وهو شرح متوسط للشّيخ محمّد جواد مغنية على نهج البلاغة وقبل أن نتحدّث عنه نلقي نظرةً على حياة صاحبه.
المؤلف:
اسمه الكامل محمّد جواد بن مهدي بن محمّد بن عليّ بن حسن بن حسين بن محمود بن محمّد بن عليّ آل مَغْنّية العامليّ . ولد في طيردبا من توابع مدينة صور في لبنان سنة ١٩٠٤م، ونشأ في أسرة مستواها المعيشيّ دون المتوسّط. سافر إلى النّجف مع أبيه لأوّل مرّة قبل أن يبلغ العاشرة من عمره. وفقد أباه وهو في العاشرة من عمره، فبدأ عصر فقره وعوزه على حدّ تعبيره.
توجّه إلى النّجف الأشرف سنة (١٩٢٥م)، وعكف على دراسة العلوم الدّينيّة فيها حتّى سنة ١٩٣٦م. قرأ «الأجروميّة»، و «قَطر النّدى» ودروساً مثلهما على أخيه، وأتمّ «المعالم» و «الكفاية» عند السّيّد الحماميّ ـ ويبدو أنّ معظم إفادته كانت منه ـ وهو يذكره في حديثه عن حياته أكثر من غيره. وأخذ «المكاسب» من آية الله العظمى الخوئي، ثمّ حضر دروس المرحلة العليا المصطلَح عليها في الحوزة «الخارج». وكان يُمضي وقته في المكتبات منهمكاً في المطالعة أيّام عطلة الحوزة.
وبعد عودته إلى لبنان عام (١٩٣٦م) يمّم قريته طيردبا المتاخمة لفلسطين، وزاول فيها التبليغ حتّى سنة (١٩٤٨م). ويُستشفّ من كتاباته أنّ نفسه قد طابت في تلك الفترة بهدوء القرية من جانب، وما طابت من جانب لفقده مجال القراءة والكتابة وانعدام الإمكانيّات للتّحقيق والمطالعة.
توجّه إلى بيروت سنة (١٩٤٨م) بعد تولّي منصب القضاء للفقه الجعفريّ، وظلّ فيها حتّى اعتزاله الأعمال التّنفيذيّة. وأصبح مشاوراً في المحكمة الجعفريّة العليا سنة (١٩٤٩م)، ثمّ ولي رئاستها منذ سنة (١٩٥١م) حتّى سنة (١٩٥٦م)، ومن سنة (١٩٥٦م) حتّى سنة (١٩٥٨م) حيث بدء تقاعده كان مشاوراً في المحكمة المذكورة.
ويُرى في كتاباته أنّ تخلّيه من رئاسة المحكمة الجعفريّة العليا كان بداية عصر زاهر له؛ إذ إنّ من معطياته إنجازه لأعمال علميّة عظيمة نحو تفسير «الكاشف»، و «فقه الإمام جعفر الصادق»، و «الفقه على المذاهب الخمسة»، و «في ظلال نهج البلاغة»، و «في ظلال الصّحيفة السّجّاديّة».
وتعدّ الفترة الواقعة بين سنة (١٩٥٧) و (١٩٧٩م) أخصب فترة في الحياة الثّقافيّة للشّيخ مغنية، فقد ألّف فيها معظم كتبه، وكانت له أسفار إلى القاهرة، وقمّ، ومشهد، ولقاءات بعلماء إيران ومصر.
توفّي مغنية سنة (١٤٠٠هـ / ١٩٧٩م) في بيروت، ودُفن في النّجف الأشرف.
مصنّفات مغنية:
صنّف مغنية أكثر من خمسين كتاباً. وتتجلّى في كتبه الخصائص الآتية:
ـ البساطة: لغته في الكتابة بسيطة، بعيدة عن التّعقيدات العفويّة النّابعة من قلّة العلم. أو التعقيدات المتعمَّدة الناتجة من التّفاخر.
ـ عصريّة الثّقافة: يتصف مغنية بفكر مثقّف ملتزم، وهو مكافح في كتبه ورؤاه، حتّى إنّه كان يتمنّى أن يُستشهد أو يُجرَح أو يُسجَن، أو يعيش طريداً بدل كتبه الأربعين كلّها .
ـ الانفتاح والحرّيّة الفكريّة، إذ عرض نتاجاته العلميّة بفكر حرٍّ منفتح.
ـ الدّفاع عن الشّيعة: دافع مغنية عن التّشيّع وعقائده الأصيلة بقوة، وكافح التشويه وما لا يليق.
ـ الدّفاع عن الفقه الجديد: كان لمغنية احتكاك بالقضايا الاجتماعيّة للنّاس، من هنا كان يدافع عن فقه جديد معاصر يعالج القضايا الحياتيّة للناس بدل الفرضيّات المعقّدة.
ومن الجدير ذكره أنّ أوّل كتاب للشّيخ مغنية بعنوان «الوضع الحاضر في جبل عامل» طُبع سنة ١٩٤٧م. ثمّ قدّم نتاجاته العلميّة للناس واحداً تلو الآخر، إذ كان يعمل بين (١٤) إلى (١٨) ساعة ليل نهار. وأهمّ نتاجاته الّتي تبلغ قُرابة خمسين كتاباً هي:
١ ـ فقه الإمام جعفر الصادق، في ستّة أجزاء.
٢ ـ الفقه على المذاهب الخمسة، جزء واحد، وقد تُرجم إلى اللغة الفارسيّة.
٣ ـ التفسير الكاشف، في سبعة أجزاء، وترجم إلى الفارسيّة أيضاً.
٤ ـ تفسير الصّحيفة السجّاديّة (في ظلال الصّحيفة السجّاديّة).
٥ ـ في ظلال نهج البلاغة، في أربعة أجزاء. وهو ما نستعرضه فيما يأتي:
في ظلال نهج البلاغة:
في تفسير نهج البلاغة، طُبع لأوّل مرّة في أربعة أجزاء سنة (١٩٧٢م).
وتولّت طبعه دار العلم للملايين في بيروت على نفقتها الخاصّة.
وهذا الشّرح ذو لغة بسيطة، وأسلوب جيد. يقول مؤلّفه بشأنه في مقدّمته: «الفرق بين كتاب وآخر في علم من العلوم هو الفرق بين مؤلّف وآخر، لأنّ أُسلوب الإنسان هو شخصيّة الإنسان. فإذا كتب اثنان في موضوع واحد، أو شرحا متناً واحداً، تناوله كلّ منهما من رؤية شخصيّتة، ونظر إليه من زاوية ميوله ورغبته.
ومن هنا تغلّب التّاريخ والأدب على شرح ابن أبي الحديد...، وتغلّب علم الكلام في شيء من الذّوق الصّوفيّ على شرح ابن ميثم البحرانيّ، وأعاد السّيّد الخوئي ما قاله البحرانيّ، وكرّره مع بعض الإضافات من الآثار والرّوايات».
وواصل مغنية كلامه فحدّد رؤيته في شرح نهج البلاغة قائلاً: «ولأنّي أدين وأعتقد بأنّ الإسلام ما شُرّع إلاّ لخير الإنسان وسعادته، وانّه من أجله يعتبر العلم النّافع فضيلة وفريضة، والعمل لحياة أفضل عبادةً وجهاداً، فقد فرض علَيّ هذا الاعتقاد نفسه في شرح النّهج، ودعاني أن أفسّر كلّ كلمة أو جملة منه من خلال هذه الرّؤية إنْ تحمّلها ظاهر الكلام وأشار إليها. وليس معنى هذا أنّي لم أستَق شيئاً من القديم، وأنّي رفضتُ التّراث وتجاوزته بما فيه. كيف، ولو فعلت هذا لكان كتابي شرحاً لغير النّهج أو ليس بشرح على الإطلاق، وكانت وجهتي إلى غير ما قصدتُ. ثمّ هل أفسّر الكلمات والمفردات بغير ما يتبادر منها إلى الأفهام، وبغير ما جاء في قواميس اللغة، أو أبدّل وقائع التّاريخ، أو أتجاهل السّياق الّذي يشترك الجميع في فهمه ؟أجل، رفضتُ من القديم ما يجب رفضه في هذا العصر، ولا ينقص من الدّين شيئاً، وقبلت منه ما يتّفق مع كلّ عصر، وأوضحته وأحكمته، ومنه تطلّعت وانطلقت إلى ما تقبله كلّ النّفوس، وتقرّه كلّ العقول في هذا العصر، وكلّ عصر.