وفي كتاب شعراء الحلّة لجامعه علي الخاقاني (ج٥ ص٣٤٢) ترجم للسيّد مهدي بن السيّد داود عمّ السيّد حيدر الحلّي وممّا قال عنه : «ولقد وفّيت الموضوع عنه وعن غيره ممّن سايره في كتابي» ثمّ نسب له هذه الأبيات :
أفوّق نبل القوس بيني وبينه *** فيؤلمني من نزعها وبها عرضي
وأرجع لم أولغ لساني من دمي *** ولم أدم أعضائي بنهش ولا عضِّ
إذا اضطرمت ما بين جنبي غضبة *** وكاد فمي يمضي من القول ما يمضي
والأبيات ليست للسيّد الحلّي وإنّما هي من قصيدة طويلة للشريف الرضي تنيف على أربعين بيتاً عاتب بها أخاه السيّد المرتضى كما جاء في الديوان ، وقد جاء البيت الأوّل محرّفاً وصوابه :
أفوِّق نبل القول بيني وبينه *** فيؤلمني من قبل نزعي بها عرضي
وهي من قصائده العامرة التي اختارها الدكتور زكي مبارك وأودعها كتابه عبقرية الشريف الرضي .
وفي الجزء العاشر من أعيان الشيعة (ص٢٤٨) قال سيّدنا العلاّمة الأمين في ترجمة أحمد بن منير الطرابلسي : «وله شعر كثير في الأئمّة(عليهم السلام) لم يحضرنا منه شيء ، وأورد صاحب النجوم الزاهرة من شعره قوله :
جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه *** فلا ذاق من يجنى عليه كما يجني
فإن لم يكن عندي كعيني ومسمعي *** فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني».
ومن الخطأ والوهم نسبة البيتين لابن منير فإنّهما للشريف الرضي ومثبتان في ديوانه من جملة أبيات له ، وإنّ ولادة ابن منير سنة (٤٧٣هـ) ووفاة الشريف الرضي سنة (٤٠٦هـ) قبل ولادة ابن منير بما يقرب من سبعين عاماً ، وقد أورد الباخرزي أبيات السيّد في دمية القصر (ص٧٤) في ترجمة الشريف الرضي وكأنّها ممّا اختاره من مقاطيعه ، وإليك نصّ الأبيات بكمالها كما في الديوان والدمية :
جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه *** فيأمن أن يجنى عليه كما يجني
إلى كم تسيء الظنّ بي متجرِّماً *** وأنسب سوء الظنّ منك إلى الضنِّ
ووالله لا أحببت غيرك واحداً *** إليّة برٍّ لا يخاف ويستثني
فإن لم تكن عندي كعيني ومسمعي *** فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني
وإنّك أحلى في الجفون من الكرى *** وأعذب طعماً في فؤادي من الأمن
ومن الغريب أن يعتمد سيّدنا الأمين على صاحب النجوم الزاهرة بنسبة الأبيات لابن منير ، ولا أحسب أنَّ السيّد لم يرها في ديوان الرضي والدمية ، والعصمة لله وحده والإنسان معرَّض للنسيان .
وفي كتاب الأعلام للباحث الكبير المحقّق خير الدين الزركلي (ج٧ ص ٣٦) ترجم للشاعر محمّد الصبحي (المعَّاز) وذكر أنّه تولّى وظائف في الحجاز والمكلاّ واليمن وتخرّج عليه كثير من معلّمي المدارس بحضر موت واستقرّ في عدن مديراً لمدرسة فيها فأدركته منيّته عام (١٣٥٤هـ) إلى أن قال : «قرأت له أبياتاً تدلّ على شاعرية قوية منها في حسن الإغضاء :
دع المرء مطويّاً على ما ذممته *** ولا تنبش الداء العضال فتندما
إذا العضو لم يؤلمك إلاّ قطعته *** على مضض لم تبق لحماً ولا دما
نقلاً عن جريدة البلاغ المصرية عام (١٣٥٥هـ) وقد جاءت في البيت الأوّل جملة (ولا تنبش) محرَّفة وصوابها (ولا تنشر) وأراد بها الشاعر مقابلة الطي من قوله (دع المرء مطوياً) وهو من أنواع البديع» .
وممّا يؤسف له غفلة الأستاذ الزركلي عمّا جاء في جريدة البلاغ التي نقل عنها من الخطأ والغلط ، فأنّى لشعراء حضرموت والمكلاّ بهذا النمط والأسلوب من الشعر الرصين الذي تنبثق منه الحكمة وتطغى عليه الروعة ، وكيف لا يكون كذلك وهو من نظم أشعر الطالبيّين الشريف الرضي ، فإنّ البيتين من مقطوعة له مثبتة بديوانه المتداول بأيدي الناس قبل المعّاز وصاحب البلاغ بنحو ألف عام عددها (١٤) بيتاً أوّلها :
وكم صاحب كالرمح راغت كعوبه *** أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما
تقبّلت منه ظاهراً متبلّجاً *** وأدمج دوني باطناً متجّهما
ولو أنّني كشّفته عن ضميره *** أقمت على ما بيننا اليوم مأتما
فلا باسط بالسوء إن ساءني يداً *** ولا فاغر بالذمِّ أن رابني فما
حملتك حمل العين لجَّ بها القذى *** فلا تنجلي يوماً ولا تبلغ العمى
(دع المرء مطويّاً) إلى آخر البيتين وختامها قوله :
ومن لم يوطِّن للصغير من الأذى *** تعرَّض أن يلقى أجلَّ وأعظما
وفي الجزء الأوّل من كتاب آداب اللغة العربية (ص١١٧) لجورجي
زيدان في ترجمة عنترة بن شدّاد العبسي قال : «ومن أقواله قصيدة يهدّد بها عمارة والربيع بن زياد العبسي مطلعها :
لغير العلا منِّي القلا والتجنّب *** ولولا العلا ما كنت للعيش أرغب»
ولاشكّ أنّه نقلها من ديوان عنترة (ص١١) ط بيروت عام (١٨٩١م) وأورد له نماذج أخى من ديوانه ، وهي من عيون قصائد الشريف الرضي تنيف على (٧٠) بيتاً ومثبّتة بديوانه ، ولقد كفانا عن الإشارة إلى هذا الخطأ الفظيع ما صرَّح به شيخنا العلاّمة كاشف الغطاء في كتابه المراجعات والمطالعات المطبوع في صيدا عام (١٣٣١هـ) عند نقده لكتاب زيدان المذكور (ج٢ ص ٥١) حيث قال رحمه الله :
«أمّا المطلع فلا شكّ أنّه للشريف الرضي وهو موجود في نسخة ديوانه القلمية والمطبوعة بتغيير لفظ العيش بالحبّ لا غير ، ويبعد أن يعمد هذا السيّد الأبي الشهم العظيم القدر إلى بيت مشهور لذلك الشاعر المشهور فينتزعه ويجعله طليعة قصيدة من غرر قصائده ، كما يبعد أن يكون من قبيل توارد الخاطر ، ومن راجع القصيدتين عرف أنّهما بمسلك السيّد أشبه ، وإلى أسلوبه أقرب ، على أنّ الديوان المنسوب لعنترة ـ لعدم ورود رواية وثيقة به ـ أكثره أو الكثير منه مستعار على الظنّ من السيّد الرضي ونظرائه الذين بلغ الشعر في أعصارهم إلى أرقى معارجه وأنقى مناهجه ، وما أبعد ما بين شعر عصر عنترة من الشعر الذي ينسب إليه ، وهذا شيء يعرفه أهله والله أعلم بالحقيقة . . . أهـ» .
وقد تأثّر زيدان في غلطة السيّد أحمد الهاشمي صاحب كتاب جواهر الأدب حيث قال (ص٦٢٥) من كتابه المذكور في عنوان القصيدة المذكورة : «أنّها للشريف الرضي ، وقيل لعنترة العبسي» وأثبت منها (١٨) بيتاً وذكر في تعليقته على ترجمة الشريف أنّه توفّي عام (٤٦٣هـ) وهو خطأ لا يغتفر فإنّ وفاة الشريف عام (٤٠٦هـ) فلينتبه من يراجع جواهر الأدب .
وإليك ما قاله بعض الباحثين عن ديوان عنترة ، ففي كتاب الوسيط للإسكندري وعناني (ص٧٤) : «وأكثر ما في سيرته الموضوعة في زمن الفاطميّين وما في الديوان المنسوب إليه المستخرج من هذه السيرة منحول لا يعتدّ به . . .» .
وفي كتاب الأعلام للبحّاثة الكبير الزركلي في ترجمة عنترة : «وينسب إليه ديوان شعر مط أكثر ما فيه مصنوع» .
وهذا شاعر مصر الكبير وأديبها الشهير محمود سامي البارودي قد أثبت من حماسة هذه القصيدة ما يناهز الـ (٢٣) بيتاً ولم يخامره شكّ في نسبتها للشريف الرضي ـ راجع مختارات البارودي (ج٢ ص٢٢١) ـ وختمها بقوله :
ملكت بحلمي فرصة ما استرقّها *** من الدهر مفتول الذراعين أغلب
أعدُّ لفخري في المقام محمّداً *** وأدعو عليّاً للعلا حين أركب
ديوان عنترة العبسي مشهور ومتداول في المكتبات الخاصّة والعامّة وسائر المدارس وطبع غير مرّة وشرحه كثيرون من أقطاب اللغة والبيان لتسهيل الإستفادة منه على الناشئين والمتأدّبين ـ كما يقولون ـ ، وقد وقف على تصحيح إحدى طبعاته الأخيرة أمين سعيد صاحب مجلّة الشرق الأدنى .
وأكثر ما فيه منحول أو مصنوع كما قال الزركلي وغيره [١] ، ولم يتصدّ أحد من أولئك الأساتذة إلى نقده وإلى ما فيه من الشعر المنحول والمسروق ، وقد أشرنا آنفاً إلى القصيدة البائية المنحولة من ديوان الشريف الرضي ، ولم يكتف السارقون من غزو ديوان الرضي بسرقة قصيدة واحدة بل أعادوا الكرَّة على قصيدة أخرى داليّة تنيف على (٥١) بيتاً من قصائد الشريف ومثبّتة بديوانه المطبوع في بيروت (ص٢٥٨) فاقتطعوا منها (٢١) بيتاً ونسبوها لعنترة بديوانه وأوّلها :
لأىّ حبيب يحسن الرأي والودُّ *** وأكثر هذا الناس ليس له عهد
وجاء بعض أبياتها محرَّفاً ومشوَّهاً مثل قوله :
ويصحبني إلى آل عبس عصابة *** لها شرف بين القبائل يعتدُّ
ومنها كما في ديوان الشريف :
ولا مال إلاّ ما كسبت بنيله *** ثناء ولا مال لمن لا له مجد
إذا عربيٌّ لم يكن مثل سيفه *** مضاء على الأعداء أنكره الحدُّ
إذا قلَّ مال المرء قلَّ صديقه *** وفارقه ذاك التحنّن والودُّ
ديوان مجنون ليلى الذي رتّبه وشرح ألفاظه اللغوية الكاتب الاجتماعي محمود كامل فريد ولا يكاد يصدّق بجميع ما ورد فيه من القصص الموضوعة والأشعار المنحولة ، ومن ذلك ما جاء في (ص١٦٢) : «قيل إنّه ذات يوم ـ أي المجنون ـ قيس بن الملوّح في روضة غنّاء قد أينعت عقب يوم ماطر وبقربه قطيع من الغزلان والوعول وهو ينظر إلى ظبية منها فلمّا ملأ عينه من محاسنها أنشد :
نظرت ببطن مكة أمَّ خشف *** تبغَّم وهي ناشدة طلاها
فأعجبني ملامح منك فيها *** فقلت أخا الغريب أما تراها
ولولا أنّني رجل حرامٌ *** ضممت قرونها ولثمت فاها».
والأبيات ليست للمجنون وإنّما هي للشريف الرضي من قطعة رائعة يذكر فيها أيّامه بـ : (منى) مثبّتة بديوانه (ص٩٦٢) ط بيروت وأوّلها :
أحبّك ما أقام منىً وجمع *** وما أرسى بمكّة أخشباها
ولم يك غير موقفنا فطارت *** بكلِّ قبيلة منّا نواها
فواهاً كيف تجمعنا الليالي *** وآهاً من تفرِّقنا وآها
لأنت النفس خالصة فإن لم *** تكونيها فأنت إذاً مناها
إلى أن يقول : (نظرت ببطن مكّة أمَّ خشف) إلى آخر الأبيات الثلاثة ، وورد البيت الثاني هكذا :
فأعجبني ملامح منك فيها *** فقلت أخا القرينة أم تراها
وهي إحدى حجازيّات الشريف الرضي التي اختارها الدكتور زكي مبارك وأثبتها في كتابه عبقرية الشريف الرضي .
وفي محاضرات الراغب الأصبهاني (ج٢ ص١٣٢) في باب : (ما قيل في العرج) نسب هذين البيتين للغسّاني وهما :
إذا ما تعدَّت بي وسارت محفة *** لها أرجل يسعى بها رجلان
وما كنت من فرسانها غير أنّها *** وفت لي لمّا خانت القدمان
والبيتان لأبي إسحاق الصابي ـ لا للغسّاني ـ من قصيدة تنيف على (٤٤) بيتاً أرسلها للشريف الرضي وقد أوردها الثعالبي في اليتيمة بتمامها في ترجمة الصابي ، والبيت الأوّل منها أثبته الشريف الرضي بديوانه معنوناً بقوله : وكتب إليه أبو إسحاق الصابي قصيدة يشكو فيها زمانة لحقته حتّى صار يحمل في محفّة ، أوّلها :
إذا ما تعدَّت بي وسارت محفّة *** لها أرجل يسعى بها رجلان
فقال ـ أي الرضي ـ يجيبه عنها وذلك سنة (٣٨٤هـ) :
ظماي إلى من لو أراد سقاني *** وديني على من لو يشاء قضاني
وقد جاراه فيها وزناً وقافية وعدداً ، ونحن إنّما تعرّضنا لتصويب ما أخطأ به الراغب لعلاقته بديوان الشريف الرضي ، ولأنّ مطلع القصيدة مذكور فيه ومنسوب لصاحبه مع جواب الشريف عنها .
واتّفق لي ـ من سبق القلم ـ مثل ذلك السهو في بيت واحد في كتابنا البابليّات (ج٢ ص ١٦٤) في ترجمة السيّد حيدر الحلّي ، فقد أوردت قوله :
وله الطرف حيث سار أنيس *** وله السيف حيث بات ضجيع
وذكرت أنّه أخذه من مهيار الديلمي حيث قال :
إذا راق صبح فالحصان مصاحب *** وإن جنَّ ليل فالحسام ضجيع
وليس البيت لمهيار وإنّما هو للشريف الرضي من قصيدة طويلة مطلعها :
خصيم من الأيّام لي وشفيع *** كذا الدهر يعصي مرة ويطيع
وهي مثبّتة بديوان السيّد الرضي لهذا اقتضى التنويه .
------------------------------------------------
[١] . وأورد له قصيدة في مدح كسرى أنو شروان مطلعها :
فؤاد لا يسلِّيه المدام وجسم لا يفارقه السقام
وصدر البيت كله للمتنبّي ، وتمامه : (وعمر مثل ما يهب اللئام) .
يتبع .....