وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام) : مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا .                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
فصاحة النهج وبلاغته

فصاحة النهج وبلاغته

لابدّ في هذا الأمر من الاستشهاد بأقوال البلغاء والفصحاء والأدباء والشرّاح والكتّاب الذين سيروا ـ حسب قدرتهم ـ أغوار نهج البلاغة فتأثروا بما لمسوه من حلاوة وطلاوة في فصاحته وبلاغته وسحر بيانه بما لم يعهدوه، فأطلقوا عباراتهم بشأنه ومنهم:
١ ـ وما أحرانا أن نتجه بادئ ذي بدء صوب جامع نهج البلاغة والذي يعتبر من جهابذة الفصاحة والبلاغة الذي احتل الصدارة من بين فصحاء العرب وبلغائها وقد أفنى عمره في جمع خطب نهج البلاغة، ألا وهو السيد الرضي الذي وصفه الكاتب المصري المعروف الدكتور «زكي مبارك» في كتابه «عبقرية الشريف الرضي» قائلاً: «هو اليوم أبدع أبناء الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلى بأدب ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين، ولو قلت إنّه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق».
يقول الشريف الرضي في مقدمته الرائعة لنهج البلاغة: «كانَ أميرُ الْمُؤمِنينَ(عليه السلام) مَشْرِعَ الْفَصاحَةِ وَمَوْرِدَها وَمَنْشَأ الْبلاغَةِ وَمَوْلِدَها وَمِنْهُ ظَهَرَ مَكْنُونُها وَعَنْهُ أخذَتْ قوانينُها وَعَلى أمْثِلَتِهِ حَذا كُلُّ قائِل خَطيب وَبِكلامِهِ اسْتَعانَ كُلُّ واعِظ بَليغ وَمَعَ ذلِك فَقَدْ سَبَقَ وَقَصَّرُوا وَقَدْ تَقَدَّمَ وَتَأخّرُوا»، ثم يفسر هذا الكلام فيقول: «لأن كلامه(عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي».
٢ ـ الشارح المعروف الذي أفنى عمراً في شرح وتفسير نهج البلاغة وتحدث بشغف وإعجاب عن علي(عليه السلام) وهو عز الدين عبد الحميد ابن أبي الحديد المعتزلي الذي يعدّ من أشهر علماء العامة للقرن السابع الهجري  [١].
فقد تحدث مراراً وكراراً بهذا الشأن في شرحه وأذعن لعظمة فصاحة وبلاغة النهج. فقد قال على سبيل المثال بشأن الخطبة ٢٢١ التي أوردها علي(عليه السلام) ـ بشأن البرزخ ـ «وينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس وتلي عليهم، أن يسجدوا له كما سجد الشعراء لقول عدي ابن الرقاع: قلم أصاب من الدواة مدادها... فلم قيل لهم في ذلك قالوا إنا نعرف مواضع السجود في الشعر كما تعرفون مواضع السجود في القرآن» [٢] .
ثم قال في موضع آخر حين عرض للمقارنة بين كلام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)وكلام «ابن نباتة» [٣] الخطيب المعروف الذي عاش في القرن الهجري الرابع: «فليتأمل أهل المعرفة بعلم الفصاحة والبيان هذا الكلام بعين الانصاف ليعلموا أنّ سطراً واحداً من كلام نهج البلاغة يساوي ألف سطر منه بل يزيد ويربي على ذلك»  [٤].

وينقل أيضاً إحدى خطب ابن نباتة في الجهاد والتي تمثل قمة الفصاحة وقد ضمنها عبارات أمير المؤمنين(عليه السلام) الواردة في الجهاد «ما غزي قوم في عقر دارهم إلاّ ذلّوا» فيقول: «فانظر إلى هذه العبارة كيف تصيح من بين الخطبة صياحاً وتنادي على نفسها نداءً فصيحاً، وتعلم سامعها أنّها ليست من المعدن الذي خرج باقي الكلام منه، ولا من الخاطر الذي صدر ذلك السجح عنه، ولعمر الله، لقد جمّلت الخطبة وحسنتها وزانتها وما مثلها فيها إلاّ كآية من الكتاب العزيز يتمثل بها في رسالة أو خطبة، فانّها تكون كاللؤلؤة المضيئة تزهر وتنير، وتقوم بنفسها، وتكتسي الرسالة بها رونقاً، وتكتسب بها ديباجة» [٥] .
وأخيراً نختتم كلامه بما أورده في مقدمة شرحه للنهج حيث قال: «وأمّا الفصاحة فهو(عليه السلام)إمام الفصحاء وسيد البلغاء وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة» [٦].
٣ ـ «جورج جرداق» الكاتب المسيحي اللبناني المعروف الذي ألف كتابه المشهور
«الإمام علي صوت العدالة الإنسانية» حيث أفرد فصلاً من كتابه لبيان خصائص الإمام علي(عليه السلام) فقال بخصوص نهج البلاغة: «أمّا في البلاغة، فهو فوق البلاغات، كلام ضم جميع جمالات اللغة العربية في الماضي والمستقبل، حتى قيل عنه: كلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين» [٧] .
٤ ـ «الجاحظ» الذي عاش مطلع القرن الهجري الثالث ويعدّ من أبرز أدباء العرب ونوابغهم، حيث أورد بعض كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) في كتابه المعروف «البيان والتبيين» فجعل يثني عليه. ومن ذلك قال في المجلد الأول من كتابه المذكور حين طالعته كلمته(عليه السلام): «قيمة كل امرء ما يحسنه» [٨]; لو لم تكن في كل هذا الكتاب إلاّ هذه الجملة لكفت، بل وزادت، فأفضل الحديث ما كان قليلاً ومفهومه ظاهر جلي ويغنيك عن الكثير، وكأنّ الله كساه ثوباً من الجلال والعظمة وحجاباً من نور الحكمة بما يتناسب وطهر قائله وعلو فكره وشدة تقواه.
٥ ـ «أمير يحيى العلوي» مؤلف كتاب «الطراز» حيث أورد في كتابه عبارة عن الجاحظ انّه قال: «إنّه الرجل الذي لا يجارى في الفصاحة ولا يبارى في البلاغة، وفي كلامه قيل دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ولم يطرق سمعي كلام بعد كلام الله ورسوله سوى كلمات أمير المؤمنين كرم الله وجهه من قبيل قصار كلماته «ما هلك امرء عرف قدره» و«من عرف نفسه عرف ربه» و«المرء عدو ما جهل» و«استغن عمن شئت تكن نظيره واحسن إلى من شئت تكن أميره واحتج إلى من شئت تكن أسيره». وعليه فليس من العبث أن يعرب هذا الأديب الزيدي «صاحب كتاب الطراز» عن دهشته لاستناد كبار علماء المعاني والبيان بدواوين شعراء العرب وأدبائهم بغية السبيل إلى الفصاحة والبلاغة بعد كلام الله وكلام النبي(صلى الله عليه وآله) وولوا ظهورهم لكلمات الإمام علي(عليه السلام)، بينما كانوا يعلمون أنّه يمثل قمة الفصاحة والبلاغة وفي كتاب نهج البلاغة كل ما يريدون من فنون أدبية من قبيل الاستعارة والتمثيل والكناية والمجاز والمعاني و...»  [٩].
٦ ـ الكاتب المشهور «محمد الغزالي» الذي نقل في كتابه «نظرات في القرآن» عن اليازجي أنه أوصى ولده قائلاً: «إذا شئت أن تفوق أقرانك في العلم والأدب وصناعة الانشاء فعليك بحفظ القرآن ونهج البلاغة». [١٠]
٧ ـ المفسر المعروف «شهاب الدين الآلوسي» الذي قال ـ حين بلغ اسم نهج البلاغة ـ : «إنّ انتخاب هذا الاسم لهذا الكتاب نابع من كونه يشتمل على كلام فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق المتعال، وهو كلام يقترب من الاعجاز يضم البدائع في الحقيقة والمجاز» [١١]
٨ ـ الاستاذ «محمد محيي الدين عبد الحميد» الذي قال في وصفه لنهج البلاغة: «كلّ هذه المزايا مجتمعة، وتلك الصفات متآزرة متناصرة; وما صاحبها من نفح إلهي وإفهام قدسى، مكنت للإمام عليّ من وجوه البيان، وملكته أعنّة الكلام، وألهمته أسمى المعانى وأكرمها، وهيأت له أشرف المواقف وأعزها، فجرت على لسانه الخطب الرائعة والرسائل الجامعة والوصايا النافعة». [١٢]
٩ ـ أحد شرّاح نهج البلاغة «الشيخ محمد عبده» إمام العامة والكاتب العربي المعروف، الذي قال بشأن النهج في مقدمته عليه ـ بعد أن إعترف بأنّه تعرف مصادفة على هذا الكتاب الشريف ـ ويبدو أنّ هذه قضية جديرة بالتأمل ـ : «حين تصفحت نهج البلاغة وتأملت موضوعاته بدا لي وكأنّ هذا الكتاب عبارة عن معارك عظيمة، الحكومة فيها للبلاغة والقوّة للفصاحة وقد حملت من كل حدب وصوب على جنود الظنون الباطلة وسلاحها الأدلة القويّة والبراهين الساطعة».
١٠ ـ «السبط بن الجوزي» أحد أبرز الخطباء والمؤرخين والمفسرين المعروفين العامة، الذي صرّح في «تذكرة الخواص» قائلاً: «وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة والطلاوة والفصاحة لم يسقط منه كلمة ولا بادت له حجة، أعجز الناطقين وحاز قصب السبق في السابقين الفاظ يشرق عليها نور النبوة ويحير الافهام والألباب». [١٣]
١١ و١٢ ـ ونختتم هذا الفصل بقولين لأديب مسيحي معروف وهو الكاتب والمفكر العربي المشهور «ميخائيل نعيمة» الذي قال: لو كان علي مقتصراً على الإسلام لم يتعرض شخص مسيحي (يشير إلى الكاتب والمفكر المسيحي اللبناني جورج جرداق صاحب كتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) لسيرته وحياته ويتابع الأحداث التي واجهته فيترنم بشجاعته التي أصابته بالدهشة والذهول; ولم تقتصر شجاعة الإمام وبسالته على ميدان الحرب، فقد كان رائداً في البلاغة وسحر البيان والاخلاق الفاضلة وعلو الهمّة وعمق الإيمان ونصرة المظلومين واتباع الحق وبسط العدل. ثم قال في موضع آخر بأن ما قاله وفعله هذا النابغة ما لم تره عين وتسمعه أذن، وأنّه لأعظم من أن يسع المؤرخ بيانه بقلمه ولسانه.

وأخيراً فقد قال فيه ابن أبي الحديد: وأمّا الشجاعة فانه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة; وهو الشجاع الذي مافرّ قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلاّ قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الاولى إلى ثانية، وأمّا السخاء والجود ففيه يضرب المثل فيهما، فكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده، وقال الشعبي: كان أسخى الناس; كان على الخلق الذي يحبه الله: السخاء والجود، ما قال (لا) لسائل قط. وأمّا الحلم والصفح: فكان أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيء; وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم ـ وكان أعدى الناس له وأشدّهم بغضا ـ فصفح عنه، وأمّا الفصاحة فهو(عليه السلام) إمام الفصحاء وسيد البلغاء، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة، ولما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعيا الناس، قال له: ويحك! كيف يكون أعيا الناس! فو الله ماسن الفصاحة لقريش غيره.

-------------------------------------------------

[١] . يقع شرحه في عشرين مجلداً وقد استغرق في تأليفه أقل بقليل من خمس سنوات وهى مدّة خلافة علي(عليه السلام)على حد تعبيره.

[٢] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ / ١٥٣.

[٣] . هو أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن اسماعيل بن نباتة المتوفى عام ٣٧٤.

[٤] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ / ٢١٤.

[٥] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٨٤ .

[٦] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٤.

[٧] . علي صوت العدالة الإنسانية ١ / ٤٧.

[٨] . نهج البلاغة، قصار الكلمات ٨١ .

[٩] . الطراز ١ / ١٦٥ ـ ١٦٨.

[١٠] . نظرات في القرآن / ١٥٤، طبق نهج البلاغة ١ / ٩١.

[١١] . نقلاً عن كتاب (الجريدة الغيبية) عن مصادر نهج البلاغة / ١.

[١٢] . مصادر نهج البلاغة ١/٩٦.

[١٣] . تذكرة الخواص، الباب السادس / ١٢٨.

****************************