ذهب جماعة من المتأخرين إلى ان في النهج دخيلا منهم صاحب كتاب(ترجمة علي بن أبي طالب "ع" ) قال في (ص١٢٥) : إنا نعتقد ان فيه(نهج البلاغة) دخيلا وفي(ص١٣٢)على أنا نحس ريبة في هاتين الخطبتين:الخطبة المسماة بالقاصعة وخطبة الأشباح,ونرجح ان فيهما دخيلاً من وضع الشيعة والصوفية حداهم إلى سده مغالاتهم في حب الإمام وحرصهم على أن يرفعوه مكانا علياً يقرب من درجة الرسول).
أقول:ان الدخيل الذي يرجحه هذا الكاتب بل يعتقد أما أن يكون من الشريف الرضي أو من غيره(أما)كونه من الشريف فنحن لا نوافق عليه ولا نحتمله أصلا وقد مر فيما تقدم ما هو كبرهان على امتناع صدوره من الشريف ولما كان هذا الكاتب يوافقنا على ذلك كما يأتي فيما نذكره من كلامه فلا حاجة إلى إقامة الدليل هنا على ذلك.
(وأما)إذا كان من غيره فلا يخلو الأمر من أن يكون ذلك أما بعد زمن الشريف وبعد ظهور كتاب نهج البلاغة أو قبله بان يكون في الخطب وغيرها مما رواه السيد دخيل وكلام موضوع لغير أمير المؤمنين "ع" أما احتمال أن يكون بعد ظهور كتاب النهج ووقوعه في الأيدي فهو ممتنع كسابقه لان ما اتفقت عليه نسخ النهج الموجودة الآن لا تخالف النسخة الأصلية التي أظهرها السيد وأخذت و أخذت منه يدا بيد وخلفا عن سلف وقد ذكر بعض أهل العلم والفضيلة ان نسخة عصر الشريف موجودة والتي وشحت بخطه الشريف مشهورة آه .
وحيث ان هذا الاحتمال مما لا يوفق عليه الكاتب أيضا فلا حاجة إلى إطالة الكلام في شانه.(وأما)أن يكون ذلك في الخطب الموجودة قبل ظهور النهج وان السيد رواها مع ما فيها من الدخيل والكلام الموضوع من غير تمحيص ولا تدبر بل بمجرد وجودها منسوبة إلى أمير المؤمنين "ع" أياً كان الناسب والراوي وهذا الاحتمال هو الذي اختاره صاحب الكتاب(كتاب ترجمة علي) .
(قال)في الكتاب المذكور(ص١٥٩): (وصفوة الرأي إنا نعتقد ان الشريف قبل كل ما نمي إليه من كلام الإمام معتمدا في ذلك على رواية الرواة دون ان يتوخى التمحيص الدقيق لا عن قصر نظر أو قلة اضطلاع بصناعة الأدب وانما صرفه عن ذلك باعث الحب الشديد لجده والافتتان ببلاغته أيما افتتان فوقع فيما جمعه الصحيح والمشوب أما انه انتحل بعضه فذلك ما لا نرى السبيل إلى اتهامه به سهلاً آه.
وفي كلامه هذا من النقد والمؤاخذة ما سنبديه ان خفي عليك(وقد تلخص)بعد ضم هذا الكلام إلى ما نقلناه عنه سابقا انه يعتقد أن فيما رواه السيد في النهج دخيلا من وضع الشيعة والصوفية والسيد رواه بلا تمحيص ولا تحقيق وأن الحامل للواضع والناقل لما فيه الوضع هو الحب(والحب يعمي ويصم)هذا رأيه ومعتقده ونحن نمحصه ونحلله قوله (ان الدخيل من وضع الشيعة والصوفية)ان الدس في الخطب البليغة التي هي في أقصى مراتب الفصاحة والمحتوية على كنوز علوم الحكمة والمعرفة ليس كالدس والإدخال في الحديث والرواية فان لك لا يقتدر عليه كل من عرف اللغة العربية ومارس الأدب والشعر ولا نعرف شيعيا أو صوفيا قبل زمن الشريف أو في عصره بلغ في الفصاحة والبلاغة شأوا يقتدر به أن يساجل أمير المؤمنين "ع" في فصاحته ويأتي بمثل كلامه ويدخله فيه فلا يعرف ولا يتميز حتى يخفى أمره على صيارفة الكلام ونقدته ولو كان في الشيعة أو في الصوفية من لديه هذه القدرة لاشتهر أمره وعرف خبره ولعد من أعاظم الخطباء و أكابر الحكماء هذا السيد الرضي مع علمه و أدبه ومعرفته باللغة وفنون العربية وبلوغه في الشعر والأدب رتبة صحت ان يقال فيه انه اشعر قريش لم يرض أهل العلم ان ينسب إليه بعض ما في النهج لانه وان بلغ ما بلغ لا يستطيع ان يأتي بمثل ما في النهج من الخطب والكتب والوصايا والعهود ولقد نقل عن ابن الخشاب لما قيل له في بعض خطب النهج ان كثيرا من الناس يقولون أنها من كلام الرضي أنه قال أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب قد أوقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر فقل لي أي رجل من الشيعة أو الصوفية؟
افضل من الرضي في الأدب واقدر منه على إنشاء كلام يضاهي كلام أمير المؤمنين يعرفه هذا الكاتب المترجم ويجوز صدور الدخيل منه ولا نعرفه نحن ولا غيرنا من أهل التراجم والخبرة التامة بأحوال الرجال ولا أعلم من أراد بالصوفية الصوفية من الشيعة أم أهل السنة ؟
والظاهر انه أراد صوفية الشيعة وهم على قلتهم وعدم معروفيتهم في تلك الأزمنة وعدم عنايتهم بالنثر والشعر العربيين أكثرهم ليسوا من أهل اللسان العربي فكيف يحتمل المحتمل انهم ادخلوا من كلامهم في خطب النهج شيئا وصاغوا من فرائده عقودا وهل هذا إلا كاحتمال أن بعض الأوربيين صنعوا بعض لامية أمري القيس أو ميمية ابن أبي سلمى.
ثم ان المغالاة في حب الإمام إنما تدعو إلى أن يختلقوا له كرامات أو معجزات غير منقولة أو يفتعلوا أحاديث في فضله غير مأثورة ولا تقضي بأن يدخلوا في كلامه ما ليس منه ليقال انه خطيب ماهر وهم يرونه افضل المخلوقات بعد أخيه المصطفى "ص" وان نسبة الكتاب إليه مما تزيد الكتاب شرفا وتغلي قيمته وهو لا يزداد بذلك مرتبة ونبلى.
من كان فوق محل الشمس موضعه ***** فليس يرفعه شيئا ولا يضع
وكيف يكون إدخال بعض الفقرات في كلامه مما يرفعه مكانا عليا يقرب به من درجة الرسول وكيف ساغ له أن يجوز الكذب على من احب عليا ووالاه وعليا ممن يمقت الكذب واهله ولا يرضى بالقليل منه واليسير ثم انه كيف خفي ذلك على الشريف الرضي مع تبحره بالعلم وثقافته الأدبية ومزاولته لكلام جده ومعرفته بنفسه وأسلوبه ثم ان ذلك لو خفي على السيد أو أخفاه عليه حبه لجده كما يزعم كاتب الترجمة فكيف خفي ذلك على جميع شراح النهج وهم اكثر من أربعين شارحا وفيهم من فيهم من العلماء وأرباب الفضيلة وكيف خفي ذلك على جامعي كلام أمير المؤمنين ممن تقدم على عصر السيد وممن تأخر عنه وهم عدد كثير وجم غفير فلم يسمع عن أحد منهم انه احتمل أن في كلامه "ع" دخيلا أو وضعا والخطب الافظع أن يجعل ذلك السيد الورع البر ممن يميل مع الهوى ويقهره هوى نفسه وميل عواطفه إلى ما لا يليق به وبأمثاله من أهل التقوى والفضيلة.