الدكتور صفاء خلوصي
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد كان أثر نهج البلاغة في الادب العربي، شعره ونثره، بعيد المدى فقد اقتبس الكثيرون من الشعراء معانيه النثرية فنظموها وتأثر الناثرون بالفاظة واسجاعه واسلوب تعبيره ولعل اكثر من تأثر به من الشعراء هوالشريف الرضي جامعه، ومن الناثرين ابن نباتة الخطيب[١].
فلننظرالى أي مدى كان تأثر الشعراء والادباء في هذا المجال بعرض النصوص من كتاب النهج وما يقابها في دواوين الشعراء:
١ – يقول الإمام: انهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك، يخرج منه النسيم[٢] وضرب يقلق الهام ويطيح العظام ويندرالسواعد والاقدام.
ويقول الشاعر في هذا المعنى:
طعنت ابن عبد القيس طعنة تأثر***** لها نقد لولا الشعاع اضاءها
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ***** يرى قائم من دونها ما وراءها
٢ – يقول الامام: ان الفارّ بغير مزيد في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه.
ويقول الراجز:
قد علمت حسناء دعج المقل ***** ان الفرار لا يزيد في الاجل
٣ – يقول الإمام:«...فان الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم ويكتفونها حفافها ووراءها وامامها لا يتأخرون عنها فيسلمونها ولا يتقدموا عليها فيفردونها».
ويقول طرفة:
كان جناحي مضرحي تكتفا ***** حفافيه شكا في العسيب بمسرد
٤ – يقول الإمام: « وكأني انظر اليكم تكشون كشيش الضباب لا تأخذون حقاً ولا تمنعون ضيما ».
ويقول الراجز:
كشيش افعى اجمت لعض ***** وهي تحك بعضها ببعض
ويقول الامام مستأنفاً كلامه السابق مباشرة: «قد خليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم والهلكة للمتلوم».
ويقول بعض الشعراء:
تأخرت استبقي الحياة فلم ***** أجد لنفسي حياة مثل ان اتقدما
وقال قطري بن الفجاءة:
لا يركنني احد الى الاحجام***** يوم الوغى متخوفاً لحمام
فلقد اراني للرماح درية من***** عن يميني تارة وامامي
حتى خضيت بما تحدد من دمي***** اكناف سرحي او عنان لجامي
ثم انصرفت وقد اصبت ولم اصب***** جذع الصيرة فارح الاقدام
ومنه أيضاً قول ابي بكر لخالد بن الوليد: (...فأحرص على الموت توهب لك الحياة).
وقول ابي الطيب المتنبي:
يقتل العاجز الجبان وقد يعجز***** عن قطع بخنق المولود
ويوفى الفتى المخش وقد ***** خوض في ماءلبة الصنديد[٣]
٥ – يقول الإمام: «...والذي نفس ابي طالب بيده لالف ضربة بالسيف اهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة الله ».
ويقول الشاعر:
لولم يمت بين اطراف الرماح ***** اذاً لمات اذ لم يمت من شدة الحزن
ويقول الآخر:
يستعذبون مناياهم كأنهم***** لا يبأسون من الدنيا اذا قتلوا
٦ – ويقول الإمام: « وأخذوا بأطراف الارض زحفاً زحفاً وصفاً وصفاً بعض هلك وبعض نجا ».
ويقول الفرزدق:
أخذنا بأطراف السماء عليكم***** لنا قمراها والنجوم الطوالع
٧- ويقول الإمام: « الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي ».
ويقول بعض الشعراء:
ما مضى فات والمقدر غيب***** ولك الساعة التي أنت فيها
٨- ويقول الامام: « ومن العناء ان المرء يجمع مالا يأكل ويبني مالا يسكن ثم يخرج الى الله تعالى لا ما لا حمل ولا بناء نقل».
نظر الشاعر الى هذا القول فقال:
اموالنا لذوي الميراث نجمعها ***** ودورنا لخراب الدور نبنيها
وقال الآخر:
ألم ترحوا شبا امسى يبني***** بناء نفعه لبني نفيله
يؤمل ان يعمر عمر نوح ***** وامرالله يطرق كل ليله
٩– يقول الامام: « فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه وليكن الشكر شاغلا له على معافاته مما ابتلى به غيره».
ويقول ابن عباس: «اذا اردت ان تذكر عيوب صاحبك فاذكرعيوبك».
١٠ – يقول الامام: « انكم والله لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات».
ويقول معدان الطائي:
فاما الذي يحصيهم فمكثر ***** واما الذي يطربهم فقليل
١١ – يقول الامام: «ما اصف من داراولها عناء، وآخرها فناء».
ويقول الرضي وقد نظرالى القول المذكور:
واولنا العناء اذا طلعنا الى***** الدنيا وآخرنا الذهاب
١٢ – ويستأنف الامام قوله السابق فيضيف قائلا: « في حلالها حساب وفي حرامها عقاب» فيقول بعض الشعراء متأثراً بقوله هذا:
الدهر يومان فيوم مضى *****عنك بما فيه ويوم جديد
جلال يوميك حساب وفي***** حرام يوميك عذاب شديد
١٣ - ويضيف الإمام الى قوله السابق في نفس الخطة ما يلي: « ومن ابصر بها بصرته ومن ابصراليها اعمته » فيقول ابن ابي الحديد متأثراً به:
دنياك مثل الشمس تدني اليك ***** الضوء لكن دعوة الملك
ان انت ابصرت الى نورها ***** تعش وان تبصر بها تدرك
١٤ – ويقول الإمام في الخطبة ذاتها: « ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها واتته».
فتأثر ابن المعتز بذلك نثراً: «الدنيا كظلك كلما طلبته زاد منك بعداً ».
١٥ - ويقول الامام كذلك في هذه الخطبة: « من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن».
فينظرالحسن البصري الى هذا القول حين جاء انسان يبشره بمولود له ذكر: « ليهنك الفارس يا ابا سعيد » فيقول: بل الراجل » ثم يضيف قائلا: « ولا مرحباً لمن ان كان غنياً فتني وان كان فقيراً احزنني وان عاش كدني وان مات هدني ثم لا ارضى بسعيي له سعياً ولا بكدحي له كدحاً حتى اهتم بما يصيبه بعد موتي وانا في حال لا ينالني بمساءته حزن ولا بسروره جزل ».
واما اثر نهج البلاغة في خطب ابن نباتة فموضوع واسع وربما طرقناه في بحث مستقل.