وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
فصل فى ذكر نسب الرضي

من كتاب (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) للخوئي

بسم الله الرحمن الرحيم

مؤلف النّهج وجملة من مآثره فنقول: هو أبو الحسن محمّد بن أبي أحمد الحسين ابن موسى بن محمّد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر الصّادق عليهما السّلام، هكذا في شرحي المعتزلي والبحراني وغيرهما.

و في مجالس المؤمنين، و لؤلؤة البحرين، ومشتركات الرّجال للمقدّس الأمين الكاظمي ( ره )، الحسين بن موسى بن ابراهيم، باسقاط محمّد بن موسى من البين، واللَّه العالم.

قال الشّارح المعتزلي: مولده سنة تسع وخمسين و ثلاثمأة، كان أبوه النّقيب أبو أحمد جليل القدر، عظيم المنزلة في دولة بني العبّاس، ودولة بني بويه ولقب بالطاهر ذي المناقب، وخاطبه بهاء الدّولة أبو نصر بن بويه بالطاهر الأوحد،

وولى نقابة الطالبيّين خمس دفعات، ومات وهو يتقلدها وسنه سبع وتسعون سنة.

وفي مجالس المؤمنين عن مؤلف تاريخ مصر والقاهرة قال: كان الشّريف أبو أحمد سيّدا عظيما مطاعا، وكان هيبته أشدّ هيبة، ومنزلته عند بهاء الدّولة أرفع المنازل ولقّبه بالطاهر الأوحدي ذوي المناقب، وكان فيه كلّ الخصال الحسنة، إلاّ أنّه كان رافضيّا هو وأولاده على مذهب القوم.

أقول: وفي الحقيقة هذا الاستثنآء من قبيل تعقيب المدح بما يشعر الذّم، ورفضه رضى اللَّه عنه أعظم أوصاف كماله.

قال الشّارح المعتزلي: وامّ الرضي فاطمة بنت الحسين بن الحسن النّاصر الأصمّ، صاحب الدّيلم، وهو أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبيطالب عليهم السّلام، شيخ الطالبيّين، وعالمهم وزاهدهم، وأديبهم، وشاعرهم، ملك بلاد الدّيلم والجبل ويلقب بالنّاصر للحق، و جرت له حروب عظيمة مع السّامانية، وتوفّى بطبرستان، سنة أربع و ثلاثمأة، وسنه تسع وسبعون سنة.

وفي لؤلؤة البحرين، من كتاب الدّرجات الرفيعة قال: أبو الحسن أخو الشّريف المرتضى، كان يلقب بالرّضي ذي الحسين، لقّبه بذلك بهاء الدّولة، وكان يخاطبه بالشّريف الأجل، مولده سنة تسع وخمسين و ثلاثمأة ببغداد، وكان فاضلا، عالما، شاعرا، مبرزا، ذكره الثّعالبي في اليتيمة، فقال: ابتداء يقول الشّعر بعد أن جاوز العشر سنين، وهو اليوم أبدع أبناء الزّمان وأنجب سادات العراق، يتحلّى مع محتده الشّريف، ومفخره المنيف بأدب ظاهر، وفضل باهر، و حظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيّين، من مضى منهم ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت: إنّه أشعر قريش لم أبعد عن الصّدق، وكان أبوه يتولى نقابة الطالبيّين والحكم فيهم أجمعين، والنّظر في المظالم و الحج والنّاس ثم ردّت هذه الأعمال كلها إليه في سنة ثمانين و ثلاثمأة وأبوه حىّ.

وله من التّصانيف كتاب المتشابه في القرآن , كتاب حقائق التّنزيل كتاب تفسير القرآن , كتاب المجازات الاثار النّبوية , كتاب تعليق خلاف الفقهآء , كتاب تعليقة الايضاح لأبي علي , كتاب خصائص كتاب نهج البلاغة , كتاب تلخيص البيان في مجازات القرآن , كتاب الزّيادات في شعر أبي تمام , كتاب سيرة والده الطاهر , كتاب انتخاب شعر ابن الحجاج , كتاب مختار شعر أبي اسحاق الصّابي , كتاب ما دار بينه وبين أبي إسحاق ثلاثة مجلدات , كتاب ديوان شعره، يدخل في اربعة مجلدات، قال أبو الحسن العمرى: رأيت تفسيره للقرآن، فرايته أحسن التّفاسير، يكون في كبر تفسير أبي جعفر الطوسي أو أكبر، وكانت له هيبة وجلالة، وفيه ورع وعصمة، وفيه مراعاة الأهل والعشيرة، وهو أوّل طالبي جعل عليه السّواد، عالي الهمة، شريف النّفس لم يقبل من أحد صلة، ولا جائزة، حتّى أنّه ردّ صلات أبيه، وناهيك بذلك شرف نفس، وشدّة ظلف.

قال الشّارح المعتزلي: حفظ القرآن بعد أن جاوز ثلاثين في مدة يسيرة، وعرف من الفقه والفرايض طرفا قويا، وكان عالما، أديبا، وشاعرا مفلقا: فصيح النظم، ضخم الألفاظ، قادرا على القريض، متصرّفا في فنونه إن قصد الرّقة في النّسيب أتى بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى فيه بما لا يشقّ فيه غباره، وإن قصد في المراثي جاء سابقا والشّعراء منقطع أنفاسها على أثره، وكان مع هذا مترسّلا ذا كتابة قويّة، وكان عفيفا، شريف النّفس عالي الهمة، مستلزما بالدّين وقوانينه.

قال صاحب اللّؤلؤءة ذكر أبو الفتوح ابن جنّي في بعض مجامعه قال: احضر الرّضي الى السّيرافي النّحوي وهو طفل جدّا لم يبلغ عمره عشر سنين، فلقّنه النّحو، وقعد معه يوما في الحلقة، فذاكره بشي‏ء من الاعراب على عادة التّعليم،

فقال: إذا قلنا رأيت عمر فما علامة نصب عمر ؟ فقال له الرّضي رضي اللَّه عنه: بغض علي عليه السلام فتعجب السّيرافي والحاضرون من حدّة نظره.

وحكى أبو الحسن العامري قال: دخلت على الشّريف المرتضى ( رض ) فأراني بيتين قد علمها وهما:

سرى طيف سعدى طارقا فاستفزني          هوينا و صحبي بالفلاة رقود
فقلت لعينــي عاود النّوم و اهجعــي       لعـل خيــالا طـارقـا سيعــود

 

فخرجت من عنده ودخلت على أخيه الرضي ( ره ) فعرضت عليه البيتين فقال بديها:

رددت جوابـا و الدّمـوع بـوادر               وقد آن للشّمل المشتّ ورود
فهيهات من لقيا حبيب تعرضت لنا دون لقيـاه مهـامــه بـيـد

 

فعدت إلى المرتضى بالخبر، فقال يعزّ على أخي قتله الزّكاء، فما كان إلاّ يسيرا حتّى مضى الرّضي لسبيله، رضي اللَّه عنه وأرضاه.

قال الشّارح المعتزلي ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة، حتّى أنّه ردّ صلات أبيه، وناهيك بذلك شرف نفس وظلف، فأمّا بنو بويه فانّهم اجتهدوا على قبول صلاتهم، فلم يقبل، وكان يرضى بالاكرام وصيانة الجانب، وإعزاز الأتباع، و الأصحاب، وكان الطائع أكثر ميلا إليه من القادر، وكان هو أشدّ حبّا، وأكثر ولاء للطائع منه للقادر، وهو القائل في قصيدته التي مدحه بها:

عطفا امير المؤمنين فانّنا                      في دوحـة العليآء لا نتفـرق
ما بيننا يوم الفخار تفاوت ابدا كلانا في العـلاء معـرّق
الاّ الخلافة شرّفتك فانّنـي أنا عاطل منها وانت مطوق

وفي رجال أبي علي عن تاريخ اتحاف الورى باخبار امّ القرى، في حوادث سنة تسع وثمانين وثلاثمأة، قال فيها: حج الشّريفان: المرتضى والرّضي، فاعتقلهما في أثناء الطريق ابن الجراح الطائي، فأعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهم.

وقال الشّارح المعتزلي: وقرأت بخط محمّد بن ادريس الحلّي الفقيه الامامي، قال: حكى أبو حامد أحمد بن محمّد الاسفرائيني الفقيه الشّافعي، قال: كنت يوما عند فخر الملك أبي غالب محمّد بن خلف وزير بهاء الدّولة، وابنه سلطان الدّولة، فدخل إليه الرّضي أبو الحسن فأعظمه وأجلّه، و رفع من منزلته، وخلّى ما كان بيده، من القصص و الرّقاع، وأقبل عليه يحادثه إلى ان انصرف، ثم دخل بعد ذلك أخوه المرتضى أبو القاسم، ( ره ) فلم يعظمه ذلك التعظيم، و لا أكرمه ذلك الاكرام، وتشاغل عنه برقاع يقرئها، وتوقيعات يوقع بها، فجلس قليلا، وسأله أمرا فقضاه ثم انصرف قال أبو حامد: فتقدّمت إليه، وقلت له: أصلح اللَّه الوزير هذا المرتضى هو الفقيه المتكلم، صاحب الفنون، وهو الأمثل والأفضل منهما، وإنّما أبو الحسن شاعر، قال: فقال: لي إذا انصرف النّاس وخلى المجالس اجيبك عن هذه المسئلة، قال: وكنت مجمعا على الانصراف، فجاء أمر لم يكن في الحساب، فدعت الضّرورة، إلى ملازمة المجلس إلى أن تقوّض النّاس واحدا فواحدا، فلما لم يبق إلاّ غلمانه وحجابه، دعا بالطعام، فلما أكلنا وغسل يديه وانصرف عنه أكثر غلمانه، ولم يبق عنده غيري، قال لخادم له: هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيّام، وأمرتك أن تجعلها في السفط الفلاني، فأحضرهما، فقال: هذا كتاب الرّضي اتصل بي أنّه قد ولد له ولد، فانفذت إليه ألف دينار وقلت: هذه للقابلة، فقد جرت العادة أن يحمل الأصدقآء إلى أخلائهم وذوي مودّتهم مثل هذا في مثل هذه الحال، فردّها وكتب إلىّ هذا الكتاب، فاقرءه، قال: فقرأته وهو اعتذار عن الرّد في جملة: اننا أهل بيت لا تطلع على أحوالنا قابلة غريبة، وإنّما عجايزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا، ولسن ممّن يأخذن اجرة، ولا يقبلن صلة، قال: فهذا هذا، وأمّا المرتضى، فانّنا كنا وزّعنا، وقسّطنا على الأملاك ببادرويا تقسيطا نصرفه في حفر فوّهة النّهر المعروف بنهر عيسى فأصاب، ملكا للشّريف المرتضى بالنّاحية المعروفة بالداهريّة من التّقسيط عشرون درهما، ثمنها دينار واحد، قد كتب إلىّ منذ أيّام هذا الكتاب فاقرءه، فقرأته، وهو من أكثر من ماة سطر، يتضمّن من الخضوع والخشوع والاستمالة والهزّ والطلب والسّؤال في اسقاط هذه الدّراهم المذكورة ما يطول شرحه، قال فخر الملك: فأيّهما ترى أولى بالتعظيم والتبجيل ؟ هذا العالم المتكلّم الفقيه الأوحد ونفسه هذه النّفس، أم ذلك الذي لم يشتهر إلاّ بالشّعر خاصّة، ونفسه تلك النفس فقلت: وفّق اللَّه سيّدنا الوزير، فما زال موفّقا، واللَّه ما وضع سيّدنا الوزير الأمر إلا في موضعه، ولا أحلّه إلاّ في محله، وقمت وانصرفت.

وقال الشّارح المعتزلي حدّثني فخار بن معد العلوي الموسوي، قال رأى المفيد أبو عبد اللَّه محمّد بن النّعمان الفقيه الامامي في منامه: كان فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله و سلم دخلت إليه وهو في مسجده بالكرخ، ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما السّلام صغيرين، فسلمتهما إليه، وقالت له: علمهما الفقه، فانتبه متعجّبا من ذلك، فلما تعالى النّهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرّؤيا، دخلت إليه المسجد، فاطمة بنت النّاصر وحوله جواريها و بين يديها ابناها محمّد الرّضي وعليّ المرتضى صغيرين فقام إليها، وسلم عليها، فقالت أيّها الشّيخ هذان ولداى قد أحضرتهما إليك لتعلّمهما، الفقه، فبكى أبو عبد اللَّه، وقصّ عليها المنام، وتولى تعليمهما، وأنعم اللَّه عليهما وفتح لهما أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدّنيا، وهو باق ما بقى الدّهر.

وكانت وفاة الرّضي على ما في اللؤلؤة بكرة يوم الأحد، لست خلون من المحرم، سنة ستّ وأربعمأة، وفي شرح المعتزلي أربع وأربعمأة، وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والأشراف والقضاة جنازته والصلاة، ودفن في داره

بمسجد الأنباريّين بالكرخ، ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد مولانا الكاظم عليه السلام، لأنّه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب، ومضى بنفسه آخر النّهار إلى أخيه المرتضى إلى المشهد الشّريف الكاظمي، فألزمه بالعود إلى داره، ثم نقل الرضي رضي اللَّه عنه إلى مشهد الحسين عليه السلام بكربلاء فدفن عند أبيه.

وفي مجالس المؤمنين: ففوض المناصب التي كانت له من النّقابة  وامارة الحاج وغير ذلك بعده إلى أخيه المرتضى قال: ورثاه أخوه المرتضى وأبو العلاء المعرّى وكثير من أفاضل الشّعراء.

أقول: وممّا رثاه به أخوه المرتضى: الأبيات المشهورة التي من جملتها:

يا للرّجال لفجـعة جذمت يــدي      ووددت لو ذهبت علىّ برأسي
ما زلت احذر وردها حتّى أتت فحسوتها[١] في بعض ما أنا حاسي
ومطلتهـا زمنــا فلمّــا صمّمــت لم يثنها مطلي وطول مكـاسي
للّه عمـرك من قصـير طــــاهر ولـربّ عمر طـال بالادنــاس

 

 ورثاه أيضا تلميذه مهيار بن مردويه الكاتب بقصيدة لم يسمع في باب المراثي أبلغ منها أوّلها:

من جب[٢] غارب[٣] هاشم و سنامها         و لوى[٤] لويّا و استزل مقامها
وغزا قريشا بالبطاح[٥] فلفّها بيد (عجلاخ) وقوّض[٦] عزّها وخيامها
و اناخ[٧] في مضر[٨] بكلكل حتفه يستام فاحتملت له ما سامها
من حل مكة فاستباح حريمها والبيت يشهد واستحل حرامها
ومضى بيثرب مزعجا ما شاء من تلك القبورالطاهرات عظامها
يبكي النّبي ويستهيج لفاطم بالطف في أبنائها أيّامها
الدّين ممنوع الحمى من راسه ( راعه خ ) والدّار عالية البناء من رامها
أتنا كرت ايدي الرّجال سيوفها فاستسلمت ام انكرت اسلامها
أم غال[٩] ذا الحسبين حامي ذودها[١٠]  قدر اراح على العدوّ سهامها

وما احسن قوله منها:

بكر[١١] النّعي[١٢] من الرّضي بمالك      غاياتها[١٣] متعوّد[١٤] اقدامها
كلح[١٥] الصّباح بموته عن ليلة نقضت على وجه الصّباح ظلامها
صدع الحمام صفاة آل محمّد صدع الرّداء به و حلّ نظامها
بالفارس العلوى شق[١٦] غبارها والنّاطق العربيّ شق[١٧] كلامها
سلب العشيرة يومه مصباحها مصلاحها عمّا لها علاّمها
برهان حجّتها التي بهرت[١٨] به اعدآئها وتقدّمت اعمامها
من حلّ مكة فاستباح حريمها والبيت يشهد واستحلّ حرامها

ومنها:

ابكيك للدّنيا التى طلقتها            وقد اصطفتك شبابها وغرامها
ورميت غاربها بفضلك حبلها زهدا وقد القت اليك زمامها

قال السّيد علي الصّدر الدّين: و شقت هذه المرثية على جماعة ممّن يحسد الرضي رضي اللَّه عنه على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته، فرثاه بقصيدة اخرى ومطلعها في براعة الاستهلال كالاولى وهو:

أ قريش لا لفم اراك ولا يد      فتواكلي[١٩] غاض الندى وخلا النديّ

وما زلت متعجّبا بقوله منها:

بكر النّعي فقال اودى ( اروى خ ) خيرها      ان كان يصدق فالرّضي هو الرّدىّ

ومرثية أبي العلا، المعرّى تنيف على ستّين بيتا، وتخلّص في أواخرها إلى مديح أجداد الرّضي وشرف بيتهم، ووصفهم بالجود و السّخاء، ويعجبني ايرادها هنا باسقاط ما تخلّص به قال:

اودى فليت الحادثات كفاف                      مال المسيف وعنبر المستاف
الطاهر الابآء والأبناء و الآراب والاثواب والألاف
رغت الرّعود وتلك هدّة واجب جبل هوى من آل عبد مناف
بخلت فلما كان ليلة فقده سمح الغمام بدمعة الزرّاف
و يقال إنّ البحر غاض وانّها ستعود سيفا لجّة الرّجاف
ويحق في رزء الحسين[٢٠] تغيّر  الحرسين[٢١] بله الدّرّ والأصداف
ذهب الذي غدت الذوابل بعده رعش المتون كليلة الأطراف
وتعطفت لعب الصّلال من الاسى فالزّج عند اللهذم الرّعاف
وتيقّنت ابطالها ممّارات الاّ تقوّمها بغمز ثقاف
شغل الفوارس بثّها وسيوفها تحت القوائم جمّة التّرجاف
ولو انّهم نكبوا الغمود لها لهم كمد الظبى وتفلل الأسياف
طار النّواعب يوم فادنوا عيا فنذبنه لموافق ومناف
أسف أسف بها واثقل نهضها بالحزن وهى على التراب هواف
ونعيبها كنحيبها وحدادها ابدا سواد قوادم و خوافي
لا خاب سعيك من خفاف أسحم كسحيم الاسدى او كخفاف
من شاعر للبين قال قصيدة يرثي الشّريف على رويّ القاف
جون كنبت الجون يصرخ دائبا و يميس في برد الحزين الضّاف
عقرت ركائبك ابن داية عاديا اى امرء نطق و أى قواف
بنيت على الايطاء سالمة من الأ قواء و الاكفاء و الاصراف
حسدته ملبسه البزاة و من لها لما نعاه لها بلبس غداف
و الطير اعزبة عليه باسرها فتخ الشّراه و ساكنات الصاف
هلا استعاض من السرير جواده و ثاب كلّ قرارة و نياف
هيهات صادف للمنايا عسكرا لا ينثنى بالكرّ و الايجاف
هلا دفنتم سيفه في قبره معه فذاك له خليل واف
إن زاره الموتى كساهم في البلى اكفان ابلج مكرم الاضياف
و اللَّه ان يخلع عليهم حلة يبعث اليه بمثلها اضعاف
نبذت مفاتيح الجنان و انّما رضوان بين يديه للاتحاف
يا لابس الدّرع الذي هو تحتها بحر تلقع في غدير صاف
بيضآء زرق السّمر واردة لها ورد الصّوادى الورق زرق نطاف
و النّبل يسقط فوقها و نصالها كالريش فهو على رجاها طاف
يزهى اذا حر باؤها صلى الوغا حربآء كلّ هجيرة مهياف
فلذاك تبصره لكبر عاده يوفى على جذل بكلّ قذاف
الرّكب اثرك آجمون لزادهم  و اللهج صادفة عن الاخلاف
الآن ألقى المجد اخمص رجله لم يقتنع جزعا بمشية حاف
تكبيرتان حيال قبرك للفتى محسوبتان بعمرة و طواف
لو تقدر الخيل التى زاينتها انخت بأيديها على الاعراف
فارقت دهرك ساخطا أفعاله و هو الجد يربقلة الانصاف
و لقيت ربك فاستردّ لك الهدى ما نالت الأيّام بالاتلاف
و سقاك أمواه الحياة مخلدا و كساك شرخ شبابك الافواف
أبقيت فينا كوكبين سناهما في الصّبح و الظلماء ليس بخاف
متأنّقين و في المكارم ارتقا متألقين بسودد و عفاف
قدرين في الأرداء بل مطرين في الا جداء بل قمرين في الأسداف
رزقا العلاء فاهل نجد كلما نطقا الفصاحة مثل اهل رياف
ساوى الرّضي المرتضى و تقاسما خطط العلى بتناصف و تصاف
حلفا ندى سبقا و صلى الاطهر  المرضيّ[٢٢] فيا لثلاثة احلاف
انتم ذو و النّسب القصير فطولكم باد على الكبرآء و الاشراف
و الرّاح ان قيل ابنة الغب اكتفت  بأب من الاسمآء و الاوصاف
ما زاغ بيتكم الشّريف و انّما بالوجه ادركه خفىّ زحاف
و الشّمس دائمة البقاء و ان تنل بالشكو فهى سريعة الاخطاف
و يخال موسى جدّكم لجلاله في النّفس صاحب سورة الاعراف
الموقدي نار القرى الآصال و الا شجار بالاهضام و الاشعاف
يا مالكى سرح القريض اتتكما منى حمولة مسنتين عجاف
لا تعرف الورق اللّجين و ان تسل تخبر عن القلاّم و الخذراف
و انا الذي أهدى أقلّ بهارة حسنا لأحسن روضة منياف
اوضعت في طرق التّشرف ساميا بكما و لم أسلك طريق العاف

ولنختم الدّيباجة بالتّقريضات التي قيلت في مدح نهج البلاغة وشرحنا منهاج البراعة فاقول كتب ابو يوسف يعقوب بن احمد في آخر نسخة من كتاب نهج البلاغة:

نهج البلاغة نهج مهيع جدد            لمن يريد علوّا ماله أمد
يا عادلا عنه تبغي بالهوى رشدا اعدل اليه ففيه الخير و الرشد
و اللَّه و اللَّه انّ التّاركيه عموا عن شافيات عظات كلها سدد
كانّها العقد منظوما جواهرها صلّى على ناظميها ربّنا الصّمد
ما حالهم دونها ان كنت تنصفني الاّ العنود و الاّ البغى و الحسد

واقتدى به ابنه الحسن حين افتتح من نسخته فقال:

نهج البلاغة درج ضمنه درر                نهج البلاغة روض جاده درر
نهج البلاغة وشى حاكه صبغ من دون موشية الدّيباج و الحبر
اوجونة ملئت عطرا اذا فتحت خيشومنا فغمت ريح لها ذفر
صدّقتكم سادتي و الصدق من خلقي و انّه خصلة ما عابها بشر
صلّى الاله على بحر غواربه  رمت به نحونا ما لألأ القمر

فاقتدى بهما الاديب عبد الرحمن حين وقع له الفراغ فقال:

نهج البلاغة نهج الزّخر و السّند        و فيه للمؤمنين الخير و الرشد
عين الحيوة لمن أضحى تأمّلها يا حبّذا معشر في مائها وردوا
ما إن رأت مثلها عين و لا سمعت اذن و لا كتبت في العالمين يد
شرّبت روحى حياة عند كتبتها و كان للرّوح من آثارها مدد

فاقتدى بهم غيرهم لما فرغ من نسخه و تحريره فقال:

نهج البلاغة هذا سيد الكتب                 تاج الرسآئل و الاحكام و الخطب
كم فيه من حكمة غرّآء بالغة  و من علوم الهيّ و من ادب
و من دوآء لذى دآء و عافية لذى بلآء و من روح لذى تعب
فيه كلام ولي اللَّه حيدر من يمينه في عطآء المال كالسّحب
وصيّ خير عباد اللَّه كلهم مختار ربّ البرايا سيّد العرب
عليّ المرتضى من في مودته يرجى النّجاة ليوم الحشر و الرّعب
فمن يواليه من صدق الجنان ففي الجنان طنّب فوق السّبع و الشّهب
و من يعاديه في نار الجحيم هوى و عاش ما عاش في ويل و في خرب
قد امتزجت بقلبي حبّه فجرى في النّفس مجرى دمى في اللحم و العصب
صلى عليه إله الخلق خالقنا  ربّ الورى و على ابنائه النّجب
و زاده في جنان الخلد منزلة  و رتبة و على يعلو على الرتب
صلى الا له على من كان منطقه روحا تزايد منه الرّوح و الجسد

واقتدى بهم قطب الدين تاج الاسلام محمد بن الحسين بن الحسن الكيدرى وقال:

نهج البلاغة نهج كلّ مسدد نهج المرام لكل قوم امجد
يا من يبيت و همّه درك العلى فاسلكه تحظ بما تروم و تقصد
ينبوع مجموع العلوم رمى به  نحو الانام ليقتفيه المهتدى
فيه لطلاب النّهاية مقنع فليلزمنه النّاظر المسترشد
صلى الا له على منظمه الذي فاق الورى بكماله و المحتد

 واحتذى بهم غيرهم وسلك مسلكهم فقال:

نهج البلاغة منهج البلغآء  وملاذ ذى حصر وذى أعيآء
فيها معان في قوالب احكمت  لهداية كالنّجم في الظلمآء
و تضمّن الكلمات في ايجازها بذواتها بجوامع العليآء
صلى الاله على النّبي محمّد وعلى عليّ ذى على واخآء

وللسيد الامام عز الدين سيد الائمة المرتضى بن السيد الامام العلامة ضياء الدين علم الهدى قدس الله روحهما:

نهج البلاغة نهجة لذوى البلاغة واضح  وكلامه لكلام ارباب الفصاحة فاضح
العلم فيه زاخر و الفضل فيه راجح وغوامض التّوحيد فيه جميعها لك لايح
و وعيده مع وعده للنّاس طرا ناصح تحظى به هذى البريّة صالح او طالح
لا كالعريب و مالها فالمال غاد رايح هيهات لا يعلو على مرقى ذراه مادح
ان الرّضي الموسويّ لمآئه هو مايح  لاقت به و بجمعه عدد القطاء مدائح

وقال آخر وهو احسن ما قيل في مدحه واحلى:

نهج البلاغة نهج العلم و العمل  فاسلكه يا صاح تبلغ غاية الامل
كم فيه من حكم بالحقّ محكمة تحيي القلوب و من حكم و من مثل
ألفاظه درر اغنت بحليتها اهل الفضآئل عن حلى و عن حلل
و من معانيه انوار الهدى سطعت  فانجاب عنها ظلام الزّيغ و الزلل
و كيف لا و هو نهج طاب منهجه هدى اليه أمير المؤمنين عليّ

 و لعلى بن ابى سعد الطبيب اسعده اللّه في الدارين:

نهج البلاغة مشرع الفصحآء        ومعشش البلغآء والعلمآء
درج عقود عقول ارباب التّقى  في درجه من غير استثنآء
في طيّه كلّ العلوم كانّه  الجفر المشار اليه في الانبآء
من كان يسلك نهجه متشمّرا  أمن العثار وفاز بالعليآء
غرر من العلم الا لهى انجلت منظومة فيها ضيآء ذكآء
و يفوح منها عبقة نبويّة  لا غرو قدا من أديم سنآء
روض من الحكم الأنيقة جاده جود من الانوار لا الانوآء
انوار علم خليفة اللَّه الذي  هو عصمة الاموات و الأحياء
وجذيلها وغديقها مترجبّا ومحككا جدّا بغير مرآء
مشكاة نور اللَّه خازن علمه  مختاره من سرّة البطحآء
وهو ابن نجدته و عليه تهدّلت  اغصانه من جملة الامرآء
ووصي خير الانبيآء اختاره رغما لتيم ارذل الاعدآء
صلى الاله عليهما ما ينطوى  برد الظلام بنشر كف ضيآء
 على سلالته الرّضي محمّد  وقصب السّباق حوى من الفصحآء

و قال آخر:

نهج البلاغة يهدي السّالكين الى مواطن الحقّ من قول و من عمل
فاسلكه تهدي الى دار السّلام غدا وتحظ فيها بما ترجوه من امل

و قال آخر:

كتاب كأنّ اللَّه رصّع لفظه  بجوهر آيات الكتاب المنزّل
حوى حكما كالدر تنطق صادقا فلا فرق الاّ أنّه غير منزل

و لعبد الباقى افندى البغدادى:

ألا انّ هذا النهج نهج بلاغة لمنتهج العرفان مسلكه جليّ
على قمم من آل صخر ترفّعت كجلمود صخر حطّه السّيل من على

و قال الفاضل الاديب النواب المستطاب عبد الحسين ميرزا اعزه الله في مدح الشرح:

أيا طالبا منهاج رشد و حكمة يروم اقتنآء الذخر من رحمة الباري
و يا تائها ظمآن في قفر حيرة يريد ارتوآء العقل بالمنهل الجاري
عليك بمنهاج البراعة انّه لمنهاج فضل للهدى ثم تذكار
غدا شارحا نهج البلاغة حاذيا  حذاه عليا قدره فوق أقدار
أ تدري و ما نهج البلاغة انّه كلام امام قاسم الخلد و النّار
عليّ أمير المؤمنين فكم حوى له خطبة غرّآء كالكوكب السّاري
و قد شرحت هذا الكتاب جماعة و لم يرفعوا عن وجهه حجب استار
فقيّض مولانا عليّ لشرحه مجلّي حاز السّبق في كلّ مضمار
محدّث اهل البيت ثم فقيههم ملاذ محبيهم و مخزن اسرار
امام تقي هاشمي مهذّب يسمّى حبيب اللَّه من نجل اخيار
فشمّر ذيل الجدّ في ذلك المنى و لم يأل جهدا بالعشيّ و ابكار
فكم من علوم فيه منها وديعة و من حكم للمهتدين و انوار
و قد جمعت فيها المحاسن كلها و يعرف صدق القول خرّيت اخبار
و لا غرو أن فاق التّصانيف فضله ضرورة اهل البيت اعلم بالدّار
و لمّا راى هذا الكتاب مليكنا مظفّر دين اللَّه سلطان قاجار
أراد عموم النّفع منه و اصدرت أوامره العليا بطبع و اكثار
ادام اله العالمين بقآئه  و لا زال منصورا بنصر من البارى
و صحّحه عبد الحسين مقابلا لدى صاحب التّصنيف حفظا من الطاري
عسى ينظر المولى علىّ بعبده و يقضي من افضاله كلّ أو تاري
و ينجيني من كرب موت و برزخ و من تبعات قد كسبت و أوزار

----------------------------------------------------------------

[١] . الحسوة الجرعة وشرب الماء مرة بعد اخرى منه.
[٢] . اي قطع.
[٣] . الغارب ما بين السنام والعنق.
[٤] . ولوى لويا من لواه يلويه ليا فتله ولويت الحبل فتلته.
[٥] . جمع الابطح على غير قياس والقياس اباطح.
[٦] . قوضت البناء اي انقضته من غير هدم وفى القاموس التقويض نقض من غير عدم او هو نزع الاعواد والاطناب وتقوض انهدم منه.
[٧] . أنخت الابل أبركته.
[٨] . مضر بفتح الميم وفتح المعجة قبيلة منسوبة الى مضر بن نزار بن معد بن عدنان مجمع.
[٩] . اي اهلك.
[١٠]. ذودها الذود من الابل ما بين الثلاث الى العشرة واكثر ما يستعمل الذود فى الابل والغنم مجمع.
[١١]. اي اتى فى البكرة اى الغداة.
[١٢]. النعي وزان فعيل الذى ياتي بخبر الموت.
[١٣]. مفعول مالك.
[١٤]. متعود اقدامها صفة مالك واقدامها مفعوله.
[١٥]. اي عبس وحزن.
[١٦]. انكشف.
[١٧]. شق كلامها يقال شق الكلام اي اخرجه احسن مخرج.
[١٨]. اي غلبت.
[١٩]. يقال تواكلوا مواكلة اتكل بعضهم بعضا وغاض الندى اي قل ونضب المطر دائما وخلا الندى وزان فعيل مجلس القوم.
[٢٠]. الظاهر ان مراده بالحسين ابو الرضي والمرتضى منه.
[٢١]. الحرسين الليل والنهار.
[٢٢]. الظاهر انه اراد بالاطهر المرضى ابا احمد عدنان بن الشريف الرضي قال في مجالس المؤمنين كان عظيم الشان معظما عند آل بويه فوضت اليه نقابة العلويين بعد موت عمه المرتضى ومدحه شعراء عصره كمهيار وابن الحجاج وغيرهما منه.
****************************