وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
الأمثال في نهج البلاغة – باب الدال والراء والسين

باب الدال

الدّال مَعَ العين

١٤ـ دَعْ عَنْكَ مَنْ مالَتْ بِهِ الرَّمْيَّةُ[١].

من كلام له (عليه السّلام) في جواب لكتاب معاوية الذي يذكر فيه بعض الناس، قال (عليه السّلام): (... فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا...).

الرَّمْيَّةُ بمعنى الرمي، والباء للإلصاق: أي دع من رمته الدنيا بسهامها وصار غرضاً لها لإقباله عليها. ويشهد لذلك ما جاء في بعض خطبه (عليه السّلام) (تَرْمِيهِمْ بِسِهامِها، وتُفْنِيهِمْ بِحِمامِها)[٢].

ويصحّ ذلك أيضاً رميه بسهام النفس وإبليس، إذ استعارة رمي السهام فيها بجامع التأثير السريع على حدّ سواء، وقد جاء (النظرة سهم مسموم من سهام الشيطان)[٣].

وقيل الرَّمْيَّةُ: الطريدة المرميّة. (يقال للصيد: يرمي هذه الرَّمْيَّة، وهي (فَعْليَّة) بمعنى مفعولة، والأصل في مثلها أن لا تلحقها الهاء نحو: (كفّ خضيب، وعين كحيل) إلاّ أنّهم أجروها مجرى الأسماء لا النعوت كالقصيدة والقطيعة، والمعنى: دع ذكر من مال إلى الدنيا ومالت به، أي أمالته إليها)[٤].

عن الشيخ محمد عبده: (يضرب لمن أعوّج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه)[٥].

قيل: المراد من الموصول في المثل هو عثمان لا الشيخان؛ لأنّه (عليه السّلام) لم يذكرهما بقدح والمثل يضرب لذلك، فلابدّ من صرفه إلى غيرهما[٦].

يجاب عنه: أنّ الكلام مقياس كليّ له اطّراده في جميع الناس إذا تحقّقت فيه الرّمية مهما كان نوعه، ومعاوية المخاطب من أجلى مصاديقه، ومن تدبّر صدر الكلام عرف الحق.

الدّال مَعَ الهاء

١٥ـ الدَّهرُ يَومَانِ: يَوْمٌ لكَ وَيَوْمٌ عَليْكَ[٧].

من كلام الإمام (عليه السّلام) الجاري مجرى الأمثال: (الدَّهْرُ يَوْمَانِ: يَوْمٌ لَكَ، ويَوْمٌ عَلَيْكَ. فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلاَ تَبْطَرْ، وإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ).

قال الشارح:

(قديماً قيل هذا المعنى: الدّهر يومان: يوم بلاء ويوم رخاء، والدّهر: ضربان: حبرة وعبرة؛ والدّهر وقتان: وقت سرور ووقت ثبور. وقال أبو سفيان يوم أحد: يوم بيوم بدر، والدّنيا دول. ويحمل ذمّ البطر هاهنا على محملين: أحدهما البطر بمعنى الأشر وشدّة المرح. بَطِر الرجل (بالكسر) يبطر وقد أبطره المال، وقالوا: بطر فلان معيشته، كما قالوا: رشد فلان أمره. والثاني البطر بمعنى الحيرة والدّهش، أي إذا كان الوقت لك فلا تقطعنّ زمانك بالحيرة والدّهش عن شكر الله، ومكافأة النعمة بالطّاعة والعبادة، والمحمل الأوّل أوضح)[٨].

الدّهر هو ما سوى الله جلّ جلاله برمّته، الممتدّ من البداية ‌إلى النهاية. وربّما يتخيّل أنّه المنتزع من الحدّين، وواقع المنتزع ـ كمّا تقدّم ـ هو المجزوم، ولامتداده ظنّ قِدَمه حتّى زعم الدّهريّون أنّه منشأ الحياة والهلاك كما حكى عنهم الله (جلّ جلاله): (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ)[٩]. فإن أرادوا به الله تعالى وجهلوا أنّه هو، أو أجروا عليه تعالى اسم الدّهر، فهذا أهون من الأوّل.. والبحث في محلّه.

يريد (عليه السّلام) أنّ للدّنيا إقبالاً وإدباراً، فإن أقبلت عليك فلا تغترّ بها فتنسى كلّ شيء، وإن أدبرت فاصبر. وقد جاء في الحديث القدسي: (يا موسى، إن أقبلت الدّنيا فعقوبة عُجّلت، وإن أدبرت فقل مرحباً بشعار الصّالحين)[١٠].

باب الراء

الرّاء مَعَ الباء

١٦ ـ رُبَّ قولٍ أَنْفَذُ من صَوْلٍ[١١].

وهذا المثل ذكره جمع، منهم: المفضّل[١٢]. والميداني بعد إيراده بلفظ (ربّ قول أشدّ من صول)، وكذا الزمخشري[١٣]، قال: (يضرب عند الكلام يؤثِّر فيمَن يواجَه به، قال أبو عبيد: وقد يضرب هذا المثل فيما يتّقي من العار. وقال أبو الهيثم: (أشدّ) في موضع خفضٍ؛ لأنّه تابع للقول. وما جاء بعد (ربّ) فالنّعت تابع له)[١٤].

قال الشارح:

(قد قيل هذا المعنى كثيراً (والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر)، ومن ذلك: (القول لا تملكه إذا نما، كالسّهم لا تملكه إذا رمى)، وقال الشاعر:

وَقافِيَةٍ مِثلِ حَدِّ السِنا

 

نِ تَبقى وَيَذهَبُ مَن قالَها

تَخَيَّرْتُها ثُمَّ أرْسَلْتُهَا

 

ولَمْ يُطِقِ النّاسُ إرْسَالَها

وقال محمود الورّاق:

أَتاني عَنكَ ما لَيسَ

 

عَلى مَكروهِهِ صَبرُ

فَأَغضَيتُ عَلى عَمدٍ

 

وَكَمْ يُغضي الفَتى الحُرُّ

وَأَدَّبتُكَ بِالهَجرِ

 

فَما أَدَّبَكَ الهَجرُ

وَلا رَدَّكَ عَمّا كا

 

نَ مِنكَ الصَفحُ وَالبِرُّ

فَلَمّا اِضطَرَّني المَكرو

 

هُ وَاِشتَدَّ بِيَ الأَمرُ

تَناوَلتُكَ مِن شِعرّي

 

بِما لَيسَ بِهِ قَدرُ

فَحَرَّكتَ جَناحَ الضُرِّ

 

لَمّا مَسَّكَ الضُرُّ[١٥]

١٧ ـ رُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ[١٦].

في جواب لكتاب معاوية: (وما كُنْتُ لِأََعْتَذِرَ مِنْ أنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أحْداثاً، فَإِنْ كانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشادِي وهِدايَتِي لَهُ، فَـ «رُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ ». وقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ وما أَرَدْتُ إِلا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ).

هذا جزء من كلام له (عليه السّلام) بهذا الصدد حيث اتّهم معاوية الإمام (عليه السّلام) بالاشتراك في قتل عثمان فأجاب عنه: بأني كنت ناقماً عليه لأحداث ارتكبها. وليست هذه النقمة شركة في قتل عثمان، بل كانت هداية له وإرشاداً، فإن كنت ـ يا معاوية ـ تلومني على ذلك (فربّ ملومٍ لا ذنب له) وما أنا ذا ملوم، بلا ذنب ركبته.

قال الزمخشري: (ربَّ ملومٍ لا ذنب له: قاله الأحنف لرجل ذمّ عنده الكمأة مع السمن، قال (بحر المتقارب):

فلا تلمْ المرءَ في شأنِه

 

فربَّ ملومٍ ولم يُذْنِبِ[١٧]

و(رُبَّ لاَئِمٍ مُلِيْمٌ)[١٨] وهو معاوية وأضرابه من قالة الباطل.

قيل: (قائل: (ربّ ملوم لا ذنب له) هو أكثم بن صيفي، يقول قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه وهم لا يعرفون حجّته وعذره، فهو يلام عليه. وذكروا أنّ رجلاً في مجلس الأحنف بن قيس قال: ليس شيء أبغض إليّ من التمر والزبد، فقال الأحنف: ربّ ملوم لا ذنب له)[١٩].

تقدّم انتماء

المثل إلى الأحنف من صاحب المستقصي. ثم الملامة أشدّ مراتب العتاب، وهي تخطيء وتصيب.

الرّاء مَعَ الدّال

١٨ـ رُدُّوا الحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ[٢٠].

قال (عليه السّلام): (رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَّ لا يَدْفَعُهُ إِلاَّ الشَّرُّ).

قال الشارح:

(هذا مثل قولُهم في المثل: إنّ الحديد بالحديد يفلح[٢١].

وقال عمرو بن كلثوم:

أَلا لا يَجهَلَنْ أَحَدٌ عَلَينا

 

فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا

وقال الفند الزّماني:

فَلَمّا صَرَّحَ الشَرُّ

 

فأمسى وهو عُريانُ

وَلَم يَبقَ سِوى العُدوا

 

نِ دِنّاهُم كَما دانوا

وَبَعضُ الحِلمِ عِندَ الجَهـ

 

لِ لِلذِلَّةِ إِذعانُ

وفي الشَّرِّ نجاةٌ حيـ

 

نَ لا يُنجِيكَ إحسانُ

وقال الأحنف:

وذي ضَغَنٍ أمتُّ القَوْلَ عنه

 

بحِلْمِي فاسْتَمَرَّ على المَقَالِ

وَمَن يَحلُم وَلَيسَ لَهُ سَفِيهٌ

 

يُلاقِ المُعْضِلاتِ مِنَ الرِجالِ[٢٢]

من أمثال متناسبة: (الشرّ بالشرّ ملحق)[٢٣]؛ (الشرّ للشرّ خلق)[٢٤].

وقد جاء في صادقيّ: (إن اللعنة إذا خرجت من فيِّ صاحبها تردَّدت فإن وجدت مساغاً وإلاّ رجعت على صاحبها)[٢٥].

والغرض من ردّ الحجر منع تجاوز الظالم الغاشم بردّ ظلمه إليه، فإنّ الظلم شرّ وشر منه صاحبه كالظالم كما تقدّم المثل[٢٦]. فإذا لم يردّ على المتجاوز تجاوزه ازداد تجاوزاً، وإذا عومل بمثل ما صنع ارتدع. فصبر المظلوم زيادة في ظلم الظالم، ولا ينافيه ما جاء في الصّبر؛ فإن ذلك فيما لم يكن الردّ عليه.

وحمْلُ الحجر على معناه الظاهري لا يمنع من معناه المثلي، أي من ردّ ظلم الظالم إليه.

الرّاء مَعَ الفاء

١٩ـ الرَّفيقُ قَبلَ الطَّريقِ، وَالجارُ قَبلَ الدّارِ[٢٧].

من وصيّته للحسن (عليهما السّلام) المطوّلة، قال فيها: (سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ).

وفي المثل:(الرفيق إمّا رحيق أو حريق)، وفي المثل: (جار السوء كلب هارش وأفعى ناهش)[٢٨].

قوله (عليه السّلام): (الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ) من الأمثال، ذكره بعض الأدباء، منهم الميداني، قال بعد ذكر المثل: (أي حَصِّلِ الرفيق أولاً واخْبُرْهُ، فربَّما لم يكن موافقاً ولم تتمكّن من الاستبدال به)[٢٩]. و[ قال: الميداني ] بعد مثل (الجار ثم الدار) بذكر (ثمّ)، قال: (هذا كقولهم: (الرفيق قبل الطريق) وكلاهما يروي عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم). قال أبو عبيد: كان بعض فقهاء أهل الشام يحدّث بهذا الحديث ويقول: معناه إذا أردت شراء دار فسَلْ عن جوارها قبل شرائها)[٣٠].

ثم الجار نذكر شيئاً من حقوقه لأدنى مناسبة:اهتمّ الشرع الإسلامي بالجار حتّى قال الإمام (عليه السّلام) في وصيّة له: (واللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ)[٣١]، وقال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ...)[٣٢].

الجار إمّا قريب أو بعيد، وهما إمّا قريب أو أجنبيّ، فهذه أربعة: فالجار ذو الرحم، قريباً كان أو بعيداً، داخل في (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى). والأجنبي، القريب والبعيد، في (وَالْجَارِ الْجُنُبِ). (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) هو الذي يصحبك في السفر جنباً إلى جنب.

ثم ليس حسن الجوار كفّ الأذى عنه فقط، بل بتحمّل الأذى والصبر على ما يرى، قال القائل:

ليس حسن الجوار كفّ الأذى

 

ولكن حسن الجوار الصبر[٣٣]

الرّاء مَعَ الكاف

٢٠ـ رَكِبْنا أعْجازَ الإِبِل وإِنْ طَالَ السُّرى[٣٤].

والأصل فيه قوله (عليه السّلام): (لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِينَاهُ وإِلا رَكِبْنَا أَعْجَازَ الإبِلِ وإِنْ طَالَ السُّرَى).

قال الرضي (رحمه الله تعالى): (وهذا القول من لطيف الكلام وفصيحه، ومعناه: أنّا إن لم نعط حقّنا كنّا أذلاّء؛ وذلك أن الرديف يركب عجز البعير، كالعبد والأسير ومن يجري مجراهما).

قال بعض الشرَّاح:

(له تفسيران: أحدهما: أنّ راكب عجز البعير يلحقه مشقّة وضرر، فأراد: أنّا إذا منعنا حقّنا صبرنا على المشقّة والمضرّة كما يصبر راكب عجز البعير. وهذا التفسير قريب مما فسّره الرّضي، والوجه الثاني: أنّ راكب عجز البعير إنّما يكون إذا كان غيره قد ركب على ظهر البعير، وراكب ظهر البعير متقدّم على راكب عجز البعير، فأراد: أنّا إذا منعنا حقّنا تأخّرنا وتقدّم غيرنا علينا فكنّا كالراكب رديفاً لغيره. وأكّد المعنى على كلا التفسيرين بقوله: (وإِنْ طَالَ السُّرَى)؛ لأنّه إذا طال السُّرى كانت المشقّة على راكب البعير أعظم، وكان الصبر على تأخّر راكب عجز البعير عن الراكب على ظهره أشدّ وأصعب.. قاله يوم الشُّورى)[٣٥].

وقال آخر:

(عليّ (رضي الله تعالى عنه) قال يوم الشورى: (لنا حقّ إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السُّرى). هذا مثل لركوبه الذلّ والمشقّة وصبره عليه وإن تطاول ذلك، وأصله أن الراكب إذا اِعْرَوْرى البعير ركب عجزه من أصل السنام، فلا يطمئنّ ويحتمل المشقّة. وأراد بركوب أعجاز الإبل كونه ردفاً تابعاً، وأنّه يصبر على ذلك وإن تطاول به. ويجوز أن يريد: وإن نمنعه نبذلِ الجهد في طلبه فعل من يضرب في ابتغاء طلبته أكباد الإبل ولا يبالي باحتمال طول السُّرى)[٣٦].

وهكذا غيرهما من الجمهور، قد خصّصوا كلامه (عليه السّلام) بيوم الشُّورى بعد وفاة عمر واجتماع الجماعة لاختيار واحد من الستّة. وليت شعري لِمَ خصّصوه بذلك ؟! وهل كان منْع القوم الإمام (عليه السّلام) عن حق الخلافة من بعد عمر وكان له ولصاحبه الحق وليس له (عليه السّلام) منه نصيب ؟! أو خصّصهما الله ورسوله به دونه [ مـا ] أو أنّه خاصّ به تقّمصه القوم ؟! اختر ما شئت!

باب السين

السّين مَعَ الرّاء

٢١ـ سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ[٣٧].

أحد الأمثال الّتي ضربها في وصيّته لابنه الحسن (عليهما السّلام)، قال فيها:

(وإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلادِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا؛ فَقَدْ نَبَّأَكَ اللَّهُ عَنْهَا ونَعَتَتْ نَفْسِهَا وتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوئهَا. فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلابٌ عَاوِيَةٌ وسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، ويَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا، ويَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا. نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ وأُخْرَى مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا ورَكِبَتْ مَجْهُولَهَا «سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ »، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا ولا مُسِيمٌ يُسِيمُهَا...).

وهي وصيّة مطوّلة أخذنا منها ما يربط المثل الجاري.

قال الشارح:(ثلاثة أمثال محرّكة لمن عنده استعداد، واستقرأني أبو أفرج محمد بن عبّاد (رحمه الله) وأنا يومئذٍ حَدَثٌ هذه الوصيّة، فقرأتها عليه من حفظي، فلمّا وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة وسقط، وكان جباراً قاسي القلب.

(سُرُوحُ عَاهَةٍ) والسروح: جمع سرح، وهو المال السارح. والعاهة: الآفة.... ووادٍ وعثٍ لا يثبت الحافر والخفّ فيه، بل يغيب فيه ويشقّ على من يمشي فيه)[٣٨].

أو السروح: الأغنام.

يقول (عليه السّلام) أهل الدّنيا كلاب عاوية وسباع جائعة يتناهشن على جيف أو أغنام سائمة ترعى، ومعقّلة متحيّرة في أودية لا يثبت فيها خفّ ولا خافر. لا راعي يرعاها، وقد اعتورها الآفات من كلّ جوانبها.

برزت في كلامه (عليه السّلام) حقائق أهل الدّنيا وبوائق ما طالت الأيّام تخفينها، وسوف يحشر الناس على ما هم فيه من صفات الحيوانات كما جاء في تفسير (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)[٣٩] يأتون يوم القيامة على صور ما كانوا يزاولون من صفات الكلاب والسّباع وغيرها.

يتبع........

-----------------------------------------
[١] . النهج ١٥ : ١٨٢, ٢٨/ك.
[٢] . النهج ١١ : ٢٥٧, ٢٢١/ط.
[٣] . الوسائل ١٤ : ١٣٨ ـ ١٤٠.
[٤] . شرح النهج ١٥ : ١٩٤.
[٥] . رسالة الإسلام ١١٨ ـ عدد ٧ ـ ٢٠٨.
[٦] . شرح النهج ١٥: ١٩٤.
[٧] . النهج ١٩: ٣٦٤, ٤٠٦/ح.
[٨] . المصدر.
[٩] . سورة الجاثية الآية ٢٤.
[١٠] . مجموعة ورّام ٢: ٤٣.
[١١] . النهج ١٩: ٣٥٩, ٤٠٢/ح.
[١٢] . الفاخر ٢٦٥.
[١٣] . المستقصي ٢: ٩٨.
[١٤] . مجمع الأمثال ١: ٢٩٠ حرف الراء.
[١٥] . النهج ١٩: ٣٥٩.
[١٦] . النهج ١٥: ١٨٣, ٢٨/ك.
[١٧] . المستقصي ٢: ٩٩.
[١٨] . المصدر ٢: ٩٨.
[١٩] . مجمع الأمثال ١: ٣٠٥ حرف الراء [بتصرف طفيف].
[٢٠] . النهج ١٩: ٢٢١, ٣٢٠/ح.
[٢١] . مجمع الأمثال ١: ١١ حرف الهمزة.
[٢٢] . شرح النهج ١٩: ٢٢١.
[٢٣] . النهج ١٨: ٤١.
[٢٤] . مجمع الأمثال ١: ٣٦٦ حرف السين.
[٢٥] . السفينة ١: ٥١٢ في (لعن).
[٢٦] . فاعل الخير خير منه؛ وفاعل الشرّ شرّ منه.
[٢٧] . النهج ١٦: ١١٣، ٣١/الوصيّة.
[٢٨] . شرح النهج ١٦: ١٢١.
[٢٩] . المجمع ١: ٣٠٣ حرف الراء.
[٣٠] . المجمع ١: ١٧٢ (حرف الجيم).
[٣١] . النهج ١٧: ٥، ٤٧/الوصيّة.
[٣٢] . سورة النساء الآية ٣٦.
[٣٣] . ذكرناه في الأمثال النبويّة حرف الجيم.
[٣٤] . النهج ١٨: ١٣٢، ٢٢/ح.
[٣٥] . المصدر.
[٣٦] . الفائق [ في غريب الحديث، جار الله الزمخشري] ٢: ٣٩٧ ـ ٣٩٨.
[٣٧] . النهج ١٦: ٨٩ ـ ٩٠، ٣١/الوصية.
[٣٨] . شرح النهج ١٦: ٩٠ ـ ٩١.
[٣٩] . سورة التكوير الآية ٥.
****************************