الحمد لله الدال على وجوده بخلقه . وبمحدث خلقه على أزليته . وباشتباههم على أن لا شبه له . لا تستلمه المشاعر ، ولا تحجبه السواتر ، لافتراق الصانع والمصنوع ، والحاد والمحدود ، والرب والمربوب . الأحد لا بتأويل عدد ، والخالق لا بمعنى حركة ونصب ، والسميع لا بأداة ، والبصير لا بتفريق آلة ، والشاهد لا بمماسة والبائن لا بتراخي مسافة ، والظاهر لا برؤية ، والباطن لا بلطافة . بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها . وبانت الأشياء منه بالخضوع له والرجوع إليه . من وصفه فقد حده ومن حده فقد عده ، ومن عده فقد أبطل أزله ، ومن قال كيف فقد استوصفه ، ومن قال أين فقد حيزه . وعالم إذ لا معلوم . ورب إذ لا مربوب . وقادر إذ لا مقدور .
هذه فقرة من خطبة لأمير المؤمنين علي يتحدث فيها بديهة من غير تهيئة أو استعداد عن صفات الله سبحانه وتعالى ,وفي هذه الكلمات على إيجازها واختصارها كما قال بعض المتكلمين عشرون مبحثا من مباحث العلم الإلهي . وهذا التميز في العلم ، بقدر ما ينبغي أن يكون علامة لدى العارف الواعي على أن العلم الذي يحمله هذا الامام ليس من جنس ما هو موجود لدى عامة العلماء ، بل مصدره ومنبعه مختلف فقد ( علمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب ) .. هو نفسه يكون لدى البعض علامة (!!) على أن هذا الكلام غير صادر عن الامام ، لأن مستوى الوعي الحكمي والكلامي لم يكن قد وصل إلى هذا المقدار ، ولم يعهد عن أحد من الصحابة هذا النمط من الكلام .؟ فإذن هذا الكلام ليس كلام علي بن أبي طالب !!
الطريف في الأمر أن أمير المؤمنين عليه السلام نفسه قد تنبه إلى أن هناك من لا يستطيع تعقل ما يخبرهم عنه ، وليسوا في مستوى إدراك ذلك ، وأنه لو تحدث بكل ما يعلم لكان ذلك سببا في فتنتهم ولكنه أسدل على ذلك العلم ستار الكتمان الحكيم حتى يحصل على من يستطيع تحمله ، أو يصل إليه فتكون فيه منفعته ، قال عليه السلام ( بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة ) أرأيت الحبل عندما يتدلى في بئر عميق كيف يضطرب بلا استقرار ,كذلك صدوركم وأفئدتكم ، وهكذا في قوله الآخر (إن هاهنا لعلما جما لو أصبت له حملة !!) .
أول من أثر عنه التشكيك في نسبة النهج لعلي هو إبن خلكان صاحب كتاب وفيات الأعيان ,فقد قال عند حديثه عن ترجمة الشريف المرتضى ما يلي : وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضي وقد قيل إنه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم . فهو يتردد بين أن يكون الشريف المرتضى أو الشريف الرضي قد جمع الكتاب ، ثم قال إنه قيل ( ولم يعلم من القائل ؟ لأن أول من عرف عنه أنه شكك في نسبة النهج لأمير المؤمنين هو ابن خلكان نفسه ، ولم يعرف أحد قبله قد شكك فيه !
ثم قال : والله أعلم ! وهذا الكلام يأتي بعد جمع الشريف الرضي للكتاب بمئتين وأحد وثمانين سنة ، حيث أن الشريف كان قد جمع الكتاب في سنة أربعمائة ، وصاحب الوفيات ابن خلكان توفي سنة ستمائة واحدى وثمانين هجرية. وتلاقف بعض الكتاب بعده هذه الكلمة التي ظلت قيمتها العلمية في حدود ( قيل ) مع عدم معرفة القائل (فمن المشككين القدامى ، ابن خلكان ، ولعله أول من بذر بذور التشكيك حول " نهج البلاغة " ، وتبعه الصفدي في " الوافي بالوفيات " ، واليافعي في " مرآة الجنان " ، والذهبي في " ميزان الاعتدال " ، وابن حجر في " لسان الميزان " ، وابن خلدون ، وغيرهم من القدامى . ومن المعترضين المعاصرين أحمد أمين في " فجر الإسلام " ، وشوقي ضيف في كتابه " الفن ومذاهبه في الأدب العربي " ، ومحمد سيد كيلاني في كتابه " أثر التشيع في الأدب العربي " ، وغيرهم ) .
والحقيقة أن الذي جعل الكثير من هؤلاء المؤلفين يشككون في نسبة الخطب للإمام هو ما ورد في الخطبة الشقشقية التي تعرض فيها الامام بنحو صريح لخلافة الخلفاء السابقين عليه بشكل كان صادما بل وصاعقا للكثير ممن بنى على أسس خاطئة في تفسير أحداث العقود التالية لوفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ، بل وكلامه أيضا عن طلحة والزبير في خروجهما عليه ، وتحليله لنفسية معاوية بن أبي سفيان ، وكلامه حول زوجة الرسول الأكرم عائشة وقضايا الجمل .. وهذا ما صرح به الذهبي في ميزان الاعتدال حيث قال : ومن طالع كتاب نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين على رضي الله تعالى عنه فان فيه السب الصريح والحط على السيدين أبى بكر وعمر رضي الله عنهما ، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين من الصحابة ونفس غيرهم ممن بعدهم من المتاخرين جزم بأن الكتاب أكثره باطل .
وبنحو الاجمال فقد أثار المشككون عدة شبهات كالتالي : إن في نهج البلاغة : أ - التعريض بالصحابة . ب - التنميق اللفظي . ج - دقة الوصف . د - عبارات يستشم منها ريح ادعاء صاحبها علم الغيب ) . ويلاحظ هنا أن الإشكالات متجهة إلى المتن ، والدلالة بينما كان ينبغي في البداية الحديث عن موضوع السند والرواية فإن ذلك مقدم فنيا على البحث الدلالي .
وفي هذه الجهة قام عدد من أعلام الطائفة جزاهم الله خيرا ، ونفوا كون الكتاب من إنشاء الشريف الرضي وذلك لوجود أكثر الخطب والكلمات في كتب ومصادر سبقت ولادة أجداد الشريف الرضي ، فضلا عنه .. مثل الشيخ هادي كاشف الغطاء في كتابه " مدارك نهج البلاغة " ، والسيد هبة الدين الشهرستاني في كتابه " ما هو نهج البلاغة " ، والشيخ الأميني في كتابه " الغدير " ، والسيد عبد الزهراء الخطيب في كتابه " مصادر نهج البلاغة وأسانيده " وغيرهم . لقد جمع الشريف الرضي هذه الخطب من كتب كانت موجودة ومتداولة في عصره ، وبعضها باق إلى يومنا هذا ، وفيه هذه الخطب مثل كتاب نصر ابن مزاحم ( ت ٢٠٢ هـ ) وكتاب لأبي المنذر الكلبي ( ت ٢٢٩ هـ ) باسم خطب علي وكتبه بل بعضها موجود في كتب الجاحظ كالبيان والتبيين ..
وحسنا صنع المرحوم السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب حيث جمع في كتابه المسمى مصادر نهج البلاغة وأسانيده..ماورد من خطب الإمام علي عليه السلام من غير طريق الشريف الرضي قبل أن يولد الشريف الرضي .. فهناك جملة من خطب وكلمات وكتب الإمام توجد في أصول الكافي وفي روضة الكافي لثقة الإسلام الكليني( ت ٣٢٩ هـ ) أي قبل جمع نهج البلاغة بحوالي احدى وسبعين سنة ، وهكذا قسم من خطبه توجد في كتب الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) ..كعيون أخبار الرضا وأمالي الصدوق وإكمال الدين واتمام النعمة للصدوق . بعضهم يستشكل في أنه كيف يمكن أن تحفظ هذه الخطب الطويلة ؟ نقول العرب : أمة الحفظ وهذا ربما يكون راجعا إلى أن الكتابة لم تكن منتشرة بشكل واسع ، مما جعلهم يعتمدون بشكل أساس على الحافظة .هذا فضلا عن تميز البعض منهم بحافظة استثنائية فابن عباس مثلا كان معروفا بكثرة الحفظ وجودته ,بل إن بعضهم كانوا بحيث إذا كان يِقرأ عليه نص مهما كان طويلا يحفظه لأول مرة يسمعه .
بل إننا نجد هذا الأمر في زماننا قائم ، وإن كان ليس بمستوى الانتشار الذي كان موجودا في العصور الأولى .فنحن نجد أن هناك من يحفظ القرآن بكامله وعددهم كبير جدا والبعض يضيف إليه حفظ نهج البلاغة ، وربما حفظ متونا فقهية أو لغوية أو أصولية طويلة !! فحفظ الخطب والنصوص شيء كان متعارفا بين العرب حتى استخدمه بعض الخلفاء في منع العطاء عن الشعراءكما صنع المنصور العباسي فإنهم يقولون أنه كان لشدة بخله لا يستطيع إعطاء الشعراء الذين يمدحونه ، على عادة من سبقه من الخلفاء ، وكان لا يستطيع في نفس الوقت أن يمنعهم عن مدحه أو أن يرفض حضورهم عنده . .
وقد تغلب على هذه المشكلة عندما حصل على جارية وغلام ، كانا معروفين بسرعة الحفظ..فالجارية كانت تحفظ أي نص بمجرد أن يقرأ عليها للمرة الأولى ، بينما كان الغلام يحفظه إذا سمعه مرتين ، فإذا جاء شاعر وقرأ قصيدته يقول له المنصور إن هذه القصيدة مسموعة من قبلك ، ومع إنكار الشاعر ذلك يطلب المنصور من الجارية أن تقرأها عليه ـ وكانت لتوها قد حفظتها منه بسماعها لأول مرة ـ فتقرأها عليه ، وفي نفس الوقت يكون الغلام حاضرا ويكون بحيث سمعها مرتين فيقرأها عليه ، تاركا الشاعر مذهولا من الأمر ، ويوجد طريقة للمنصور أن لا يعطي الشاعر جائزة !!
يبقى أن بعضهم تبعا لعقائده يريد من الامام أن يتكلم بما يؤمن به هذا الكاتب أو العالم ، فإذا خالفت بعض كلمات الامام آراء الكاتب الفكرية أو العقدية ، قال إن ذلك ليس صادرا من الامام عليه السلام ، وكأنه لكي يكون كلام الامام لا بد أن يشابه كلمات الكاتب !
وهذا ما أشار إليه الذهبي ، الذي كان ينبغي أن يستهدي بكلام الامام في تحليل ما جرى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأن يتعرف على الواقع كما هو بينما أنكر صدور ذلك الكلام منه لأنه يخالف ما يراه هو من أفضلية الخلفاء الثلاثة على الامام ! فكيف ينتقدهم ؟ وهكذا عندما يرى كاتب ا قوله في أهل البيت عليهم السلام " ولهم خصائص الولاية وفيهم الوصية والوراثة ..‘ فإنه يقوم بتكذيب نسبة هذا القول للإمام لأن الفكر التقليدي السائد قائم على أساس أنه لا توجد وصية من قبل الرسول ولا وصي إذا كان هذا الكلام عن علي ابن ابي طالب وهو يؤكد معنى الوصية ..كل المعركة قائمة على أنه لا توجد وصية ولايوجد وصي فإذا قال أمير المؤمنين أن في أهل البيت الوصية .. فماذا يصنعون في هذه الجهة ؟ أسهل طريقة أن يقال أن هذه الكلمات ليست كلمات الامام !
وهذا لا يقتصر على الجانب السني بل ربما وجد حتى في بعض أفراد الشيعة ،فقد كتب أحدهم وهو شيعي , كيف ينصح علي ابن ابي طالب الخليفة الثاني ؟ هذا غير ممكن مع ما يراه من العلاقة غير المنسجمة بين الخطين فإذن يتبين أنه هذا ليس كلام علي ابن ابي طالب ! بينما عندما توضع المسألة في إطار اعتيادي وهو كون الامام مرجعا للجميع في زمنه بمن فيهم الخلفاء حيث هو أعرفهم وأعلمهم ، وكانوا يحتاجون اليه ..ويصرحون بأنه لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن فجاء الخليفة الثاني في قضية هجوم الفرس الذين جمعوا جيشا كبيرا جدا لكي يلغوا الوجود الإسلامي, فاستشار الخليفة الثاني الإمام عليا في خروجه مع الجيش وأشار عليه الامام بعدم الخروج وقال : (..مكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه . فإن انقطع النظام تفرق وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا .
والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالاسلام وعزيزون بالاجتماع . فكن قطبا ، واستدر الرحى بالعرب ، وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك ) .
لقد فصل الأول والثاني من الكتاب لعلي ثوبا على مقاسهم هم لا على مقاسه ! عظمة علي ابن ابي طالب هي في هذه المواقف وأمثالها..فهو هنا يقدم مصلحة الإسلام عندما يستشار والمستشار مؤتمن , وهناك أيضا عندما يقيّم وضع الخلافة يكون الناقد الأمين الذي ينقل الصورة بتمامها وكمالها . وهكذا قوله لعثمان الخليفة الثالث لما تأزم الوضع بينه وبين المسلمين ،و وسّطوا الإمام عليه السلام ..جاء له ونصحه يا عثمان : ليس من سبقك أولى بفعل الخير منك ا لأن لك من الصهر ما ليس لهما ! وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك ، وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وشيجة رحم منهما . وقد نلت من صهره ما لم ينالا ) غير أن ذلك لم يمنعه أن يوجه له تحذيرا أن لا يكون من الأئمة الجائرين ! فقال ( فالله الله في نفسك ، فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل ، وإن الطرق لواضحة ، وإن أعلام الدين لقائمة .
فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة مجهولة . وإن السنن لنيرة لها أعلام ، وإن البدع لظاهرة لها أعلام . وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به ، فأمات سنة مأخوذة ، وأحيى بدعة متروكة . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول " يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتبط في قعرها) البعض الآخر شكك في نسبة النهج للإمام بالقول إنه يوجد في نهج البلاغة إخبارات غيبية ولا يعلم الغيب الا الله !
ونقول : الإخبار عن أمور غيبية على قسمين: قسم من هذه الإخبارات غير محدد الزمان أو المكان فلا يوجد فيه تشخيصات معينة ,وهذا تارة نحمله على أن الإمام عليا عليه السلام لما كان عارفا بتطورات المجتمعات وبتنقلات الدول وبما يجري عليها من نواحي القوة والضعف ..يستطيع أن يتنبأ بأن هذه المسيرة صائرة إلى الهزيمة وتلك الأخرى الى انتصار .
ولسنا بحاجة كبيرة إلى تجشم عناء أكثر من هذا . القسم الآخر هو ما حدده على صعيد العدد أو الزمان أو الأشخاص مثل ما ورد في حق مروان بن الحكم وإمرته وملك أبنائه ، وعن الخوارج في النهروان وأنهم ما عبروا النهر ولن يعبروه ، وأنهم لن يفلت منهم عشرة ولن يقتل من جيشه عشرة ، وعن ماورد في كلامه حول ابن ملجم ,حيث جاء في وفد المصريين وقال له والله اني احبك يا أمير المؤمنين .قال والله لا تحبني ولا احبك ,قال يا أمير المؤمنين أقسم لك اني احبك وتقسم ثلاثا أني لا أحبك وأنك لا تحبني ,قال بلى إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فما تعارف منها في ذلك العالم ائتلف في هذه الدنيا وما تناكر منه اختلف وان روحي لا تعرف روحك .
نحن نعتقد أن هذا من العلم الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين حيث تظافر الحديث عنه (علمني رسول الله ألف باب من علم يفتح لي من كل باب ألف باب)وقد عبر عنه الإمام عليه السلام بأنه تعلم من ذي علم ( يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب ، وإنما هو تعلم من ذي علم .
وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدد الله سبحانه بقوله " إن الله عنده علم الساعة " الآية ، فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى ، وقبيح أو جميل ، وسخي أو بخيل ، وشقي أو سعيد ، ومن يكون في النار حطبا ، أو في الجنان للنبيين مرافقا . فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله ، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ، ودعا لي بأن يعيه صدري ، وتضطم عليه جوانحي) ,وإذا كان ( عالم الغيب لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ..) فمن أولى من المصطفى محمد صلى الله عليه وآله بأن يظهره على الغيب وقد أظهر عليه أخاه عليا سلام الله عليه .
يبقى أن هناك أمورا وعلوما غريبة وغير مألوفة في ذلك الزمان ..مثلا أهل الجزيرة العربية لم يكونوا يعرفون طريقة حياة الطاووس في ذلك الوقت , حيث لم تكن بيئة تربيته ، نعم كانوا يعرفون الناقة وفصيلها والغنمة ووليدها وهكذا , مثل هؤلاء أنى لهم أن يعرفوا كيفية التلاقح فيما بين الطاووس مثلا ؟ بينما يأتي أمير المؤمنين لكي يصف تلك الحيوانات من النمل والنحل والطاووس وصفا تحسب معه أن المتكلم شخص أنفق كل عمره في مراقبة الحياة الحيوانية في تكاثرها وتناسلها وطبائعها , ويشير في هذه الأثناء إلى فكرة مغلوطة كانت سائدة حينئذ عن عملية التناسل بين الطواويس ,فقد كانوا كانوا يعتقدون أن الطاووس إذا أراد أن يتناكح ويتناسل .. يبكي الذكر فتأتي الأنثى وتشرب دمعته !..هكذا يصبح التلاقح والتناسل ! الإمام يقول لا ..تلاقحه كسائر الطيور والفحول فإنه ( يفضي كإفضاء الديكة ، ويؤر بملاقحة أر الفحول المغتلمة في الضراب . أحيلك من ذلك على معاينة ، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده . ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه ، فتقف في ضفتي جفونه وأن أنثاه تطعم ذلك ، ثم تبيض لا من لقاح فحل سوى الدمع المنبجس ) .