وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
أصحاب الإمام علي علي السلام أسماء وسير وتاريخ حافل بالولاء – الأول

معلومات مبسطة عن أصحاب الإمام علي عليه السلام وحواريه

* أبوذر الغفاري(رضوان الله عليه)

الصحابي الجليل جُندَب بن جُنادة الّذي ذاع صيته بسبب شخصيّته الخاصّة ومناهضته عثمان ومعاوية.

وذُكر أيضاً أنّ اسمه بُرَيْر، بَيد أنّ البعض رأى أنّ ذلك هولقبه.

ونسبه المعلوم إلى عدنان يعضد انتماءه إلى قبيلة بني غِفار، وكانت أمّه رملة من هذه القبيلة أيضاً.

ولا يقدّم لنا المؤرّخون معلومات عن تاريخ ولادته، لكنّهم لمّا ذكروا أنّه توفّي وهوشيخ كبير، فلابدّ أنّه كان قد عمّر طويلاً قبل الإسلام. وذهبوا إلى أنّه كان في ثُلّة الأوائل الّذين آمنوا بالإسلام، وعدّوه رابعَ أوخامس من أسلم.

قَدِمَ المدينة سنة ٦هـ، فأسكنه النّبيّ صلّى الله عليه وآله في المسجد مع عِدّةٍ من المسلمين الفقراء، وهؤلاء هم المشهورون بأصحاب الصُّفَّة.

وكان أبوذرّ من خاصّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وحواريّيه في المدينة كما كان مكيناً عنده.

وعندما انتقل صلّى الله عليه وآله إلى جوار ربّه واستُخلف أبوبكر سنة (١١هـ)، كان أبوذرّ في الصّفوة الّتي أقبلت على أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، رافضاً بيعة أبي بكر، ثمّ بايعه مُكْرَهاً.

وبلغ في القُرب من الإمام عليه السّلام درجةً أنّه كان معه في الخاصّة من أصحابه عند تشييع السّيّدة فاطمة الزّهراء عليها السّلام ودفنها.

وقد شهد أبوذرّ عدداً من الغزوات مثل غزوة الغابة، كما شهد سَرِيّة قرب المدينة.

وخَلَفَ النّبيَّ صلّى الله عليه وآله على المدينة في غزوة بني المصطلق، وعُمرة النّبيّ صلّى الله عليه وآله سنة (٧هـ) فاضطلع بأعمالها.

ورفع لواء بني غفار، وهم ثلاثمائة، في فتح مكّة ومرّ به على أبي سفيان.

وساءه ما رأى من ممارسات عثمان في المدينة، وعامله معاوية في دمشق مِن مثل محاباته قُرباه بالأعمال المهمّة، ودفعه الأموال الطّائلة، وكنز الثّروات، والتّبذير والإسراف، وانتهاك السُّنّة النّبويّة، فامتعض منهما وغضب عليهما.

وكان يقف إلى جانب أمير المؤمنين عليه السّلام وأهل البيت عليهم السّلام وصمد في معارضته للحاكمين على رغم محاولات معاوية في ترغيبه في الدنيا وتطميعه.

وطلب عثمان من معاوية أن يُرجِع أبا ذرّ إلى المدينة بُعنف. فأركبه على جمل بلا غطاء ولا وطاء، ولمّا دخل المدينة منهَكاً متعَباً حاول عثمان أن يسترضيه بشيءٍ من المال، فرفض ذلك وواصل انتقاده للنظام الحاكم والأسرة الأمويّة، فغضب عثمان وأمر بنفيه إلى الرَّبَذة ليُبعده عن النّاس.

ولمّا تحرّك متوجّهاً إلى الرّبذة شايعه أمير المؤمنين عليه السّلام وبعض مقرّبيه على الرّغم من الحظر الّذي فرضه عثمان. وتكلّم الإمام عليه السّلام عند توديعه كلاماً بليغاً أثنى فيه على أبي ذرّ، وذمّ عثمان وأعوانه. وموقف الإمام عليه السّلام هذا في مشايعة أبي ذرّ ودعمه أدّى إلى مواجهة شديدة بينه وبين عثمان.

توجّه أبوذرّ إلى الرّبذة مع زوجته وبنته. وأقام هناك ومعه بعض الغلمان وعدد من الأغنام والجمال وتوفي رضوان الله عليه في منفاه سنة ٣١أو٣٢ هـ. ومع أنّ أحداً لايشكّ في أنّه دُفن في الرّبذة، إلاّ أنّ وجود قبرٍ له في اسطنبول باعث على العجب!

يتمتّع هذا الصّحابيّ الجليل بمنزلة رفيعة مرموقة خاصّة بين الإماميّة، ويسمّونه والثلاثة الآخرين معه (سلمان والمقداد وعمّار) الّذين ثبتوا على ولائهم للإمام أميرالمؤمنين عليه السّلام بعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله بـ«الأركان الأربعة».

وتدلّ الرّوايات المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام في أبي ذرّ على أنّهم كانوا ينظرون إليه كرجلٍ زاهد كامل، وقوله وعمله أسوة للشّيعة، وكانوا عليهم السّلام يحدّثون شيعتهم دائماً بسيرته ومواعظه.

وحريٌّ بالذّكر أنّ نصّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله على صدقه في الحديث المتواتر المشهور «ما أظلّت الخضراء وما أقلّت الغبراء أصدَق لهجةً من أبي ذرّ» (الاختصاص، للمفيد ص ١٣) دفع علماء الشّيعة والسّنّة إلى الثّناء عليه وتمجيده.

* أبوسعيد الخُدري ( رضوان الله عليه )

هو سعد بن مالك بن سنان بن الخزرج الأنصاري ، مشهور بكنيته ( أبوسعيد ) ، ولد سنة ١٠ قبل الهجرة .

شهد أبوسعيد الخدري الخندقَ وبيعة الرضوان ، وقال أبوسعيد : عُرضتُ يوم أحد وأنا ابن ثلاث عشرة ، فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول : يا رسول الله إنّه عبل [ ضخم ] العظام ، وجعل نبي الله يصعِّد في النظر ويصوِّبه ثمّ قال : رُدّه فردّني .

كان أحد الصحابة والوجوه البارزة المشهورة من الأنصار وكان من المحدّثين الكبار ، وفي عداد رواة حديث الغدير ، وحديث المنزلة ويعد من أجلاء الصحابة الذين كانت لهم مواقف مشرِّفة مع أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ومن الذين شهدوا لعلي ( عليه السلام ) بالولاية يوم الغدير .

روي أنّ عليّاً ( عليه السلام ) قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلاّ قام ، فقام سبعة عشر رجلاً منهم أبوسعيد الخدري .

لم يترك مرافقة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، وكان إلى جانبه في معركة النهروان .

ذكره الإمام الصادق ( عليه السلام ) بتبجيل وتكريم ، ونصّ على استقامته في طريق الحق .

في كتاب أُسد الغابة : توفي أبوسعيد سنة ٧٤ هـ ودفن بالبقيع ، وقيل غير ذلك .

* الأحنف بن قيس ( رضوان الله عليه )

قصة إسلامية :

روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل جماعة يرأسهم رجل من بني ليث إلى البصرة ليدعوا أهلها إلى الإسلام والتمسك بفضائله ، لكنه لم يجد أذناً صاغية ، فقال الأحنف للناس : والله أن الرجل يدعو إلى خير ، ويأمر بالخير ، وما أسمع إلا حُسناً ، وأنه ليدعو إلى مكارم الأخلاق وينهى عن رذائلها .

ولما عاد الليثي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذكر له ما جرى هناك وما سمعه من الأحنف ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللهم اغفر للأحنف ) ، فكان الأحنف بعد ذلك يقول : فما شيء أرجى عندي من ذلك ، يعني من دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) ، فَأسلَمَ .

أبرز صفاته :

أدرك الأحنف عصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولكنه لم يراه ، وكان يُعد من دُهاة العرب ، وكان رجلاً عالماً حكيماً وشجاعاً وصاحب رأي .

وقد تميز بصفة الحلم حتى صار العرب يضربون به المثل فيقولون : ( أحلم من الأحنف ) .

وسُئل ذات مرة كيف أصبحت رئيساً لقومك ؟ ، فقال : بعوني للمحتاجين ونصرتي للمظلومين .

موقفه مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

شهد الأحنف بن قيس جميع حروب الإمام علي ( عليه السلام ) ، إلا حرب الجمل ، إذ قال لأمير المؤمنين (عليه السلام ) قبل الخروج : يا أمير المؤمنين ، إِختَر مني واحدة من اثنتين ، إما أن أقاتل معك بمئتي محارب ، وإما أن أكف عنك ستة آلاف سيقاتلون مع طلحة والزبير ، فقال أمير المؤنين ( عليه السلام ) : أكفف عنا الستة آلاف أفضل ، فذهب الأحنف إليهم ودعاهم إلى القعود واعتزل بهم ، وكان ذلك سبباً في عدم ذهابه إلى حرب الجمل .

موقفه من خلافة معاوية :

روى صاحب أعيان الشيعة : دخل الأحنف وجماعة من أهل العراق يوماً على معاوية ، فقال له معاوية : أنت الشاهر علينا السيف يوم صفين ، ومخذل الناس عن أم المؤمنين [ عائشة ] ؟ ، فقال له : يا معاوية لا تذكر ما مضى منا ، ولا تردّ الأمور على أدبارها ، والله إن القلوب التي أبغضناك بها ، يومئذٍ لفي صدورنا ، وإن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، والله لا تمدّ إلينا شبراً من غدر ، إلا مددنا إليك ذراعاً من ختر [غدر] .

وفاته :

توفي الأحنف بن قيس ( رضوان الله عليه ) سنة ( ٦٧ هـ ) في الكوفة .

* الأصبغ بن نباتة ( رضوان الله عليه )

أصبغ بن نباتة التميمي الحنظلي المُجاشِعي ، كان من خاصّة الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، ومن الوجوه البارزة بين أصحابه ، وأحد ثقاته ، وهومشهور بثباته واستقامته على حبّه .

وصفته النصوص التاريخيّة القديمة بأنّه شيعي ، وأنّه مشهور بحبّ علي ( عليه السلام ) .

كان من ( شرطة الخميس ) ، ومن اُمرائهم ، عاهد الإمام ( عليه السلام ) على التضحية والفداء والاستشهاد ، وشهد معه الجمل ، وصفين ، وكان معدوداً في أنصاره الأوفياء المخلصين .

في ذكر وقعة صفّين : حرّض الامام علي ( عليه السلام ) أصحابه ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين ! قدِّمني في البقيّة من الناس ، فإنّك لا تفقد لي اليوم صبراً ولا نصراً ، أمّا أهل الشام فقد أصبنا منهم ، وأمّا نحن ففينا بعض البقيّة ، أيذن لي فأتقدّم ؟ فقال علي : تقدّم باسم الله والبركة ، فتقدّم وأخذ رايته ، فمضى وهو يقول :

حتّى متى ترجوالبقايا أصب ***** إنّ الرجاء بالقنوط يُدمَ

أما ترى أحداث دهر تنب ***** فادبُغْ هواك، والأديمُ يُدبَ

والرفق فيما قد تريد أبل ***** اليوم شغل وغداً لا تفر

فرجع الأصبغ وقد خضَبَ سيفه ورمحه دما ، وكان شيخاً ناسكاً عابداً ، وكان إذا لقي القوم بعضهم بعضاً يغمد سيفه ، وكان من ذخائر علي ممّن قد بايعه على الموت ، وكان من فرسان أهل العراق .

هو الذي روى عهده إلى مالك الأشتر ، ذلك العهد العظيم الخالد ، كان من القلائل الذين اُذن لهم بالحضور عند الإمام ( عليه السلام ) بعد ضربته‏ .

عُدّ الأصبغ في أصحاب الإمام الحسن ( عليه السلام ) أيضاً .

له كتاب مقتل الحسين ( عليه السلام ) .

عمّر بعد الامام علي ( عليه السلام ) طويلاً ، توفي بعد المائة .

* أويس القرني ( رضوان الله عليه )

إسمه ونسبه :

أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمروبن سعد بن عصوان بن قرن المذحجي المرادي .

زهده :

كان أويس زاهداً معرضاً عن ملذات الدنيا وزخارفها ، وروي أنه كان لديه رداء يلبسه ، إذا جلس مسَّ الأرض ، وكان يردد قول ( اللهم إني أعتذر إليك من كبد جائعة ، وجسد عارٍ ، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني ) .

وروي في زهده أن رجلاً من قبيلة مراد ، جاء إلى أويس وسلم عليه ، وقال له : كيف أنت يا أويس ؟ ، قال : الحمد لله ، ثم قال له : كيف الزمان عليكم ؟ ، قال : ما تسأل رجلاً إذا أمسى لم يرَ أنه أصبح ، وإذا أصبح لم يرَ أنه يمسي .

يا أخا مراد : إن الموت لم يبقِ لمؤمن فرحاً .

يا أخا مراد : إن معرفة المؤمن بحقوق الله لم تبقِ له فضة ولا ذهباً .

يا أخا مراد : إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبقِِ له صديقاً .

منزلته :

كانت لأويس منزلة رفيعة عند النبي والأئمة ( عليهم السلام ) ، وسنبين تلك المنزلة من خلال ما يأتي من الروايات :

الرواية الأولى : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ليشفعن من أمتي لأكثر من بني تميم وبني مضر ، وأنه لأويس القرني .

الرواية الثانية : قال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين حواري محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟

فيقف سلمان ، والمقداد ، وأبوذر .

ثم ينادي منادٍ : أين حواري علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وصي محمد بن عبد الله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟

فيقوم عمروبن الحمق الخزاعي ، ومحمد بن أبي بكر ، وميثم بن يحيى التمار ، وأويس القرني .

الرواية الثالثة : قال الكشي في رجاله : كان أويس من خيار التابعين ، ولم يرَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يصحبه ، وهومن الزهاد الثمانية الذين كانوا مع علي ( عليه السلام ) ومن أصحابه ، وكانوا زهاداً أتقياء .

الرواية الرابعة : قال فيه أبونعيم ، صاحب حلية الأولياء : سيد العباد ، وعلم الأصفياء من الزهاد ، بشَّر النبي ( صلى الله عليه وآله ) به ، وأوصى به أصحابه .

الرواية الخامسة : في كتاب خلاصة تهذيب الكمال : أويس القرني سيد التابعين ، وله مناقب مشهورة .

شهادته :

قاتل أويس القرني ( رضوان الله عليه ) بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقعة صفين حتى استشهد أمامه ، فلما سقط نظروا إلى جسده الشريف ، فإذا به أكثر من أربعين جرح بين طعنة وضربة ورمية .

وكانت شهادته ( رضوان الله عليه ) في سنة ( ٣٧ هـ ) .

* بلال الحبشي ( رضوان الله عليه )

ولادته :

ولد بلال بن رباح الحبشي في مكة ، وكان من موالي قبيلة بني جمح ، وأصله من الحبشة ، ولم نعثر على تاريخ ولادته .

سيرته :

يُعدُّ بلال من كبار الصحابة ، ومن السابقين إلى الإسلام ، وتحمل الأذى الكثير في سبيل الله عندما كان في مكة ، شأنه في ذلك شأن الأبرار من الصحابة الذين أسلموا في بداية الدعوة السرية .

وبعد هجرته إلى المدينة المنورة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصبح المؤذن الخاص به ، وهوأول من أذن في الإسلام .

وبعد فتح مكة عام ( ٨ هـ ) أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتهديم الأصنام التي كانت فيها .

وعندما حان موعد صلاة الظهر من ذلك اليوم أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بلالاً بالصعود إلى سطح الكعبة ليرفع فيها الأذان لأول مرة .

وما أن ارتفع صوت بلال بنداء التوحيد حتى اقشعرت أبدان ما تبقى من المشركين وتزلزلت الأرض من تحتهم بنداء ( لا إله إلا الله ) الذي خرج من حنجرة بلال ، حتى قال البعض منهم : الموت لنا أفضل من أن نسمع هذا النداء .

ولاؤه للزهراء (عليها السلام) :

روي أن بلالاً تأخر في أحد الأيام عن الأذان في المسجد ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما الذي أخرك عنا يا بلال ؟ ، هل حدث لك شيئاً ؟ ، فقال بلال : كنت في بيت فاطمة ( عليها السلام ) فوجدتها تطحن ، والحسن (عليه السلام) يبكي ، فقلت لها : إما أن أساعدك في الطحن أوتدعيني أُسكِت الحسن (عليه السلام) ، فقالت ( عليها السلام ) : الأم أولى بولدها ، فأخذتُ المطحنة وجعلت أطحن القمح ، فكان ذلك سبب تأخيري ، فقال له الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : رحمتها رحمك الله .

موقفه من بيعة أبي بكر :

روي أن بلال قال لعمر بن الخطاب : أنا لا أبايع إلا من استخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ يقصد بذلك علياً ( عليه السلام ) ] ، والذي ستبقى بيعته في أعناقنا إلى يوم القيامة ، فقال له عمر : إذن أُغرب عنا وإذهب إلى الشام ، فذهب إلى الشام ومات هناك .

وفاته :

توفي بلال ( رضوان الله عليه ) سنة ( ١٨ هـ ) أو( ٢٠ هـ ) في الشام بمرض الطاعون ، وكان عمره بين الستين والسبعين .

* جابر بن عبد الله الانصاري ( رضوان الله عليه )

ولد جابر بن عبد الله بن عمروالأنصاري سنة ١٦ قبل الهجرة النبوية ، صحابي ذائع الصِيت‏ ، عمّر طويلاً .

كان مع أبيه في تلك الليلة التاريخيّة المصيريّة التي عاهد فيها أهل يثرب رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) على الدفاع عنه ودعمه ونصره ، وبيعتهم هي البيعة المشهورة في التاريخ الإسلامي بـ( بيعة العقبة الثانية ) .

لمّا دخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) المدينة ، صحبه وشهد معه حروبه‏ ، ولم يتنازل عن حراسة الحقّ وحمايته بعده ( صلى الله عليه وآله ) ، كما لم يدّخر وسعاً في تبيان منزلة علي ( عليه السلام ) والتنويه بها .

أثنى الأئمّة ( عليهم السلام ) على رفيع مكانته في معرفة مقامهم ( عليهم السلام ) ، وعلى وعيه العميق للتيّارات المختلفة بعد رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعارف التشيّع الخاصّة ، وفهمه النافذ لعمق القرآن .

وأشادوا به واحداً من القلّة الذين لم تتفرّق بهم السبل بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يستبِقوا الصراط بعده ، بل ظلّوا معتصمين متمسّكين به .

قلنا إنّه عمّر طويلاً ، لذا ورد اسمه الكريم في ‏صحابة الإمام أمير المؤمنين ، والإمام الحسن ‏، والإمام الحسين ، والإمام السجّاد ، والإمام الباقر ( عليهم السلام ) ، وهو الذي بلّغ الإمام الباقر ( عليه السلام ) سلامَ رسول‏ الله ( صلى الله عليه وآله ) له .

وكان قد شهد صفين مع الإمام علي ( عليه السلام ) .

وهو أوّل من زار قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) وشهداء كربلاء في اليوم الأربعين من استشهادهم ، وبكى على أبي‏ عبد الله كثيراً .

والروايات المنقولة عنه بشأن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وما اُثر عنه من أخبار تفسيريّة ، ومناظراته ، تدلّ كلّها على ثبات خُطاه ، وسلامة فكره ، وإيمانه العميق ، وعقيدته الراسخة ، وصحيفة جابر مشهورة أيضاً .

كان جابر متوكّئاً على عصاه وهويدور في سكك الأنصار ومجالسهم ، وهويقول: (عليّ خير البشر، فمن أبي فقد كفر ، يا معشر الأنصار! أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ، فمن أبى فانظروا في شأن اُمّه‏ ).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول‏ الله ( صلى الله عليه وآله )، وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهلَ البيت‏.

ولأنّه لم ينصر عثمان في فتنته، فقد ختم الحجّاج بن يوسف على يده يريد إذلاله بذلك‏.

في علل الشرائع عن أبي‏ الزبير المكّي: رأيت فارق جابر الحياة سنة ٧٨هـ.

* حبيب بن مظاهر الأسدي (رضوان الله عليه)

اسمه وكنيته:

هو حبيب بن مُظهر، أومظاهر بن رئاب الأسديّ الكنديّ، ثمّ الفقعسيّ.

ويكنّى أبا القاسم، ويقال له سيّد القرّاء.

وكان ذوجمال وكمال، وفي وقعة كربلاء كان عمره (٧٥) سنة، وكان يحفظ القرآن الكريم كلّه، وكان يختمه في كلّ ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

صحبته:

روى صاحب كتاب (مجالس المؤمنين): إنّه تشرّف بخدمة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسمع منه أحاديث، وكان معزّزاً مكرّماً بملازمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وقال صاحب (مجالس المؤمنين): حبيب بن مظاهر الأسدي محسوب من أكابر التابعين.

نزل حبيب (رض) الكوفة وصحب علياً صلوات الله وسلامه عليه في جميع حروبه، فكان من خاصّته ومن أصفياء أصحابه وحملة علومه.

وجاء في المعين على معجم رجال الحديث: وزاد البرقيّ: ومن شرطة خميسه. (أقول إنّ أقلّ درجاته أنه من شرطة الخميس، وهي وحدها تكفي لإثبات جلالته ووثاقته) .

فثبت أنه (رض) من أصحاب الأئمة عليّ والحسنين عليهم صلوات الله وسلامه، وروى عنهم، وهومن الرجال السبعين الذين نصروا الحسين عليه السلام . ولقوا آلاف الرجال بأنوفهم الحميّة، واستقبلوا الرماح بصدورهم المفعمة بالإيمان، وجابهوا السيوف بوجوههم المشرقة؛ إذ تُعرض عليهم الأموال والأمان فيأبون، ويقولون: لا عذر لنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ إنْ قتل الحسين ومنّا عين تطرف، حتّى قتلوا جميعاً بين يديه، يذبّون عنه بكربلاء التضحية والفداء، في اليوم العاشر من المحرّم الحرام سنة ٦١ هـ. .

بين حبيب وميثم ورشيد (رضوان الله تعالى عليهم):

قال الكشّي في حبيب بن مظاهر: جبرئيل بن أحمد [يرفع الحديث إلى فُضيل بن الزبير]: مرّ ميثم التمّار على فرس له، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسديّ عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّى اختلفت أعناق فرسيهما، ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حبّ أهل بيت نبيّه عليهم السلام، يُبقر بطنه على الخشبة! فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه، فيُقتل ويُجال برأسه بالكوفة، ثمّ افترقا. فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذب من هذين!

قال: فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رشيد الهجريّ فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا. فقال رشيد الهجريّ: رحم الله ميثماً، ونسي (ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مئة درهم)، ثمّ أدبر. فقال القوم: هذا والله أكذبهم. فقال القوم: والله ما ذهبت الأيّام والليالي، حتى رأينا ميثماً مصلوباً على دار عمروبن حُريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر، قد قُتل مع الحسين (ع)، ورأينا كلّ ما قالوا.

من مواقفه المشرّفة (رض):

قال أهل السير: جعل حبيب ومسلم ابن عوسجة يأخذان البيعة للحسين (ع) في الكوفة، حتّى إذا دخلها عبيدالله بن زياد وخذّل أهلها عن مسلم بن عقيل، وتفرّق أنصاره؛ حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلمّا ورد الحسين (ع) كربلاء خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتّى وصلا إليه.

وروى الطبري: …ثمّ دعا عمر بن سعد قرّة بن قيس الحنظليّ فقال له: ويحك يا قرّة، إلقِ حسيناً فسله ما جاء به، وماذا يريد؟ قال: فأتاه قرّة بن قبس، فلمّا رآه الحسين مقبلاً، قال: «أتعرفون هذا»؟ فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من بني حنظلة، تميميّ، وهوابن أختنا، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد. قال: فجاء حتّى سلّم على الحسين (ع) وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال الحسين (ع): «كتب إليّ أهل مصركم هذا، أن أقدم، فأمّا إذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم».

قال: ثمّ قال حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرّة بن قيس! إنّما ترجع إلى القوم الظالمين، اُنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك. فقال له قرّة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي.

شهادته في وقعة الطفّ الرهيبة:

خرج حبيب بن مظاهر الأسديّ (رض) يوم الطفّ وهويضحك… فقال له برير بن حصين الهمدانيّ ـ وكان يقال له سيّد القرّاء ـ : يا أخي، ليس هذا ساعة ضحك: فقال له حبيب: وأيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟! والله ما هذا إلاّ أن تميل علينا هذه الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور العين. قال الكشيّ: هذه الكلمة مستخرجة من كتاب (مفاخرة الكوفة والبصرة) .

ولمّا أصبح الإمام الحسين عليه السلام يوم العاشر من المحرّم الحرام سنة ٦١ هـ ، فعبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العبّاس أخاه (ع).

ولمّا رمى عمر بن سعد بسهم نحوالحسين، ارتمى الناس وبدأ القتال، وحينما صُرع مسلم بن عوسجة الأسديّ، مشى إليه الحسين (ع) وحبيب بن مظاهر الأسديّ، فدنا منه حبيب فقال: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة. فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك الله بخير. فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك، لاحق بك من ساعتي هذه؛ لأحببتُ أن توصيني بكلّ همّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك. قال: بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله ـ وأهوى بيده إلى الحسين ـ أن تموت دونه. قال: أفعل وربّ الكعبة.

وقاتل حبيب قتالاً شديداً، فحمل عليه بديل بن صريم العقفانيّ من بني عقفان من خزاعه، فضربه حبيب بالسيف فقتله. وحمل عليه آبر من بني تميم فطعنه فوقع (حبيب)، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميميّ (آبر) فاحتزّ رأسه .

روى أبو مخنف: حدّثني محمد بن قيس قال: لمّا قُتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناً، وقال: «عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي».

وفي بعض المقاتل: إنّه (ع) قال: «لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً، تختم القرآن في ليلة واحدة» .

هذا هوأحد الصناديد الذين نصروا الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فضحّى من أجله، إذ الجور مدّ باعه، وأسفر الظلم قناعه، ودعا الغيّ أتباعه؛ فاستقبل بوجهه النيّر ظلمات الدنيا، وصدّ بصدره الحديديّ وإيمانه الراسخ رماح الكفر والجبروت، فرخصت أمامه الأموال والدنيا وحبّ الشهوات، ورأى الانتقال إلى ربّ العالمين خيراً من مجاورة الكافرين، فكافح الفاسقين بنفس لا تخيّم لدى الناس وبيد لاتلين عند المراس، فرحمك الله يا حبيب، وجعلك حبيباً للحسين عليه السلام وآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومن الفائزين بجنّة الخلد والرضوان…

* حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه )

حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي ، لم نعثر على تاريخ ولادته ، إلا أنه كان من وجهاء الصحابة وأعيانهم ، وكان من نجباء وكبار أصحاب رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وصاحب سرّ النبي ، وأعلم الناس بالمنافقين .

لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة ، وبعد وفاة رسول ‏الله وقف إلى جانب علي ( عليه السلام ) بخطىً ثابتة ، وكان ممّن شهد جنازة السيّدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وصلّى على جثمانها الطاهر .

وليَ المدائن في عهد عمر وعثمان ، وكان مريضاً في ابتداء خلافة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، مع هذا كلّه لم يُطِق السكوت عن مناقبه وفضائله ، فصعد المنبر بجسمه العليل ، وأثنى عليه ، وذكره بقوله : ( فوالله إنّه لعلى الحقّ آخراً وأوّلاً ) ، وقوله : ( إنّه لخير من مضى بعد نبيّكم ) ، وأخذ له البيعة ، وهونفسه بايعه أيضاً ، وأوصى أولاده مؤكّداً ألاّ يقصّروا في اتباعه .

وفاته :

توفي في المدائن بالعراق سنة ٣٦ هـ ، ودفن فيها .

* خزيمة بن ثابت الأنصاري ( رضوان الله عليه )

اسمه ونسبه :

خزيمة بن ثابت بن الفاكِه .. بن مالك بن الأوس الأنصاري ، كنيته ( ذوالشهادتَين ) ، لحادثة وقَعَت زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

فكنَّاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بها ، فأصبحت وساماً له ، وصار يُقال له : خزيمة بن ثابت الأنصاري ذوالشهادتين .

ولادته :

لم نعثر على تاريخ محدد لولادته ، لكن القرائن المستفادة من الوقائع والسِّير تشير إلى أنه قد وُلد في حدود سنة ( ٢٠ ) قبل الهجرة النبوية المباركة فما قبلها .

سيرته ومواقفه :

حين ظهر نور الإسلام ، كان خزيمة الأنصاري من أوائل المبادرين إليه ، ثم شهد أولَ ما شهد أُحُداً ، وما بعدها من المشاهد .

كان هو وعُمَير بن عَدي يكسِّران أصنام بني خَطْمة ، ثم حمل راية بني خطمة يوم فتح مكة ، ودخل مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

شهد معركة مُؤتة وشارك فيها مشاركة مشهودة .

وكان أيضاً من الصحابة الأبرار الأتقياء الذين مضَوا على منهاج نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يغيِّروا ولم يبدِّلوا .

وكان من السابقين الذين عادوا إلى الإمام علي ( عليه السلام ) ، وقد وقف إلى جانبه ودعا إلى بيعته وأنكر على مخالفيه ، وقال لأحدهم : ألستَ تعلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبِل شهادتي وحدي ؟

فقال : بلى .

قال خزيمة : فإني أشهد بما سمعته منه ، وهوقوله ( صلى الله عليه وآله ) :

إمامُكم بعدي علي ( عليه السلام ) ، لأنه الأنصح لأُمتي ، والعالم فيهم .

وشهد خزيمة – مع جماعة – لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين استُشهد ، بحديث الغدير .

وقبل ذلك كان من أوائل المبايعين والمؤيِّدين له في مسيره لقتال الناكثين ، وكذلك كان عند المسير لحرب القاسطين .

شعره :

لمواقفه المبدئية الولائية كان خزيمة مُعتَّماً على حياته ، في أخباره وأدواره ، فلم يُنقَل من شعره إلا النَّزر اليسير ، مع أنه كان يجيد الشعر ويقوله منذ زمن مبكر على عهد النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) .

كما في أبياته التي مدح فيها الإمام علياً ( عليه السلام ) فتهلَّلَ وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وأبياته التي ذكر فيها قصة التصدُّق بالخاتم في حال الركوع ، حيث قال :

أبا حسنٍ ، تفديك نفسي واُسرتي ***** وكلُّ بطيءٍ في الهُدى ومُسارعِ

فأنتَ الذي أعطيتَ إذ كنتَ راكعاً ***** زكاةً.. فَدتْكَ النفسُ يا خيرَ راكعِ

فأنزلَ فيك اللهُ خيرَ ولايةٍ ***** وبَيّنها في مُحكَماتِ الشرائعِ

امتاز شعر خزيمة بالسلاسة والجمالية والوضوح ، مخلِّفاً تراثاً خالداً ، وسجلاًّ حافلاً بالوقائع التاريخية ، تنقل لنا صوراً حقيقية من حياة الإسلام والمسلمين ، ومشاهدَ رائعة من المناقب والفضائل .

فيكون بذلك وثيقةً أدبية لتلك الفترة ، وشاهداً تاريخياً يعضد الشواهد الصادقة الأخرى .

شهادته:

روى الخطيب البغدادي أن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كنت بصفين ، فرأيت رجلاً راكباً متلثَّماً يقاتل الناس قتالاً شديداً ، يميناً وشمالاً ، فقلت : يا شيخ ، أتقاتل الناسَ يميناً وشمالاً ؟!

فحسَرَ ( رضوان الله عليه ) عن عمامته ثم قال :

سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : قاتِلْ مع عليٍّ جميع مَن يقاتله ، وأنا خزيمة بن ثابت الأنصاري .

فخاض خزيمة بن ثابت الأنصاري ( رضوان الله عليه ) غمارَ المعركة ، ونال ما تمنَّاه من الشهادة المشرِّفة في معركة صفين سنة ( ٣٧ هـ ) .

وحسب خزيمة بن ثابت ( رضوان الله عليه ) من الإكرام والتجليل ما أبَّنَهُ به الإمام علي ( عليه السلام ) وتلهَّف عليه ، وتشوَّق إليه ، وأثنى عليه ، حيث قال :

أين إخواني الذين ركبوا الطريق ، ومضَوا على الحقِّ ؟!

أين عمَّار ، وأين ابن التيِّهان ، وأين ذوالشهادتَين [ أي خُزَيمة بن ثابت ] ، وأين نُظَراؤهم مِن إخوانهمُ الذين تعاقَدوا على المنيَّة ؟!

* زيد بن صوحان ( رضوان الله عليه )

زيد بن صوحان بن حُجْر العبدي أخوصعصعة وسيحان ، كان خطيباً مصقعاً وشجاعاً ثابت الخُطى ، وكان من‏ العظماء ، والزهّاد ، والأبدال ، ومن أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الأوفياء .

أسلم في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فعُدَّ من الصحابة ، وكان رسول‏ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يذكره بخير ، ويقول : ( من سرّه أن ينظر إلى رجلٍ يسبقه بعض أعضائه إلى الجنّة فلينظر إلى زيد بن صوحان ) ، وتحقّق هذا الكلام النبوي الذي كان فضيلة عظيمة لزيد في حرب جلولاء.

وكان لزيد لسان ناطق بالحقّ مبيّن للحقائق ، فلم يُطق عثمان وجوده بالكوفة فنفاه إلى الشام ، وعندما بلور الثوّار تحرّكهم المناهض لعثمان ، التحق بهم أهل الكوفة في أربع مجاميع ، كان زيد على رأس أحدها .

كتبت إليه عائشة تدعوه إلى نصرتها ، فلمّا قرأ كتابها نطق بكلام رائع نابه ، فقال : اُمرَتْ بأمرٍ واُمرنا بغيره ، فركبت ما اُمرنا به ، وأمرتنا أن نركب ما اُمرت هي به ! اُمرَت أن تقرّ في بيتها ، واُمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة .

كان لساناً ناطقاً معبّراً في الدفاع عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان له باعٌ في دعمه وحمايته .

استشهد في حرب الجمل سنة ٣٦ هـ ، وخاطبه الإمام‏ ( عليه السلام ) عندما جلس عند رأسه قائلاً : ( رحمك الله يا زيد قد كنت خفيف المؤونة ، عظيم المعونة )

* سلمان المحمدي (رضوان الله عليه)

من اهل بلاد فارس، لم تحدد الروايات تاريخاً لولادته، قرأ أخبار الاديان وهاجر الى الحجاز ويِعد من السابقين الأوليين الى الاسلام.

شهد مع الرسول (صلى الله عليه وآله) بدراً، ولم يفته بعد ذلك، مشهد من المشاهد.

سيرته ومنزلته :

روي عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه قال فيه : ( كان عبداً صالحاً، حنيفا ، مسلما، وما كان من المشركين)، وفي حديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تغلطن في سلمان، فان الله تبارك وتعالى أمرني أن اطلعه على علم البلايا والمنايا والأنساب، وفصل الخطاب ..

وقد أدرك العلم الأول والآخر، وهوبحر لا ينزف، وقد أخبر عن مصارع الشهداء في كربلاء ، وعن أمر الخوارج ..

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من وجوه، أنه قال : لوكان الدين عند الثريا لناله سلمان.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقه : (سلمان منا أهل البيت).

وعن الامام الصادق (عليه السلام) : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمير المؤمنين صلوات الله عليه يحدثان سلمان بما لا يحتمله غيره، من مخزون علم الله، ومكنونه.

ويأتيه الأمر : يا سلمان، إئت منزل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنها اليك مشتاقة، تريد أن تتحفك بتحفة قد اتحفت بها من الجنة ..

وعلمته صلوات الله وسلامه عليها أحد الأدعية أيضاً ..

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : سلمان مني، ومن جفاه فقد جفاني، ومن آذاه فقد آذاني...

وقال الامام الصادق (عليه السلام) ـ حسبما روي ـ : ( لا تقل : سلمان الفارسي، ولكن قل: سلمان المحمّدي).

موقفه من بيعة امير المؤمنين (عليه السلام) :

كان سلمان (رحمه الله) أحد الذين بقوا على أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته ..

وكان من المعترضين على صرف الاُمر عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى غيره، وله احتجاجات على القوم في هذا المجال، هووأبيّ بن كعب رحمه الله.

وفاته :

توفي سلمان المحمدي سنة ٣٤ هـ، وتولى غسله وتجهيزه، والصلاة عليه ودفنه الامام علي(عليه السلام)، وقد جاء من المدينة إلى المدائن من أجل ذلك. وهذه القضية من الكرامات المشهورة لأمير المؤمنين (عليه السلام).

وقد نظم أبوالفضل التميمي هذه الحادثة، فقال :

سمعت مني يســيراً من عجائبه ***** وكل أمر علي لم يزل عــجبا

أدريت في ليلة سار الـوصي إلى ***** أرض المدائن لما أن لـها طلبا

فألحد الطهر سلمانـاً ، وعـاد إلى ***** عراص يثرب والإصباح ما قربا

كآصف لـم تـقل أأنت بـلى ***** أنا بـحيدر غـال أورد الكـذبا

وقبره الآن معروف بالمدائن جنوب العاصمة بغداد.

* سليمان بن صرد الخزاعي ( رضوان الله عليه )

اسمه ونسبه :

سُلَيمان ، بن صُرد ، من أهل ( الكوفة ) ، وهومن قبيلة ( خزاعة ) ، وكنيته ( أبومطرف ) .

ولادته :

وُلد في سنة ( ٢٨ هـ ) في اليمن .

صُحبته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) :

صَحب سُلَيمانُ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد أن أسلمَ على يديه ، وكان اسمه في الجاهلية ( يسارا ) ، وسَمَّاه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بعد إسلامه ( سُلَيمان ) .

كما اشترك في بعض غزوات الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ومنها غزوة الخَندق ، وبعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) رحل إلى ( الكوفة ) ، وسكن فيها .

سيرته :

كان أحد الذين كتبوا إلى عثمان ، يشكون إليه أمر والي الكوفة سعيد بن العاص ، وتصرفاته المُشينة .

وكان من أوائل الصحابة الذين بايعوا الإمام عليّاً ( عليه السلام ) بعد مقتل الخليفة الثالث .

كما اشترك مع الإمام علي ( عليه السلام ) في جميع حروبه ، وكان أحد الأمراء البارزين في معركة صفين .

وقد قتل فيها أحد أبرز فرسان جيش معاوية ، وهوحَوشب ذوطليم ، وكان أحد الصحابة الذين ضَيَّقت عليهم السلطة الأمويَّة كثيراً .

كما أنه كان أوَّل من راسل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، مع ثلاثة من أصحابه ، وهم : المُسيَّب بن نجبة ، ورفاعة بن شَدَّاد ، وحَبِيب بن مظاهر الأَسدي ، يطلبون من الإمام ( عليه السلام ) القدوم إلى الكوفة ، بعد أن تسلَّم يزيد دَفَّة الحُكم .

كما أنه سُجن مع خيرة الصحابة والتابعين الذين أرادوا نُصرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) قبل قدومه ( عليه السلام ) إلى ( كربلاء ) ، وأمر بسجنه عبيد الله بن زياد عندما قَدم إلى الكوفة ، وصار أميراً عليها .

ثم خرج من السجن بعد انتهاء مأساة ( كربلاء ) واستشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) سنة ( ٦١ هـ ) .

ونُصِّب بعد ذلك زعيماً للتحرُّك الشيعي ، المُطَالب بالثأر للحسين ( عليه السلام ) ، والذي رفع شعار : يا لثارات الحسين ( عليه السلام ) ، والذي استقطب كل من تَخاذَلَ عن نُصرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في عاشوراء .

كما كتب إلى أصحابه في البصرة ، والمدائن ، يدعوهم للانضمام إلى هذه الثورة ، فاستجابوا لدعوته .

مكانته :

قال ابن كثير : كان سُلَيمان صحابياً ، نبيلاً ، عابداً ، زاهداً .

وقال ابن سعد : صَحب النبي ، وكانت له سِنٌّ عالية ، وشرف في قومه .

وقال رفاعة بن شداد : شيخ الشيعة ، وصاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذوالسابقة والقدم ، المَحمُودي بأسه ودينه ، الموثوق بحزمه .

معركة ( عين الوردة ) :

جمع سُلَيمان أصحابه في النخيلة ، وفي نهاية ربيع الثاني سنة ( ٦٥ هـ ) انطلق بهم – وهم أربعة آلاف مقاتل – قاصداً ( الشام ) ، وكان قد أطلق عليهم لقب ( التوَّابون ) .

فسلك بأصحابه طريق ( كربلاء ) لزيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وتجديد العهد معه .

وبعدها غادر مع أصحابه ( كربلاء ) عبر نهر الفرات إلى ( الأنبار ) ، ومنها إلى ( القيارة ) و( هيت ) ، ثُمَّ إلى ( قرقيسيا ) ، ثُمَّ توجهوا بعد ذلك إلى منطقة ( عين الوردة ) الواقعة شمال ( قرقيسيا ) .

والتقى جيشه بجيش عبيد الله بن زياد ، الذي كان ذاهباً إلى العراق ، لإخماد الاضطرابات التي قام بها الشيعة ضدَّ بني أمية هناك .

وكان هذا الجيش يبلغ عشرين ألفاً ، ودارت هناك معركة كبيرة ، وضرب فيها سليمان وأصحابه أروع أمثلة البطولة والصمود والتضحية .

شهادته :

بدأت المعركة في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة ( ٦٥ هـ ) ، واستمرَّت ثلاثة أيام ، وكاد أن يكون فيها النصر لِسُلَيمان وأصحابه ( رضوان الله عليهم ) ، لولا الإمدادات الكبيرة التي قَدِمت من ( الشام ) .

وفي اليوم الثالث من المعركة استشهد سليمان بن صرد الخزاعي ( رضوان الله عليه ) على أثر سَهمٍ أصابه به يزيد بن الحصين بن نمير .

وكان له ( رضوان الله عليه ) من العمر ( ٩٣ ) عاما .

يتبع .....

****************************