هو أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي، ولد في بغداد سنة تسع وخمسن وثلاثمائة للهجرة. أُمّه فاطمة بنت الحسين بن أبي محمد الحسن الاطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهي إمرأة فاضلة عرفت بالورع والتقوى والبصيرة الثاقبة، فقد قال فيها السيد الرضي(ره):
لَوْ كانَ مِثلَك كلُّ اُمٍّ بَرَّة | غَنِىَ البَنُونَ بِها عَنِ الآباءِ |
كما يتصل نسب جدّه بالإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليهما السلام) وهو أبو أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام أبي إبراهيم موسى الكاظم(عليه السلام). وقد كانت له منزلة عظيمة في الدولة العباسية والدولة البويهية، حتى لقبه أبو نصر بهاء الدين بالطاهر الأوحد.
أقبل السيد الرضي على العلم والفقه والأدب حتى بات أبدع أبناء زمانه، وقد خلف أبيه عام ٣٨٨ بتولي نقابة الطالبيين في حياته، وعهد إليه بالنظر في المظالم والحج بالناس. إبتدأ ينظم الشعر وله من العمر عشر سنين أ وتزيد قليلاً، حكم بعض النقاد بأنّه أشعر الطالبيين، وإلى جانب ذلك فقد كان كاتباً بليغاً مترسلاً، امّا المرحوم العلاّمة الاميني فقد صرّح بشأن السيد الشريف الرضي قائلا: «وسيدنا الشريف الرضي هو مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة، وإمام العلم والحديث والإدب، وبطل من أبطال الدين والعلم والمذهب، ومهما تشدق الكاتب فان في البيان قصوراً عن بلوغ مداه»[١].
أساتذة السيد الرضي:
لقد ذكر العلاّمة الأميني إسم أربعة عشر من أساتذة السيد الرضي ومنهم:
١ ـ أبو سعيد الحسن بن عبدالله بن مرزبان النحوي المعروف بالسيرافي المتوفى عام ٣٦٨هـ فقد درس السيد الرضي عليه النحو ولما يبلغ العاشرة من عمره.
٢ ـ النحوي المعروف أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي المتوفى عام ٣٧٧ هـ.
٣ ـ هارون بن موسى.
٤ ـ الخطيب المشهور أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد المعروف بابن نباتة المتوفى عام ٣٩٤هـ.
٥ ـ القاضي عبد الجبار، العالم الشافعي المعتزلي.
٦ ـ الفقيه والمحدث والمتكلم الشيعي الكبير الشيخ المفيد والذي يعدّ من أعظم أساتذة السيد الرضي. وهناك قصة رائعة جديرة بالسماع بشأن كيفية تتلمذه وأخيه السيد المرتضى على يد الشيخ المفيد. فقد قال مؤلف كتاب «الدرجات الرفيعة»: رأى المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان الفقيه الإمام في منامه، كأنّ فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها والداها الحسن والحسين(عليهما السلام) صغيرين فسلمتهما إليه، (وقالت له: علمهما الفقه). فانتبه متعجباً من ذلك، فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر، وحولها جواريها وبين يديها ابناها محمد الرضي وعلي المرتضى صغيرين، فقام إليها وسلّم عليها. فقالت له: أيّها الشيخ هذان ولداي، قد أحضرتهما لتعلمهما الفقه.
فبكى أبو عبد الله ـ الشيخ المفيد ـ وقصّ عليها المنام وتولى تعليمهما الفقه، وأنعم الله عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا; وهو باق ما بقى الدهر.
«وردت هذه القصة في شرح ابن أبي الحديد، ج ١ / ٤١».
تلامذة السيد الرضي:
روى كبار علماء الفريقين أنّ العلاّمة الأميني ذكر تسعة من تلامذة السيد الرضي، ويمكن الإشارة هنا إلى أبرز من روى عنه ومنهم شقيقه السيد المرتضى وشيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي كانت للسيد الرضي همة كبيرة جعلته يؤسس مدرسة لطلاب العلوم الدينية أسماها «دار العلم» ولعلها أول مدرسة يتلقى فيها الطلاب الدروس صباحاً بينما يخلدون إلى الراحة والسكن مساءً في نفس المدرسة، وهى على غرار مدرسة أخيه السيد المرتضى، وقد كان الشيخ الطوسي والقاضي عبد العزيز بن براج من تلاميذها وسبقت مدرسته «المدرسة النظامية» ببغداد بحوالي ٨٠ سنة وربما كانت تقليداً لها[٢].
كتب ومؤلفات السيد الرضي:
ذكر العلاّمة الأميني أنّ السيد الرضي خلف أكثر من تسعة عشر كتاباً، أهمها أثره الخالد نهج البلاغة الذي يضم خطب ورسائل وكلمات الإمام علي(عليه السلام). ثم يورد الشيخ الأميني أسماء واحد وثمانين كتاباً زمان السيد تعرضت لشرح نهج البلاغة أ وترجمته.
ومن أهم الكتب التي ألفها السيد الرضي:
١ ـ خصائص الأئمة، والذي أشار إليه المؤلف في مقدمة نهج البلاغة.
٢ ـ مجازات الآثار النبوية، والذي طبع عام ١٣٢٨ هـ في بغداد.
٣ ـ الرسائل العلمية في ثلاثة مجلدات.
٤ ـ معاني القرآن.
٥ ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل والذي عبّر عنه الكشي بحقائق التنزيل.
السيد الرضي والشعر:
كان السيد الرضي نابغة في الشعر، علماً أنّ الشعر لم يضف شيئاً لشخصيته العظيمة، ورغم ذلك فقد جادت قريحته الشعرية بمختلف الفنون والآداب والصنوف الشعرية التي تكشف عن مدى قدرته في نظم الشعر. يذكر أنّ السيد الرضي قد أنشد قصيدة غرّاء كشف فيها النقاب عن علو نسبه ولما يبلغ العاشرة من عمره ولذلك عدّه بعض الاُدباء أشعر شعراء قريش، وربّما رجّح شعره على المتنبي، وهناك رسائل ومبادلات بينه وبين الصاحب بن عباد وأبي اسحاق الصابي، وذكر الخطيب البغدادي في تأريخه قائلاً: سمعت محمد بن عبد الله الكاتب أنّه قال عند أبي الحسين بن محفوظ قال: سمعت من فريق من الاُدباء أنّهم قالوا: السيد الرضي أشعر شعراء قريش. فردّ ابن محفوظ قائلاً: نعم، هذا كلام صحيح، ثم أضاف: كان هناك بعض الأفراد الذين يحسنون الشعر في قريش إلاّ أنّهم قليلوا النظم للشعر، ولم يكن سوى السيد الرضي يكثر إنشاد الشعر إلى جانب إتصافه بالعذوبة والجمال.
القابه ومناصبه:
لقبه بهاء الدولة سنة ٣٨٨ بالشريف الأجل، وفي سنة ٣٩٢ بذي المنقبتين، وفي سنة ٣٨٩ بالرضي ذي الحسبين، وفي سنة ٤٠١ أمر أن تكون مخاطباته ومكاتباته بعنوان الشريف الرضي أن المناصب والولايات كانت منكثرة على عهد سيدنا الشريف من الوزارة التنفيذية والتفويضية والامارة على البلاد بقسميها العامة والخاصة، تولى الشريف نقابة الطالبيين وامارة الحاج والنظر في المظالم سنة ٣٨٠ وهو ابن ٢١ عاما على عهد الطائع، ثم عهد إليه في ١٦ محرم سنة ٤٠٣ بولاية أُمور الطالبيين في جميع البلاد فدعي «نقيب النقباء»[٣].