أهمية الكتاب
يعد كتاب (شرح نهج البلاغة) من أضخم وأوسع مؤلفات ابن أبي الحديد، بل أهمها وأشهرها على الإطلاق. فيمكن أن يقال عنه الكتاب الذي حفظ اسم ابن أبي الحديد وزاد في شهرته.
فالكتاب أشبه بدائرة معارف مزودة بمعلومات تاريخية وأدبية ولغوية وكلامية على صعيد واحد، فهو يجمع بين دفتيه المتعة والفائدة في وقت واحد.
وأهمية الكتاب تكمن في حفظه لنا بعض النصوص والمؤلفات التي أصبحت في عداد المفقود من التراث العربي هذا اليوم، وهذا أمر بالغ الأهمية يضفي قيمة كبيرة إلى قيمة مادة الكتاب. فمن تلك الكتب التي تخص التاريخ مثلاً: كتاب (السقيفة) للجوهري، وكتاب (صفين) لابن ديزيل، وكتاب (صفين) لهشام الكلبي، وكتاب (صفين) للمدائني، وحفظ لنا نصوصاً كثيرة من كتاب (الأخبارالموفقيات) للزبير بن بكار، ومن كتاب (تاريخ بغداد) لابن طيفور، ومن كتاب (التاريخ) لابن نفطويه.
أما كتب الأدب فقد حفظ لنا نصوصاً من الكتب التالية: كتاب (التاج) وكتاب (النوادر) لابن الأعرابي، وكتاب (ملح الممالحة) لابن ناقيا، ونصوصاً لكتب (الأمالي) لكلٍ من: ابن الأعرابي، وابن حبيب، وابن دريد، والأنباري، وغلام ثعلب، وأبو أحمد العسكري.
وفيما يخص كتب العقائد، حفظ لنا منها نصوصاً عديدة كما هو الحال في: كتاب (تفضيل الإمام علي عليه السلام)، للإسكافي، وكتاب (المقالات) لزرقان، وكتاب (افتراق هاشم وعبد شمس) لابن أبي رؤبة الدبّاس، وكتاب (الآراء والديانات) للنوبختي، وكتاب (شرح المقالات) للقاضي عبد الجبار، وكتاب (المقالات) لابن قبّة، وكتاب (المقالات)لابن الهيصم.
وبذلك يمكن إعتباره " أشبه بمتحف لمخطوطات ممزقة قديمة "[١].
وكذلك تأتي أهمية الكتاب في استيعابه لأسماء العديد من المصنفات، فقد استخلصت قائمة بأسماء المؤلفات التي ذكرها ابن أبي الحديد في الكتاب فإذا بها تضم {١٥٧} كتاباً ومصنفاً ألف جميعها خلال القرون: الثاني والثالث والرابع والخامس الهجري، ولموضوعات شتى هي: كتب السيرة والتاريخ {٤٩} كتاباً، الأدب {٢٦} كتاباً،الأمالي {٨} كتب،التراجم والأنساب {١٥} كتاباً، الحديث وغريبه {١٣} كتاباً، العقائد {٢٢} كتاباً، الفقه وأصوله {٦} كتب، اللغة {٥} كتب، التفسير {كتابين}، الفلسفة وعلم الكلام { ٦} كتب، الأخلاق والتصوف { كتابين}، الفلك والرياضيات { كتابين }، الطب { كتاب واحد }، إضافة إلى ذكر{١٥٧٨} بيتاً من الشعر لـ {٥٣} شاعراً، إضافة إلى {١٣٠} بيتاً من ديوان الحماسة للمتنبي، و{١٧} بيتاً لابن ظفر الصقيلي في كتابه (سلوان المطاع).
ومن جانب آخر تعد المباحث الكلامية التي أوردها ابن أبي الحديد في أثناء شرحه لنهج البلاغة على جانب كبير من الأهمية كونه غالباً ما يوضح فيها آراءه الإعتزالية والكلامية. " وهكذا نجد بوجه عام أن ابن أبي الحديد قد جعل شرح نهج البلاغة إطاراً جميلاً لصورة رائعة تزدحم فيها الوقائع التاريخية والبحوث الأدبية والمناقشات الفلسفية. فهو بحق منجم لكنوز دفينة لا تُقَوَّم بثمن "[٢].
إقتباس المؤلفات الأخرى عنه
تأثر عدد من المؤرخين والمؤلفين بابن أبي الحديد، فكان كتابه شرح نهج البلاغة مصدراً لهم فنراهم قد نقلوا عنه نصوصاً عدّة.
فلاشك أن اعتماد هؤلاء العلماء الأعلام في العصور المختلفة على الكتاب وكثرة اقتباساتهم منه يدلُّ على ثقتهم به واعتمادهم على مادّته.
ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين اقتبسوا منه هم:
١ – ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي (ت ٧٥١ هـ / ١٣٥٠م)، اقتبس من كتاب شرح نهج البلاغة {٣} نصوص في كتابه (الصواعق المرسلة)[٣].
٢– الزركشي، محمد بن عبد الله (ت ٧٩٤هـ / ١٣٩١م)، ونقل عنه نصّين في كتابه (البرهان في علوم القرآن)[٤].
٣ – ابن حجر، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن محمد بن علي (٨٥٢هـ / ١٤٤٨م)، فاقتبس منه نصّاً واحداً في كتابه (لسان الميزان)[٥].
٤ – العاملي، علي بن يونس(ت ٨٧٧هـ / ١٤٧٢م)،ونقل عنه نصّين في كتابه (الصراط المستقيم)[٦].
٥ – السيوطي، جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر (ت ٩١١هـ / ١٥٠٥م)، وأخذ عنه نصّاً واحداً في كتابه (الإتقان في علوم القرآن)[٧].
٦ – المقدس الأردبيلي، أحمد بن محمد (ت ٩٩٣هـ / ١٥٨٥م)،اقتبس منه نصّاً واحداً في كتابه (زبدة البيان في أحكام القرآن)[٨].
٧ - ضامن بن شدقم بن علي المدني (ت ١٠٨٢هـ / ١٦٧١م)، اقتبس في كتابه (وقعة الجمل)[٩] نصّين من ابن أبي الحديد.
٨– العلامة المجلسي، محمد باقر (ت ١١١١هـ / ١٦٩٩م)، وقد اعتبر كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد مصدراً مهماً من مصادره في كتابه (بحار الأنوار) حيث اقتبس نصوصاً كثيرة جدّاً لايمكن إحصائها لكثرتها[١٠].
٩ – الزبيدي، محب الدين أبي فيض محمد مرتضى الحسيني (ت ١٢٠٥هـ / ١٧٩٠م)، حيث كان كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد مصدراً مـــــــــــــن مصادره في كتابه (تاج العروس) فاستشهد به في مواضع عدّة[١١].
١٠ – الشوكاني،محمد بن علي بن محمد (ت ١٢٥٠هـ / ١٨٣٤م)، وقد نقل في كتابه (إرشاد الثقات إلى إتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات)عن ابن أبي الحديد نصّاً واحداً[١٢].
واقتبس {٨} نصوص عنه في كتابه (إيثار الحق على الخلق)[١٣].
١١ – أبو العز الحنفي، عبد الغني بن طالب بن حمادة الدمشقي (ت ١٢٩٨هـ / ١٨٨١م)، ذكر في كتابه (شرح العقيدة الطحاوية)[١٤] أبياتاً لابن أبي الحديد نقلها من كتاب (شرح نهج البلاغة).
فضلاً عن المراجع الحديثة الكثيرة التي أخذت من ابن أبي الحديد في كتابه (شرح نهج البلاغة) والتي لايمكن إحصائها لكثرتها، والتي اعتبرته مصدراً مهماً من مصادرها.
شروح نهج البلاغة
حظي كتاب (نهج البلاغة) بعناية العلماء والأدباء فجذب أنظارهم واستقطب جهودهم فبادروا إلى شرحه. فمنهم من شرحه مبسَّطاً موجزاً، ومنهم من ذكره بالتفصيل والأطناب مستوعبين جميع جوانبه.
وقد وقفنا على إحصائيات لشروحه ذكرها كلٌ من:
١ - محسن الأمين العاملي (ت ١٣٧١هـ/١٩٥١م) وقد أحصاها في كتابه (أعيان الشيعة)[١٥] فعدَّ {٣١} شرحاً.
٢ - الشيخ الأميني، عبد الحسين أحمد (ت ١٣٩٠هـ /١٩٧٠م)،وقد أوصل شروحه إلى { ٨١} شرحا ً[١٦].
٣ - الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩هـ /١٩٦٩م) الذي عدَّ هذه الشروح في كتابه (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) فأنهاها إلى {١٤٨} شرحاً[١٧].
٤- عبد الزهراء الحسيني الخطيب (١٤١٤هـ/١٩٩٤م)) وقد ذكر للكتاب {١٠١} شرحاً[١٨].
٥ - حسين جمعة، أفرد كتاباً أسماه (شروح نهج البلاغة)[١٩] فأوصل شروحه إلى { ٢١٠} شرحاً.
ويبدو أنّ ابن أبي الحديد لم يكن دقيقاً في ذكره أنّه لم يشرح كتاب (نهج البلاغة) أحداً قبلهُ ماعدا القطب الراوندي[٢٠].
ونحن ذاكرون لشروح نهج البلاغة التي سبقت شرح ابن أبي الحديد فقط (عدا شرح منهاج البراعة لقطب الدين الراوندي الذي سيأتي ذكره فيما بعد) رغبة منا في الإختصار وعدم الإطناب، فإن ذكرها في بطون الكتب التي أشير إليها كفاية في ذلك:
١ - شرح أحمد بن محمد الوبري الخوارزمي (ت ٥٦٥هـ)
وهو من مصادر البيهقي في (معارج نهج البلاغة)، والكيدري في (حدائق الحقائق) اللذين نقلا عنه كثيراً – كما سنرى لاحقاً – وهو مفقود[٢١].
٢ - (أعلام نهج البلاغة)[٢٢]
لعلي بن ناصر السرخسي، لم أقف على سنة وفاته، إلاّ أنه كان معاصراً للبيهقي صاحب كتاب (معارج نهج البلاغة) الذي سيأتي ذكره.
وهو شرح مبسط لبعض فقرات خطب الإمام علي (عليه السلام) التي ذكرت في نهج البلاغة.
وقد اعتبره صاحب (كشف الحجب) أول شرح لكتاب (نهج البلاغة) بقوله:" وهو أقدم الشروح والحواشي التي علقت عليه وأوثقها وأتقنها وأخصرها"[٢٣].
وهذا وهم منه لأن علي بن ناصر نقل في شرحه هذا عن الوبري الذي كان من أعيان القرن السادس الهجري[٢٤]، وكذلك نقل عن بعض الشارحين – حسب قوله –[٢٥]وهذا يدل على أن هناك شروحاً سبقته.
ويبدو من ذلك أن صاحب (كشف الحجب) لم يطلع على نسخة من الكتاب.
وقد تبع هذا الوهم من بعده (ربما قد نقلوا عنه) كل من: محسن الأمين العاملي، والشيخ الأميني، وعبد الزهراء الخطيب[٢٦].
٣ - (معارج نهج البلاغة)[٢٧]
لأبي الحسن علي بن زيد البيهقي، المعروف بابن فندق (ت ٥٦٥هـ / ١١٦٩م).
وقد فرغ من تأليفه في سنة (٥٥٢هـ) كما صرح بنفسه في ذلك[٢٨].
وهو شرح تطغى عليه الصبغة اللغوية والأدبية ممزوجاً بالمباحث الكلامية والحكمية نوعاً ما. وقد ذكر المؤلف أنه لم يسبق بمن شرحه قبله[٢٩].
إلاّ أن بعد تصفح الكتاب يتبين لنا أنه نقل عن شرح الوبري الخوارزمي – الذي مرَّ ذكره – في أكثر من {٧٠} موضعاً[٣٠]، وقد أثنى عليه بقوله:" وممن سمعت خبره وعاينت أثره ولم أره، الإمام أحمد بن محمد الوبري الخوارزمي، الملقب بالشيخ الجليل، وقد شرح من طريق الكلام مشكلات نهج البلاغة شرحاً أنا أورده وأنسبه إليه وأُثني عليه "[٣١].
وبذلك قد حفظ لنا جملة من شرح الوبري المفقود.
٤ - (حدائق الحقائق في فسر دقائق أفصح الخلائق)[٣٢]
لقطب الدين أبي الحسن محمد بن الحسين الكيدري البيهقي (لم أقف على سنة وفاته)، وقد فرغ من تأليفه للكتاب في سنة (٥٧٦هـ / ١١٨٠م)[٣٣].
وهو شرح يهتم فيه المصنف في مباحث بلاغية ولغوية.
وقد اعتمد في شرحه على شرح الوبري والقطب الراوندي والبيهقي.
٥ - (شرح نهج البلاغة)[٣٤].
لأفضل الدين الحسن بن علي بن أحمد الماه آبادي (ت ٥٨٥هـ / ١١٨٩م)، وهو مفقود.
٦ – (شرح نهج البلاغة)
لمحمد بن عمر الفخر الرازي (ت ٦٠٦هـ / ١٢٠٩م).
ذكره القفطي(ت ٦٤٦هـ / ١٢٤٨م) في (إخبار العلماء بأخبار الحكماء)[٣٥].
وكذلك جاء في مقدمة تفسيره الكبيربأنه من الكتب التي بدأ بها الإمام الفخرالرازي في تأليفها ولم يتمَّها[٣٦].
٧ – (شرح نهج البلاغة)
لأبي الفضل يحيى بن أبي طي حميد بن ظافر البخاري الحلبي (ت ٦٣٠هـ / ١٢٣٢م).
ذكره صاحب الذريعة وقال أنه في {٦} مجلدات[٣٧]،لكنه لم يشير إلى مكان وجوده، فهو مفقود.
٨ - (شرح نهج البلاغة)
لأبي الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر الصاغاني (ت ٦٥٠هـ / ١٢٥٢م)[٣٨] ، وهو مفقود.