وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                

Search form

إرسال الی صدیق
ترجمة ابن ابي الحديد شارح نهج البلاغة

عبد الهادي الشريفي

هو عزّ الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة اللّه بن محمّد بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني البغدادي، مؤلف شرح نهج البلاغة، أحد جهابذة العلماء وأثبات المؤرخين، كان أديباً ناقداً، ولغوياً متقِناً، وعارفاً بأخبار العرب، وشاعراً مجيداً، وكاتباً بديع الإنشاء، وأصولياً حاذقاً، ومتكلّماً نظّاراً.

ولد في المدائن سنة (٥۸٦ هـ)، وترعرع فيها، وتوفي ببغداد سنة (٦٥٦ هـ)[١].

أبوه بهاء الدين أبو الحسين هبة اللّه المدائني البغدادي (٥۳۰ ـ ٦۱۳ هـ) المدرّس في المدرسة النظامية، وأُستاذ الأدب والحديث في بغداد والمدائن، وقد تقلّد في الأخيرة الخطابة والقضاء مدة طويلة، حتى نعته مترجموه بالخطيب وبالقاضي[٢].

له أربعة أولاد، الأصغر منهم أبو البركات محمد، توفي شاباً وكان كاتباً لأوقاف النظامية[٣].

وأبرزهم عبد الحميد (الشارح) ومن بعده موفق الدين أحمد، ويسمى القاسم الشافعي الأشعري، ولد في المدائن، ودرس في الشام وبغداد، وبعد أن أكمل دراسته، أقام في المدرسة النظامية ببغداد لمدة سنتين، ثم قام بمهمّة التدريس فيها، كما درّس في المدرسة الفخرية ـ نسبة إلى فخر الدولة أبي المظفر الحسين بن هبة اللّه الشافعي (٥۷۸ هـ) ـ وقد شغل كذلك عدة مناصب أُخرى مهمة[٤].

يقول ابن خلكان عنه وعن أخيه عبد الحميد (الشارح)، « إنهما كانا فقيهين أديبين، لهما أشعار مليحة » ويقول عنهما ابن كثير: « وكان، أي عبد الحميد، أكثر فضيلة وأدباً من أخيه موفق الدين أبي المعالي، وكان الآخر أيضاً فاضلاً، وقد ماتا في هذه السنة (أي ٦٥٦ هـ) رحمهما اللّه تعالى[٥].

يقول عنه الملك الأشراف الغساني الشافعي (۸۰۳ هـ): كان أديباً فاضلاً، شافعي المذهب، ينتحل في الاُصول مذهب المعتزلة وله في ذلك تصنيف وردّ على المخالفين[٦].

دراسته وأساتذته:

تلقى عبد الحميد بن أبي الحديد بعض معارفه في المدائن، ثم انتقل إلى المدرسة النظامية ـ في بغداد ـ وهو غلام، وقد صرّح بذلك في شرح النهج، بأنه كان طالباً في النظامية وهو غلام[٧]، ودرس فيها على أساتذة شوافع. ولابد أنه درس على أبيه (بهاء الدين) المدرّس في النظامية. أمّا شيوخه الآخرون فقد صرّح في شرح النهج بعشرة منهم، وذكر ما قرأه على كلّ واحد منهم، أو رواه عنه، وقد يذكر وقت القراءة أو الرواية، ومذهب أستاذه واعتداله أو تعصّبه، وكان بعضهم شوافع، وبعضهم حنابلة وبعضهم أحنافاً وبعضهم علويين.

والمرجّح أنه درس على الأحناف والحنابلة في مدارسهم الموقوفة على أبناء مذاهبهم، أما العلويون ففي بيوتهم، وكان أكثر شيوخه من الشافعيين[٨].

أما شيوخه من الشوافع فهم:

۱ ـ أبو حفص عمر بن عبد اللّه الدبّاس البغدادي (٥۹۷ هـ) كان حنبلياً ثم صار شافعياً[٩].

۲ ـ ضياء الدين عبد الوهاب بن علي بن سكينة البغدادي (٦۰۷ هـ).

۳ ـ أبو الخير مصدّق بن شبيب الواسطي (٦۰٥ هـ)[١٠].

أمّا شيوخه الحنابلة فهم:

٤ـ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي البغدادي (٥۹۷ هـ)[١١].

٥ ـ فخر الدين أبو محمد اسماعيل بن علي البغدادي (۶۱۰ هـ) المعروف بالمأموني[١٢].

٦ ـ أبو القاسم الحسين بن عبد اللّه العُكْبرَي[١٣].

۷ ـ أبو يعقوب يوسف بن اسماعيل اللمعاني المعتزلي (٦۰٦ هـ)[١٤].

أما شيوخه من العلويين فهم:

۸ ـ أبو جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد الحسني البصري النقيب (٦۱۳ هـ)[١٥].

۹ ـ أبو قريش بن السُّبَيع بن المهنّا العلوي المدني (٦۲۰ هـ)[١٦].

۱۰ ـ شمس الدين فخار بن مَعَدّ الموسوي (٦۳۰ هـ)[١٧].

الخلفاء الذين عاصرهم:

۱ ـ الناصر لدين اللّه، أبو العباس أحمد بن الحسن المستضيء (٦۲۲ هـ) ولادته سنة ٥٥۳ ه، وخلافته سنة ٥۷٥ ه حتى وفاته (٦۲۲ هـ) [١٨].

وقد نظم ابن أبي الحديد قصائده العلويات السبع للناصر الذي مدحه في (العينية) وعصب برأسه الطلب بثأر الإمام الحسين عليه السلام، الشهيد بكربلاء (٦۱ هـ) يقول فيها:

تاللّه ِ لا أنسى الحسينَ وشلْوَه              تحت السنابك بالعراءِ موزّعُ
متلفّعاً حمرَ الثياب وفي غدٍ   بالخضر في فردوسه يتلفَّعُ
لهفي على تلك الدماء تُراق في   أيدي أُمية عنوةً وتُضيّعُ
يأبى أبو العباس أحمدُ إنّه خير   الورى من أن تُطلَّ ويَمنْعُ
فهو الولي لثأرها وهو الحمول   لعبئها إذْ كلّ عَودٍ يَضْلعُ

ذكر ابن الفوطي: أن ابن أبي الحديد نظمها في صباه سنة ٦۱۱ ه، ومن أجل هذه القصيدة وستة اُخرى اتهم بالتشيع بل بالغلو في الرفض.

۲ ـ الظاهر بأمر اللّه. أبو نصر محمد بن أبي العباس أحمد الناصر (٦۲۳ هـ)، وولادته كانت سنة ٥۷۱ ه، ومدة خلافته سنة واحدة، بين سنتي ۲۲ ـ ٦۲۳ هـ [١٩].

۳ ـ المستنصر باللّه، منصور بن أبي نصر محمد الظاهر (٦٤۰ هـ)، ولادته سنة ۵۸۸ ه، وخلافته من سنة ٦۲۳ ه حتى وفاته [٢٠]، وهو الذي نظم له ابن أبي الحديد قصائده (المستنصريات) وقد بلغت خمس عشرة قصيدة أكثرها في مدحه، نظمها في السنوات ٦۲۹ ـ ٦۳۱ ه، بعد أن أُلحق بدواوين الدولة وصار من موظفيها، وإنه لينقلب عباسياً ضد العلويين، يحطب في حبل العباسيين ويدعو لهم.

والمستنصر هذا هو باني المدرسة المستنصرية، التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً.

٤ ـ المستعصم باللّه، أبو أحمد عبد اللّه بن منصور المستنصر (٦٥٦ هـ)، ولادته ٦۰۹ ه، وخلافته من سنة ٦٤۰ ه حتى وفاته، وهو آخر العباسية[٢١].

وظائفه:

نال الحظوة عند الخلفاء والوزراء العباسيين، وقد مدحهم وأخذ جوائزهم، ونال عدة مناصب في بغداد وواسط والحلة، منها: أنه كان كاتباً في دار التشريفات سنة ٦۲۹ ه، وكاتباً في المخزن وهو بيت المال سنة ٦۳۰ ه، وصار كاتباً في دار الخلافة سنة ٦۳۱ ه، وكان في سنة ٦٤۲ ه مشرفاً في ولاية الحلّة ولا يزال يعمل في دواوين الدولة حتى عزل عنها سنة ٦٤۲ ه.

وتولّى أعمالاً مختلفة أُخرى، ففي سنة ٦٥٤ ه تولى الإشراف على خزائن الكتب في بغداد، وفي السنة نفسها صار كاتب السلّة وهو رأس الدواوين وأعلاها وأقربها من الخليفة، وهذا آخر مناصبه، ولم تطل حياته بعدها، وكان مرموق الجانب مهاباً إلى أن مات سنة ٦٥٤ ه ؛ في بغداد[٢٢].

مؤلفاته:

۱ ـ الاعتبار: هو شرح وتعليق على كتاب « الذريعة إلى أُصول الشريعة » للشريف المرتضى (٤۳٦ هـ)، ذكره ابن الفوطي في التلخيص.

۲ ـ انتقاد المستصفى للغزالي (٥٠٥ هـ).

۳ ـ تعليقات وحواشي على المفصّل في النحو للزمخشري (٥۳۸ هـ).

٤ ـ تلخيص نقض السفيانية للجاحظ (۲٥٥ هـ)، ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج ٤/۸۰.

٥ ـ شرح (المحصل في علم الاصول) للفخر الرازي، مطبوع في مجلدين.

٦ ـ شرح المحصول في علم الاصول، للفخر الرازي وهو يجري مجرى النقض له.

۷ ـ شرح نهج البلاغة. اقتصر فيه على تفسير الألفاظ الغريبة لكنه رأى أن هذه النغبة لا تشفي فبسط القول في شرحه في عشرين جزءاً هي هذه التي بأيدي الناس اليوم.

۸ ـ شرح الياقوت لابن نوبخت، وهو من رجال القرن الرابع الهجري، كما شرحه العلامة الحلي (۷۲٦ هـ) بكتابه (أنوار الملكوت).

۹ ـ (العبقري الحسان) في الكلام والتاريخ والأدب، وأنه ضمنه أشياء من أشعاره وإنشائه.

۱۰ ـ الفلك الدائر على المثل السائر، وهو نقض كتاب « المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر » لابن الأثير (٦۳۷ هـ).

۱۱ ـ مقالات الشيعة: بدأ بتأليفه قبل شرح النهج الذي شغله عنه. ذكر ذلك في شرح النهج ۸/۱۲۲.

۱۲ ـ (مناقضة السفيانية) وكتاب السفيانية للجاحظ (۲٥٥ هـ) ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج ۱۰/۱۰۱.

۱۳ ـ الوشاح الذهبي في العلم الأدبي، يدل اسمه على أنه في الأدب. ذكره البحراني في كشكوله ۲/۱۱۷.

۱٤ ـ ديوان شعره: كان لابن أبي الحديد ديوان مشهور بين الناس، لكنه لم يصل إلينا، ذَكَره الخوانساري في روضاته ٥/۲۲.

۱٥ ـ العلويات السبعة: سبع قصائد طوال، كلها في مدح أمير المؤمنين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام. قال ابن الفوطي: إنه نظمها في حياته وهو في المدائن سنة ٦۱۱ ه، للخليفة العباسي أبي العباس أحمد بن الناصر لدين اللّه، وقد ذكره ابن أبي الحديد في عينيّته.

۱٦ ـ المستنصريات: وهي خمس عشرة قصيدة طويلة، أكثرها في مدح المستنصر باللّه العباسي (٦٤۰ هـ).

۱۷ ـ نظم فصيح ثعلب: (الفصيح) كتيب صغير في اللغة كثير الفائدة، ألّفه أحمد بن يحيى الشيباني (۲۹۱ هـ)، وقد نظمه ابن أبي الحديد بأرجوزة[٢٣]  [٢٤].

مذهب ابن أبي الحديد وعقيدته:

لم يشكّ أحد من المؤرخين في أنّ ابن أبي الحديد معتزلي غارق في الاعتزال، إلاّ أنهم اختلفوا في انتمائه المذهبي ؛ فذهب بعضهم إلى أنّه كان شيعياً غالياً، بل رافضياً متطرّفاً في الرفض وتحوّل إلى المذهب الشافعي مذهب الدولة الرسمي، وذهب آخرون إلى أنه كان حنبلياً، وآخرون إلى أنّه كان شافعياً منذ صباه إلاّ أنّه معتزلي على طريقة مدرسة بغداد الاعتزالية.

قال الدكتور شوقي ضيف: يبدو أنه ـ أي عز الدين عبد الحميد (الشارح) ـ شبّ على الاعتزال والتشيّع جميعاً، وكان ولا يزال يغدو ويروح إلى بغداد وإلى حيّ الكرخ الشيعي خاصّة... حتى إذا بلغ الخامسة والعشرين من عمره نظم قصائده السبع العلويات وهي في مديح علي بن أبي طالب، وبيان فضائله، وفيها لايبدو شيعياً إمامياً في هذه الحقبة من حياته، بل يبدو رافضياً غالياً في الرفض... من مثل قوله في علي عليه السلام أو كما يسميه حيدراً:

واللّه ِ لولا حيدرٌ ما كانت الـ              دّنيا ولا جَمعَ البرية مجمعُ
من أجله خُلق الزمان وضوّءَت   شهبٌ كنسْنَ وجنّ ليل أدرع
علم الغيوب إليه غير مدافع   والصبح أبيض مسفِرٌ لا يدفع
وإليه في يوم المعادِ حسابنا   وهو الملاذ لنا غداً والمفزع

ثم يعقّب شوقي بشرح الأبيات بما ينسجم وهواه، ثم يتحدّث عن ابن أبي الحديد: ويترك المدائن إلى بغداد نهائياً في تأريخه غير معروف تماماً، ويبدو أنّه تخلّى عن رفضه ورجع إلى صوابه[٢٥].

أما المحقق الشيخ محمد أبو الفضل ابراهيم، فذهب إلى نفس الرأي، لكنّه أضاف: وأصبح كما يقول صاحب نسمة السحر معتزلياً جاحظياً في أكثر شرحه للنهج، بعد أن كان شيعياً غالياً[٢٦].

وقبل الإجابة على ما أورده هذان العلمان، نلفت نظر القارئ الكريم إلى عدة ملاحظات نسلّط من خلالها الضوء على عقيدة ابن أبي الحديد منذ صباه وحتى شيخوخته:

۱ ـ تعدّ المدارس النظامية أهم مدارس أهل السنّة في عهد السلاجقة وقد أُنشئت بناءً على أمر نظام الملك بن علي الطوسي (٤۰۸ ـ ٤۸٥ هـ) وزير السلطان إلب أرسلان ملكشاه.

وقد اشترط نظام الملك، أن تكون هذه المدارس خاصة بالشافعية تعصباً منه لهذا المذهب[٢٧].

وفي نصّ آخر: كان نظام الملك شافعي المذهب يوقف كلّ مدرسة من المدارس التي ينشؤها على أصحاب الإمام الشافعي[٢٨].

ونستطيع القول إنّ تأسيس المدرسة المستنصرية ـ فيما بعد ـ يعتبر امتداداً لفكرة تأسيس المدرسة النظامية، أو لفكرة تأسيس المدارس بوجه عام ؛ وهي مقاومة الدعوة الشيعية، بتخريج عدد من المثقفين الذين يفهمون عن الدولة أغراضها وأهدافها، ولمّا كان مقاومة المذهب الشيعي تعتبر هدفاً من أهداف الدولة، لذا فإن المستنصر العباسي اتخذ من أصحاب المذاهب الأربعة عناصر متحدة داخل إطار يعرف بالمدرسة المستنصرية[٢٩].

أقول: إن شروط القبول في المدرسة النظامية هو أن يكون الطالب شافعياً محضاً بحسب اشتراط واقفها. ومن باب أولى أن يكون موظفوها والمشرفون عليها كل واحد منهم شافعياً دون أدنى شك، ولعل مقتضى قبول ابن أبي الحديد فيها طالباً منذ صباه، أنّه كان شافعياً، شأنه شأن والده وأخويه الذين شغلوا مناصب فيها[٣٠].

نعم، اعتنق مذهب الاعتزال على طريقة مدرسة بغداد في الاعتزال. وهذا ما سنوضحه في النقطة التالية:

۲ ـ تميّزت مدرسة بغداد (الاعتزالية) ـ بعد انتقال بشر بن المعتمر إليها ـ بميلها إلى التشيع ؛ حتى أُطلق عليها اسم (متشيعة بغداد)[٣١].

ويقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: إن المتقدمين من المعتزلة ذهبوا إلى أن أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أبوبكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ علي، إلاّ واصل بن عطاء، فإنه يفضّل أمير المؤمنين علياً على عثمان فلذلك سموه شيعياً[٣٢].

ويذهب الملطي وهو من أقدم مؤرخي العقائد: إلى أن معتزلة بغداد ـ الجعفران والإسكافي ـ يقولون: إن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم، بل إنه بناءً على هذا يعتبرهم فرقة من فريق الزيدية، فيقول: (الفرقة الرابعة من الزيدية هم معتزلة بغداد)[٣٣].

من هذه النصوص نستكشف أنهم يطلقون على من يقول بتفضيل الإمام علي عليه السلام على عثمان أنه شيعي أو زيدي، بينما يطلقون على من يفضّل علياً عليه السلام على سائر الخلفاء والصحابة أنّه شيعي غالٍ، هذا الإطلاق إنما هو وفق المصطلح السُّنّي للتشيع لا المصطلح الإمامي، حيث يعد أهل السنة كلّ من يفضل علياً على عثمان شيعياً، وكلّ من يفضل علياً على أبي بكر شيعياً غالياً.

قال ابن المرتضى: روي أنّ أبا الهذيل العلاّف لما مات (۲۳٥ هـ)، صلّى عليه أحمد بن أبي دؤاد القاضي ؛ فكبّر عليه خمساً، ثمّ لمّا مات هشام بن عمرو ؛ كبّر عليه أربعاً، فقيل له في ذلك، فقال: إن أبا الهذيل كان يتشيّع لبني هاشم، فصلّيتُ عليه بصلاتهم. وأبو الهذيل كان يفضّل علياً على عثمان، وكان الشيعي في ذلك الزمان من يفضل علياً عليه السلام على عثمان[٣٤].

۳ ـ رأي ابن أبي الحديد في الإمامة مبيّناً مذهب المعتزلة فيها:

قال ابن أبي الحديد ما خلاصته: اتفق شيوخنا كافة رحمهم الله ؛ المتقدمون منهم والمتأخرون والبصريون والبغداديون، على أن بيعة أبي بكر بيعة صحيحة شرعية، وأنّها لم تكن عن نصّ، وإنما كانت بالاختيار الذي ثبت بالإجماع، وبغير الإجماع كونه طريقاً إلى الإمامة واختلفوا في التفضيل، فقال قدماء البصريين: إن أبابكر أفضل من علي عليه السلام وهؤلاء يجعلون ترتيب الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة.

وقال البغداديون قاطبة قدماؤهم ومتأخروهم: إن علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر. وأمّا نحن (أي ابن أبي الحديد نفسهـ) فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا من تفضيله عليه السلام، وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل، وهل المراد الأكثر ثواباً، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ؟ وبيّنا أنه عليه السلام أفضل على التفسيرين معاً[٣٥].

وكرر نحو هذا في الجزء العاشر، ص۱۰۱، وقال في موضع آخر من الجزء الثالث، ص۹۸ معلقاً على رواية ابن ديزيل بسنده إلى زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم: (ألا أدلَّكم على ما إن تسالمتم عليه لم تهلكوا ؟ إنَّ وليَّكم اللّه وإنَّ إمامكم علي بن أبي طالب، فناصحوه، وصدِّقوه، فإنَّ جبريل أخبرني بذلك).

قال: فإن قلتَ هذا نصٌّ صريحٌ في الإمامية، فما الذي تصنع المعتزلة بذلك.

قلتُ: يجوز أن يريد أنَّه إمامهم في الفتاوى والأحكام الشرعية، لا في الخلافة.

وقال أيضاً: ولهذا كان أصحابنا (أي المعتزلة) أصحاب النجاة والخلاص والفوز في هذه المسألة، في شرح قوله عليه السلام: « يهلك فيّ رجلان: محبٌّ مفرط، وباهتٌ مُفْتَرٍ » ؛ لأنّهم سلكوا طريقة مقتصدة، قالوا: هو ـ أي الإمام عليه السلام ـ أفضل الخلق في الدنيا، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب، وكلّ من عاداه أو حاربه، أو أبغضه، فإنّه عدوٌّ للّه سبحانه، وخالدٌ في النار مع الكفّار والمنافقين، إلاّ أنْ يكون ممّن قد ثَبَتَتْ توبتُه ومات على تولّيه وحبّه. فأمّا الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله، فلو أنّه أنكر إمامتهم، وغضب عليهم، وسخط فعلهم، فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف، أو يدعو إلى نفسه ؛ لقلنا إنّهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لأنّه قد ثبت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمقال له عليه السلام: (حربك حربي وسلمك سلمي)، وأنّه قال صلى الله عليه و آله وسلم: (اللّهم وال من والاه وعاد من عاداهـ)، وقال له: (لا يحبُّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق).

ولكنّا رأيناه رضي إمامتهم، وبايعهم، وصلّى خلفهم وأنكحهم، وأكل من فيئهم، فلم يكن لنا أن نتعدّى فعله، ولا نتجاوز ما اشتهر عنه، ألا ترى أنّه لما برئ من معاوية برئنا منه، ولما لعنه لعنّاه، ولمّا حكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة، كعمرو بن العاص وابنه وغيرهما ؛ حكمنا أيضاً بضلالهم.

وقال أيضاً:

فأمّا من قال بتفضيله على الناس كافّة من التابعين فَخَلْقٌ كثير كأُويس القرني، وزيد ابن صوحان، وصَعْصعة أخيه، وجندب الخير، وعبيدة السلماني وغيرهم مما لا يحصى كثرة. ولم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العَصْر إلاّ لمن قال بتفضيله ولم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذٍ على هذا النحو من الاشتهار ؛ فكان القائلون بالتفضيل هم المسمَّون الشيعة، وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم ؛ ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم: نحن الشيعة حقاً. فهذا القولُ هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحقِّ من القولين المقتسِمين طرفي الإفراط والتفريط إن شاء اللّه[٣٦].

أقول: ممّا ذكرنا يتبيّن أنّ ابن أبي الحديد لم يكن شيعياً، بالمصطلح الإمامي للتشيّع، وإنّما عدّ شيعياً بناء على الفهم السني للتشيع كما وضّحناه سابقاً، وإلاّ فابن أبي الحديد كان شافعياً معتزلياً وبقي كذلك إلى آخر عمره يتعبّد بالفقه الشافعي، وينكر الوصية بالإمامة والخلافة ويذهب الى الانتخاب كما ينكر العصمة للإمام، ويبرر أعمال الصحابة ويوجهها بما يناسب مذهبه... الخ وأما ما ذهب إليه الشيخ محمد أبو الفضل ابراهيم، وشوقي ضيف، من أنّه كان شيعياً غالياً (رافضياً) ثم عدل إلى المذهب الشافعي والاعتزال غير صحيح وهو مبتنٍ على هذا الفهم الخاطئ للتشيع، أو على التعصّب المرفوض الذي لا ينظر بعين الحق.

والصحيح أنه كان شافعياً شأنه شأن والده وإخوته الثلاثة وهو مقتضى قبولهم في المدرسة النظامية التي لا تقبل بين صفوفها إلاّ الشوافع. نعم، تحوّل إلى الاعتزال على طريقة متأخري مدرسة بغداد الذين يذهبون إلى تفضيل الإمام علي عليه السلام على جميع الصحابة دون استثناء، وقد صرّح بذلك في عينيّته حيث يقول:

ورأيت دين الاعتزال وإنَّني              أهوى لأجلك كلَّ من يتشيّعُ

وأما قول الصنعاني (۱۱۲۱ هـ) صاحب (نسمة السحر) الذي ذكره محمد أبو الفضل « أنّه كان معتزلياً جاحظياً، في أكثر شرحه للنهج، بعد أن كان شيعياً غالياً » فيردّه أنّ الجاحظ من القسم الآخر من المعتزلة أي من (مدرسة البصرة)، الذي يذهب إلى تفضيل أبي بكر على علي عليه السلام بل يفضّل عثمان عليه عليه السلام، كما يظهر ذلك مِن كتابه (العثمانية) (ص۳) وفيه ناقش كلّ حجج الشيعة التي احتجّت بها على أفضلية الإمام عليه السلام، حتى حاول إحباط كلَّ فضيلة للإمام عليه السلام (ص۲۰٦). وقد تصدّى الإسكافي المعتزلي البغدادي لحجج الجاحظ في كتابه (المقامات) وكذلك ابن أبي الحديد في كتابه (مناقضة السفيانية).

وقال ابن كثير الدمشقي الشافعي (۷۷٤ هـ) معرِّفاً بعقيدة ابن أبي الحديد: (... الكاتب المطبق، الشيعي الغالي، كان حظياً عند الوزير ابن العلقمي، لِما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع والأدب والفضيلة)[٣٧].

والجواب عنه: لعل ابن كثير نبز ابن أبي الحديد بالتشيع والغلو ـ بل غيره من المحققين المتأخرين أمثال محمد أبو الفضل، والدكتور شوقي ضيف وغيرهما ـ بسبب عَلوياته التي مدح فيها الإمام علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام، لكن هل يغمز المسلم بالغلو في التشيع والولاء والحبّ لأهل البيت عليهم السلام الذين جعل اللّه ورسوله حبَّهم فريضة من فرائض الدين، وأوجب الصلاة عليهم في الصلوات الخمس كل يوم ؟ وكيف يُنعت عزّ الدين بالغلو في التشيع بعد أن أنكر « النصّ » في شرح النهج، وبعد أن ألّف كتاباً في الردّ على غلاة الشيعة أسماه (مقالات الشيعة)، وبعد أن نقض ذريعة الشريف المرتضى وشافيته دفاعاً عن مذهب الاعتزال ؟

ولم ينظم علوياته إلاّ أيام الخليفة الناصر العباسي (٦۲۲ هـ) الذي لم تكن بيده يوم تولى الخلافة غير بغداد، فأعلن أنّه من الشيعة الإمامية ؛ ليأتلفهم، وهم يومذاك أكثر أهل بغداد والعراق، وتشيّعُ الناصرِ، تشيّعٌ سياسي لا مذهبي، وإلاّ لقلب دولته إلى مذهب الشيعة الإمامية، فهتف عزّ الدين ابن أبي الحديد بعلوياته، لتكون جوازه إلى ديوان الناصر.

ولما ألّف ابن أبي الحديد (شرح النهج) بطلب من ابن العلقمي الأسدي وزير المستعصم، كان ينظر بعين إلى الخليفة الشافعي، وبعين إلى الوزير الشيعي، وحاول يراعه المحافظة على هذه المعادلة وهو يرقم شرح النهج[٣٨].

حتى إنه في قصيدته التي بعثها إلى الوزير العلقمي يشكره فيها على هديته، يؤكد على مذهبه في الاعتزال:

أحب الاعتزال وناصريه ذوي              الألباب والنظر الدقيق

وذكر السيوطي: أنه تدل سيرة عبد الحميد بن أبي الحديد وأشقائه الثلاثة وأبيهم أنهم من الشيعة الإمامية، إلاّ أنهم انتحلوا المذهب الشافعي بعد انخراطهم في وظائف العباسيين، وكان القادر باللّه العباسي أول من انتحل المذهب الشافعي من الخلفاء العباسيين[٣٩].

إننا لو سلّمنا بضمون هذا النص لأمكن تفسير تحوّل هذه الأسرة من مذهبها الشيعي إلى المذهب الشافعي مذهب الخليفة، وتلوّن مشاعر عز الدين بن أبي الحديد وآرائه وتقلبها بحسب ما يحصل عليه من مكاسب ومنافع دنيويه آنيّة، ولكن يصعب الالتزام بذلك لما قلناه سابقاً.

ومع ذلك فقد ظهر في علوياته محايداً وأميناً، حافظ على استقلال شخصيته وأمانتها.

وأمر مهم آخر يدّلك على انحراف ابن أبي الحديد عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو عدم اعترافه بإيمان أبي طالب عليه السلام، وهو يعلم أنّ من لم يقرّ بإيمانه كان مصيره إلى النار. روى بنفسه ذلك عن الإمام الرضا عليه السلام، كما روى عن الإمام علي عليه السلام قوله: « مامات أبو طالب حتى أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من نفسه الرضا ». وهو يعلم حبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلملأبي طالب ولو كان كافراً لما جاز له حبّه، كما استفاض الحديث وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلم لعقيل: (أنا أُحبّك حبّين حبّاً لك وحبّاً لحبِّ أبي طالب فإنّه كان يحبّك).

كما روى أبن أبي الحديد أشعاراً كثيرة له عليه السلام في تمجيد النبي صلى الله عليه و آله وسلم وتأييد الإسلام، كما ذكر مواقفه قولاً وفعلاً دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.

ومع ذلك لما صنّف أحد الطالبيين (ولعله استاذه فخار بن معد الموسوي) كتاباً في إسلام أبي طالب، وبعثه إلى ابن أبي الحديد يسأله بيان رأيه في إسلام أبي طالب عليه السلام، وبوثاقة الأدلة عليه، يقول: فتحرّجت أن أحكم بذلك حكماً قاطعاً لما عندي من التوقّف فيه، ولم استجز أنْ أقعد عن تعظيم حق أبي طالب، فإني أعلم أن حقّه واجب على كلّ مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة، فكتبتُ على ظاهر المجلَّد:

ولولا أبو طالب وابنه لما              مثل الدين شخصاً فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى   وهذا بيثرب جسَّ الحِماما

وهذان البيتان مطلع السبعة الأبيات، التي قال بعدها: فوفيته حقّه من التعظيم والإجلال، ولم أجزم بأمر عندي فيه وَقْفَة[٤٠].

وتوقّفه هذا يدلّ على عدم تشيعه.

ومن الجدير بالذكر، أن ابن أبي الحديد، لم يعتمد في رواياته وأخباره على كتب الإمامية، نعم ذكر ثلاثة منها، وهي: كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت ۷۷ هـ) ذكره في ج۱۲/۲۱۲، ۲۱٦ ـ ۲۱۷، وكتاب محمد بن جرير الطبري الآملي (المسترشد في الإمامة)، ذكره في ج۲/۳٦، ج۱۱/٦۹، وكتاب الإرشاد للشيخ المفيد، ذكره في ج۱٤/۱۳۲.

أمّا الكتابان الأولان، فقد ذكرهما ابن أبي الحديد، للردّ عليهما، وأمّا الكتاب الثالث، فقد ذكره ليقول عنه: إنّه مخالف لكتب علي عليه السلام وخطاباته.

وأخيراً فإنّ قراءة متأنية لشرح النهج، لا تجد صعوبة في اكتشاف عقيدة ابن أبي الحديد، وهدفه من تأليفه هذا، فقد كان يقصد المصادمة والرد على عقائد مذهب أهل البيت عليهم السلام، وربما يطعن فيها بشكل يجرح العواطف، ويثير الأحقاد، ويفرّق الكلمة، ويحاول أن ينتصر في موارد كثيرة لأهل السنة، وكثيراً ما كان يصرف الألفاظ ويؤوّل العبارات التي تثبت حقانية الإمام وتؤكد مظلوميته، عن ظواهرها بلا صارف واضح، تأييداً لمذهب أصحابه، وقد صرّح بذلك مراراً « فإنّا لم نترك موضعاً يوهم خلاف مذهبنا إلاّ أوضحناه وفسّرناه على وجه يوافق الحقّ » (شرح النهج ۲۰/۳٥).

كما كان يذهب إلى صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل. ويدعي أن أصحابه هم الشيعة حقّاً، وأنّ فهمه وفهم أصحابه للتشيع هو الفهم الصحيح، والمعتزلة هم أصحابه وهم الشيعة وهم الفرقة الناجية دون سواهم.

منهجيته في تأليف شرح النهج:

ألف ابن أبي الحديد كتابه « شرح نهج البلاغة » لمؤيد الدين محمّد بن أحمد العلقمي الأسدي الحلي (٦٥٦ هـ)، وزير المستعصم باللّه (٦٥٦ هـ).

وقد كان ابن العلقمي قد أسس مكتبة عامة في بغداد سنة (٦٤٤ هـ)[٤١] ، وانتدب العلماء إلى إهداء مؤلفاتهم إليها، أو التأليف لها، وقد ندب ابن أبي الحديد إلى شرح (نهج البلاغة)، فشرحه في عشرين جزءاً، هي هذه التي بأيدي الناس اليوم، وقد شرع بتأليفه في غرّة رجب (٦٤٤ هـ) حتى سلخ صفر (٦٤۹ هـ)، وهي أربع سنوات وثمانية أشهر، إنّها مدة خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام، ولا شك أنّ هذا الشرح هو أفضل الشروح وأوسعها بسبب طاقة الشارح وعلمه وأدبه وتنوع ثقافته، وهو يعد بحق موسوعة تاريخية أدبية ثقافية عقائدية كبيرة متشعّبة الفوائد والموضوعات، فخرج الكتاب (كتاباً كاملاً في فنّه، واحداً بين أبناء جنسه، ممتعاً بمحاسنه، جليلة فوائده، شريفة مقاصده، عظيماً شأنه، عالية منزلته ومكانهـ)[٤٢].

ويمكن الكشف عن محاور أربعة مهمة في هذه الموسوعة حاول ابن أبي الحديد أن يركّز البحث حولها في شرحه، وهي:

الأول: شرح خطب ورسائل وكلمات الإمام عليه السلام وحكمه، وكان قد اقتصر فيه أولاً على شرح الألفاظ الغريبة في كتاب مختصر، لكنه رأى (أن هذه النغبة لا تشفي أواماً ولا تزيد الحائم إلاّ حياماً، فتنكّب ذلك المسلك ورفض ذلك المنهج وبسط القول في شرحه بسطاً...)[٤٣].

وكان نتيجة ذلك عشرين جزءاً، بسط القول في شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام. وكان ابن أبي الحديد يركز في هذا المحور على تأويل كلام أمير المؤمنين عليه السلام في مواطن بحسب هواه ومعتقده أو مذهب أصحابه، يقول: (إنا لم نترك موضوعاً يوهم خلاف مذهبنا إلاّ وأوضحناه وفسّرناه على وجه يوافق الحق...)[٤٤].

الثاني: الرد على السيد المرتضى في كتابه « الشافي في الإمامة » الذي ردّ فيه على القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه « المغني » في بحث الإمامة تأييداً للقاضي المعتزلي ودفاعاً عن مذهب الاعتزال.

الثالث: سرد عام لبعض جوانب تاريخ الإسلام عموماً وتاريخ الإمام علي عليه السلام وحروبه أيام خلافته بشكل خاص، وقد أورد هذه المادّة التأريخية بشكل متفرّق بين ثنايا موسوعته الكبيرة، وإن كان قد أفرط في نقل الحوادث التأريخية، حتى خرج عن مقصوده ومنهجه.

الرابع: بحوث استطرادية في علم البلاغة والأدب (شعراً ونثراً)، والأخلاق والحكمة، وجملة من المفاهيم الدينية والعقائدية، بخاصة آراء المعتزلة التي استبسل في الدفاع عنها، كما ذكر طاقات من شعره ونثره خلالها.

والذي كان يهمّنا هو المحور الأول، فقد كان محور كتابنا هذا (التهذيب) مع إضافات مهمة وتفسير لكثير من كلمات الإمام علي عليه السلام ومقاصده التي لم يذكرها ابن أبي الحديد في شرحه،مع ردود علمية على تأوّلاته لكل كلام صريح يخالف مذهب أصحابه أوردناها في الهامش، وسوف نفصل القول في ذلك لاحقاً إن شاء اللّه تعالى.

منقول من كتاب من كتاب تهذيب شرح نهج البلاغة

---------------------------------------------------------
[١] . الوفيات، ابن خلكان ٥/۳۹۲ ؛ البداية والنهاية، ابن كثير ۱۳/۱۱۹ ؛ نسمة السحر، الصنعاني ۲/۱۳۸ ؛ روضات الجنات، الخوانساري ٥/۲۰ ؛ مقدمة شرح النهج، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ۱/۱۳ ؛ عصر الدول والإمارات، شوقي ضيف، ص۳۷۸.
[٢] . المختصر، ابن الذهبي محمد بن أحمد ۳/۲۲۷ ؛ والجامع، ابن الساعي ۹/۸۸.
[٣] . الجامع، ابن الساعي ۹/۸۸.
[٤] . العسجد المسبوك، الملك الأشرف الغسّاني، ص٦٤۱.
[٥] . البداية والنهاية ۱۳/۱۹۹.
[٦]. العسجد المسبوك، الملك الأشرف الغساني، ص٦٤۱ ـ ٦٤۲.
[٧] . شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد ۱٤/۲۸۰.
[٨] . العذيق النضيد، د. أحمد الربيعي، ص۷۰.
[٩] . شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ۱٥ / ۱۰۱، ۱٤ / ۲٥۱.
[١٠] . شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ۱ / ۲۰٥، ۳ / ۱۹۹، ۹ / ۳۰۷، ٥ / ۱۷۰، ۹ / ۱۹۲، (۷ / ۱۳۲، ۱۷٤، ۹ / ۲٤۸، ۱۰ / ۲۱٤، ۱۱ / ۱۱٥، ۱۳ / ۳۰۱، ۱٤ / ٦۷)، ۹ / ۲۳٥، ۱ / ٤١.
[١١] . المصدر السابق.
[١٢] . المصدر السابق.
[١٣] . المصدر السابق.
[١٤] . المصدر السابق.
[١٥] . المصدر السابق.
[١٦] . المصدر السابق.
[١٧] . المصدر السابق.
[١٨] . الأعلام، الزركلي ۱/۱۱۰ ؛ روضات الجنات، الخوانساري ٥/۳٤٦.
[١٩] . الأعلام، الزركلي ٥/۳۲۰.
[٢٠] . نفس المصدر ۷/۳۰٤.
[٢١] . المصدر السابق٤ /۱٤۰.
[٢٢] . العذيق النضيد، د. أحمد الربيعي، ص۸۲ وما بعدها ؛ وعصر الدول والإمارات، الدكتور شوقي ضيف، ص۳۸۰.
[٢٣] . أخذنا هذا الثبت من مصنفاته من عدة مصادر تلفيقاً من كتاب العذيق النضيد للدكتور أحمد الربيعي، ومن مقدمة شرح النهج لمحمد أبو الفضل إبراهيم، ومن عصر الدول والامارات للدكتور شوقي ضيف.
[٢٤] . انظر في ترجمة ابن أبي الحديد: وفيات الأعيان ٥/۳۹۱ ؛ وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي ۱/٥۱۹ ؛ والغيث المسجم للصفدي ۲/۹۱ ؛ وروضات الجنات للخوانساري ٥/۲۰ ؛ والأعلام للزركلي ۳/۲۸۹.
[٢٥] . عصر الدول والإمارات، ص۳۷۸.
[٢٦] . مقدمة شرح نهج البلاغة، ص۱٤.
[٢٧] . المنتظم، ابن الجوزي ۱٦/۹۱ ؛ رحلة ابن جبير، ص۱٦٤.
[٢٨] . السلاجقة في التاريخ، أحمد كمال الدين، ص۲۲۳.
[٢٩] . المدرسة المستنصرية، حسين أمين، ص۳۰ ؛ عصر الدول والإمارات، شوقي ضيف، ص۲۷۷.
[٣٠] . ذكر ابن أبي الحديد، أنه حضر وهو غلام بالنظامية (شرح النهج ۱٤/۲۸۰).
[٣١] . الانتصار، الخياط، ص۱۰۰، دار الكتب المصرية ۱۹۲٥ م.
[٣٢] . شرح الاصول الخمسة، ص۱۲۹، ۷٦٦.
[٣٣] . التنبيه والرد على الأهواء والبدع، الملطي، ص۳٤، ٤۰، تقديم فتحي العقيلي ط ۱۳٦۸ هـ .
[٣٤] . المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل، أحمد بن يحيى بن المرتضى، تصحيح توما أرنلد، ص۲۸، دار الصياد.
[٣٥] . مقدمة شرح النهج، ص۷ ـ ۹.
[٣٦] . عصر الدول والإمارات، ص۳۷۸.
[٣٧] . مقدمة شرح نهج البلاغة، ص۱٤.
[٣٨] . العذيق النضيد، د. أحمد الربيعي، ص٦٤
[٣٩] . تاريخ الخلفاء، ص٤۱۲.
[٤٠] . مقدمة شرح النهج، ص۷ ـ ۹.
[٤١] . الحوادث، ابن الفوطي، ص۲۰٦، ۲۷۷ ؛ هامش شرح نهج البلاغة ۱/٤.
[٤٢] . شرح نهج البلاغة ۱/٤.
[٤٣] . نفس المصدر ۱/۳ ـ ٦.
[٤٤] . نفس المصدر ۲۰/۳٥.
****************************