّ لسانِ وليّ الله.

****************************