وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَبَاهِتٌ مُفْتَر.                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
هذا هو عصر نهج البلاغة

الشيخ محمد باقر كجك

يُلحظ تشابه كبير بين مجتمعنا وظروفه وبين المجتمع الذي كان يعاني فيه أمير المؤمنين عليه السلام شؤون الولاية. بالتالي، كيف يمكن أن نستفيد من أسلوب مواجهة الإمام علي عليه السلام تلك الظُّروف والمشاكل؟

أولاً: ميزات عصر أمير المؤمنين عليه السلام:

١ - حاكمية الولاية: تميز عهد الإمام علي عليه السلام بميزة خاصة لم تسنح من بعده إلا لابنه- الإمام الحسن عليه السلام- أشهراً يسيرة. لقد كان الإمام عليه السلام هو الخليفة الحاكم من دون شرطٍ ولا قيدٍ اللهم إلا العمل بكتاب الله والسَّير بسيرة رسول الله و"اجتهاد رأيي"[١].

وبالتالي أعاد الإمام عليه السلام الأمور إلى نصابها الحقيقي الذي جعله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المشهور بين الفريقين، كما جاء في الأثر - في سنن الترمذي مثلاً - بإسناده عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله: "يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي"[٢].

٢ - قيام الحجّة: لقد قام الإمام عليه السلام بعدما تهافت عليه النّاس من كلّ جانبٍ كما جاء في خطبة الشّقشقية: "فَمَا رَاعَنِي إِلَّا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ"[٣]، فعند ذلك قامت الحجة على الإمام بتسلّم الحكم فقال: "لَوْلَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ"[٤].

٣ - ظهور الفتنة: ما هي الفتنة؟ إنها تعني الشبهة واختلاط الصفوف، أي اختلاط الحق والباطل. وهي مشكلة تمسّ بنيان العقيدة وتدمّره من الداخل، أي أن أطراف النزاع كلهم مسلمون، فمن منهم على الحق؟ وقد واجه الأمير عليه السلام الفتنة كما واجهها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. يصف الإمام عليه السلام فتنة النفاق فيقول: "إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ الله، ويَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الله، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ، لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، ولَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ، انْقَطَعَتْ عَنْه أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، ولَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ ومِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِه، ويَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ الله الْحُسْنى"[٥].

وهذه فتنة النِّفاق، أي اختلاطُ الأمور على النَّاس بحيثُ لا يعود في المقدور معرفة الإسلام الحقيقي من الإسلام المزوّر. وهذا الأمر كان من الأمور العظيمة التي وقف الإمام عليه السلام أمامها واستطاع أنْ يقوم بفضحها ووضع الأسس لمعرفة الفتن في أيِّ زمنٍ وعصر، فقال عليه السلام في فتنة بني أمية: "أيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ، ولَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا، واشْتَدَّ كَلَبُهَا"[٦].

٤ - ظهور الأمراض الأخلاقية المستعصية: فقد واجه الإمامُ علي عليه السلام عدداً من المشاكل الخُلقية النفسية التي كانت تنبئ عن وجود خللٍ في البنية العقائدية للنَّاس من جهة، ومن جهةٍ أخرى عن اشتداد هذه الأمراض وتجذُّرها بحيث اضطّر الأمير عليه السلام إلى القيام بعلاجاتٍ صعبةٍ ومُضنيةٍ لها، على سبيل المثال: حبّ الدنيا، قضية التّكبر، دور الخواص، المساومة على المبادئ، طاعة الحاكم ولكن بشروط، عدم معرفة موقعية القرآن الكريم، عدم الأخذ بمرجعية أهل البيت عليهم السلام وغيرها.

ثانياً: أمير المؤمنين عليه السلام والخواص

إنَّ الفئة التي واجهت أمير المؤمنين عليه السلام في معضلة الجمل، وصفين، والنهروان، وألّبت الناس عليه هي فئةُ الخواص, فبعضهم كان من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم السابقين، وبعضهم من تلامذة وأتباع الإمام عليه السلام، ولذلك عمل على توضيح الأمور لهم وأنَّه ليس مضطَّراً إلى ممالأتهم على حساب الدِّين، ثم بيَّنَ كيفية إدارة شؤون التَّعاون معهم في عهده للأشتر إذ قال: "إنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَكُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً"[٧].

ثالثاً: الثوار ومرض حب الدنيا

الثوار تلك الجماعة من الخواص المحيطين بالإمام عليه السلام، والحاضرين في ساحات النضال والجهاد. فقد ابتلي عليه السلام بمجموعات كبيرة من خواص المؤمنين الذين أصابتهم الأمراض وأضعفتهم تارةً في ساحات الجهاد، وأخرى في مواقع المسؤولية. فكان تشخيص مرضهم وعلاجه من المهمات الكبرى التي عانى منها خلال فترة حكمه.

منها مرض حبّ الدنيا، الذي ابتُلي به كبار الصحابة وأشراف الناس، ثم سرى هذا المرض إلى جمهور المسلمين من بعدهم، وكان لهذا المرض ويلاتٌ لا تحصى على الأمة. فنجد في نهج البلاغة الكثير من الخطب والتنبيهات في ذم الدنيا والانخداع بها والتحذير منها ومن مخاطرها.

فلماذا كل هذا الحديث عن الزُّهد في خطبه عليه السلام؟ وأين أصبح ذلك الزَّمان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه: "الفقر فخري"، وكان أصحابه يفتخرون بأنهم لم يتلوثوا بمال الدنيا، وهو ما عبَّر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل"[٨] فما الذي حدث بعدها في المجتمع الإسلامي؟

كان أمير المؤمنين عليه السلام يتحدّث عن حب الدنيا والتعلّق بها، لأن الناس قد فتنوا بها. فبعد ثلاث وعشرين سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَسَرَ الناسَ حبُّ الدُّنيا، وكان سعي أمير المؤمنين عليه السلام لتحريرهم منها، فيقول موضحاً حقيقتها: "فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا، يُونِقُ مَنْظَرُهَا ويُوبِقُ مَخْبَرُهَا، غُرُورٌ حَائِلٌ وضَوْءٌ آفِلٌ وظِلٌّ زَائِلٌ وسِنَادٌ مَائِلٌ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا واطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا، وأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ، قَائِدَةً لَه إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ ووَحْشَةِ الْمَرْجِعِ"[٩].

يقول السيد القائد الخامنئي دام ظله: "هذا هو المرض، فأولئك الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تركوا أموالهم وعيالهم وأوطانهم وتجارتهم في سبيل الإسلام وهاجروا إلى المدينة مع الرسول، وكبروا على الجزع والمخمصة والشدة، نراهم بعد عشرين، ثلاثين سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندما يتوفون يحتاج ورثتهم إلى الفؤوس ليقسّموا الذهب الذي تركوه. هؤلاء هم مصداق قوله عليه السلام: "حتى إذا أَنِسَ نافرُها واطمأنّ ناكرُها"، فهذا أوج كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وهو نموذج من كلماته عليه السلام في مورد حبّ الدنيا"[١٠].

رابعاً: نهج البلاغة دواء أمراضنا

كانت هذه إشاراتٍ سريعةً إلى خصائص عصر أمير المؤمنين عليه السلام، وإلى الأمراض التي ابتلي بها النَّاس في عصره، وإلى إشاراتٍ هامّةٍ لأسلوبِ معالجة الإمام عليه السلام لهذه الأمراض والمشاكل. وما يهمنا في المقابل أنْ نستفيدَ من تجربةِ الإمام عليه السلام في مقارنتها مع تجربة الحالة الإسلامية التي تعيشها مجتمعاتنا منذ بضعة عقود. وبالتالي، يجب علينا أن نسأل أنفسنا إن كانت خصائص عصره تنطبق على عصرنا والذي نراه أنها تنطبق إن من حيث حاكمية الولاية ووجود الولي المدبّر والقدير، وكذلك قيام الحجة بوجود الناصر، وكذلك من حيث ظهور الفتن والأمراض الأخلاقية.

ونسأل أيضاً عن نوعية الأمراض المستعصية التي أصابت الخواص والعوام في زماننا، ألا تشبه ما قد حصل في عصر أمير المؤمنين عليه السلام، وبالخصوص حب الدنيا، وعدم الوعي بضرورة إطاعة القائد؟

يقول الإمام الخامنئي: "يومنا هذا تتشابه فيه الظروف مع ظروف حكومة أمير المؤمنين عليه السلام فالعصر إذاً هو عصر نهج البلاغة"[١١].

منقول من مجلة بقية الله

--------------------------------------------------------------
[١] . شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج١، ص١٨٨.
[٢] . الخلاف، الطوسي، ج١، ص٢٧.
[٣] . نهج البلاغة، الخطبة ٣.
[٤] . م.ن.
[٥] . م.ن، الخطبة ٥٠.
[٦] . م.ن، الخطبة ٩٣.
[٧] . نهج البلاغة، عهد الأشتر.
[٨] . الخصال، الشيخ الصدوق، ص٧.
[٩] . نهج البلاغة، الخطبة ٨٣.
[١٠] . كتاب العودة إلى نهج البلاغة، السيد القائد الخامنئي، ص٦٥.
[١١] . م.ن، ص٧.
****************************