تحقيق: اسعد طيّب
الشيخ احمد بن محمد الوبري (القرن السادس الهجري)
قال البيهقي في معارج نهج البلاغة في تعداد علماء علم الكلام في زمنه ممن لقيهم وعاشرهم، في آخر كلامه عنهم:
وممن سمعت خبره، وعاينت أثره، ولم أره: الإمام أحمد بن محمد الوبري الخوارزمي الملقب بالشيخ الجليل[١].
وقد ظن السيد عبد العزيز الطباطبائي في بحثه نهج البلاغة عبر القرون الحلقة الخامسة، المنشور في مجلة تراثنا العدد ۳۷ أن الوبري المذكور هو أحمد بن محمد بن مسعود الوبري الحنفي الخوارزمي أبو نصر الموصوف بالإمام الكبير شارح مختصر الطحاوي.
وبحثت في كتب التراجم فلم أجد صاحبنا بتسمية البيهقي المختصرة له، وبعد البحث الطويل قوي عندي ظن الطباطبائي.
وظنَّ الطباطبائي أن أباه إمّا محمد بن أبي بكر زين الأئمة المعروف ب «خمير الوبري» المتوفى في حدود ٥۱۰، وإما أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن محمد الوبري الخوارزمي المتوفى في ۲٥ رجب ٤۸۳.
والظن الأول ـ في أبيه ـ ضعيف ؛ لأنه لو كان محمد بن أبي بكر أباه للقّب صاحبنا بلقب أبيه المشهور: خمير أو ابن خمير.
والظن الثاني ـ في أبيه ـ ينقضه الظن القوي بأن أباه محمد بن مسعود.
وعلى أي حال فللطباطبائي هنا ثلاثة ظنون: الظن الأول قويٌّ، والظنان الآخران ساقطان.
فإن كان صاحبنا هو ابن محمد بن مسعود، فهو مترجم في تاج التراجم وغيره.
قال في تاج التراجم: «أحمد بن محمد بن مسعود الوبري الإمام الكبير أبو نصر، شرح مختصر الطحاوي في مجلدين»[٢].
وأما مختصر الطحاوي فكتاب معتبر في فقه الحنفية، حيث قال عبد العزيز الدهلوي في بستان المحدثين:
إن مختصر الطحاوي يدل على أنه كان مجتهداً ولم يكن مقلداً للمذهب الحنفي تقليداً محضاً ؛ فإنه اختار فيه أشياء تخالف مذهب أبي حنيفة لما لاح له من الأدلة القويّة[٣].
وقد ذكر شرح مختصر الطحاوي صاحب كشف الظنون فقال:«هو شرح ممزوج متوسط في مجلدين»[٤].
مما يدل على رؤيته له.
وقد بقي إلى عصرنا هذا الجزء الأول منه ـ إن كان لم يُسرق ولم يُحرق ـ في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد برقم ۳٦۲٥.
قال الاُستاذ عبد اللّه الجبوري:
شرح مختصر الطحاوي. مؤلفه: أبو نصر أحمد بن محمد (مسعود) الوتري (ت ـ؟)، الكشف ۲: ۱٦۷۲.
والنسخة نفيسة رائعة مذهَّبة خزائنية، أوّلها: بسملة. صلى اللّه على سيدنا محمد وآله، قال الشيخ الفقير رحمه الله: قال أبو جعفر: بحمد اللّه أبتدي، وإياه أستهدي، وأسأله أن يصلي على رسول...
وآخره: وافق الفراغ من نسخه على يد علي بن خليل بن إبراهيم الحنفي الشهير والده بالبخاري... عام ثلاث وتسعين وسبعمئة[٥].
شرحه لنهج البلاغة
يظهر من كلام البيهقي أنه لم يشرح كل نهج البلاغة بل شرح الفقرات ذات الجانب الكلامي، قال البيهقي: «وقد شرح من طريق الكلام مشكلات نهج البلاغة»[٦].
وقد نقل عن هذا الشرح فقرات بعض شراح نهج البلاغة مثل البيهقي في معارج نهج البلاغة، وهو أساس عملنا هذا.
والكيدري في حدائق الحقائق عن طريق معارج نهج البلاغة ؛ لأن حدائق الحقائق جمع بين شرحين: معارج نهج البلاغة، ومنهاج البراعة للقطب الراوندي.
وأما أولية الوبري أو الراوندي ـ كما يدعي الطباطبائي ـ فلها مجال آخر إن شاء اللّه.
وعسى أن يظهر من خزائن المخطوطات شرح الوبري فينقطع حينئذ الظن باليقين.
مصادر المقدمة
- تاج التراجم في من صنف من الحنفية، زين الدين أبو العدل قاسم بن قطلوبغا الحنفي (٤۷۹ ق)، تحقيق إبراهيم صالح، دار المأمون للتراث ـ بيروت، الطبعة الاُولى ۱٤۱۲ق /۱۹۹۲م.
- الجواهر المضية في طبقات الحنفية، محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر اللّه بن سالم بن أبي الوفاء القرشي الحنفي (٦۹٦ـ۷۷٥ق)، تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، الطبعة الثانية ـ هجر للطباعة والنشر ـ القاهرة، ۱٤۱۳ق /۱۹۹۳م.
- الطبقات السنية في تراجم الحنفية، تقي الدين بن عبد القادر التميمي الداري الغزي المصري الحنفي (۱۰۱۰ق)، تحقيق الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، دار الرفاعي ـ الرياض، الطبعة الاُولى ۱٤۰۳ق /۱۹۸۳م.
- فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد، عبد اللّه الجبوري، الجمهورية العراقية ـ رئاسة ديوان الأوقاف، الطبعة الاُولى، مطبعة الإرشاد ـ بغداد، ۱۳۹۳ق /۱۹۷۳م.
- الفوائد البهية في تراجم الحنفية، طبع معه كتابان آخران، محمود بن سليمان الكفوي (۹۹۰ق)، تحقيق أحمد الزعبي، دار الأرقم بن أبي الأرقم ـ بيروت، الطبعة الاُولى ۱٤۱۸ق /۱۹۹۸م.
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبد اللّه القسطنطنيني الرومي الحنفي الشهير بالملا كاتب جلبي والمعروف بحاجي خليفة، اُوفست عن طبعة استنبول ۱۳٦۰ق /۱۹٤۱م.
- نهج البلاغة عبر القرون، السيد عبد العزيز الطباطبائي (۱٤۱٦ق)، نشر في مجلة تراثنا الصادرة عن مؤسسة آل البيت لإحياء التراث في قم، العدد ۳۷.