قال الرضي : « ومفصّلا فيه أوراقا لتكون لاستدراك ما عساه يشذّ عنّي عاجلا ويقع إلي آجلا ، وإذا جاء شيء من كلامه عليه السّلام الخارج في أثناء حوار أو جواب سؤال أو غرض من الأغراض في غير الأنحاء التي ذكرتها ، وقررت القاعدة عليها ، نسبته إلى أليق الأبواب به وأشدّها ملامحة لغرضه » .
إن طبيعة أيّ عمل يتوقّف على التتبع في المصادر يستلزم الاستدراك ، وقد أعدّ الشريف الرضي - نفسه - المجال لهذا الاستدراك ، وترك مواضع من الأوراق البياض للاستدراك كما صرّح به في هذا المقطع .
كما صرّح في آخر نهج البلاغة بقوله : « وقرّ العزم - كما شرطنا أوّلا - على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب ليكون لاقتناص الشارد واستلحاق الوارد ، وما عسى أن يظهر لنا بعد الغموض ، ويقع الينا بعد الشذوذ » [١].
وهناك مستدرك على نهج البلاغة لأحمد بن يحيى بن أحمد بن ناقة في كتابه ملحق نهج البلاغة ، مجموع تلك الخطب والملحقات كلها بخط محمد بن محمد بن محمد ابن الحسن بن طويل الصفار الحلي نزيل واسط ، وقد فرغ من كتابتها سنة ٧٢٩ [٢].
كما أنّ ابن أبي الحديد ( ت / ٦٥٦ ) استدرك على القسم الثالث : الحكم التي رويت عنه ، مما لم ترد في النهج ، وقد وصفت بالألف المختارة ، وقال في المقدمة : « ونحن الآن ذاكرون ما لم يذكره الرضيّ مما نسبه قوم إليه ، فبعضه مشهور عنه ، وبعضه ليس بذلك المشهور ، لكنه قد روي عنه وعزي إليه ، وبعضه من كلام غيره من الحكماء ، ولكنه كالنظير لكلامه والمضارع لحكمته ، ولما كان ذلك متضمنا فنونا من الحكمة نافعة ، رأينا ألَّا نخلي الكتاب عنه ، لأنّه كالتكملة والتتمة لكتاب نهج البلاغة » [٣].
واستدرك على الحكم - أيضا - علي الجندي وآخرون في » سجع الحمام في حكم الامام عليه السّلام « وذكر الجندي في سجع الحمام ص ٦ طبعة بيروت سنة ١٣٦٨ ه ما يلي : « ولكن بقي كثير من كلامه عليه السّلام متفرّقا في كثير من كتب الأدب والتاريخ ، لا يقلّ روعة ونفاسة ، وصدقا وبلاغة ، عمّا ورد في هذه الكتب ، على أنّ كثيرا ممّا جاء فيها يعوزه الضبط والشرح ، ويشيع فيه التحريف والإبهام ، فرأينا أن نجمع شتات هذه الحكم في عقد يضمّ منها ما تفرّق ، ونختار ما رجح عندنا أنّه من كلام الإمام ، ومن نبع إلهامه وشرعة بيانه ، ثم رتّبنا هذه الحكم ترتيبا معجميا ، ليسهل الرجوع إليها ، والتهدّي إلى مواضعها ، ووضعنا لهذه الحكم شرحا توخّينا فيه تفسير الغريب ، وكشف النقاب عن المعاني ، مع إيراد أقوال الشعراء الذين وقعت لهم هذه الحكم ، فأودعوها قوافيهم وأخيلتهم ، ليكون هذا الكتاب - كما يقول أبو العباس المبرّد في وصفه كتابه الكامل - بنفسه مكتفيا ، وعن أن يرجع إلى أحد في تفسيره مستغنيا .
وقد ذيلنا كلّ حكمة بمرجعها ، ووضعنا لها من الرموز ما يلائمها ، على النحو الآتي :
١ - الألف المختارة لابن أبي الحديد ، ورمزها : ح
٢ - الحكم القصيرة الواردة في كتاب نهج البلاغة ، ورمزها : ر .
٣ - الحكم القصيرة الواردة في كتاب دستور معالم الحكم ، ورمزها : ق .
٤ - الحكم الواردة في كتاب البيان والتبيين ، للجاحظ ، ورمزها : ب .
٥ - الحكم الواردة في كتاب عيون الأخبار ، لابن قتيبة ، ورمزها : ع .
٦ - الحكم الواردة في كتاب الكامل ، للمبرد ، ورمزها : ك .
٧ - الحكم الواردة في كتاب الإعجاز والإيجاز ، للثعالبي ، ورمزها : ز .
٨ - الحكم الواردة في كتاب التمثيل والمحاضرة ، للثعالبي ، ورمزها : ت .
٩ - الحكم الواردة في كتاب أسرار البلاغة ، للعاملي ، ورمزها : س » .
وظهرت كتب عرفت بمستدرك نهج البلاغة لم يتقيّد مؤلَّفوها بأسلوب الرضي ، ولم يستهدفوا ما استهدف ، بل كانت غايتهم جمع ما ليس في نهج البلاغة ، وهذا هدف نبيل أقرب إلى المسانيد من انتقاء البليغ من كلامه عليه السّلام ، ومنها :
١ - مستدرك نهج البلاغة الموسوم بمصباح البلاغة ، للسيد حسن مير جهاني الطباطبائي طهران في مجلدين سنة ١٣٨٨ ه .
٢ - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، للشيخ باقر المحمودي ، ط / النجف في سبعة أجزاء ، سنة ١٣٨٥ ه .
٣ - نهج البلاغة الثاني ( ما لم يذكر في نهج البلاغة ) ، للشيخ جعفر الحائري ، مؤسسة دار الهجرة بقم سنة ١٤١٠ ه .
وكان الأولى من الاستدراك مراجعة النسخ المختلفة ، وقد اخفقت يد واحدة في هذا السبيل وأقدمها نسخة في مكتبة سپهسالار لم يسمح لي بتصويرها ولا النقل عنها إلَّا ما يأتي ، وهي نسخة كاملة قديمة من القرن الخامس ظاهرا برقم ٣٠٨٣ و ٣٠٥٦ جاء فيها بعد انتهاء الحكم ما نصّه : « وهذا آخر انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام - إلى قوله - ) * وما توفيقنا إلَّا باللَّه عليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل » .
[ ثم كتب بالحمرة ] » زيادة كتبت من نسخة كتبت على عهد المصنف ، وقال عليه السّلام [ وبالسواد ما يأتي ] ) * : الدنيا خلقت لغيرها ، ولم تخلق لنفسها . إنّ لبني أميّة مرودا يجرون فيه ، ولو قد اختلفوا فيما بينهم ثم كادتهم الضباع لغلبتهم .
والمرود - هاهنا - مفعل من الإرواد وهو الإمهال والانظار ، وهذا من أفصح الكلام وأغربه ، فكأنّه عليه السّلام شبّه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية ، فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها ، وقال عليه السّلام « انتهى . وعسى أن يتيّسر لغيري تحقيق هذا الأمل .