هذه خمس رسائل تغتنم « تراثنا » الفرصة في هذا العدد لتقدمها إلى المهتمّين ـ والدارسين، وهي:
* فصول من المخمس للشريف الرضي.
* رسالة الشريف الرضي إلى أبي القاسم سليمان بن أحمد.
* رسالة من الملك بهاء الدولة بن بويه إلى الشريف الرضي.
* رسالة الشريف الرضي إلى الوزير سابور بن أردشير.
* فصل من رسالة الشريف الرضي.
وفي هذه الرسائل إضاءات على التراث الادبي للسيد الشريف الرضي، وإشارات إلى علاقته بالملك بهاء الدولة بن بويه والوزير سابور بن أردشير. إضافة إلى فصول في المخمس، الذي هو لون من ألوان النثر الفني.
وقد اعتمدنا في الاربعة الاولى على مصورة كتاب « جمهرة الاسلام ذات النثر ـ و النظام » للشيخ الفقيه أمين الدين أبي الغنائم مسلم بن محمود بن نعمة بن رسلان بن يحيى الشيزري (كان حيا سنة ٦١٧ هـ).
وهي من مصورات مجمع اللغة العربية بدمشق عن مخطوطة جامعة ليدن، رقم ٤٨٠، تاريخ النسخة سنة ٦٩٧ هـ، بخط جيد، في ٥٢٦ ورقة.
وفي الخامسة على نسخة رسالة للشريف الرضي في مجموعة من القرن الثامن، برقم ٥٩١، في الورقة ٤٤، في خزانة الدكتور أصغر مهدوي ـ استاذ جامعة طهران ـ.
ويحدونا الامل أن تنال رسائل هذا العلم اهتماما واسعا من المحققين لما في العناية بها من حفاظ على ثروة أدبية وفنية متميزة، خصوصا وأن الشريف الرضي من اولئك الذين اعتنوا عناية بالغة بأدبهم وفنهم، وأعطوا لذلك أهمية كبيرة في حياتهم الزاخرة بالعلم والمعرفة.
هيئة التحرير
(١) رسالة الشريف الرضي إلى أبي القاسم سليمان بن أحمد، وهي:
كتابي ـ أطال الله بقاء الاستاذ ـ عن سلامة ألبسه الله نطاقها، وضرب عليها رواقها، وما بيننا من علائق الاخاء وغرائس الصفاء، يجدد جدة وعنفوانا، وغضارة وريعانا، فلا تخشى الفوادح على عوده، ولا النكائث على عهوده، وقد علم الله ـ سبحانه ـ من قلق الجأش، وعظيم الاستيحاش، ولما جرت به الاقدار من ذلك الحادث الذي استرط[١] فيه نفسه، وأخطر مهجته، وركب له كاهل الغرر، وأمل الخوف والحذر، إلى أن اجلي عن مراده، وانجلى بعد سواده، وأعاده الله ـ سبحانه ـ إلى وطنه إعادة النصل إلى غمده، بعد ما أبلى في الضراب، وأثر في الجماجم والرقاب، ورده رد السهم إلى كنانته، بعدما اهتز في الغرض المطلوب، وانتظم[٢] حبات القلوب.
والحمدلله، على ذلك يخرج إلى النعمة من حقها، ويعين على حمل أوقها[٣] ويكون أمانا من خوف النقيصة، وسببا لمأمول الزيادة.
ولم أخل في أثناء بعده ـ أدام الله عزه ـ على الحال التي أخلت باٌنسي وبلغت من نفسي، لمواصلة المكاتبة إلى من يختص بوده، ويتألم لبعده مستطلعا منه درر أخباره، ومتفرد آرائه، ومكلفا له مكاتبته إلى مستقره، بذكر ما أنا عليه من لواعج الاشتياق وزوابع الاشفاق، والدعاء بأن يجعله الله سبحانه في ذمام وقايته، وضمان كفايته، وأن يحرسه حراسة الناظر بجفونه، والقلب بحيزومه، وأن يخير له فيما يقدم عليه رأيه، ويجري عليه عزمه، من معاودة المركب الذي انتقل عنه، ولزوم المقعد الذي انتقل إليه خيرة تدله من مضان[٤] الخطب بصوابها، وتقدح في ظلام النوائب بشهابها، وتجلو له من وجوه الاراء أوضحها، وتصحبه من مقاود العزائم أسمحها، حتى يكون من عقال الحيرة مطلقا، ولمفصل الحزم مطبقا، فيكون على جلية الرأي ومفرقه، ووضح الامر وفلقه، فيما يأتي ويذر، ويقدم ويؤخر.
ولما تواترت إلي البشائر بعوده إلى وطنه مكنوفا بالسلامة، محفوفا بالسعادة، ومقذيا به كل ناظر طمح إلى عثرته، ومجدوعا به كل مارن[٥] شمخ بعد مفارقته، وكان المتخطون في سعيه، والمنحازون إلى وده، بين مسرة مما أعلى الله من نعمته، ومكن من يده وقدمه، وبين غمة بالحال التي أخرجته من الاستزادة، من الثقل الباهر[٦] والعبء الفادح، الذي ربما أصحر بحمله، وآد[٧] الناهضين حمله، إلا أنا فإن سروري من بينهم كان صرفا غير ممزوج، وخالصا غير ممذوق، ثقة بأن الله تعالى قد أجاب فيه الدعوة التي دعوتها، والرغبة التي رفعتها، إذ كانت مشروطة بالخيرة في الامرين معا، ومعلقة بالصلاح في الوجهين جميعا.
فلما أنعم الله سبحانه بتسهيل أحدهما مسببا أبوابه، ومسهلا صعابه، علمت أن فيه الصلاح النير، والرشاد المقمر، وأن سلامة الموارد والمطالع واعدة بسلامة المصادر والمراجع، فسكنت نفسي واثقة بحميد الخواتم وجميل العواقب، وراجية أن يكون رذاذ هذه النعمة قطرا، وشرارها جمرا، وبدو غراسها جنا وثمرا، إن شاءالله.
وكيف لايكون ذلك ونعمته ـ أدام الله عزه ـ آمنة غير مروعة، وسالمة غير منازعة، لانه قد خصها بالفعل الجميل وأسقط عنها تبعات المنازعين، ومهد لاعجازها قبل هواديها[٨]، ونظر لعواقبها قبل بواديها، فأصبحت مطنبة بأسباب[٩] متينة، ومستلئمة بدرع حصينة، ولا طريق عليها لحادث، ولاحجة في ثلمها لنابث[١٠] ولا طارق، فهي مستقرة غير قلقة، ومقيمة غير مفارقة، والزوائد مرجوة لها، والنقائص مأمونة عليها.
فإن رأى ـ أدام الله تأييده ـ أن يتأمل ما كتبت به، ويجعل الجواب منه مفصلا لا مجملا، ومبسوطا لا مختصرا، لتكون الافاضة في ذكر النعم المتجددة والعوارف المترادفة، أشفى للغليل، وأجدر بالشكر العريض الطويل.
(٢) رسالة من الملك بهاء الدولة بن بويه إلى الشريف الرضي
أطال الله ـ أيها الشريف الجليل الرضي ذو الحسبين ـ بقاءك، وأدام عزك وتأييدك وسعادتك و سلامتك، وأتم نعمته عليك، وزاد في فضله وإحسانه إليك وعندك، وجميل مواهبه وسني فوائده لك.
كتابنا ـ أدام الله تأييده ـ عن سلامة ملابسها ضيافة سابغة، ونعمة مشارعها صافية سائغة، والحمد لله رب العالمين، وصلى على سيدنا محمد وآله الاخيار الطاهرين.
ونحن ـ أدام الله تأييدك ـ لما اكنفنا[١١] الله ـ عزوجل ـ به من توفيقه، ووقفنا عليه من جدد الصواب وطريقه، نرى أوجب الواجبات، ونعد ألزم اللازمات، موالاة الانعام على الفضلاء، معرفة بأقدارهم، وإدامة الاكرام للنبلاء الفصحاء زيادة في منازلهم وأخطارهم.
وتحليت عليه النهى[١٢]، ورقت بالمعجب من مناقبك، المتصفح لاحوالك وأفعالك، وفقت بالمهذب من ضرائبك الاقرب والا بعد من أمثالك وأشكالك، حتى نطق بقريضك كل لسان، واتفق على تفضيلك كل إنسان، آثرنا أن ننتهي في النباهة إلى غاية موازية لفضائلك، وفي الجلالة والوجاهة إلى نهاية مضاهية لشرف خصائلك، فرفعناك عن التسمية إعظاما لما عظمه الله من قدرك، ورقيناك إلى رتبة السكينة إعلاء لما أعلاه الله من ذكرك.
ثم لقبناك بالرضي ذي الحسبين، لقبين بك لائقين، ولمعناك مطابقين موافقين، تنبيها على جليل موقعك، وتمييزا لما قد ميزه الله من مكانك وموضعك، والذي أمددناك به من متجدد الافضال الذي تستحقه بزكي أصلك، ثم بالموقوف به من موالاتك، واعتمدناك بحمالة من مؤتنف هذا الاحسان الذي تستوجبه ببارع فضلك، ثم السكون إليه من إخلاصك وموالاتك عاجل يتبعه آجل، وطل يشفعه وابل، إذ كانت ذرائعك الذرائع الوجيهة التي تستدعي لك المواد من الميزاب، وشوافعك الشوافع النبيهة التي تستدني لك الاقدار من الكرامات.
وأنت ـ أدام الله تأييدك ـ تشكر ما قدمناه محسنا لتقبله، وتنتظر ما أخرناه واثقا بإسراعه وتعجيله، فعندنا من الاعجاب بك ما يدعو إلى متابعة الفواضل عليك، ومن الايجاب لك ما يحدو على مظاهرة العوارف لديك، ويدوم على ما أحمدنا منك، وتقيم على ما تسرنا محاسنه عنك لتزداد الميامن بك احتفافا، وتتضاعف العوائد منا لك أضعافا، وتواصل كتبك بما نتطلعه من أنبائك، وتواترها بما نترقبه ونتوقعه من تلقائك.
(٣) رسالة الشريف الرضي إلى الوزير سابور بن أردشير[١٣] يهنئه بعودة الوزارة إليه وهي في الدفعة الرابعة:
كتابي أطال الله بقاء سيدنا الوزير ـ أدام الله تأييده ـ يوم كذا[١٤] عن حمدالله تعالى أستدرشارقه، وأستفتح مغالقه، على ما شمل جميع الناس عموما وشملني من بينهم خصوصا الاستبشار بيمن نظره، وتمكين يده، واستئناف دولته، ورجوع أمره ونهيه، فإن المنة في ذلك استغرقت شكر الشاكرين، وفاتت حمد الحامدين، ولم يخل أحد من قسم ازل[١٥] إليه منها، أو سهم ضرب له فيها. فكان عود سلطانه ـ أدام الله تمكينه ـ نعمة على جميع الكافة، كما كان خلو مكانه ـ [ لا ][١٦] أخلاه الله أبدا منه ـ غمة على الخاصة والعامة. وإلى الله أرغب في أن يجعل هذه الموهبة راهنة غير ظاعنة، ودائمة غير رائمة، ولاينقله عنها إلا إلى ماهو أجل منها مطمحا، وأشرف موكبا ومقعدا، متوقلا[١٧] به في مراق من العز كلما وضع قدمه على بعضها رأى ما يجاوزه دون ما وصل إليه، وما خطاه مقصرا عما استولى عليه، حتى يبلغ إلى نهاية لا مرمى وراءها، وغاية لامطلع خلفها، ولا منزلة بعدها، آمنا من هفوات الزمان ونبوات الايام وسهام الضراء ومكائد الاعداء، بمنه ولطفه.
ولو لم يكن لسيدنا الوزير ـ أدام الله علوه ـ من المزايا التي يفوق بها الاكفاء ويجوزالنظراء، إلا بلوغه إلى ما [ لم ][١٨] يبلغ[١٩] إليه أحد ممن نحل اسم الوزارة، واجري مجراه في مقعد الرئاسة، من تدبير هذا الامر أربع دفعات متغايرات، وتلك منزلة ما وصل إليها أحد من الوزراء على سوالف الاوقات وخوالفها، لكفى وبذلك فضيلة غراء، ومنقبة علياء، فكيف وقد جمع الله سبحانه فيه من شرف الضرائب، ويمن النقائب، وكرم الطبائع، وطيب الغرائز، وسلامة العقائد، واحتصاد[٢٠] المعاقد ما هو بمنزلة الكمال الذي يتفرق في الاشخاص ولايجتمع في أحد من الناس، وقد علم القريب والبعيد والشريف والمشروف، أن هذه المنزلة كانت ثلمة لاترأب إلا به، وفرجة لايسدها إلا شخصه، وأن لهذا الامر بابا لايفتحه إلا من أغلقه، وسترا لا يرفعه إلا من أسدله، وثغرا لايسده إلا من داوسه[٢١]، وجدا لايصبر عليه إلا من مارسه.
وسيدنا الوزير ـ أدام الله عزه ـ هو كفؤه وكافيه، وطبيبه وآسيه، فالله تعالى يتمم ما خوله، ويعينه على ما قلده، ويجريه على أجمل ما عوده، إنه على ذلك قدير، وبه جدير.
ولست أدل على شدة ارتياحي وابتهاجي، وانبساط رجائي وآمالي، ما يجدد له ـ أدام الله تمكينه ـ بأكثر من اطلاعه على حقائقه ووقوفه على ظواهره وبواطنه، فإن رأى سيدنا الوزير ـ أدام الله علوه ـ أن يأمر ـ أعلى الله أمره ـ بإجابتي عن كتابي هذا بما أعلم معه أن موضعي من حسن رعايته محروس، ومكاني من مكين رأيه مكين في ذلك على عوائد إنعامه وعوارف إحسانه، التي لم أخل بالشكر لها، ولم أذهل عن الاشادة بها، على بعد الدار وقربها، وتغير الحال ورجوعها، فعل إن شاء الله تعالى.
وما أحـدث الـدهر من نبوة فإن الـنفـوس إليـكم تشاق وتسفـر أرحـامنا بيــننا فإنـا نرى لجـوار الديـار وقطع ما بيننا من سبـب وإن القلوب عليكم تجـب فتعلي طوائلنا أو تــهب حقوقا فكيف جوار النسب.
(٤) من المخمس[٢٢]
فصول الشريف الرضي
فصل: وأما فلان فما عندي أنك تقرب عرضه إلا شاما صادفا[٢٣] وذائقا باصقا، فأما أن تجعله لوكة لفيك وعرضة لقوافيك، فتلك حال أرفعك عن الاسعاف إليها والرضا بها، واجل سهمك أن يصيب غير غرضه وحدك أن يطبق غير مفصله، فما كل رمية تصرد[٢٤] فيها النبال ولا كل فريسة تنشب فيها الاظفار.
فصل: قد كاد الرسول يا أخي وسيدي ـ أطال الله بقائك ـ من كثرة الترداد تتظلم قدماه، وكاد المرسل من امتداد الطرف لانتظاره تزور عيناه، فلا تجعل للوم طريقا إليك ولا للعتاب متسلقا عليك، وكن مع مواصلتك إلبا على مقاطعتك وأحمل لمفارقتك كثيرا على مباعدتك، فان ذلك أحصف لمعاقد العهود وأعطف لتالف القلوب.
فصل: إن رأى الشريف ـ أطال الله بقاءه ـ أن يلقي إلي طرفا من حال سلامته، وما جدده الله تعالى من حسم شكايته، فحرام على جنبي الهدوء إذا نبا جنبه ومحصن عن عيني الرقاد إذا سهر طرفه، لان النفس واحدة وإن اقتسمها جسمان واستهم فيها جسدان، ولست أشك في هزيمة الداء ونقيصة الالم لما أجده من سكون النفس وطمأنينة القلب، ولو كان غير ذلك لقلقت نفسي لقلق قسيمتها وتألمت مهجتي لالم مساهمتها، والله يقيه ويقيني فيه الاسواء بمنه وقدرته إن شاء.
فصل: وراودت نفسي في إنفاذ رسول إليه يسأله الحضور، ثم أضربت عزيمة الرأي خوفا من إزعاجه في مثل هذا الوقت، ولئلا ينسبني إلى نقض الشرائط وفسخ العهود اللوازم، لانه يشارطني في ليلة يومنا هذا في داره، وكان عزمي في الانفاذ إليه بين رأيين ؛ جاذب إلى أمام، وممسك إلى وراء، فالجاذب يحضه السوق ويحرضه النزاع إلى رؤيته فيجذب دائباً، والممسك يمنيه الوفاء بعهده والمحافظة على وده فيقف هائباً، والذي أمكنني عند غيبته أني حرمت القراءة على نظري، وصرفت مستأذن الحديث عن دخول سمعي، وفزعت إلى المضجع وإن كان نابياً لنبوه، والنوم وإن كان نائباً لنأيه، فإن رأى ـ أدام الله عزه ـ أن يجعل شخصه الكريم جواباً عن هذه الاحرف لينشر من نسائمي ما انطوى لفراقه، ويطفئ من حناني ما اضطرم من نار أشواقه فعل إن شاء الله.
فصل: وان اتسق الامر الذي إلى الله أرغب في تمامه، وأسأله العون على لم شمله وتأليف نظامه، كان فلان عندي في المنزلة التي إن أشرف منها وجد الناس جميعاً تحته، والمكان الذي إذا طمح فيه بطرفه لم ير أحداً من الرجال فوقه، والله يعين على مشاطرته كرائم النعمى ويجعل الرشد مقروناً بصحبته في الدين والدنيا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فصل: قرأت ما كتب به مولاي الاستاذ ـ أطال الله بقاءه ـ وملكني الابتهاج بما وقفت عليه من علم خبره، واقتسمتني أيدي الارتياح لما أنست به من دوام سلامته، والله يقيه الهم ويكفيه المهم بمنه وقدرته، وأما خبري فأنا الان في منزلة من العافية بعد أن كنت في نازلة من المنزلة[٢٥] وتحت ظل من السلامة بعد حصولي في هجير من عارض العلة، ولله الحمد على الابتلاء بالاول والانعام في الاخر، ولولا شغلي بما ذكرت وانغماسي فيما وصفت، لم أقنع لنفسي بالتأخر عنه طول هذه المدة، مع السرور الذي يهفو بي إليه، والجواذب التي تسرع بي نحوه، والله يحرسه ويحرسني فيه بمنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فصل: فإن رأى ـ أطال الله مدته ـ أن يجيبني إلى ما التمسته، ويحتمل ما اقترحته، فإنه أهل لنزول الحوائج به، وموضع لتكاثر المسائل عليه، فما يسأل إلا باذل، ولا يحمل إلا حامل، فعل إن شاء الله.
فصل: أخلف ميعاداً وصدق بعاداً، اعيذك ـ أطال الله بقاءك ـ من ذلك، وعدتني أنك تصير النصب فيه على قولك أحشفا وسوء كيله ؟ والمعنى يجمع هذا وذا، إلي فأخلفت، وأوعدتني أنك تجازيني على ما فعلته بالقطيعة فقدمت وأسلفت، [ وعادة ] الكريم إنجاز الوعد وإخلاف الوعيد، فإن لابد فالصدق في كليهما ليتوارد الفعلان ويعتدل الامران، ولا يكون الشر أغلب الطبعين عليك، والخير أبغض الحظين عندك، والذي أسالك ـ أدام الله عزك ـ أن تسرع النهضة إلي، وتعجل الطلوع علي، إن شاءالله.
فصل: فلو شئت ـ أطال الله بقاءك ـ لالتثمت الخجل من قبيح ما ترتكبه وقعة بعد اخرى، وأنا دائب أتلافاك بالصعب والذلول والدقيق والجليل، وأستميلك استمالة النافر، وأستعطفك استعطاف الشارد، واداريك مداراة الولد الوالد، بل مداراة الناظر الرمد، وأنت ماض على غلوائك في البعد، وجار على سننك في القطعية والهجر، ولو رمت شرح جميع اموري منك لطال الكلام، وكثر الخصام.
والان فالذي أسالك ـ أدام الله عزك ـ أن تخرج من لباس الخلق الجافي، وتشرع في غدير الود الصافي، فانه أولى بك وأشبه بمثلك، إن شاء الله.
فصل: إذا كان إنعام سيدنا الوزير ـ أطال الله بقاءه ـ عريض الاكناف، بعيد الاقطار والاطراف، ينال المحروم والمرزوق سجله[٢٦]، ويسع القاضي والداني فضله، كان أحق من ضرب فيه بسهم، واخذ منه بنصيب وقسم، من سبقت منه خدمة، وتوكدت له حرمة، وقد شمل أفضال سيدنا الوزير ـ أدام الله عزه ـ أشكالي وأمثالي من أهل هذا البيت، وأنا أعوذ بغامر فضله أن يعزبني الزمان من ملابس طوله، فإن رأى ـ حرس الله مدته ـ أن ينعم علي بالتوقيع في معنى كيت وكيت فعل إن شاءالله.
(٥) فصل من رسالة الشريف أبي الحسين الموسوي رحمة الله عليه:
وإذا كنت ـ أدام الله عزك ـ لا ترع العلائق الواشجة، ولا تجيب الارحام المناشدة، ولا تتعطف بالاسباب العواطف، ولا تهتز للاعراق الضوارب، وأنت أنت في كمال البصائر والتجارب، وسداد الاراء والعزائم، فأين موضع السكن التي عسا[٢٧] عودها، ونبا[٢٨] على العواجم عمودها، واعتقبتها الايام رافعة وخافضة، وتداولتها الخطوب رائشة[٢٩] وناهضة[٣٠].
وإنما تكون آراء ذي السن الغالب أسد وأصوب، وعزائمه أنفذ وأدرب، وأفعاله مستضيئة لشعاع الحزم الثاقب، ومتنكبة عن ظلم الهوى الغالب، لان الزمان قد يجده[٣١] بطول صحبته، وأخلصه بطوارئ خيره وشره، وغالبه ثم دان له، وخاشنه ثم لاينه، فأفاده ارتياء في المشكلات، ووقوفاً عند الشبهات، واستشفاء للعواقب، ونظرا من الموارد إلى المصادر، اطلاعاً على مجاني الغروس قبل إيراقها، ومحاصد الزروع قبل إطلاعها، فهو أبدا مغالب عزمه بحزمه، ومستعبد هواه لرأيه، وأخلق به ألا تنشط عقاله الحوادث، ولا تزلق قدمه النوائب، ولا يسري إلا على منار، ولا ينقاد إلا بأزمة الاستبصار، ولا يرمي إلا على إشارات التوفيق، ولا يحذو إلا على مثال الرأي الانيق[٣٢].