اويس كريم محمد (المؤلف)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
من الظلم أن نعامل نهج البلاغة على أنه كتاب أعد فقط لمن ينشد مثلا أعلى في البلاغة والأدب. فقراءة عابرة لمقدمة الشريف الرضي - رحمه الله - للنهج ترينا أن الدوافع الرئيسية لتأليفه لم تكن أدبية وبلاغية فقط، وإنما كما ورد في تعبيره «فيه حاجة العالم والمتعلم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق ما هو بلال كل غلة، وجلاء كل شبهة». وقوله في نفس المقدمة «وسألوني أن أبتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب، وكتب، ومواعظ، وأدب، علما أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة، وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، ما لا يوجد مجتمعا في كلام، ولا مجموع الأطراف في كتاب».
وحقا ما قاله الشريف الرضي، فنهج البلاغة - على محدودية نصوصه -، له في معظم المواضيع كلام وتصريح، وفي أغلب المسائل تفصيل وتوضيح.
ومن المسلم به عند الجميع، أن الإمام عليه السلام لم يكن هدفه الأول والأساس تقديم نماذج أدبية وبلاغية لرواد الأدب والبلاغة وإنما كان يرسل كلامه إرسالا، ولكن بصفته الإنسان المتكامل عند رسول الله (ص)، فقد جاء كلامه متكاملا كسائر أفعاله صلوات الله وسلامه عليه.
فلما ذا إذن سمي الكتاب بنهج البلاغة وللجواب على هذا السؤال نقول: من نظرة سريعة لعصر الشريف الرضي - رحمه الله - يتبين لنا أن الطابع العام الذي كان يطغى على ذلك العصر، هو الاهتمام بالعلوم العربية وآدابها وفنونها بشكل لا يضاهيه الاهتمام بالعلوم والفنون الأخرى، ولا تضاهيه عصور الأدب الأخرى.
ولكن الذي يحز في النفس هو أنه بسبب النظرة المتقدمة، ولأسباب أخرى سياسية وعقائدية وفنية... حرم العالم من هذا النبع العظيم الذي يمكن أن يضيف خدمات جبارة للإسلام والمسلمين بصفته أحد المصادر الإسلامية النقلية العظيمة التي تأتي أهميتها بعد القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف.
وفي هذا الظرف، الذي نشاهد فيه صحوة إسلامية كبيرة، ونهضة إسلامية صاعدة، من الأجدر بالكتاب والباحثين أن يتعمقوا في النهج لسبر أغواره، واكتناه أسراره، للاستفادة منه في دفع مسيرة الإسلام نحو الأمام.
وفي اعتقادنا، إن إعداد فهارس لفظية وموضوعية للنهج يسهل مهمة الباحثين والكتاب للسير قدما في هذا الطريق المقدس. وقد ظهر في الأسواق - ولله الحمد - «المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة» وهو جهد مشكور، فيه الكفاية لمن يبحث عن عبارات محددة في النهج، أما فيما يتعلق بموضوعات النهج، فقد ظهرت لحد الآن أربع فهارس وهي:
١ - الدليل على موضوعات نهج البلاغة.
٢ - تصنيف نهج البلاغة.
٣ - الهادي إلى موضوعات نهج البلاغة.
٤ - الفهارس العلمية التي رتبها الدكتور الفقيد صبحي صالح لنهج البلاغة. [١]
ورغم أن هذه المؤلفات لها أفضلية السبق في هذا المضمار، إلا أن هناك بعض المؤاخذات عليها، مما جعلها لا تصل إلى الغاية المرجوة من وراء تأليفها، وهذا ما دفعنا إلى أن نلج هذا الباب، فنؤلف هذا الفهرس الموضوعي الذي يتميز بما يلي:
أولا: كثرة مباحثه:
لقد تجاوزت مباحث فهرستنا الستمائة مبحثا، أما مباحث (الدليل) فكانت (١٣٢) مبحثا، و(التصنيف) (٢٥٥) مبحثا، و(الفهارس العلمية) (٢٤٥) مبحثا، و(الهادي) يقرب تعداد مباحثه من عدد مباحث الفهارس العلمية بعد حذف المتكرر منها. [٢]
ثانيا: كثرة عباراته:
إن العبارات التي استخرجناها لكل مبحث من مباحثنا هي أيضا أكثر من العبارات التي استخرجتها الفهارس الأخرى ففي موضوعي (الجهاد والشهادة):
أورد الدليل مبحثين في (٥٦) عبارة.
والتصنيف مبحثا واحدا في (٦) عبارات.
والهادي مبحثين في (١٠) عبارات.
والفهارس العلمية مبحثين في (٤) عبارات.
أما في فهرستنا فقد استخرجنا (١٨) مبحثا في (١١٧) عبارة.
- وفي مباحث المعاد (الموت والقبر والبرزخ والنشور والحساب والجزاء):
ذكر الدليل (٣) مباحث وعدد عباراته (١٦٣).
والتصنيف (٤) مباحث وعدد عباراته (٧٢).
والهادي (٧) مباحث وعدد عباراته (٥٩).
والفهارس العلمية (١١) مبحثا وعدد عباراته (٦٥).
أما في فهرستنا، فقد استخرجنا (٣٥) مبحثا، أما عدد العبارات فبلغت (٢٠٦) عبارة.
- وفي موضوع (التقوى والمتقين):
ذكر الدليل مبحثين وعدد العبارات (٨٥).
والتصنيف مبحثين وعدد العبارات (٥٥).
والهادي مبحثين وعدد العبارات (٣١).
والفهارس العلمية مبحثا واحدا وعدد العبارات (٩).
أما في فهرستنا، فقد استخرجنا (٢٧) مبحثا، أما عدد العبارات فبلغت (١٩٣) عبارة.
- وفي موضوع (جهاد النفس):
ذكر الدليل مبحثا واحدا و (١٠) عبارات.
والتصنيف مبحثين و (١٠) عبارات.
والهادي مبحثا واحدا و (١٧) عبارة.
والفهارس العلمية (٣) مباحث و (٦) عبارات.
أما في فهرستنا، فقد استخرجنا (١٠) مباحث، وعدد عباراتها بلغت (٧٠) عبارة.
وللزيادة في التوضيح نذكر على سبيل المثال أيضا لا الحصر، بعض العبارات التي لم يوردها أو يشير إليها أي من الفهارس الأخرى وهي في موضوع (جهاد النفس):
- قوله عليه السلام في الكتاب رقم (٥٦):
«وأعلم انك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعا رادعا، ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا».
- وقوله عليه السلام في الخطبة رقم (١٩٣) وهو يصف المتقي:
«... إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره، لم يعطها سؤلها فيما تحب... نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة».
- وقوله عليه السلام في الخطبة رقم (٨٧):
«عباد الله، إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه... فقرب على نفسه البعيد، وهون الشديد... قد ألزم نفسه العدل، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه».
- وقوله عليه السلام في الخطبة رقم (١١٤) في بداية الخطبة بعد حمد الله تعالى:
«... ونستعين على هذه النفوس البطاء، عما أمرت به، السراع إلى ما نهيت عنه».
ثالثا: دقة توزيع العبارات على المباحث:
حاولنا في فهرستنا توخي الدقة عند اختيار وتجزئة وتوزيع العبارات على مباحثها الخاصة بها، خوفا من الوقوع في الاشتباهات التي وقعت بها الفهارس الأخرى، ونذكر هنا على سبيل المثال أيضا لا الحصر بعضا من هذه الاشتباهات: - في التصنيف ص (٣٢) تحت عنوان «وحدانية الله سبحانه وتعالى وصفات ذاته وصفات أفعاله» وردت بشكل مستقل العبارة التالية:
«أوصيكم بتقوى الله الذي أعذر بما أنذر، وحذركم عدوا نفذ في الصدور خفيا».
وفي الهادي ص (٥٠٤) تحت عنوان «المرائي» وردت بشكل مستقل العبارة التالية:
«المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لا بد منها».
- وفي الدليل ص (٩٩٢) تحت عنوان «الخير والشر» وردت بشكل مستقل العبارة التالية:
«لأنها بيعة واحدة، لا يثنى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار».
- وفي الفهارس العلمية ص (٨٠٨) تحت عنوان «العقائد الدينية» جاءت العبارة التالية بشكل مستقل أيضا:
«إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع...».
«الأسلوب الذي اعتمدناه في اعداد الفهرست» ١ - حاولنا استقصاء جميع عبارات الإمام عليه السلام، دون استثناء بعضها، أو حذف شيء منها.
٢ - إننا لم نعتمد اعتمادا كليا في عملية استقصاء العبارات، على الفهارس اللفظية، وإنما وسعنا دائرة هذه العملية، بالتعمق في معاني العبارات، فحصلنا على رصيد كبير من العبارات بما يخص كل موضوع أو مبحث فرعي.
٣ - عند ما تتجمع لدينا عبارات كثيرة لموضوع ما، فإننا نستحدث عناوين فرعية مختلفة لتوزيع تلك العبارات عليها.
٤ - في كتابة عناوين المباحث، اتبعنا الأسلوب المطول وليس المختصر، لتحديد مرامي عبارات الإمام عليه السلام بدقة، وهو الأسلوب الذي اتبعه العلامة المجلسي - رحمه الله - في بحار الأنوار.
٥ - في وضع المباحث أتبعنا الطريقة المستخدمة في البحوث، فنضع العناوين المطلوبة لدراسة متكاملة حسب تسلسلها المنطقي المتبع في البحوث والدراسات، وكأننا بصدد كتابة دراسة شاملة ومتكاملة، ثم نستفتي النهج في كل مبحث، فنثبت البحوث التي نجد لها عبارات في النهج، ونحذف تلك التي لم نجد لها عبارات تخصها.. ٦ - لم نلتزم التسلسل العددي في إيراد العبارات تحت كل مبحث، وربما جاءت العبارة من الخطبة (٢٠٠) قبل العبارة من الخطبة (١)، وعذرنا في ذلك هو التزامنا - غالبا - بالتسلسل المنطقي في البحث.
ويطول بنا المقام هنا لو أردنا إيراد الأمثلة الواقعية لتوضيح هذه النقاط، وبإمكان القارئ أو الباحث مراجعة الفهرست رقم (١) في آخر الكتاب ليتبين أسلوبنا وتتوضح خطتنا بشكل أفضل.. وختاما فإني أتوجه بالشكر الجزيل للمشرفين على مجمع البحوث الاسلامية ولأستاذي ومرشدي في العمل، العلامة الأستاذ الفاضل الشيخ علي أكبر إلهي على تيسيرهم الإمكانيات اللازمة لإخراج هذا الدليل، وتوفيرهم المصادر والمراجع المطلوبة، وتشجيعهم الكبير الذي كان من الأسباب الرئيسية التي دفعتني قدما في إنجاز هذا المشروع.
كما أشكر الأستاذين الكبيرين العلامة الفاضل الشيخ واعظ زاده والعلامة الأستاذ السيد إبراهيم حجازي على إبدائهما بعض الملاحظات التي أفدت منها كثيرا.
هذا وإني لا أرجو عوضا على جهودي سوى رضوانه سبحانه وتعالى، وشفاعة رسوله الكريم (ص) وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام.