وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                
وقال (عليه السلام): مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ عِلْم، وَطَالِبُ دُنْيَا.                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                

Search form

إرسال الی صدیق
تأثير نهج البلاغة في الأدب العربي

سلمان هادي ال طعمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يحسن بنا أن ننوه ان نهج البلاغة تراث فكري وأثرأدبي خالد أثرى الادب العربي والانساني بلآليء حكم الامام علي وبديع ألفاظه ، ولا شك ان الامام علي بن ابي طالب (ع) خيرما تمخضت عنه الانسانية في مثالية الانسان فلقد كان أقدرالناس بعد النبي محمد (ص) على صياغة الكلم البليغ .
يعد نهج البلاغة من أعظم الكتب الاسلامية شأنا، وأرفعها قدرا، جمع بين دفتيه عيون البلاغة وفنونها ، وعرفت منزلته بين الكتب وسمت مكانته لدى رجالات البيان والادب وباحثي الآداب العربية في كل العصور .
يقول جامعه الشريف الرضي في سبب تأليفه : « يتضمن من عجائب البلاغة،وغرائب الفصاحة،وجواهرالعربية ، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام اميرالمؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه عليه السلام ظهرمكنونها ، وعنه اخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا» [١] .
ضمنه الامام كلما يصح حال الانسانية ويرفع من قيمها المعنوية ، كما ضمنه اختيارمحاسن الخطب ثم محاسن الحكم والادب مفردا لكل صنف بابا ولعل الفصل الاخير يعد فصلا رائعا جدا لانه يتضمن محاسن ما نقل عنه عليه السلام من الكلام القصيرفي الحكم والامثال والآداب دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة كما يتضح ذلك من مقدمة الكتاب .
وللسيد الشريف الرضي ابوالحسن محمد بن الحسن الموسوي اليد البيضاء في التتبع والاستقراء والجمع والاختيار، فقد ظهرفضله لحسن الاختيار والتبويب ، وعمد الى ما هو الاصح في الاسناد ، فثبت ما هوأفصحه لفظا ، وأبلغه معنى ، وأجله حكمة ، وأحسنة عظة ، اذ هو الاليق الاحرى بأن ينسب الى سيدنا اميرالمؤمنين عليه السلام امام الفصحاء وسيد الخطباء وأفصح الخلق بعد رسول الله .
لنهج البلاغة في عالم العلم والادب موقع مرموق ، وهو سبب شدة اعتناء الادباء والمستشرقين بهذا الاثرالنفيس الذي جمع فأوعى من ضروب البلاغة وأساليب الفصاحة ومحاسن الكلام المصاغ أحسن صياغة ، وكيف لا يكون هذا الكتاب خاصا لأشتات المحاسن ، وقد اختاره السيد الشريف الرضي وهو المعروف بحسن الاختياروالابتكار من كلام أميرالمؤمنين احكم الحكماء وأبلغ البلغاء .
اما كون نهج البلاغة مطابقا لاسمه ، فقد أصبح غنيا عن الاستدلال لانه قد أقرالمخالف والمؤالف بأنه ابلغ كلام بعد القرآن الكريم والحديث الشريف .
وأما مناهجه وأساليبه فهي من أعجب ما نسخ عليها كاتب فمن وصف الله وتمجيده الى وصف أهل البيت عليهم السلام الى وصف حاله مع مناظر به الى ذكر الزهد والورع الى اختلاف العلماء في الفتيا الى وصف المنافقين الى تصويرالدنيا والآخرة الى عهود لعماله وأعجبها عهده الى مالك الاشتر .
وقلما نجد شاعرا له نظرة في الحياة ، او قول في الحكمة أو شغف في لفظ رصين الا وجدت شعره يتفيأ ظلال نهج البلاغة ، لما له من الحكم التي تأخذ بمجامع القلب ، فهوعظيم المناقب ، جم الفضائل ، ومن أبرزما يتميز به النهج هو وضوح الاسلوب ، وحسن المقصد، وجزائه الكلمات ، والمعنى المحدد الذي لا يحتمل معنى آخر .
ويستخدم المحسنات البلاغية بصورة سائغة عذبة كالجناس والطباق وما الى ذلك .
أما المادة الادبية التي يضمها الكتاب فانها تنسم بسلامة الاغراض والقيم ، وتستوعب المفاهيم الخيرة وابتعادها عن السفاسف والركاكة .
لذا فقد حظي بالنصيب الاوفرمن حيث اقبال العلماء والادباء والعارفين من العرب وغيرهم على الانتهال من هذا المنهل العذب والارتشاف من معينه الذي لا ينضب .
وقد شهد به الصحافي الشهيرالاستاذ أمين نخلة وهو من افاضل المسيحيين مخاطبا من رجاه انتخاب (المائة) من كلمات الامام علي عليه السلام قال : (وليس بين يدي الآن من كتب الادب التي ترجع اليها في مثل هذا الغرض الا طائفة قليلة منها انجيل البلاغة (النهج) فرحت أسرح اصبعي فيه والله لا اعرف كيف اصطفى لك المائة من مئات بل الكلمة من كلمات الا اذا سلخت الياقوتة عن اختها الياقوتة ، ولقد فعلت ويدي تتقلب على اليواقيت وعيني تغوص في اللمعان فما حسبتني اخرج من معدن البلاغة بكلمة لفرط ما تحيرت في التخيير)  [٢].
أما نرسيسيان وهو من فضلاء الارمن ، فهو الآخرالذي يدلي برأيه الصريح زاعما تفوق نهج البلاغة على كل كلام لكثرة ما فيه من السهل الممتنع الذي لا يوجد في سواء وانقياد الاسجاع فيه بلا تكلف [٣] .
ويرى عميد الادب العربي الدكتور طه حسين ان كتاب نهج البلاغة ليس كله للامام علي كرم الله وجهه ، فالنصوص المنسوبة للامام علي في هذا الكتاب يغلب عليها طابع الصنعة وما كان الامام يخطب الامر نجلا كعادة العرب جميعا .
ويقول العميد : ان في بعض كتاب التاريخ مثل الطبري والبلاذري خطبا للامام على وهذه يمكن قبولها وصحة نسبتها اليه .
ثم أليس من الغريب ان تكون الاحاديث قد رويت بالمعنى والمسلمون احرص عليها من أي كلام آخر .
ويقال : بعد ذلك ان هذه الخطب المنمقة للامام علي فضلا عن شيوع كلمات في هذا الكتاب لم تظهرالا في زمن المتكلمين والذي يرجحه ان نهج البلاغة من تأليف الشريف الرضي والمغفل هو ابن ابي الحديد ، لانه يعتقد ان ما يشرحه استطرادات لا معنى لها [٤] .
تصدى الكثيرون فشرحوا نهج البلاغة ، وأطال كل منهم في بيان ما انطوى عليه من الاسرار، وما حوى من الالفاظ العربية الغريبة الجمة حفظها تنسق فيه المعاني تنسيقا يسهل حفظها على ما يريد استظهارها .
وان احسن الكلام اقربه الى الطبع وانفذه الى القلب هذا فضلا من ان هذا السفرالجليل لا يستغني عنه من رام اكتساب البلاغة في القول ، والارتقاء في مدارجها العيا ، والتدفع الى نيل الادب .
ولعل شرح ابن ابي الحديد والامام محمد عبده كافيان في هذا المقام .
فالاول يمثل الشروح القديمة ، حيث تناول نهج البلاغة وأخصبه وأضاف اليه عطاء ثرا ، والآخر يمثل العصرالحديث ، ويشكل جزاءا من المهمة الكبرى التي كان يجاهد في سبيلها ، وهي مهمة البعث والاحياء لشريعة الاسلام ولغة الناطقين بالضاد في انظف عصورها ، وأصفى مواردها .
ومن خلال سعيه لتحقيق هذا المهمة أعجب بما في الكتاب من روعة البيان وسمو المعاني وجزالة التعبير، ولكنه رأى ان اكتمان الفائدة منه لا تتأتي الا بتقريبه من مدارك الشباب بشرح الغامض من ألفاظه ، وتوضيح الصعب من تراكيبه وتعيين المراد من اشاراته .
والاثنان مجمعان على ان ما في دفتي النهج المشروح هو من قول الامام علي بن ابي طالب (ع) لذا جاء تأثيره الادبي عظيما في جميع العصور، وقد استفاد الادباء ورواد الفضل منه ونحوا نحوه، وجميع اقوالهم تدل على تأثيره البليغ في كتاباتهم ونهجهم الادبي ، وآخر هؤلاء عميد الادب العربي طه حسين وامام البيان مصطفى صادق الرافعي .
كما ترجمت فصول منه الى بعض اللغات الغربية والشرقية ، فلم تخل منه مكتبة عربية أوأعجمية ، لما له من قيمة علمية وادبية واجتماعية .

------------------------------------------------------

[١] . راجع (شرح نهج البلاغة) لمحمد عبده – الجزء الاول ص (ج) .

[٢] . ما هو نهج البلاغة ؟ للسيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني ١٢٨٠ هـ / ١٩٦١ م ص ٥ .

[٣] . المصدرالسابق / ص ٧ .

[٤] . مجلة (العربي ) الكويتية / العدد ٢٠٧ (صفر ١٣٩٦ هـ شباط ١٩٧١ م) ص ١٤٦ – تعليقات واقوال ماثورة لطه حسين .

****************************