الشريف الرضي [١]
أبو الحسن محمد بن ابي أحمد الطاهر « ذي المنقبتين » الحسين بن موسى الابرش بن محمد الاعرج بن موسى « المعروف بأبي سبحة » بن ابراهيم ( الاصغر ) بن الامام موسى بن جعفر عليهمالسلام.
وأمه فاطمة بنت أبي محمد الحسين الناصر الصغير بن أبي الحسين أحمد[٢] ابن محمد الناصر الكبير الاطروش[٣] بن علي بن الحسن بن علي الاصغر ابن عمر الاشرف بن الامام زين العابدين عليهمالسلام.
كانت أسرة الشريف من طرف الابوين بهاليل مساعير، فيهم من دوخ الملوك، ونابغ في العلم والادب، وشاعر مجيد، ولابيه الطاهر ذي المنقبتين احمد المقام الرفيع في الدولة مع اباء وشهامة[٤].
وقد قلد النقابة خمس مرات[٥]، و تولى النظر في المظالم، والحج بالناس مرارا[٦]، وان جلالة قدره أهلته للسفارة بين معز الدولة، والاتراك، وبين بهاء الدولة، وصمصام الدولة، كما توسط للصلح بين بهاء الدولة، ومهذب الدولة[٧].
وكان رسولا من معز الدولة إلى عضد الدولة في رد غلام أسره عنده[٨] ووسيطا في الصلح بين معز الدولة، وبين أبي تغلب بن حمدان[٩] إلى أمثال هذه القضايا التي لم يعهد بها إلا لذي كرامة سامية بين الجماهير، واحترام ذاتي غير مستعار.
وأما عم الشريف الرضي، وهو أبو عبد الله أحمد بن موسى الابرش، فلم يكن خامل الذكر وضيع الشأن، يعرفنا خروجه إلى واسط لاستقبال بهاء الدولة، وكان من الطالبيين الذين أسهموا بالفخار والكرامة، فإنه لا يستقبل الملوك إلا من يعرفه الملوك، ويقدرون موقفه ومنزلته.
ومن أسرة والدته: أبو علي الشاعر المجيد الذي أشخصه الرشيد من الحجاز، وحبسه في بغداد وافلت من حبسه واختفى فيها[١٠].
ومحمد بن القاسم الصوفي الزاهد الفقيه الذي ظهر ايام المعتصم في ( الطالقان ) وقبض عليه ابن طاهر وانفذه الى بغداد فسجن ثم فر فاخذ وقتل صبرا[١١].
والناصر الاطروش صاحب الديلم[١٢].
الناصر الصغير الحسن بن أحمد بن الناصر الكبير أبي محمد الحسن بن علي الحسيني المقتول بآمل سنة ٣٠٤ والنقيب ببغداد صاحب الناصريات في الفقه المطبوع مع عدة كتب في مجموع عرف ( بجامع الفقه )[١٣].
وكانت والدة الشريف الرضي فاطمة من النساء البرزة الرزان، أرضعته مع درها اماني النقابة والخلافة، وقصت عليه مآثر ابائها المصاليت البهاليل، وانفحته بالمال الذي احتوت عليه من آبائها، وفي رثائها يقول الشريف ولدها:
آباؤك الغر الذين تفجرت | بهم ينابيع من النعماء | |
من ناصر للحق أو داع إلى | سبل الهدى أو كاشف الظلماء | |
نزلوا بعرعرة السنام من العلى | وعلوا على الاثباج والامطاء[١٤] |
كانت فاطمة والدة الشريف الرضي، ابنة أخت زوجة معز الدولة أميرة البلاط، وابنة خالة بختيار بن عز الدولة، وهذه المصاهرة عقدت على حساب وتدبير، ومن أسبابها تجليل مقام الناصر الكبير الاطروش الجد الاعلى لوالدة الشريف الرضي، وربما كان أبو أحمد والد الشريف زوجها يعمل السعاة الذين يسرون بانباء العاصمة الى والي الاهواز معز الدولة ويعرفونه ضعف الخلافة، ويستثيرون همته لامتلاكها ولجلالة والدة سيدنا الشريف وكبر شأنها الف شيخنا المفيد[١٥] كتاب احكام النساء[١٦] لها فانه قال في أوله: فاني عرفت من آثار السيدة الجليلة الفاضلة ادام الله عزها جميع الاحكام التي تعم المكلفين من النساء، وتخص النساء منهن على التمييز لهن، ليكون ملخصا في كتاب يعتمد للدين، ويرجع إليه فيما يثمر به العلم واليقين.
واخبرتني برغبتها ادام الله توفيقها في ذلك الخ[١٧].
وعلى كل فالشريف الرضي كان بحاشيتي نسبه قابضا على عضادتي الامامة فهو ابن الامامين زين العابدين علي بن الحسين، وابي ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليهمالسلام، ومن ناحية الاعمام ولاخوال يكرع بكؤوس الفخار ويتزمل مطارف العلا وقد أثر هذا النسب الوضاح في شعره وتمشى في أدبه فيقول:
ما عذر من ضربت به أعراقه | حتى بلغن إلى النبي محمد | |
أن لا يمد إلى المكارم باعه | وينال منقطع العلا والسؤدد[١٨] |
ومن يقرأ شعر الشريف الرضي بتأمل يعرف نفسيته وطموحه الى الخلافة واولويته بها وتباهيهه بخيمه، وتمجده بآبائه الاكارم، وشعره ميادين حروب، وغمرات اجال، وشعور ملتهب، ونفس جائشة تتلمض للوثبة والانطلاق والتحرر كل ذلك للاغلال التى ارهق بها رهطه الانجاد والسجون التي اوصدت عليهم، والدماء السواجم التي اراقتها سيوف الظلم والعدوان والتمادي وهذا هو الذي أودع فيه روحا متحمسة وثابة ماثلة بين عيني المتصفح لديوانه.
ولا غرابة في ذلك بعد ان انحدر السيد الشريف من أصلاب الشرف العلوي، ودرت عليه اخلاف المجد الهاشمي، وبزغ في ظلال اسرة الزعامة والعظمة، ودرج في احضان الامامة فكان لهذا أثر بليغ في ترفعه وشممه ومحاولاته وعواطفه وميوله، حتى اوجب لنفسه الكفاية في تسنم اريكة الخلافة، فيقول مخاطبا الخليفة العباسي القادر بالله:
عطفا أمير المؤمنين فإننا | عن دوحة العلياء لا نتفرق | |
ما بيننا يوم الفخار تفاوت | أبدا كلانا في المعالي معرق | |
إلا الخلافة ميزتك فانني | انا عاطل منها وانت مطوق[١٩] |
فلم ينكر عليه الخليفة ولا استظهر بطيب مغرسه، نعم رد عليه بقوله:
( على الرغم أنف الشريف )[٢٠].
ان نفس الشريف أبية صعبة المراس ذات اتجهات واسعة في السياسة، وكان الامراء ورجال الدولة يقدمونه على اخيه « علم الهدى » لما يجدون فيه من الاباء والعزة والترفع، وعدم قبول الصلات.
ولكنه بالرغم من ذلك كان خاضعا لحكم عضد الدولة الشائن مع عمه وأبيه المعتقل لهما في القلعة من فارس[٢١].
وكان اعتقاله حين دخول عضد الدولة إلى بغداد سنة ٣٦٧ فبقي معتقلا فيها إلى سنة ٣٧٦ أي بعد وفاة عضد الدولة بأربع سنين فانه توفى سنة ٣٧٢ عندما دخلها شرف الدولة، وللشريف الرضي المولود سنة ٣٥٩ يوم اعتقال أبيه ثمان سنين، واطلق سراحه وهو ابن ست عشرة سنة[٢٢].
ولما دخل شرف الدولة بغداد فاتحا سنة ٣٧٥، انعقدت صلاته مع الطاهر ابي أحمد، والد الشريف الرضي وأقره على النقابة وادنا قربه، وهنا نرى الشريف الرضي في هذا الدور قلق الفكر لعدم توثق صلاته بالقادر بالله العباسي ولم يحصل على محاولاته وربما عضته نكبة في حياته السياسية، فيثور ملتهبا وينبه اولياء الامور باهتضامه ويتوعدهم بالالتجاء إلى من يرعى حقه ويحفظ حرمته فيقول من مقطوعة له:
ألبس الذل في ديار الاعادي | وبمصر الخليفة العلوي |
وعليها استشاط القادر، وصرفه عن النقابة.
وظائفه في الدولة
في سنة ٣٨٨ قلده بهاء الدولة خلافته في بغداد وخلع عليه خلعا فاخرة، وفيها ولاه نقابة العلويين، واما ولاية المظالم فكانت وظيفة تخص الملوك والخلفاء فانهم يجلسون يوما خاصا في السنة، يؤذن فيه لارباب المظالم برفع ظلاماتهم مباشرة سواء نظر فيها القضاة أم لا، وقد يقوم مقامهم نائب خاص ينظر في المظالم ويشترط فيه كونه من بيت شرف ومنعة وطهارة وعفاف وفقه واسع بجميع الاحكام الشرعية، ففي سنة ٣٨٨ قام الشريف الرضي بهذه الوظيفة بالنيابة عن بهاء الدولة.
وفي سنة ٣٩٧ بعث بهاء الملك من البصرة إلى بغداد مرسوما، بتولية الشريف امارة الحج، وكان الشريف ممارسا لها منذ صباه تولاها في أغلب أعوام عمره نائبا عن أبيه ومستقلا[٢٣].
القابه
ان من العادات القديمة المنتشرة بين جميع الامم والشعوب أيا ك٠ان شكل حكومتها منح الالقاب لزعماء الدولة، وظالما تزلف بها رجال الحكم لرعاياهم ليصطنعوهم بها، وقد استكان ذووا الالقاب لاولئك الذين منحوهم بها ما يخول لهم حق الرفعة على من كان عاطلا منها.
وكان الشريف الرضي ممن يحمل أسمى الالقاب التي يرمز بها إلى مقامه الفخم، فقد لقبه بهاء الدولة في سنة ٣٨٨ ( بالشريف الجليل ) في واسط، وسيره إلى بغداد في موكب ملوكي وفي سنة ٤٩٨ صدر مرسوم من واسط بتلقيبه ( بذي المنقبتين ) وفيها لقبه بهاء الدولة ( بالرضي ذي الحسبين ) وفي سنة ٤٠١ أمر الملك قوام الدين ان تكون المكاتبة مع الشريف بعنوان ( الشريف الاجل ) مضافا إلى مخاطبته بالكنية[٢٤].
علمه
لقد كان الشريف مجيدا في العلم إلى الغاية كاجادته في الشعر غير انه لم يكثر منه كاكثاره في الشعر، فلذلك لم يشتهر به، وإن كتابه « حقايق التأويل » اكبر آية على اتقانه للفنون العلمية الدينية ومبادئها ووقوفه على اسرارها، ولعل السبب الوحيد في قلة تأليف الشريف اشتغاله بشطر كبير من عمره بامارة الحج، والنظر في المظالم، ومقتضيات النقابة، وهذه الاحوال لا تتفق مع التأليف والبحث، اضف إلى ذلك شغل الوقت بالنظم في الاعياد والمواسم السنوية وما يتفق في العام الواحد من مراث وتهان ومعاتبات.
ومع هذا فانا نعرف من شهادة ابن جني، والسيرافي، بأنه متوقد الذكاء جيد الحفظ سريع الانتقال ولما تتم له العشرون سنة حضر عند ابن السيرافي النحوي، وله دون العشرة فقال له يوما: إذا قلنا رأيت عمر فما علامة النصب في عمر؟ فقال الشريف على البديهة: علامة النصب بغض علي، فتعجب ابن السيرافي ومن حضر من سرعة انتقاله وهو بهذا السن[٢٥].
ومحاوراته مع أخيه المرتضى تشهد بفقاهة الشريف ومعرفته بطرق الاستدلال والاجتهاد، قال الشهيد الاول[٢٦] في « الذكرى »[٢٧]، والشهيد الثاني[٢٨] في (روض الجنان )[٢٩] سأل الرضي، أخاه المرتضى، فقال: ان الاجماع واقع على ان من صلى صلاة لا يعلم احكامها فهي غير مجزية فأجاب المرتضى: بجواز تغيير الحكم الشرعي بسبب الجهل.
فهذه المناظرة تدل بأن له قوة في الاستدلال وملكة راسخة في الاستنتاج.
دار العلم
اتخذ الشريف الرضي لتلامذته مدرسة سماها « دار العلم »[٣٠] وارصد لها مخزنا فيه ما يحتاجه الطلاب، وذكر شاهدا له ان الوزير المهلبي لما بلغه ولادة ولد للشريف ارسل إليه الف دينار فردها، فبعث إليه الوزير ان هذا للقابلة فارجعها ثانيا يعلمه: أنا أهل بيت لم تكن قوابلنا غريبة، وانما هي من عجائزنا ولا يأخذن اجرة ولا يقبلن صلة، فاعلمه الوزير برغبته في تفريقه على ملازميه من طلاب العلم، فقال الشريف: لمن رجع المال انهم حضور يسمعون كلامك، فقام أحدهم وأخذ دينارا وقطع منه قطعة ورد الباقي، وأخبر الشريف بانه احتاج ليلة إلى دهن السراج ولم يكن الخازن حاضرا وقد اقترض هذا المقدار فأمر السيد أعلى الله مقامه، أن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد التلاميذ ولا ينتظر الخازن[٣١].
وفي هذه الدار كان الشريف يلقي على التلاميذ افاداته ودروسه يوميا متتابعة لا يشغله عن ذلك وظائف الدولة من النقابة وغيرها، ولم يتعلل بزيارة زائر أو مدح خليفة أو قصيدة في حميم فان هذا كله نقض لهمم الطلاب وفت في عزيمتهم.
على ان دار العلم لم تكن مدرسة فقط بل هي مكتبة ايضا فيها من امهات الكتب ما يحتاج إليه القاطن في المدرسة وغيره، فهي كبيت الحكمة المؤسس للرشيد، والمكتبة الحديثة التي انشأها وزير شرف الدولة البويهي ابو نصر سابور بن ازدشير سنة ٣٨١ وكان أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري خازن ( دار العلم ) ولعبد السلام هذا مجمع علمي خاص ببغداد ينعقد يوم الجمعة من كل اسبوع.
اساتذته
قرأ الشريف على جماعة كثيرة منهم:
١ ـ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي قرأ عليه « مختصر الطحاوي » في الفقه[٣٢].
٢ ـ أبو الحسن علي بن عيسى الربعي البغدادي النحوي المتوفى ٤٢٠ قرأ عليه النحو[٣٣].
٣ ـ أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي مات ٣٩٢ قرأ عليه « مختصر الجرمي »، وقطعة من « ايضاح » ابي علي الفارسي، و « العروض » لابي اسحاق الزجاج، و « القوافي » للاخفش[٣٤].
٤ ـ ابن السيرافي النحوي ابو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان المتوفى ٣٦٨ قرأ عليه النحو قبل ان تتم له العشرة[٣٥].
٥ ـ ابن نباتة ابو يحيى عبد الرحيم بن محمد المتوفى ٣٩٤ صاحب « الخطب »[٣٦].
٦ ـ قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد الشافعي المعتزلي، قرأ عليه كتابه « شرح الاصول الخمس »، وكتابه « العمدة » في اصول الفقه[٣٧].
٧ ـ أبو حفص عمر بن ابراهيم الكناني، صاحب ابن مجاهد قرأ عليه « القراءات » بروايات كثيرة[٣٨].
٨ ـ أبو إسحاق ابراهيم بن احمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي قرأ عليه « القرآن المجيد » وهو شاب[٣٩].
٩ ـ شيخ الامة وفقيه الطائفة ومتكلمهم الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي المتوفى ٤١٣. وكان السبب في ملازمته مع أخيه علم الهدى له ما يحدث عنه المؤرخون وهو:
عن فخار بن معد الموسوي، قال: رأى الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الفقيه الامامي في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله، دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين عليهماالسلام صغيرين، وقالت له: علمهما الفقه فانتبه متعجبا من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا، دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها، وبين يديها ابناها محمد الرضي، وعلي المرتضى صغيرين فقام إليها وسلم عليها، فقالت: أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه، فبكى أبو عبد الله وقص عليها المنام وتولى تعليمهما، وأنعم الله عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باق ما بقي الدهر[٤٠].
ولا غرابة في ذلك بعد ان كانت والدتهما من أشراف النساء، وسليلة آبائها علماء ادباء وملوك، ولاجلها صنف الشيخ المفيد رسالة في احكام النساء، وكان مجيؤها إلى المفيد بولديها أيام اعتقال أبيهما، وعمهما بالقلعة من فارس، وهما صغيران حينئذ، وللرضي ثمان سنين.
١٠ ـ وكان ممن يروي عنهم أبو محمد هاون بن موسى التلعكبري المتوفى ٣٨٥ وذكر في ( خصائص أمير المؤمنين عليهالسلام ) عنه حديث امير المؤمنين مع كميل بن زياد وهو طويل[٤١].
ولسنا في حاجة إلى تعداد تلاميذه بعد أن عرفنا مدرسته ( دار العلم ) تحتوي على عدد كثير ممن يقطن هذه الدار للافادة منه والاستضاءة بانوار علومه وتحقيقاته.
نعم: هنا شيء لابد من التنبيه عليه، وهو ان صاحب « روضات الجنات »[٤٢] ذكر رواية الشيخ الطوسي عن الشريف الرضي، وقد عرفنا الميرزا النوري ان السيد الرضي توفى سنة ٤٠٦ وقدوم الشيخ الطوسي إلى العراق سنة ٤٠٨ فيكون ورود الشيخ الطوسي إلى العراق بعد وفاة السيد الرضي بأربع سنين فلم يدركه حتى يروي عنه، واحتمال مسافرة الشريف إلى طوس واجتماعه بالشيخ الطوسي هنا بعيد، اذلم يذكره أحد من أرباب التراجم ولا نبه عليه المؤرخون مع ان الشريف في اكثر ايام سنيه كان مشغولا بامر النقابة وولاية المظالم وامارة الحج[٤٣].
آثـاره
للشريف الرضي مؤلفات كثيرة مفعمة بالتحقيق والبحث مع قصر المدة التي تمكن فيها من ذلك الانتاج، فان عمره كله ٤٧ سنة قضى اكثره في مزاولة وظائف الدولة والقاء دروسه ومحاضراته في مدرسته ( دار العلم ) وقرضه الشعر، ومحاولاته السياسية ومجاملاته مع الخلفاء والملوك، فما بقى إلا النزر من ايامه خصوصا بعد اخراج سني الطفولة من تلك القائمة فهاهنا تعرف ان انتاج الشريف لتلك المؤلفات القيمة اعجاز، وهذا ما وصل الينا من مؤلفاته:
١ ـ « نهج البلاغة » جمع فيه ما اختاره من خطب أمير المؤمنين (ع)، وحكمه، ورسائله، وأشار إليه في المجازات النبوية ص ٤٠ طبعة مصر[٤٤].
٢ ـ « تلخيص البيان عن مجاز القرآن » قال ابن خلكان فيه: انه نادر في بابه، وأشار إليه الشريف في المجازات النبوية ص ٢٠ ط مصر وطبع في بغداد سنة ١٣٢٨.
٣ ـ « المجازات النبوية » من انفس المؤلفات في هذا الشأن طبع أولا سنة ١٤٢٨ ببغداد وثانيا سنة ١٣٥٦ في مصر.
٤ ـ « حقائق التأويل في متشابه التنزيل »: وهو تفسيره ذكره في كتابه ـ المجازات النبوية ـ وعبر عنه تارة بحقائق التأويل، واخرى بالكتاب الكبير في متشابه القرآن. وعبر عنه النجاشي بحقائق التنزيل، وصاحب عمدة الطالب بكتاب المتشابه في القرآن.
٥ ـ ( الزيادات في شعر ابي تمام ).
٦ ـ ( اخبار قضاة بغداد ).
٧ ـ ( تعليق خلاف الفقهاء ).
٨ ـ « تعليق على الايضاح » لابي علي الفارسي.
٩ ـ ما دار بينه وبين الصابي من الرسائل والشعر.
١٠ ـ ( المختار من شعر أبي إسحاق الصابي ).
١١ ـ « المختار من شعر ابن الحجاج » سماه: ( الحسن من شعر الحسين ).
١٢ ـ رسائله ثلاث مجلدات ذكر في ( الدرجات الرفيعة ) بعضها ونشرت مجلة العرفان بعضها.
١٣ ـ « سيرة والده الطاهر أبي احمد » ألفه سنة ٣٧٩.
١٤ ـ « معاني القرآن ». وهو كتابه الثالث في القرآن.
١٥ ـ « الزيادات » في شعر ابن الحجاج المذكور.
١٦ ـ « انشراح الصدر » في مختارات من الشعر.
١٧ ـ ( طيف الخيال ).
١٨ ـ ديوان شعر يقع في مجلدين طبع في مصر ولبنان.
١٩ ـ « خصائص الائمة » ـ خصائص امير المؤمنين عليهالسلام، وهو الكتاب الذي بين يديك.
وقد ذكرت هذه الكتب في « رجال النجاشي » / ٢٨٣ و « روضات الجنات » ٦ / ١٩٤. و « الغدير » ٤ / ١٩٨. و « كشف الظنون » ١ / ٥٢٣ ومصادر ترجمة الشريف الرضي.
وفاة الشريف
توفي الشريف الرضي بكرة يوم الاحد سادس المحرم سنة ٤٠٦ ببغداد، وعمره ٤٧ سنة وولادته كانت سنة ٣٥٩ ببغداد، ودفن في دار بالكرخ بخط مسجد الانباريين[٤٥] وحضره الوزير فخر الملك أبو غالب، وجميع الاشراف والقضاة، والشهود، والاعيان، وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة أمهم أبو عبد الله بن المهلوس العلوي، ثم دخل الناس أفواجا فصلوا عليه، واستغرب العلامة النوري عدم صلاة الشيخ المفيد عليه، وهو شيخ الطائفة وعلم الامة، قال: إلا ان يكون ذاهبا إلى زيارة الحسين (ع) لانها أيام عاشوراء، ثم نقل الشريف إلى كربلاء ودفن عند أبيه الطاهر ابي احمد، نص عليه السيد الداودي في « عمدة الطالب » ص ٢٠٠، والسيد علي خان في الدرجات الرفيعة بترجمة الرضي، والشيخ الجليل الشيخ يوسف البحراني في « لؤلؤة البحرين ص ١٩٧، والسيد بحر العلوم في « رجاله » بترجمة السيد المرتضى قال: الظاهر أن قبر السيد علم الهدى، وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب الذي هو جد المرتضى، وابن الامام موسى بن جعفر عليهالسلام، وذكر العلامة الحجة المتتبع السيد حسن الصدر الكاظمي في رسالته « نزهة أهل الحرمين » حاكيا عن مشجرة النسابة العبيد جمال الدين أحمد بن المهنا، أن قبر إبراهيم المجاب، خلف قبر الحسين عليهالسلام بستة اذرع.
وركب فخر الملك في آخر النهار فعزى المرتضى والزمه إلى داره ففعل لانه من جزعه عليه لم يستطع النظر إلى تابوته ومضى إلى مشهد موسى بن جعفر عليهالسلام[٤٦].
ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهورا معروفا في الحائر الحسيني المقدس وهذا قريب إلى الاعتبار لان بنى ابراهيم المجاب قطنوا كربلاء وجاوروا الامام السبط عليهالسلام فاتخذ بنوه تربته مدفنا لهم وكان من قطن منهم بغداد والبصرة ونقلوا إلى كربلاء بعد موتهم، وكانت تولية تلك التربة المقدسة بيدهم وما كان يدفن فيها أي أحد إلا باجازة منهم[٤٧].