د. عبدالكريم حسين السعداوي
اصطبغ كتاب (نهج البلاغة) بشبهات علتْ، ومسائل طفتْ، حملت الباحث على كثير من التأمّل، وطويلٍ من الدرس، شبهات ومسائل كانت تحوك في صدر كلّ دارس لهذا الكتاب الخالد، وودّ أن لو تفرّغ لدراستها من يزيل عنها تلك الأوضار، ليظهر من بينها يقين التحقيق.
و في مقدمة هذه القضايا؛ الذي جَمَعَهُ هو الذي وضعه، وأنّ جامعه ليس الرضي وإنّما الذي جَمَعَه هو أخوه المرتضى، وجامع هذه النصوص، لم يسجّل في صدر كتابه أو في أثنائه شيئاً من مصادر التوثيق والرواية[١].
ولأجل هذا كلّه كانت غبطتي في أن أضع هذا البحث، مكتنفاً بأبحاث علمية، وبمنهج حديث، وأدلّة عقلية، تكشف عن جوانب أُخرى من مصادر الرضي، غير أني لا أدّعي أنني أوّل من فتح هذا الباب، وكتب في مثل هذا الموضوع فللكثير من الباحثين السبق في ذلك[٢]، ولكنّ هذه البحوث لم تذكر إلّا اليسير وعلى نحوٍ مقتضب.
وأوّل من بذر بذرة الشك في قلوب الباحثين أو المترجمين هو؛ ابن خلكان، فقد قال لـمّا ترجم للمرتضى: «واختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ هل جَمْعه أم جَمْع أخيه الرضي؟ وقد قيل إنّه ليس من كلام علي، وإنّما الذي جَمَعَه، ونسبه إليه، هو الذي وَضَعَه والله أعلم...»[٣].
إني أتساءل بكلّ تواضعٍ.. أين الناس الذين اختلفوا في صحّة نسبة كتاب (النهج) إلى الإمام علي (ع)، قبل ابن خلكان؟ والجواب أنّه؛ لم أعثر على مؤلّف واحد، قد شكّ في صحة النسبة قبله. ولكنهم كثيرون بعده قد حملوا راية الطاعنين[٤]، هذا من جانب. ومن جانبٍ آخر، فإنّ ممّا لا يختلف عليه اثنان إنّ (كتاب المجازات النبوية) أو مايسمّى (مجازات الآثار النبوية)[٥] وكتاب (حقائق التأويل)[٦] وكتاب (خصائص الأئمة)[٧] هي من مؤلفات الشريف الرضي[٨].
وفي هذه المؤلفات، صرّح الرضي بجمع كتاب (نهج البلاغة)[٩]، كما ذكرها في كتاب (النهج)[١٠]، فمؤلفات الرضي هذه تنادي بأفصح لسانٍ وأوضح بيانٍ أنّ (النهج) جمْعه لا جمْع أخيه المرتضى.
ومن الدراسات الحديثة التي تناولت هذا الموضوع، بحث قام به الأستاذ امتياز علي عرشي، أَثبت فيه أنّ جامع (النهج) الشريف الرضي لا المرتضى، فقد بدأ الباحث بدراسة كتب التراجم التي عاصر مؤلفوها الأخوين الرضي والمرتضى وذكروهما في كتبهم، وهي: (يتيمة الدهر)، لأبي منصور الثعالبي (ت/٤٢٩هـ)، و(الرجال) للنجاشي (ت/٤٥٠هـ) و(الفهرست) للطوسي (ت/٤٦٠هـ)، و(تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي (ت/٤٦٣هـ)[١١]، فلا حاجة لي بتكرار أقوال من سبقني.
وفضلاً عمّا قاله الأستاذ عرشي، أقول إنَّ نسبة كتاب (النهج) إلى الشريف المرتضى خطأ منشؤه؛ أنَّ الشريف الرضي، كان يُلقّب بالمرتضى أحياناً، لأنَّ جدّه إبراهيم المرتضى ـ الملقّب بالمجاب ـ بن الإمام موسى بن جعفر، وأنّ أخاه المرتضى، كان يُلقّب بذلك أيضاً، ثم بقي هذا اللقب على هذا، ولُقّب الأول بالرضي يوم رضوا به نقيباً على نقباء العلويين ليتميّز به عن بقية آل المرتضى[١٢].
أمّا في ما يخصّ كلام (النهج) هل هو كلام الرضي أو كلام الإمام، يمكن أن اختصره على نحو نقاط لئلاّ يطول الوقوف عليها فأقول:
١ ـ كلام (النهج) طرق أغلب مطالب الحياة، من زهد ووعظ، وتحذير، وشجاعة، وحلم وغير ذلك، فهو متشعّب الفنون، مختلف الأنواع، فإذا نظرنا إلى الخطباء وأهل النثر والشعر، وكتّاب الرسائل والعهود، لم نرَ فيهم من يبرع ويبدع في مطالب الحياة ما أبدعه صاحب (النهج)، إذ إنَّ لكلِّ شاعر وكاتب مذهبه الخاص، متماشياً مع رغبته وهوايته، فيبدع في فنٍّ من دون آخر، كالحماسة، أو الغزل... أو غير ذلك.
إذن لايصحُّ أن يكون كلام (النهج)من أشخاص متعددين لتباين الناس في الطريقة والأُسلوب؛ لأنَّه كالسبيكة المفرغة لاتختلف أبعاضه في الطريقة والأسلوب، فهو كلام: لايصحّ للعارف نسبته إلّا لمتكلِّم واحد، قد تحمّل العلوم الكثيرة، فـ«أنّى للرضي هذا النفس وهذا الأسلوب، قد وقفنا على رسائل الرضي، وعرفنا طريقته، وفنّه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خلٍّ ولا خمرٍ... وقد وجدتُه ـ كلام الإمام ـ مسطوراً بخطوط أعرفها وأعرف خطوط مَن هو من العلماء وأهل الأدب، قبل أن يُخلق النقيب والد الرضي»[١٣].
٢ ـ إنّ جامع (النهج) لو بلغ الغاية من الفصاحة والبلاغة وصارت له اليد الطولى في الوعظ والخطابة، وفنون الكلام وأغراضه، بحيث صار ممّن يقتدر على إنشاء كلام (النهج) واختراعه، لعُدَّ من أكبر الخطباء والوعّاظ، وأعظم البلغاء، ولنعته أهلُ الخبرة بأحوال الرجال، الذين ترجموا حياته بذلك ولكنَّهم لم يصفوه ـ بعد العلم وترف النفس ـ بغير الشعر وأنَّه أشعر الهاشميين، ولو أنشأ كلام (النهج)، لظهرت له بعض الخطب والرسائل مع رواجها في ذلك العصر وشغف أهله بها: وهذه فضيلة، لِمَ لَمْ ينسبها إلى نفسه؟ ويتفوّق بها على أبناء جنسه؟ ويجعلها من غرر فضائله ؟
فَلِمَ خلع هذه الفضيلة منه ونسبها إلى جدِّه، علي بن أبي طالب (ع) ؟
ولِمَ لَمْ ينسبها إلى النبي (ص) ؟
فذلك أكثر رواجاً لبضاعته! علماً أنّ معاصريه لم يحتجّوا عليه لمّا أصدر (النهج)، بل أشهروه وأذاعوه[١٤]؟!
ولو نظر القارئ الكريم في الخطب والرسائل والمحاورات، أو المناظرات الدينية، التي دارت بين الفقهاء والكتّاب في العصر العباسي والأموي، للَحِظ بوناً شاسعاً بين كلامها وبين كلام (النهج)[١٥].
٣ ـ مَنْ وقف على مواضع كتاب (النهج) وقرأها بإنعام نظر وتدبّر، يعرف ما لمؤلفه من التثبّت في الرواية، والتحرّي في النسبة، والتحرّز في الإسناد، وأنّه لاينسب لشخص ما نُسب لغيره، إلّا بعد التدبّر وترجيح النسبة بالشواهد والدلائل، ومن كان هكذا، فهو جدير بأن ينزّه عن تعمّد، أو إدخال، أو وضع، قال في باب الحكم: «قال (ع): «العَينُ وِكَاءُ السَّتَهْ...» وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي (ص) وقد رواه قوم لأمير المؤمنين (ع) وذكر ذلك المبرد في الكتاب (المقتضب) في باب اللفظ المعروف...»[١٦]، و مثل هذا في: (النهج) كثير[١٧].
لحظنا شدّة احتياط الرضي، لمّا جمع أقوال الإمام، وأرى ـ في هذا الموضع ـ لا عجب أن يشتبه الكلامان، فإن مستقاهما من قَلِيب ومفرغهما من ذَنُوب. غير أنّ الرضي يرى الخلط أو الوهم جاء من الراوي، أو من الناسخ، الذي نقل عنه هذه الحكمة ، ولهذا رَجّحَ القول الصائب.
٤ ـ قدّم الرضي في ديباجته أنّ روايات كلام الإمام، تختلف، فربَّما اتفق الكلام المختار في رواية، فنُقل على وجهه، ثم وُجد بعد ذلك في رواية أخرى بزيادة لفظ. أو حسن عبارة، فيكرره، ولهذا السبب عينه اختلفت روايات كلام (النهج) عن كلام الإمام في غير (النهج)[١٨].
وقد اختلفت الصحابة مع طول صحبتهم للرسول (ص) وكثرة صلاتهم خلفه، في التشهّد في الصلاة[١٩].
وهذا (صحيح البخاري)، وهو من أجلّ الصحاح عند جمهور المسلمين، ينقل كثيراً من الروايات بوجوه تختلف لفظاً ومعنىً كما في حديث (رزية يوم الخميس)، فقد نقله بوجوه تختلف كلماتها، ويتديّن بها المسلم على أنَّ معناها واحد، في مواضع يعرفها المتتبعون[٢٠].
فلا ضير في أن يختلف الناس في نقل خطبة أو رواية كلام.
٥ ـ إنَّ الرضي لم يجمع (النهج) ليجعل منه مصدراً من مصادر الفقه، أو مدركاً من مدارك الأحكام، بل جلّ قصده أن يخرج لمن سأله[٢١] جانباً من كلام الإمام يتضمّن عجيب البلاغة وغريب الفصاحة، فكان يلتقط الفصيح والأفصح من الكلام[٢٢]، وهذا إذا دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّه لم يعتنِ بالتناسق وتوالي الخطب في الموضوعات، بل ربّما اختار من الخطبة الطويلة، ذات المرامي البعيدة، والغايات الكثيرة بِضع كلمات، هي أقلّ بكثير ممّا ترك، غير أنّه لا يدمج كتاباً في آخر، ولا خطبة في أُخرى.
وممّا يقوي قولي هذا أنّ خطب الإمام تنيف على أربعمئة وثمانين خطبة[٢٣]، في حين المختار منها في (النهج) هو(١٢١) خطبة، منها مكرراً لاختلاف الرواية[٢٤].
ولهذا جاءت أبواب كتاب (النهج)، بمحاسن كلم غير منتظمة.
ومن قرأ كلام (النهج) ورسائل الرضي ومؤلفاته[٢٥]، يعرف أنّ مقالة الرضي بالنسبة إلى كلام الإمام. مهوى الأخمص من القمة، وسرّة الوادي من رأس الذروة. لا يخفى على ذي خبرة ولا يشتبه على الناقد أوّل نظرة.
إذن أنّ ما يرويه الرضي في (النهج) ليس من كلامه ولا كلام أخيه المرتضى، بل كلام الإمام علي بن أبي طالب، ولكن علامَ استند الرضي؟ وما هي مصادره؟
المتعارف عليه بين كتّاب العصر أن يعيّنوا القائل في (كتبهم) ومكان الطبع وتاريخه، حينما يؤلّفون، وهذا ما يسمونه بالمنهج العلمي الحديث، فهذا المنهج غير معروف في الأزمنة السابقة، ولاسيما عند أهل السير، وأغلب ما يسطّره أهل التاريخ مرسل لا يُعلم من أي مخبر سُمع ولا عن أي مصدرٍ أُخذ[٢٦] فالأدباء والكتّاب واللغويون، يذكرون ـ اسم القائل وأغلب الأحيان يذكرون قوله من دون اسمه ـ ولا يذكرون مصادر كتبهم، من نحو (الجاحظ) و(ابن قيتية) و(المبرد)، فقد سار الرضي على ما سار عليه القدماء ومعاصروه، وفي الحقيقة أنّ الرضي قد استشار مصادر جمّة لمّا جمع (النهج). ولا مجال لأن يطمع طامع من أبناء عصرنا هذا في أن يقف على جميع ما وقف عليه الرضي وأمثاله من أهل عصره من كتب التاريخ والأدب واللغة وغير ذلك. ممّا يمكن أن يكون مصدراً له في جَمْعه للكتاب، تلك مصادر بلت وعفى عليها الزمان.
فقد تهيأ للرضي من مصادر ما لم يتهيأ لغيره، فلو لم يكن في متناول يده ـ يومئذ ـ إلّا مكتبة أخيه (علم الهدى) المعروفة بـ(دار العلم)، التي حوت أكثر من ثمانين ألف مجلد لكفى، مضافاً إليها مكتبة (بيت الحكمة) التي تحتوي على نيف وعشرة آلاف مجلد[٢٧]، وهي من أغنى دور الكتب في عاصمة العباسيين[٢٨]، ولم يكن أحسن منها[٢٩]، إذ جُلبت إليها الكتب على اختلاف موضوعاتها وأشكال خطوطها[٣٠]، وقد عُرفت ـ في ما بعد ـ بـ(دار الحكمة)[٣١] وغير هذه المكتبات العامة التي أفاد منها الرضي مكتبة الصاحب بن عبّاد (ت/٣٨٥هـ) فقد كانت كتبه تنقل على أربعمئة جمل[٣٢]، وغيرها.
وكان المأمون مثالاً في إنشاء المكتبات، واقتدى به بنو أمية في الأندلس وأشبههم به الحكم بن الناصر (ت/٣٦٦هـ)، الذي بلغت مكتبته(٤٠٠،٠٠٠) مجلداً[٣٣].
واقتدى بخلفاء بغداد أيضاً الخلفاء الفاطميّون في مصر، بدأ منهم بذلك العزيز بالله، ثاني خلفائهم الذي تولى الخلافة سنة(٣٦٥هـ)، وخصّص قاعات في قصره لكتبه سمّاها (خزانة الكتب)، فلا عجب إذا ذكروا أنّها كانت تحتوي على ألف ألف وستمائة ألف كتابٍ[٣٤]، أين ذهبت هذه الكتب؟
فقد ابتُليت المكتبة الإسلامية والعربية بالفتن والمحن، فعاثت بها يد الأيام وفرّقتها، وقد حرص الطامعون والحاقدون على الأمة العربية كلّ الحرص في القضاء على كلّ أثر عربي بين حرق و بين تلف[٣٥]، حتى صارت تلالاً تعرف (بتلال الكتب)، وقد عبث العبيد بجلودها[٣٦]، ولا أنسى (أفران عكا) في (جبل عامل)، فقد أوقدت سبعة أيام من كتب العامليين[٣٧]، و أُحرقت مكتبة (بيت الحكمة)[٣٨]، ونالت ما نالته أيام غزو التتر لبغداد سنة(٦٥٦هـ)، حتى قيل إنّ هولاكو اتخذ من الكتب الموجودة في خزائن بغداد ـ يومئذٍ ـ جسراً تعبر عليه جنوده، فاصطبغ ماء دجلة بلون مداد الكتب[٣٩].
ونظرة عجلى في الكتب التي شرحت ذلك[٤٠]، تعطي صورة واضحة لتلك الرزايا المؤسفة التي حلّت بالتراث العربي الإسلامي.
فهل نستطيع أن نتصوّر مقدار ما اطلع عليه الرضي من المصادر والأسانيد الموجودة في زمانه؟ وهل نتحرّج من القول، إذا قلنا إنّ ما بقي من تلك الأسفار بالنسبة إلى ما فُقد منها إلّا كقطرةٍ من بحر لجّي؟! إذن أكثر ما يرويه الشريف الرضي يعتمد على مصادر لم نقف عليها، وروايات لم يصل إلينا منها إلّا اليسير جداً، ولو واحد من المئة، ولم نعرف منها إلّا أسماء بعضها في كتب (الفهارس) و(الرجال)، فالوقوف على جميع مصادر الرضي ضرب من المحال.
لقد ذكر الرضي ٢ ثمانية عشر مصدراً، ولم يذكر المصادر الباقية، وأرى أنّ علّة ذلك، هي أنّ كلّ مؤلفي المصنّفات التي ذكرها، كانوا من أهل القرن الثالث ـ ما خلا الرواة منهم من أهل القرنين الأول والثاني ـ والرضي قريب من عصرهم، فلا يبعد عنهم كثيراً، وهـذا يعني أنّ كلام الإمام الذي حـوتـه مصنفاتهم لم يشتهر، فضلاً عن أنّ كتابة أي مؤلَّف ـ يومئذ ـ تستغرق وقتاً كبيراً، فهم لايملكون المطابع الحديثة كالتي في عصرنا الحالي، فلهذا صرّح بذكرها، للتعريف بها. أمّا المصادر التي لم يذكرها الرضي فهي التي حوت ما استفاض واشتُهر من كلام الإمام الذي كان معلوماً عندهم[٤١]..
وإلى هذا ذهب الجاحظ بقوله: «إنّ خطب عليٍّ، كانت مدوّنة محفوظة مجلّدة...»[٤٢] فهي مشهورة عندهم، معروفة، و«هي التي تدور بين الناس، ويستعملونها في خطبهم»[٤٣]، ففوات وقت كبير على تأليف هذه المصنفات يجعلها تتيسر، ويسهل تداولها، فيتناقلها الناس في ذلك العصر، ولاسيما و(الرضي) من أهل العصر العباسي الذي ازدهرت فيه الحضارة، وانتشرت فيه حتى العلوم الأجنبية عن طريق ترجمتها إلى العربية[٤٤].
ذكرتُ ـ قبل قليل ـ أنّ الرضي دوّن ثمانية عشر مصدراً في كتاب (النهج) وذكر أنّه نقل نصوصه ـ النهج ـ منها وهي مصادر مروية بطريقة السند المسلسل، على طريقة رجال الحديث النبوي الشريف، في النقل، وعددها تسعة مصادر، ومصادر مدوّنة، ذكر أسماءها وأسماء مؤلفيها وعددها تسعة أيضاً.
وسأشرع بالمصادر المروية بالسند، ذاكراً النص المروي في (النهج) ثم أعقبها بالمصادر المدونة، مشيراً إليها في مواضعها من كتاب (النهج)، مستعملاً ثلاثة شروح، للتوثيق، مرتباً إياها ترتيباً زمنياً.
أ ـ المصادر المروية بالسند:
١ ـ أبو جحيفة السوائي؛ وهب بن عبدالله (ت/٧٥هـ). روى عن الإمام: «إنَّ أوّلَ ما تُغْلَبُون عَليهِ مِن الجِهادِ الجَهادُ بأيْديكُمْ ...»[٤٥].
٢ ـ كُميل النخعي الحميري؛ كُميل بن زياد (ت/٨٢هـ). روى عنه الشريف الرضي كتاباً وجهه الإمام علي (ع) إلى كُميل ٢ عندما كان واليه على (هيت)، أوّله: «أمّا بَعْدُ، فإنَّ تضْييعَ المَرْءِ ما وُلِّيَ...»[٤٦] ، وكلامـاً خاطب به كُميلاً، بدايته: «يا كُميل بنَ زِيادٍ ؛ إنّ هـذهِ القُلـوبُ أَوْعيـةٌ فَخيرُها أوْعَاهَـا ...» وكلاماً آخر مطلعه: «يا كُمَيلُ، مُرْ أهْلَك أنْ يَروحوا في كَسْبِ المكارم...»[٤٧].
٣ ـ نوف البكالي الحِمْيري؛ أبو زيد، نوف بن فضالة (ت/٩٠ ـ ١٠٠هـ). روى عنه الرضي خطبة بدايتها: «الحَمْدُ لله الذي إليه مَصائِرُ الخلق...» وحديثاً حدّثه به الإمام، أوّله: «أراقِدٌ أنْتَ أمْ رامِقٌ... ؟»[٤٨].
٤ ـ ذِعْلِب اليماني، وهو من أهل القرن الأول الهجري، وقد سأل الإمام علي؛ هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟ فقال الإمام علي: «أفَأعْبُدُ مَا لا أَرَى؟! فقال وكيف تراه؟ فقال الإمام علي: لا تُدْرِكُهُ العُيونُ بِمُشاهَدةِ العَيانِ...»[٤٩].
٥ ـ ضرار بن ضمرة الضبائي، وهو من أهل القرن الأول الهجري، وقد روى عنه الرضي قول الإمام: «يا دُنيا إليْكِ عَنِّي، أبِيَ تَعَرّضْتِ، أَمْ إلَيَّ تَشَوَّقْتِ...»[٥٠].
٦ ـ الإمام الباقر؛ محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت/١١٤هـ). روى عن جدّه، وروى الرضي عنه: «كانَ في الأرْضِ أمَانانِ مِن عَذابِ الله، وقَدْ رُفِعَ أحَدُهُما، فَدُونَكُم الآخَرَ، فَتَمَسَّكُوا به...»[٥١].
٧ ـ ابن صدقة العبدي، أبو محمد، مسعدة بن صدقة، من أهل القرن الثاني الهجري، روى عنه الرضي خطبة (الأشباح) للإمام، بدايتها: «الحَمْدُ لله الذِي لا يَفِرُهُ المَنْعُ والجُمودُ...»[٥٢].
٨ ـ أبو العباس ثعلب الشيباني، أحمد بن يحيى (ت/٢٩١هـ). روى عن ابن الأعرابي (ت/٢٣١هـ)، عن المأمون العباسي (ت/٢٢٣هـ) قول الإمام[٥٣]: «اُخْبُرْ تَقْلِهْ»[٥٤].
ولا حاجة لي بترجمته لتوافر كتابه، و طبع أغلب مؤلفاته.
٩ ـ ذِعلب اليمامي؛ أبو محمد ذِعلب اليمامي نسبة إلى (اليمامة)، وقديماً تسمى (جواً)، من أهل القرن الرابع الهجري، روايته عن أحمد بن قتيبة (ت/٣٢٢هـ) عن عبدالله بن يزيد، عن مالك بن دحية، عن الإمام علي قوله: «إنَّما فَرَّقَ بَيْنَهمْ مَبادِئُ طِينِهمْ...»[٥٥].
هذه المصادر المعنعنة غير متصلة، لكنّ طريق بعضها معروف، كروايته عن الإمام محمد الباقر (ع)، فطريق مثل هذه الرواية خلف عن سلف. وكلّ ما حدّث به الرضي هنا، من الرواة. والراوي يروي لفلان من دون غيره، وليس لازماً أن يكون المروي مشهوراً عند الناس.
ب ـ المصادر المدونة:
١ ـ كتاب (حلف ربيعة واليمن) للكلبي، أبي منذر هشام بن محمد (ت/٢٠٤هـ)[٥٦].
٢ ـ كتاب (الجمل) للواقدي ؛ أبي عبدالله ، محمد بن عمر (ت/٢٠٧هـ)[٥٧].
٣ ـ كتاب (غريب الحديث) لأبي عبيد، القاسم بن سلاّم الهروي (ت/٢٢٤هـ)[٥٨].
٤ ـ كتاب (المقامات) للاسكافي، أبي جعفر، محمد بن عبدالله (ت/ ٢٤٠هـ)[٥٩].
٥ ـ كتاب (إصلاح المنطق) لابن السكّيت، أبي يوسف، يعقوب ابن إسحاق (ت/٢٤٤هـ)[٦٠].
٦ ـ كتاب (المغازي) للأموي ، أبي عثمان، سعيد بن يحيى بن أبان بن سعيد ابن العاص بن أمية (ت/٢٤٩هـ)[٦١].
٧ ـ (كتاب البيان والتبيين) للجاحظ، أبي عثمان، عمرو بن بحر (ت/٢٥٥هـ)[٦٢].
٨ ـ (كتاب (المقتضب) للمبرّد، أبي العباس، محمد بن يزيد (ت/٢٨٥هـ)[٦٣].
٩ ـ (كتاب (تاريخ الرسل والملوك) للطبري، أبي جعفر، محمد بن جرير (ت/٣١٠هـ)[٦٤].
انتهت مصادر الرضي التي أوردها في ـ النهج ـ تسعة مدونة، وتسع روايات معنعنة غير متصلة.
على أنّ هناك من الوثائق التأريخية المعتمد عليها ما لو رجع إليها المتتبع، لازداد إيماناً ويقيناً بصحة النسبة وثبوتها على نحوٍ لا يقبل الجدل والإرتياب.