وقال العلاّمة الحبر (رئيس محكمة التمييز الجعفريّة في العراق) السيّد هبة الدين الشهرستانيّ (رحمه الله) في كتابه (ما هو نهج البلاغة): نهج البلاغة كتاب عربي اشتهر في مملكة الأدب الأمميّ اشتهار الشمس في الظهيرة، وهو صدف لئالٍ من الحِكَم النفيسة، ضمَّ بين دفّتيه ٢٤٢خطبة وكلاماً، و٧٨ كتاباً ورسالة، و٤٩٨ كلمة من يواقيت الحكمة وجوامع الكلم لإمام الكلّ في الكلّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وذلك المختار من لفظه الحرّ وكلماته الغرّ وما جادت به يراعته الدفّاقة من لؤلؤٍ رطب ودرٍّ نضيد، وإنّ لسامعي هذه الخطب والكلم اهتزاز وَجدٍ وتمايل طربٍ محسوسين، وذانك برهانان لتفوّق الغناء الروحي على نغمات قيثارة ماديّة، بل إنّ النغمات الموسيقيّة وأغانيها تتلاشى وتبيد بمرور الزمن، ورنّة النغم من كلم الإمام خالدة الأثر عميقة التأثير، ومن شآء أن يعرف أنّ الحروف كيف تُطرب، وأنّ الكلمة كيف تجذب، وأنّ الكلام كيف يُكهرب، فليقرأ نهج البلاغة، وهذه الجمل أمثولة منه، إذ يقول في وصف الجنّة بعد وصف الطاووس وعجيب خلقته:
(فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا وَفِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا وَأَفْنَانِهَا وَطُلُوعِ تِلْكَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا تُجْنَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَتَأْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا وَيُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ وَالْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ) الخ.