بسم الله الرحمن الرحيم
١- من الأمر قوله :
(فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ).
و(فَاعْتَبِرُوا بَمَا أَصَابَ الاْمَمَ المُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَصَوْلاَتِهِ، وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلاَتِهِ، وَاتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ، وَمَصَارعِ جُنُوبِهِمْ، وَاسْتَعِيذوا بِاللهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكبْرِ، كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْر).
وقوله: (لِيَتَأَسَّ صَغِيرُكُمْ بِكَبِيرِكُمْ، وَلْيَرأَفْ كَبِيرُكُمْ بِصَغيرِكُمْ).
٢ـ ومن النهي قوله :
(فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً، وَلاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً).
و(أَلاَ وَإِنَّ الاْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الاْخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا).
و(لاَ تَقْتُلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي، فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ، كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ).
و(وَلاَ تُرَخِّصُوا لاِنْفُسِكُمْ، فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الْظَّلَمَةِ، وَلاَ تُدَاهِنُوا فَيَهْجُمَ بِكُمُ الاْدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ...).
و(لاَ تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الاْيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَلاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ).
و(فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ، فَإِنَّمَا هَوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ، إِلَى أَجَل مَعْدُود).
و(وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا).
و(عِبَادَ اللهِ، لاَ تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، وَلاَ تَنْقَادُوا لاِهْوَائِكُمْ).
و(لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ).
و(فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الاْجْرَبِ).
وقوله: (فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي... فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل).
٣ـ ومن الاستفهام قوله:
(أَبَعْدَ إِيمَاني بِاللهِ وَجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ! لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
وقوله: (أَصْبَحْتُ وَاللهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ العَدُوَّ بِكُم، مَا بَالُكُم؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ القَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلاً بَغَيْرِ عِلْم! وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَع! وَطَمَعاً في غَيْرِ حَقٍّ؟).
وقوله: (إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ، وَلاَ أَعْلَمُ جُنَّةً أوْقَى مِنْهُ، وَمَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ، وَلَقَدْ أَصْبَحْنا في زَمَان اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً، وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلى حُسْنِ الْحِيلَةِ، مَا لَهُمْ! قَاتَلَهُمُ اللهُ! قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْن بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ).
وقوله: (هَلْ تُحِسُّ بِهِ ـ ملك الموت ـ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلاً؟ أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّى أَحَداً؟ بَلْ كَيْفَ يَتَوَفَّى الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؟! أَيَلِجُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا؟ أَمِ الرُّوحُ أَجَابَتْهُ بَإِذْنِ رَبِّهَا؟ أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فِي أَحْشَائِهَا؟ كَيْفَ يَصِفُ إِلهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوق مِثْلِهِ؟).
وقوله: (أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَالاْبْصَارُ اللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى؟! أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ للهِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ؟).
٤ـ ومن الترجّي قوله:
(فَاسْمَعُوا قَوْلي، وَعُوا مَنْطِقِي، عَسَى أَنْ تَرَوْا هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِ هذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ).
و(وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هذِهِ الاْمَّةِ).
وقوله: (لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ).
وقوله: (هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الاَْطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ).
٦ـ ومن النداء قوله:
(أَيُّها النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ..).
وقوله: (فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَفِرُّوا إِلَى اللهِ مِنَ اللهِ).
وقوله: (أَيُّهَا النَّاسُ، الْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ، كَلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاْعْدَاءَ).
وقوله: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْر عَنُود، وَزَمَن كَنُود).
٧ـ ومن القسم قوله:
(وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصِفاً).
وقوله: (أَمَا وَاللهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً، وَلكِنْ جَئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً).
وقوله: (وَلَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ، لاَوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاَعِق).
وقوله: (أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا..).
وقوله: (وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلاِيمَانِ عُودٌ، وَأَيْمُ اللهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً، وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً).
وقوله: (والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها، فكيف بالنفس التي قتلُها عند الله حرام؟).
٨ـ ومن التعجب قوله:
(سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ! سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ! وَمَا أصْغَرَ كُلَّ عَظِيمَة فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ! وَمَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ مَلَكُوتِكَ! وَمَا أَحْقَرَ ذلِكَ فِيَما غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ! وَمَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا، وَمَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ الاْخِرَةِ!).
وقوله:
(وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَالْـمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ، مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ، وَأَسْرَعَ الاْيَّامَ فِي الشَّهْرِ، وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ، وَأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ!).
وقوله: (فَيَا عَجَباً! عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ).
٩ـ السجع والترسّل: جاء في إحدى خطبه:
(فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا، وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا، وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ، وَقَلِيلِ مُقَامِهِ، فِي مَنْزِل حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً، فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ، وَمَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ فَطُوبَى لِذِي قَلْب سَلِيم، أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ، وَتَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ، وَأَصَابَ سَبِيلَ السَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ، وَطَاعَةِ هَاد أَمَرَهُ، وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ، وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ، فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ).
وقوله:
(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أرْسَلَهُ بِالدِّينِ المشْهُورِ، وَالعَلَمِ المأْثُورِ، وَالكِتَابِ المسْطُورِ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ، وَالاَمْرِ الصَّادِعِ، إزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ، وَاحْتِجَاجاً بِالبَيِّنَاتِ، وَتَحْذِيراً بِالايَاتِ، وَتَخْويفاً بِالمَثُلاَتِ، وَالنَّاسُ في فِتَن انْجَذَمَ فِيها حَبْلُ الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي اليَقِينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وَتَشَتَّتَ الاْمْرُ، وَضَاقَ الْـمَخْرَجُ، وَعَمِيَ المَصْدَرُ، فَالهُدَى خَامِلٌ، واَلعَمَى شَامِلٌ).
ومن الموازنة قول الإمام علي:
(لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ، وَلاَ تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ، وَلاَ وَقَفَ بِهِ عَجْرٌ عَمَّا خَلَقَ،وَلاَ وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهُةٌ فِيَما قَضَى وَقَدَّرَ، بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ، وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ، وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ..).
وكذلك قوله: (إِنَّ الزَّاهِدِينَ في الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا، وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا، وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتُبِطُوا بِمَا رُزِقُوا..).
وقد يجيء التوازن في آخر الجمل لا في نهاياتها، فيؤلف انسجاماً في نطق الكلمات وفي سماعها، مثل قوله: (الْحَمْدُ للهِ غَيْرَ مَقْنُوط مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلاَ مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ، وَلاَ مَأْيُوس مِنْ مَغْفِرَتِهِ، وَلاَ مُسْتَنْكَف عَنْ عِبَادَتِهِ، الَّذِي لاَ تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ، وَلاَ تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ) فإن هنا موازنة بين مقنوط ومخلوّ وميؤوس.
١٠ـ الجناس، الطباق، المقابلة، والتوشع.. الخ.
كما استعرض الدكتور الحوفي، أمثلة عديدة عن الخيال البياني في خطب علي بن أبي طالب ورسائله ـ وما تعتمده من (التشبيه) و(الاستعارة) و(الكناية) و(المجاز) ـ وهي عدة الشاعر والخطيب والكاتب، التي برع فيها علي براعة منقطعة النظير، في شتى شؤون المعرفة، والعقل، والنفس، وفي مختلف قضايا البشر، والدين والدنيا.
أسانيد
سأتحدث معك من منظورك أنت وأفيدك بشئ من المراجع الزاخمة الموثوق بها أخي الفاضل وهي أكيدة وقريبة وحتى قبل الشريف الرضي وأستبين منها الآتي حيث أتفق عليها الخلف واحداً تلو الأخر من الأقرب حتى أخر المؤرخين والجامعين لفقه وأدب وبلاغة الإمام :
ويشتمل (نهج البلاغة) على نحو ثلاثمائة خطبة، ومائة رسالة، وخمسمائة حكمة.
نهل من معينها الكتّاب، والأدباء، والمفكرون، والمتصوّفة، والعلماء، والزهّاد، والعارفون.
وقد قال عبد الحميد الكاتب:
(حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع (يعني به علي بن أبي طالب) ففاضت ثم فاضت)، وقيل له: ما الذي خرّجك في البلاغة؟ قال: خطب الأصلع .
وقال ابن نباته:
(حفظت من الخطابة كنزاً، لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة. حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب).
وقال الشريف المرتضى:
(كان الحسن البصري بارع الفصاحة، بليغ المواعظ، كثير العلم، وجميع كلامه في الوعظ، وذم الدنيا، أو جلّه مأخوذ لفظاً ومعنى، أو معنى دون لفظ، من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فهو القدوة والغاية) .
وقال الأستاذ حسن السندوبي:
والظاهر أنه (أي عبد الله بن المقفع) تخرج في البلاغة على خطب الإمام علي، ولذلك كان يقول: (شربت من الخطبة رياً ولم أضبط لها روياً، فلا هي نظاماً وليس غيرها كلاماً) .
وكما كان نهج البلاغة مصدراً كبيراً من مصادر البيان والبلاغة، كذلك هو مصدر للرياضة والتصوف في الإسلام. وهو إلى ذلك المنجم الغني بأصول التوحيد والفلسفة الإسلامية (علم الكلام)، التي أوسعها المتكلمون - بعد ذلك - بالشرح والتفسير، وأحد الروافد الكبيرة للفكر الإسلامي في جميع جوانبه الاجتماعية والأخلاقية والدينية وغيرها.
وهو كذلك سجل حافل بعناصر تاريخية واقعية، تمد الباحث والمؤرخ بالحقيقة الساخرة، ويمثل كذلك الكثير من الحقائق المذهبية، والتوحيد، وتنزيه الخالق، وصفاته، والعدل. والجبر والاختيار، وما إلى ذلك .
وليس نهج البلاغة (الكتاب الجامع لخطب علي بن أبي طالب ورسائله وأقواله، والذي أطلق عليه الشريف الرضي عنوانه)، أول جمع لتراث علي بن أبي طالب، فلقد حظي كلام الإمام وخطبه بعناية العلماء، والأدباء، قبل عصر الرضي، فعكف فريق منهم على جمع شوارده، ونظم فرائده، حتى تألفت من ذلك مجاميع كثيرة، كما عكف فريق آخر على حفظه والاستعانة به في كلامهم وخطبهم. وفريق ثالث ضمّنوا مؤلفاتهم الأدبية والتاريخية والأخلاقية، طائفة كبيرة من كلامه. وكان ذلك كله هو المصدر الرئيسي الذي اختار الرضي منه هذا المجموع (نهج البلاغة)، وانتقى منه هذه الطرائف البيانية القيّمة .
وقد تجاوزت خطبه المتداولة بين أيدي الناس، إلى أكثر من أربعمائة خطبة:
قال ابن واضح اليعقوبي المؤرخ المشهور المتوفى سنة (٣٩٢ هـ) في كتاب (مشاكلة الناس لزمانهم):
(وحفظ الناس عنه الخطب، فإنه خطب بأربعمائة خطبة، حفظت عنه وهي التي تدور بين الناس، ويستعملونها في خطبهم).
وقال المسعودي المتوفى سنة (٣٤٦ هـ) في كتاب (مروج الذهب - الجزء الثاني):
(والذي حفظ الناس من خطبه في سائر مقاماته، أربعمائة ونيف وثمانون خطبة، يوردها على البديهة، وتداول الناس ذلك عنه قولاً وعملاً) وقد أشرنا إلى أن هناك جماعة من العلماء والأدباء عكفوا على جمع كلام الإمام علي قبل أن يخلق الشريف الرضي. وقد ذهبت هذه المجموعات مع الزمن كما ذهب سواها من تراثنا العربي، وبقيت أسماؤها.
ويذكر عبد الله نعمة من الأسماء:
١ - كتاب خطب علي (عليه السلام) وكتبه إلى عماله، لأبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله المدائني المولود عام ١٣٥ هـ والمتوفى عام ٢١٥ / ٢٢٥ هـ.
٢ - كتاب خطبة علي (كرم الله وجهه)، لهشام بن محمد بن السائب الكلبي المتوفى سنة ٢٠٤ / ٢٠٦ هـ.
٣ - كتاب خطب الإمام علي، لأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى بن عيسى الجلودي الأزدي البصري المتوفى سنة ٣٣٢ هـ، وكان من شيوخ البصرة وأخبارييها، له ما يقرب من ثلاثمائة مؤلف.
٤ - كتاب رسائل علي.
٥ - كتاب ذكر كلام علي في الملاحم.
٦ - كتاب مواعظ الإمام علي.
٧ - كتاب قوله في الشورى.
٨ - كتاب الدعاء عن الإمام.
٩ - كتاب بقية رسائله وخطبه وأدل مناظراته.
١٠ - كتاب بقية مناظراته.
١١ - كتاب ما كان بين علي وعثمان من الكلام، وهذه الكتب كلها للجلودي المذكور. وقد بقي كتابه في خطب الإمام علي بين أيدي العلماء حتى أوائل القرن التاسع، وقد نقل عنه الشيخ حسن بن سليمان الحلي في كتابه (المختصر) شطراً من خطبته التي أولها: (أنا فقأتُ عين الفتنة).
١٢ - كتاب خطب أمير المؤمنين، لأبي هاشم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن المتوفى سنة (٢٥٢هـ).
١٣ - كتاب الخطب لأمير المؤمنين، لأبي إسحاق النهمي إبراهيم بن سليمان بن عبد الله بن خالد الكوفي الخراز، يرويه عنه النجاشي بثلاث وسائط، آخرها حميد بن زياد الكوفة المتوفى سنة (٣١٠ هـ).
١٤ - كتاب خطب أمير المؤمنين، لإبراهيم بن الحكم بن ظهير الفزاري، قال الطوسي في الفهرست: (إنه صاحب التفسير عن السدي، والسدي الكبير هو أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي المفسر المتوفى في حدود سنة (١٢٨ هـ) والسدي الصغير هو حفيد السدي الكبير، محمد بن مروان بن عبيد الله بن إسماعيل السابق الذي يروي عن محمد بن السائب الكلبي، كتاب التفسير.
١٥ - كتاب الخطب لأمير المؤمنين، لأبي يعقوب إسماعيل بن مهران بن محمد بن عمر بن أبي نصر السكوني.
١٦ - كتاب الملاحم للإمام، لأبي يعقوب المذكور.
١٧ - خطب أمير المؤمنين على الناس في الجمع والأعياد وغيرهما، لأبي سليمان زيد بن وهب الجهني الكوفي المتوفى سنة (٨٠ / ٩٦ هـ).
١٨ - خطب أمير المؤمنين، لأبي الخير صالح أبي حماد سلمة الرازي.
١٩ - خطب أمير المؤمنين، المروية عن الصادق المتوفى عام (١٤٨ هـ).
٢٠ - خطب أمير المؤمنين، لأبي محمد أو أبي بشر مسعدة بن صدقة العبدي.
٢١ - خطب أمير المؤمنين، برواية أبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي الأسلمي. رواه الشيخ أبو غالب الزراري بإسناده إلى الواقدي، وقد توفي الزراري عام (٣٦٨ هـ).
٢٢ - كتاب رسائل المؤمنين، لإبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي المتوفى سنة ٢٨٣ هـ. وهو من ولد سعيد بن مسعود أخي عبيد بن مسعود صاحب وقعة الجسر مع الفرس، وعم المختار الثقفي، وله أيضاً كتاب الخطب السائرة..
٢٣ - كتاب الخطب، لمحمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد الأشعري.
٢٤ - مائة كلمة من كلام أمير المؤمنين، جمعها الجاحظ المتوفى عام (٢٥٧ هـ).
٢٥ - كتاب أبي العباس يعقوب بن أبي أحمد الصيمري الذي جمعه من كلام علي (رضي الله عنه) وخطبه. ذكره شارح النهج ابن أبي الحديد عند شرح كتاب علي إلى معاوية، وأول هذا الكتاب: (وكيف أنت صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه..).
٢٦ - كتاب الخطبة الزهراء لأمير المؤمنين، لأبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي المتوفى سنة (١٥٨ هـ)، وقد رواها الطوسي في الفهرست بسنده، قال: أخبرنا بها أحمد بن محمد بن موسى عن ابن عقدة عن يحيى بن زكريا عن ابن شيبان عن نصر بن مزاحم عن أبي مخنف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه، قال: خطب أمير المؤمنين، وذكر الخطبة. وهذه الخطبة الزهراء أوردها ابن عبد ربه في العقد الفريد (م٢)، أولها: الحمد لله الذي هو أول كل شيء وبديه، ومنتهى كل شيء ووليه.
وفيها يقول: ملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك، وليست فيهم فترة ولا عندهم غفلة.
ثم يقول فيها: لم يسكنوا الأصلاب ولم تضمنهم الأرحام... وهي طويلة، وآخرها. إنك ولي كريم.
٢٧ - خطب أمير المؤمنين مع شرحها، لقاضي القضاة لدى الفاطميين أبي حنيفة النعمان المصري المتوفى سنة (٣٦٣ هـ) ذكره ناشر كتاب الهمة في معرفة الأئمة الدكتور محمد كامل حسين ناقلاً عن الأستاذ المستشرق إيفانوف في كتاب المرشد إلى أدب الإسماعيلية. ويتساءل عبد الله نعمة، بعد كل هذا: (أين تلك المؤلفات الموضوعة في خطب الإمام علي وكلامه؟ وأين ذهبت الأربعمائة خطبة أو تزيد مما كان يحفظه الناس من كلامه؟ وأين ما كان يحفظه الكتّاب والبلغاء من كلماته؟
أليس في كل هذا ما يؤكد أن ما اختاره الرضي في نهج البلاغة هو بعض ما كان مدوناً ومحفوظاً ومشهوراً بين الناس؟
أليس في هذا ما يدمغ أولئك القائلين بأن ما في النهج موضوع ومنحول على لسان الإمام علي؟).