يظهر لي ـ مما راجعتُ من المعاجم والفهارس وكتب التراجم والإجازات والأثبات ـ أنّ الأديب النيسابوري الوالد يعقوب بن أحمد أوّل من جاء بنسخة من كتاب نهج البلاغه إلى نيسابور وأشاعها ورفع ذكرها فيها ورواها وقرأها على تلامذته ونشرها في المشرق الإسلامي.[١]
وكان (رحمه الله) معاصراً للسيّد الرضي ويعتبر من طبقة تلامذته ، ويستفاد من بعض القرائن أنّ له يداً طويلة في ترويج وتعليم نهج البلاغة في القرن الخامس في هذه المنطقة من الدول الإسلاميّة ـ أعني خراسان وما حولها من بيهق ونيسابور وسبزوار وخوارزم وهراة وسرخس ـ والتي كانت أعظم مركز علمي أدبيّ بين المدن الإسلاميّة ، والظاهر أنّ عمله هذا قوبل بالحَسَد من يَرُقْهُ بعض ما في هذا الكتاب العظيم من مضامين عالية سامية ; وذلك يظهر بوضوح من قصيدة أنشدها هو في مدح كتاب النهج ; يقول فيها :
نَهْجُ البَلاغَةِ نَهْجٌ مَهْيَعٌ جَدَدُ |
|
لِمَنْ يُرِيدُ عُلُوّاً مَا لَه أَمَدُ |
يا عادِلا عَنْهُ تَبْغِي بِالْهَوَى رَشَداً |
|
اعْدِلْ إِلَيهِ فَفِيهِ الخَيرُ وَالرَّشَدُ |
وَاللهِ وَاللهِ إِنَّ التَّارِكيهِ عَمُوا |
|
عَنْ شَافِياتِ عِظات كُلُّها سَدَدُ |
كَأَنَّها العِقْدُ مَنْظُوماً جَواهِرُها |
|
صَلَّى عَلَى ناظِمَيْها رَبُّنا الصَمَدُ |
ما حالَهُمْ دُونَها إنْ كُنْتَ تُنْصِفُنِي |
|
إِلاَّ الْعُنُودُ وَإلِاَّ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ[٢] |
وجرى مجرى أبيه ابنُهُ الحسن بن يعقوب ، حيث اقتدى بوالده (رحمه الله) ، وكان ـ كوالده ـ يدرّس نهج البلاغة ويرويه ويقرؤه على طلاّبه ; وله أيضاً نظمٌ في مدح النهج أنشده لتلميذه صاحب معارج نهج البلاغة ابن فندق البيهقي ; وهذا نصّه :
نَهْجُ الْبَلاغَةِ دُرْجٌ ضِمْنُهُ دُرَرٌ |
|
نَهْجُ الْبَلاغَةِ رَوْضٌ جَادَهُ دِرَرُ |
نَهْجُ الْبَلاغَةِ وَشْيٌ حاكَهُ صَنَعُ |
|
مِنْ دُونِ مَوشِيّه الدِّيباج وَالحِبَرُ |
أَو جَوْنَةٌ مُلِئَتْ عِطْراً إِذا فُتِحَتْ |
|
خَيْشُومَنا فَغَمَتْ رِيحٌ لَها ذَفَرُ |
صَدَقْتُكُمْ سادَتِي وَالصِّدْقُ عادَتُنا |
|
وَإِنَّهُ خَصْلَةٌ ما عَابَهَا بَشَرُ |
صَلَّى الإِلهُ عَلَى بَحْر غَوَارِبُهُ |
|
رَمَتْ بِهِ نَحْوَنا ما لألأَ القَمَرُ[٣] |
وليس غريباً على هذين العلمين الأديببين والخبيرين البارعين في اللغة والشعر والأدب ـ يعقوب بن أحمد ، وابنه الحسن بن يعقوب النيسابوريّين ـ أن يهتمّوا بكتاب نهج البلاغة ; لأنّهما عاشا في هذا الجوّ والمجال الأدبيّ وتخصَّصا فيه ، وكتاب نهج البلاغة هو لإمام الأُدباء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه آلاف التحيّة والسلام ) .