(ت بعد ١٠٥٣ه) [١]
ولما كان نهج البلاغة... محتوياً على مختار كلام الإمام الهمام مولانا وإمامنا... في جميع الفنون، من خطب وكتب ومواعظ وآداب البلغاء والعلماء، متضمّناً من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وبدائع الصنائع، بحيث يعدّه العلماء تحت كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، فلم يطمع ببدائع صنائعه وعجائب بدائعه من غير الشرح والتفسير إلاّ واحد بعد واحد، ممّن برع في العلوم العربية والرسوم الأدبية، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة، مشتعل القريحة، يقظان النفس، دراكاً اللمحة، منتبهاً على الرمز والإشارة، متفوقاً ذا درية بأساليب النظم وتراكيب النثر، وعلم كيف يرتّب الكلام ويؤلّف، وكيف ينظم ويرصف، فإنّ هذا الكتاب دستور الغرائب وفهرست العجائب ، ولا يعرف ذلك إلاّ من تسنّم شواهق البلاغة بحق، وجرى في ميدان الفصاحة أشواطاً على عرق، وعرف أن لا كلّ سوداء تمرة، ولا كلّ حمراء جمرة.
فإنّ هذا الكتاب ميدان، وللفصحاء والبلغاء فيه جولان، وكان في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار، وسلّمه المخالف والموافق، واستحسنه الصغار والكبار، فإنّه وإن كان صغير الحجم وجيز النظم، فهو كثير العلم، عظيم الاسم، جليل الشأن واضح البرهان، لايُعرف على وجه الأرض بعد الكتاب الإلهي كتاب أشرف منه وأعظم، ولا أنفس منه وأتمّ، فمن شأنه أن يكتب سطوره بالنور على خدود الحور ظاهراً، وينقش معانيه بقلم العقل على لوح النفس باطناً[٢].