وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
نهج البلاغة توثيقه، ونسبته إلى الإمام عليّ عليه السلام

الدكتور حامد حنفي داود

 

بسم اللَّه الرحمن الرّحيم

اعتاد الناس من قديم الزمن أن يشكّوا في الأعمال العظيمة، وكأنّ دافعا من الرواسب النفسية وما ينشأ عنها من حسد ومكابرة يدفعهم دفعا حثيثا إلى هذا البهتان العظيم.
فشكّ الكفّار كما شكّ بعض المستشرقين في نسبة القرآن العظيم إلى البارى‏ء سبحانه وزعموه لمحمّد عليه السلام. وانتقلت عدوى هذه التخرصات إلى العصور المتأخّرة، فشكّ رعيل من المغرضين في نسبة نهج البلاغة إلى الامام عليّ.

وكان أوّل من دفع عجلة الشكّ في نهج البلاغة قاضي القضاة شمس الدين احمد بن خلكان الإربلي البرمكي.
وجاء المحدثون، فاتّجه أكثرهم هذا الاتّجاه المدمّر، وكان في مقدّمتهم طه حسين.

وربّما نأخذ بعض العذر لطه حسين- بالذّات- لأنّ منهج الشكّ في كلّ شي‏ء يمتّ إلى التراث حتى استولى على مشاعره وأصبح جزء لا يتجزّأ من فكره وأسلوبه التهكّمي الساخر، ولم يكن شكّ في نهج البلاغة آتيا عن غرض معين يتعلّق بموقفه من الامام، وإنّما جاء حكمه في غمار بحار الشكّ الّتى استولى على عالمه الفكري.

ولكنّ مريديه وتلاميذه الذين استولى طه حسين على أفئدتهم وأذاب شخصيتهم في شخصيته إتّجهوا بلا وعى إلى منهج الشكّ الّذي ارتاه في كلّ ما يمتّ إلى التراث بصلة.

وكان أحمد أمين أوّل من رفع عقيرته بالشكّ في نهج البلاغة، وتبعه تلميذه الدكتور شوقي ضيف وأخذ عنه هذا الاتّجاه ولم يقدّر ما لهذا الاتّجاه من مسئولية ضخمة يضعها تاريخ الأدب على الآخذين بهذا الحكم دون ترو وتمحيص، فأشار إلى ذلك في كتابه: «الفنّ ومذاهبه في النثر العربي»، وتأثّر بهذا الاتجاه التقليدى حتى في غير نهج البلاغة حين طبّق ما أخذه عن أستاذه أحمد أمين فيما أخبرنا به الرّواة والمؤرخون من تلقين الامام عليّ لتلميذه أبى الأسود الدؤلى للاصول الأولى لعلم النحو، الأمر الّذي أشرنا إليه في مجلّة الرسالة في عددها...... في مقالنا: «ذكرى أبي الأسود الدؤلي».
ولا يزال المعاصرون، حتّى كتابة هذه الأسطر، يخوضون في بحار شكّهم في نسبة هذا السفر العظيم إلى هذا الرجل المثالي الّذي لقّبه النبيّ الاعظم بلقب «باب مدينة العلم».

ولا يعلم إلّا اللَّه ما سينتهي إليه منهج الشكّ في تراثنا العربي والاسلاميّ. وقد أصاب هذا المعول الهدّام الكثير من هذا الصرح المشيد حتى وصل إلى أعزّ ما يفخر به المسلمون وهوالحديث النّبويّ، فشكّوا في الكثير من الأحاديث الضعيفة، وقاسوا بعض الأحاديث على عقولهم المحدودة، وأين عقولهم المحدودة من العقل الشرعي الّذي تحلّى به الصدّيقون من أمثال النبىّ وعترته والمخلصين من أصحابه رضوان اللَّه عليهم.
وبإزاء هذا المعسكر الشّاكّ في نهج البلاغة بغير بيّنة أوهدف سليم، ظهر معسكر آخر يعارض الأوّل ويتناول هذا السّفر بعين الانصاف والرّويّة.
ومنهم من أشار إلى بلاغة الامام إشارة عامّة تتناول كلّ ما عرف عنه من نثر بليغ كسبط ابن الجوزي، ومحمد بن طلحة الشافعي، وعبد الحميد الكاتب الّذي قال: «ما تعلّمت البلاغة إلّا بحفظ كلام الأصلع»، واختار الجاحظ والخطيب الخوارزمي وأبوالفتح الآمدي نتفا كثيرة من كلامه البليغ.
ومنهم ابن نباتة المصري الذي كان يقول: «حفظت مائة فصل من مواعظ عليّ بن أبي طالب، وفاق العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي جميع من سبقوه حين شرح النهج واعتبر كلام الامام عليّ في المرتبة الثانية لكلام اللَّه وكلام رسوله عليه السّلام.
وأعجب جهابذة المعاصرين من الأدباء والشعراء والكتّاب وكبار الباحثين بنهج البلاغة منهم: الشيخ محمود شكري الآلوسي، والشيخ ناصيف اليازجي، ومحمد حسن نائل المرصفي، والدكتور زكي مبارك، وأمين نخلة، وعباس محمود العقّاد، ومحمد محيي الدين عبد الحميد، وكثير ممّن آثروا البناء على الهدم، وحرّروا عقولهم من ربقة التقليد لدعاة الشكّ في التّراث الاسلاميّ الخالد.
ونحن في هذا البحث لن نتحدّث عن المصادر والمراجع الدالّة على نسبة نهج البلاغة إلى الامام رضى اللّه عنه. ويكفي أن نذكر في هذا البحث أنّ من بين هذه المصادر من أشار إلى نهج البلاغة إشارة عامّة كابن النديم، والنجاشي، والطوسي، وياقوت الحموي، وحاجي خليفة، وآغا بزرگ الطهراني، والسيد محسن الأمين العاملي، وأضرابهم. وآخرون تخصّصوا في إحصاء هذه المصادر والمراجع حتى كانت كتبهم عن هذا السّفر الجليل أشبه بدوائر معارف عامّة وفهارس منظمة تعين الباحثين على توثيق ما ورد في نهج البلاغة من نصوص: خطبا كانت أورسائل أومواعظ أوحكما تناقلتها كتب الأخباريين والأدباء بسند أوبغير سند عن هذا الامام الجليل الّذي نعته الرّسول ب «صديق آل محمّد».

ومن هؤلاء النفر الذين أشرنا إليهم: الأستاذ امتياز علي عرشى في كتابه: «استناد نهج البلاغة»، والأستاذ حسين بستانة في بحثه عن: «الشبهات الحائمة حول النهج» الّذي نشرته مجلة الاعتدال النجفية في عددها الرابع من سنتها الرابعة، والسيد هبة الدين الشهرستانى في كتابه: «ما هونهج البلاغة»، والشيخ هادي آل كاشف الغطاء في كتابه: «مدارك نهج البلاغة».
وكان السيد الخطيب عبد الزّهراء الحسيني من أشدّ الباحثين عناية بفهرسة هذه المصادر وأكثر جمعا وإحصاء لها في كتابه القيّم: «مصادر نهج البلاغة وأسانيده». وقد أهدى إلينا المؤلف نسخة من هذا الكتاب لا زلنا نعتزّ
بها وننتفع بما فيها من فرائد، والكتاب حسن التقسيم جيّد التبويب، وهوفي نظر- النهج العلمى الحديث- يعدّ قربى يتقرّب بها أمثاله إلى اللَّه إحقاقا للحقّ وإبطالا للباطل.
ونحن في هذا البحث لا يعنينا- في هذا الصدد أن نسوق أقوال المعارضين لسند هذا السّفر، ولا أقوال المؤيدين لسنده، حتى لا يخرج بنا الحديث عن الغرض الّذي أردناه، لأنّنا سنكتفي بذكر رأينا الشخصي في توثيق هذا السّفر الجليل وإثبات صحّة سنده لصدّيق هذه الأمّة الّذي قال فيه سيّد الأنبياء: «الصدّيقون ثلاثة: حبيب النّجار مؤمن آل يس الّذي قال: يا قوم اتّبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون الّذي قال: أ تقتلون رجلا أن يقول ربّي اللَّه، وعليّ بن أبى طالب وهوأفضلهم»، رواه أبوليلى وأخرجه أبونعيم وابن عساكر، وقالوا: حديث حسن.
إنّ الّذي يعنينا في هذا البحث هوإقامة الدليل على صحّة نسبة نهج البلاغة.

والدليل في توثيق هذا النصّ عقليّ ونقليّ:
الدليل العقلي
أمّا الدليل العقلي الدالّ على ثبوت هذه النسبة نستطيع أن نتتبّع فيه هذه المقدّمات حتى نصل إلى النتيجة الحاسمة والبرهان القاطع على النحوالآتى، فنقول: إنّنا لا نشكّ في أنّ نهج البلاغة من الكلام الّذي يمثّل قمّة في البلاغة والحكمة والجمع بين الرواية والدراية، وأنّه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون كلاما قالته الجنّ ولا بدّ من أن يكون قائله من عالم الانس، وأنّ هذا الكلام لم يعرف قبل الاسلام، فإذا هومن الأساليب النثريّة البليغة في الاسلام وأنّه من المقطوع به أنّه ليس قرآنا وليس حديثا نبويّا، فإذا هومن كلام السابقين من الأمّة، وأنّه من المقطوع به عند دارس الأساليب النثرية في الاسلام أنّ الشريف الرضىّ لم يكن أبلغ من الامام عليّ الّذي رضع أفاويق البلاغة من أفصح العرب محمّد عليه السّلام، ولا يستطيع الشريف الرّضىّ وأمثاله- مهما بلغوا من الفصاحة واللّسن وقوة العارضة أن يصلوا إلى مستوى الامام علي، كما أنّ الشريف الرضىّ لم يدّع هذا الكلام المنسوب إلى عليّ إلى نفسه، ومن ثمّ فقد ثبت نهج البلاغة بالبداهة والعقل أنّه من كلام الامام عليّ. هذا بالاضافة إلى ما عرف للامام من حكم وأمثال تسامق هذا الأسلوب وتوافق هذا النظم البليغ.
الدليل النقلي
أمّا الدليل النقلي فقد أشار إليه مؤرّخوالحياة السياسيّة ومؤرخوالفكر الاسلامى ومؤرخوالأدب العربى. كما أشار إليه أعلام الكتّاب منهم عبد الحميد الكاتب الّذي سبقت الاشارة إلى تصريحه وإذعانه بالريادة للإمام عليّ. أمّا المؤرخون الّذين صحّحوا هذه النسبة ففي مقدّمتهم ابن الأثير، وسبط ابن الجوزي، وقبلهما أبوالقاسم البلخي في عصر المقتدر باللَّه العباسيّ.
وإذا كان ابن أبي الحديد يؤيّد كلّ هذه الأقوال فإنّ تأييده مستند إلى الحكم الموضوعى البعيد عن التحيّز والكذب أوالمبالغة، يعضّد هذا الزعم إنّ ابن أبي الحديد لم يكن شيعيّا، وإنّما هوعالم معتزليّ، وهومعتزليّ فكرا وحنفيّ فقها، ولم يربطه بالتشيّع إلّا خيط ضعيف هوكونه معتزليّا.

فقد كان أكثر المعتزلة من الاماميّة، الأمر الّذي أوضحناه في مقدمتنا لكتاب «عقائد الاماميّة» للعلّامة محمد رضا المظفّر، وفيه أشرنا إلى أنّ المعتزلة هم تلاميذ الشيعة، بخلاف ما وهم منه دارسوا الفلسفة في الجامعات، ذلك لأنّ واصل بن عطاء رأس المعتزلة كان تلميذا لأبي هاشم، وأبوهاشم كان تلميذا لوالده محمد بن الحنفيّة رضى اللَّه عنه، وابن الحنفيّة تلميذ لوالده الامام عليّ كرّم اللَّه وجهه.
ومن العجيب أنّه بعد هذا الدّليل القاطع يشكّ أحمد أمين في نسبة نهج البلاغة، ويتبع في ذلك هوى هوار، والصفدى دون تمحيص ومتابعة ودراسة للقرائن التاريخيّة.
وآخرون ينفون النسبة بسبب السجع الشائع في أسلوب نهج البلاغة، ومن القائلين بذلك أحمد أمين زعما منه أنّ السجع لم يكن موجودا في عصر الامام عليّ وإنّما وجد في العصر العباسي الثاني.

وهو قول يملأ النفس بالخجل حين يصدر من أستاذ جامعيّ. وكأنّ أحمد أمين وأمثاله ممّن يزعمون هذا الزّعم لا يفرقون بين السّجع المطبوع الّذي عرف منذ العصر الجاهلي في أساليب العربية وجاء في القرآن وبعض الأحاديث النبويّة، وبين السجع المصنوع الّذي ظهر في أساليب كتّاب ديوان الخليفة المقتدر وهوالسجع الّذي صار صناعة لها قدرها في أواسط القرن الرابع على يد أبي الفضل بن العميد.
الأسلوب المسجوع الّذي نلمسه للامام عليّ في نهج البلاغة إنّما هومن النوع المطبوع الّذي وجد في الجاهلية وصدر الاسلام حتى أواخر العصر الأمويّ.

ولولم يكن السجع المطبوع موجودا في صدر الاسلام لما قال جدّنا صلوات اللَّه عليه للصحابي الشّاعر عبد اللَّه بن رواحة: «إياك والسجع يا ابن رواحة».

والنهى عن الشي‏ء دليل على وجوده. وكم لأحمد أمين من أخطاء أخجلتنا أمام رجال المذاهب الاسلامية باعتبارنا من الّذين تتلمذوا على يديه في جامعة القاهرة.«» وأعجب من ذلك أنّ بعض الباحثين يعتمدون على نفي نسبة نهج البلاغة إلى الامام عليّ بما يجدونه في أسلوبه من أساليب منطقية وأخرى تقريرية وجودة لا نظير لها في حسن التقسيم، ويظنون- خطلا منهم- أنّ هذه الأساليب المنطقية الشائعة في تراكيب عباراته ليست من جنس أسلوب الامام عليّ.

وكأنّ المنطق الانساني من صنع أرسطاطاليس وحده، ولقد ظلم الامام، بل وظلم أرسطوبطريق آخر، وظلمت الفلسفة اليونانية بهذا الزّعم. إنّ أرسطاطاليس لم يصنع للمنطق الانسانى شيئا إلّا مصطلحاته، الأمر الّذي أوضحناه في مقدمة كتابنا: «المنهج العلمى الحديث». فالمنطق وحسن التقسيم ووضع المقدمات واستخراج النتائج والكلام المتسلسل، والترتيب الدقيق، كل ذلك ملكية مشاعة وسمات مشتركة في الأساليب الانسانية، لا نؤثر فيها أمّة على أخرى إلّا بقدر محدود، ومحدود للغاية، وبالتالي فإنّ هذه السمات المنطقية- قلّت أوكثرت- موجودة في سائر الأساليب العربية، وهذه السمات موجودة بكثرة في أحاديث النّبيّ عليه السلام.
ولوحاولت أن أوضح للقارئ البحاثة هذه السمات في أسلوب النبيّ- ص- كنموذج سابق ونموذج رائد لأسلوب على بن أبى طالب، لبلغ ذلك قدرا يربوعلى ألفي حديث من أحاديث النبيّ- ص- التي نظنّ أنّها تقارب ألف ألف حديث من أحاديث الأقوال.
وخذلك لذلك مثلا موجزا للغاية من أوائل الأحاديث النبويّة، لتستدل بها على سوء فهم أمثال هؤلاء الزاعمين للأساليب البليغة في صدر الاسلام. ولنعلم علم اليقين أنّ السمات المنطقية موجودة في الأساليب الاسلاميّة، وموجودة في أسلوب النبيّ صاحب الريادة الأولى للأساليب الاسلاميّة البليغة.

اقرأ إن شئت قوله عليه السلام في مفتتح بعض الأحاديث الّتي فيها المنطق وحسن التقسيم: «ثلاثة لا يردّ اللّه دعاءهم...» إلى آخر الحديث، وقوله: «ثلاثة لا يقبل اللَّه منهم حرفا ولا عدلا...» ثم ذكر بذكر هؤلاء الثلاثة، وقوله: «ثمانية أبلغ خليقة اللَّه إليه يوم القيمة...» وقوله: «سبعة يظلّهم اللَّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه...»، وقوله: «سبعة لعنتهم...»، وقوله: «ستّ خصال من الخير...»، وقوله: «ستّ خصال من السحت...»، وقوله: «ستّة من كنّ فيه كان مؤمنا حقّا...»، إلى غير ذلك من مئات‏ الأحاديث المسوّرة في الصياغة المنطقية إلى غير ذلك من السمات المنطقية أحسبها تربوا على الألفين من تراث النبيّ الأعظم الّذي أزعم لك أنّه يبلغ الألف حديث من أحاديث الاقوال عدا الأفعال والتقريرات.
وجاء في أسلوب علىّ كثير من الأساليب المنطقية متأثّرا بأسلوب سيّد البشرية ورائدها الأكبر.

قال يوما لعمر بن الخطاب: «ثلاثة إن حفظتهنّ وعملت بهنّ كفتك ما سواهنّ». قال عمر، «وما هنّ». فقال علىّ: «الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب اللَّه في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود». فقال عمر: «أبلغت وأوجزت». نقول: أليس في هذا الأسلوب منطق وحسن تقسيم أليس فيه تفصيل بعد إجمال أليس فيه توضيح بعد إبهام بل وفيه أكثر من ذلك، فيه ذكر الشي‏ء وضدّه. وهذا كلّه داخل في مجال الأساليب المنطقية.
فإذا جاء في نهج البلاغة شي‏ء من هذه الأساليب المنطقية والسمات التقريريّة فإنّما هومن قبيل نهج التلميذ على أستاذه محمد سيّد الأنبياء والمرسلين.
وبذلك يتبيّن للقارئ الاسلاميّ والقارئ العربيّ أنّ في أسلوب نهج البلاغة ما يدلّ دلالة قاطعة أنّه من كلام الامام على. ولما كان هذا الأسلوب في درجة واحدة من الصياغة والبلاغة، فإنّ ذلك يدلّ من طريق آخر أنّ النهج كلّه من كلام الامام على، وليس فيه من كلام الشريف الرّضىّ أوغيره من بلغاء القرن الرابع شي‏ء يستحقّ الذكر.

الدكتور حامد حنفي داود استاذ كرسي الادب العربي بجامعة عين شمس - القاهرة

****************************