تحدث الأستاذ روكس عن نهج البلاغة في كتابه (الإمام علي أسد الاسلام وقدّيسه) ص ٢٢٥ تحت عنوان (أثر الإمام في مثقّفي العرب) قائلاً:
(يقيناً أنّ كلّ مثقّف عربي، كلّ كاتب عربي، كلّ خطيب عربي مدين للإمام علي، فإذا كان كلّ مسلم في الدنيا مدين للقرآن الكريم في تكوّن عقليّته وتفكيره، فإنّ كلّ مثقّف عربي مدين لنهج البلاغة في تقويم قلمه، وما أعدت قول اليازجي العظيم إلاّ ازددت اقتناعاً بما أقول، قال إبراهيم اليازجي: )ما أتقنت الكتابة إلاّ بدرس القرآن ونهج البلاغة» وإبراهيم اليازجي إذا أردنا أن نحكم على رجل من رجال القلم بالنسبة إلى كلّ علوم اللغة العربية مجتمعة، لا نجد في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من يتفوّق عليه، وإن كان في كلّ علم من علومها على انفراد يوجد من ينافسه ويتفوّق عليه.
إذا كان اليازجي يقول هذا، فإنّ كلّ مثقّفٍ عربي مدين لنهج البلاغة وللإمام علي في استقامة نهجه الكتابي، وانطلاقاً من هذه النقطة فنحن لا نعدّ كاتباً أو أديباً عربياً مثقّفاً ثقافة عربية أصيلة إن لم يقرأ القرآن ونهج البلاغة قراءات عميقة متواصلة.
فالذي يريد أن يفهم المجتمع العربي والعقليّة العربية لا بدّ له من قراءة نهج البلاغة، والذي يريد أن يفهم أسلوب الحكم في البلاد العربية يحتاج إلى نهج البلاغة.
الفقيه الذي يرغب في أن يكون نافذ الفكر،مستنير البصيرة هو في أقصى الحاجة إلى نهج البلاغة.
رجل الوعظ المسلم الذي يريد أن يكون واسع الآفاق محتاج إلى نهج البلاغة، وإن لم يفعل فإنّه ظلاّم لنفسه، قليل الاحترام لعقله. قرأت شيئاً اسمه (تشريح شرح نهج البلاغة)، فشعرت بإشفاق على عقلية الرجل، وذكرت حالاً قول ابن العميد على كتب الجاحظ: (كتب الجاحظ: تعلّم العقل أوّلاً والأدب ثانياً( .
(ونهج البلاغة في اعتقادي يعلّم العقل أوّلاً، والأدب ثانياً، وأساليب كلّ فنّ من الكتابة والخطابة ثالثاً، ويطّلع منه الانسان على أمور لا أعتقد أنّها توجد في كتاب واحد كلّها مجتمعة.
وبعد فأنا أنظر إلى الكتاب على اعتبار أنّه كنـز ثمين لا غنى لمتأدّب عنه، وأنظر إلى صاحب هذا الكتاب فأرى أنّه طّوق جيد اللغة العربية بمنّةٍ لا تزول حتّى تزول الأرض ومن عليها.
وعندي أنّه إذا ثبت كلّ ما في نهج البلاغة للإمام علي، فهو معجزة أدبية، وإذا أراد النافون أن ينفوه عنه وينسبوه إلى جامع الكتاب، فتكون معجزة الإمام أعظم، إذ يستطيع حبّه أن يُملي على محبّيه أن يأتوا بمثل هذه الدرر الغوالي!
فإثبات نهج البلاغة للإمام ونفيه عنه يثبت عظمة الإمام الخالدة، ولا ينفي الدَين الذي للإمام على مثقّفي العرب كافّة( .