هذا النتاج الجليل تصدّى لجمعه وتبويبه السيد الشريف النقيب أبو الحسن محمّد بن الحسين الرضي الموسوي (٥۳۹ ـ ٤٠٦هـ)، وأطلق عليه اسم (نهج البلاغة)؛ ليشير بذلك إلى أنّهـذا النتاجهـو المثال لبلاغه التعبير بعد كتاب اللّه العزيز، وقد ظهر في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلاميّة والعربية، وظهر فيه أشهر النوابغ في مختلف العلوم الانسانية والآداب. والسيد الشريف الرضيهـو مفخرة العترة، الذي جمع إلى شرف النسب النبوي شرف العلم والحلم والأدب ما تتباهى به العصور.
يقول عنه الثعالبي (٤۲۹هـ): « وهو اليوم أبدع أبناء الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلّى ـ مع محتده الشريف، ومفخره المنيف ـ بأدب ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسن وافر »[١].
والسيد الرضي كان محدّثاً وأديباً، وشاعراً، وهو صاحب المؤلفات التي بلغت ثمانية عشر، وقد بلغ بعضها العشرة أجزاء، ومن أهمّها: (المجازات القرآنية) و (مجازات الآثار النبوية) و (نهج البلاغة)،هـذا الثلاثي الرائع الذي ألّفه من كلام اللّه تعالى، وكلام النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وكلام الوصي عليه السلام، كان مثار إعجاب العلماء والأُدباء، ولكن نهج البلاغة كان الأشهر والأفضل والأكثر تداولاً، ولذلك نال من الشروح والتعليق قديماً وحديثاً ما لم ينل غيره من بقية الكتب البشرية، حتى قاربت المئتي شرحاً إلى يوم الناسهـذا، ولعل شهرة الرضي جاءت بسبب جمعه لهذا الكتاب، الذي كان موضع اهتمام المسلمين وغيرهم من العلماء والأُدباء والمحدثين.
وقد صرّح السيد الرضي بسبب تسمية ما جمعه بـ (نهج البلاغة) فقال: « ورأيت من بعدُ تسميةهـذا الكتاب بـ (نهج البلاغة)، إذ كان يفتح للناظر فيه أبواباً، ويقرّب عليه طلابها. فيه حاجة العالم والمتعلّم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل، وتنزيه اللّه سبحانه وتعالى عن شَبَه الخلْق، ماهـو بِلال كلّ غُلّة، وشفاء كلّ عِلّة، وجِلاء كلّ شبهة... »[٢].