وقال (عليه السلام): مَنْ ضَيَّعَهُ الاْقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الاْبْعَدُ .                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): اذْكُرُوا انْقِطَاعَ الَّلذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
التفسير الموضوعي لنهج البلاغة – الثاني

السيد محمود الهاشمي

المنهج الفطري

يعتبرالمنهج الفطري، من اقدم وأسهل الوان الاستدلال والأثبات على الصانع سبحانه وتعالى، ويراد به ان الانسان بحسب فطرته وبحسب ذاته له اذعان، وله يقين وتصديق ذاتي بوجود الله سبحانه وتعالى، وان هناك مبدأ فوق نفسه، فوق صاحب الفطرة، هذا المبدأ هوالذي خلق هذه الفطرة، وما يظهر من آثار الخلق، ما هي الا افاضات منه جل شأنه، وان هذا الصانع قد أودع في الذات الانسانية الايمان به، والتصديق والاقرار له بالربوية.

والقرآن الكريم يشيرالى هذه الحقيقة ((واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا..)) وفي الروايات الصادرة عن الأئمة (ع)، جاء في تفسير هذة الآیة، ان الله سبحانه تعالى أخرج من ظهر آدم ذريّته الى يوم القيامة وخرجوا كالذر، فعرّفهم نفسه وأراهم صنعه، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربّه.

ومن الروايات الصادرة عن النبي (ص) قوله: (كل مولد يولد على الفطرة).

وقد فسرت هذه العبارة من قبل الأئمة (ع) بأن المولود يولد على معرفة الخالق.

اذا فالایمان بالله سبحانه وتعالى، والاقرار له بالربيوية، اقرا مودع في فطرة كل انسان، وان هذه الفطرة قد أخذ منها الميثاق على ذلك.

وفي الامكان الاستفادة من هذا النوع الدليل لأثبات الصانع جلّ شأنه بأحد نحوين.

النحوالأول - من خلال التجربة الوجدانيّة الشخصيّة للانسان، فأن كل انسان يمر في حياته بمجالات وجدانية خاصة تتجلى فيها فكرة وجود الله سبحانه وتعالى وتلك الحالات كثيرا ما تحصل لدي الانسان في موارد الضيق والعجزوالخوف، حيث يتوجه الى مبدأ كامل قادر فوقه وتحصل لديه حالة فطرية من الايمان بالله سبحانه وتعالى.

هذا اللون من التجارب الوجدانية والشخصية يشير اليها القرآن الكريم في موارد عديدة، في وصف حالات الانسان وخصوصا الكفار فيقول ان هؤلاء الذين يكفرون ويجحدون هم ايضا في حالات معينة عندما تتعدم لديهم الأسباب والحيل يتوجهون الى الله سبحانه وتعالى ويؤمنون ويتيقنون به.

ومن تلك الحالات ابتلاؤهم بالغرق في اليم، حسب الأشارة القرآنیة، حيث أنهم في خضّم تلك الحالة، وحيث انعدام الوسائل والحيل وسبل النجاة والخلاص لديهم، يتوجهون الى الله سبحانه وتعالى توجها فطريا، ليلتمسوه الخلاص، فلما نجاهم الى البر، حيث الطمأنينة والخلاص فأذا هم ينسون تلك التوجهات والدلالات التي كانت مثارة في أنفسهم، (فأذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدّين فلمّا نجّاهم الى البّر اذا هم يشركون). (العنکبوت ٦٥)

حالات عجز الانسان وانعدام الوسيلة لديه في الحياة، تثيرفي نفسه هذه الفطرة، وتشعره وتلح عليه، بأن هناك مبدأ فوق هذة الظواهر والمسميات، يمكنه ان ينجيه ويرفع به عن مستوى هذا البلاء.

كما ان درجة نقاء الفطرة الانسانية، قد تكون متقدمة، مالم تدنس هذة الفطرة بفعل الخبائث والأدران الدنيوية.

قد تبقى - الفطرة - بدرجة من النقاء والسلامة، دون ان تناولها أيدي الأنحراف، فتقضى على الوجه المشرق لها، ولتفسد فيها معاني الصلاح والاستقامة،..

الفطرة مالم تدنس، تبقى بنفس الحالة من الطهر ونفس الحالة من الدلالة على وجود الله سبحانه وتعالى، أي تبقى فطرة اِلهية، سماوية لم تتلوث بحالات التراب،..

والقرآن الکریم یشیر الى حقیقة أن الفطرة الانسانية تذعن بوجود الله سبحانه وتعالى، تلقائيا، ومن نفسها، دون الحاجة الى الاستدلال، لأن الميثاق قد اخذ منها حين خلقها،..

(واذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنّا كنّا عن هذا غافلين). (الأعراف:١٧٢)

والامام علي (ع) - في نهج البلاغة - يشيرالى هذه الحقيقة أيضا، أن الفطرة بذاتها تدرك الحقيقة الالهية، وتتذكر ما أخذ منها من الميثاق، من قبيل ما جاء في خطبة الأنبياء، وهي من جلائل الخطب، يقول الامام (ع):

(فبعث فيهم رسله، وواتر اليهم أنبياء، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكرّوهم منسي نعمته).

هنا يشير الامام (ع)، ان الفطرة الانسانية لها ميثاق مع الله سبحانه وتعالى، هذه الفطرة التي خلقها وأوجدها في الذات الانسانية، قد أعطت ميثاقا لله سبحانه وتعالى، يأتي الأنبياء (ع) ليلأخذوا ميثاق الفطرة ويستأدوه، ويذكّروها.. بأنّك أيتها الفطرة قد اعطيت هذا الاذعان والاقرارلله سبحانه وتعالى حين خلفك لكنك قد نسيت ذلك، نتيجة ما ابتليت به في هذه النشأة المادية من الجهالات...

نسيت الفطرة الميثاق الالهي، وقد غشيتها، حجب الدنيا فحالت بينها وبين الحقيقة.

فيأتي الأنبياء (ع) لينبهوا هذه الفطرة وليحفظوها وليعرفوا هذه الحجب عنها، حجب الضلالات والجهالات لتبقى مشرقة بنور ربّها عامرة بالأيمان ببارئها، تهتدي بسبيل الحق دون دروب الانحراف، وهذه الفطرة وهذا الميثاق وهذه الامانة الكبرى - مهما شئت فعبّر- هي التي تشير اليها تلك آيات والروايات وهي مودعة من قبل سبحانه وتعالى في خلقة الانسان عندما خلقه وسواه ونفخ فيه من روحه - فهي من مستلزمات تلك النفخة والنفحة الربانية التي أودعت في صميم هذا الانسان فاصبح بذلك متطلعا الى مبدأ الكمال والى مبدأ تلك النفحة وهوالله سبحانه وتعالى مصدر كل الكمال ومبدئه ومنتهاه.

النحوالثاني - من الاستدلال والأثبات الفطري لوجود الله سبحانه وتعالى ((دعوى البداهة)) أي ان الله سبحانه وتعالى بديهي الوجود والظهور، بل هوالظاهر وليس غيره ظاهرا.

أنّ الانسان منذ أن يولد، يولد فاقدا للحس والعقل والادراك الفعلي وأن كان مزودا بالقوة بالادراك، حينما يولد يألف ما حوله من الكائنات والموجودات، فهوينموويكبر وقد ألف هذه الموجودات جميعا وكأنها أمور طبيعية مألوفة لديه لايدرك أنها تدل على خالق لها، وموجد مبدع ابتدأها...

الانسان حينما يعثرعلى ورقة في منطقة ما، ومكتوب فيها قصيدة من الشعر الموزون، لايشك - بمجرد أن يراها - ان هناك من كتبها ونظم أبياتها، وانها لم تأت جوافا بل أن هناك مَنّ خطها، ممن كان عالما واعيا وعارفا باللغة والشعر.

أي ان الانسان هنا يرفض الصدفة، في عملية ايجاد هذة الكتابة، بل يؤمن ان لها مسببا وموجودا، قد خط حروفها، وحاك عباراتها، عن قصد وادراك ووعي.

وما يوجد حول الانسان من الموجودات والكائنات البديعة الدقيقة، كلها في درجة من التعقيد والابداع والدقة، ما يوفق كل ما يجده الانسان من موجودات غير طبيعية كتلك الورقة في تلك المنطقة... الاّ انّ هذة المخلوقات والموجودات التي تظهر وجود الله سبحانه وتعالى، وتدل دلالة واضحة عليه، قد ألفها الانسان منذ الصغر، واعتادها وكأنها أمورطبيعية، فعند ما يقف أمامها لا يحس ولا يتوجه ذلك التوجه الذي يجده في نفسه حينما يجد شيئا غريبا من قبيل هذا القرطاس أوهذه الكتابة لم يألفها وهوصغير.

ولهذا قال بعض الحكماء، انّ الانسان اذا بقى لايدرك شيئا - الى ان نكتمل لديه قوة الادراك - وفجأة يؤتى به الى الدنيا ويدرك ما فيها من المخلوقات والموجودات، فأول نظرة يلقيها على هذه الموجودات من حوله تحصل لديه حالة اليقين والايمان بان الله سبحانه موجود، لأن جميع ما في هذا العالم من الكائنات والموجودات كلّها تنادي وتدّل دلالة صريحة وتظهر وجود الله تبارك وتعالى بالبداهة، فكل ما هنالك يدّل عليه ويظهره في الواقع لأنها مظاهر منه واشراقات وافاضات له.

اذا هي تدل عليه قبل أن تكون لها دلالة على نفسها، تدل على بارئها وخالقها،..الاّ أن هذه الحالة وهذه الألفة التي ينموالانسان من خلالها، في هذه النشأة المادية، تمنعه في كثيرمن الأحيان، وتوجب حالة من الغفلة والألفة المانعة لديه عن التوجه الى هذه الحقيقة الواضحة البديهة.

يقول بعض الحكماء والعرفاء، ان من عوامل عدم ظهور ووضوح بديهة وجود الباري عزّوجل عند كثيرمن الناس هوأن الأشياء تعرف باضدادها فالحالة الاولى ان يكون الشيء خفيا ونتيجة خفائه المطلق لا يدركه العقل الانساني اما الحالة الثانية التي تؤدي الى عدم السرعة في الادراك فهي الظهورالمطلق فلوكان هناك شيء ما له ظهور مطلق يكون هذا الظهور سببا في عدم السرعة في الادراك وان الله سبحانه وتعالى، كله ظهور ونور ووجود بحسب الحقيقة ولا توجد حالة العدم، وما دام الأمر كذلك، فحينئذ قد لا يسرع الادراك والتيقن والتصديق بوجوده لدى الانسان.

الانسان انما يدرك النورمثلا من حيث انعدامه، ومن حيث الدخول في حالة جديدة، حالة انعدام النور- أي الظلام - وهكذا التمايز بين الليل والنهار،.. كذلك الله سبحانه وتعالى.

فالأنسان عندما يتأمل وينظرالى الكائنات والموجودات يجد مظهرا من مظاهرالوجود في الواقع، يجد افاضة من الافاضات التي تدل على فاعلها وموجدها وبارئها، قبل ان تكون دالة على نفسها.

ولا يمكن ان تكون هنالك حالة تنعدم فيها كل هذه الموجودات - فهذا معناه انعدام وجود الله سبحانه وتعالى - وهومحال فلشده نوره..وظهوره على الوجود، تكون هناك حالة التوقف والتأمل،.. والاّ فمسألة وجود الله سبحانه من المسائل الواضحة والبديهة التي لابد أن يذعن لها العقل بمجرد أن ينظرالانسان الى نفسه أويتجاوز دائرة نفسه الى الموجودات.

اذا فالنحوالثاني من المنهج الفطري لأثبات الله تعالى، دعوى البداهة والظهور، والواضح ان كل ما في الكون من موجودات ومخلوقات - قبل ان تكون دالّة على نفسها - تدل على خالقها وبارئها، وهذا المعنى نجده في جملة من كلمات المعصومين ((عليهم السلام))، فالامام في نهج البلاغة يقول:

(عجبت لمن شكّ في الله وهويرى خلق الله).

وقال في موضع آخر:

(ان الله تجلّى لعباده من غيران رأوه، وأراهم نفسه من غيرأن يتجلى لهم).

فهذه العبارات تدل على ان الله سبحانه وتعالى يدرك ويعقل ويصدّق بوجوده من غيررؤية حسّية، باعتبار منزّها عن الاحساس به ولكنه متجلّ وظاهر بنوره، فأنه لا نورالاّ نوره ولا وجود الاّ وجوده الحق، فهوظاهر من غير رؤية.

ومن شدة ظهوره ((كالمرئي))، ولكن لا بالتجلي في مكان ومحدودية لأنه لا يشغله شأن ولا تحويه النواظر. وقد ذكر (ع) في تعبير آخر:

(المعروف من غیر رؤية)

وللامام الحسين (ع) في دعاء عرفة كلمات ومقاطع تدل على هذا المنحى الثاني من الاستدلال على وجود الله سبحانه.

يقول الامام (ع): في ذلك الدعاء المبارك:

((كيف يستدّل عليك بما هوفي وجوده مفتقراليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هوالمظهر لك، متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثارهي التي توصل اليك، عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيبا)).

فالامام هنا يريد اثارة الفطرة الانسانية، أي أنّ الله سبحانه وتعالى له ظهور ووضوح بالبداهة لا يحتاج معها الى الاستدلال والأثبات، فالذي يريد الاستدلال عليه، ممكن من الممكنات بذاته وكل ممكن يحتاج الى علة...هذا الاستدلال الممكن هوفي وجوده مفتقرالى الواجب، فأننا عندما نرى شخصا يتحرك، تدرك اولا شخص المتحرك من خلال حركته، ثم نلتفت الى حركته.

فعالم الامكان، عالم الموجودات والخلائق - في الواقع - ليس هوالوجود الحقيقي، بل هوالوجود الظلّي..المندك..المفتقر، وهوافاضة من مبدأ الخلق ومصدره.

فالله سبحانه وتعالى له الوجود الاقوى..الوجود الذي هوالحقيقة والواقع والكنه والجوهر وما عداء ليس الاّ اشراقات وافاضات وظلال لذلك الوجود.

فالامام في هذا الدعاء يثبت هذا الحقيقة ويؤكد أنّ الباري دائم الظهور، ودائم النور، ولا يعقل ان يوجد مكان لا يكون لله فيه ظهور، فهوحاضر بالبداهة والوضوح، فلا يحتاج الى أن يستدل عليه:

(متى غبت حتى تحتاج الى دليل).

بداهة ظهورالباري ومنازل الأيمان في القلب

اذا كان الله - سبحانه وتعالى - بهذا المستوى من الظهور والحضور والبداهة، فينبغي أن يكون للانسان مثل هذه الدرجة من المعرفة بالله تعالى وادراكه والتصديق به، حيث لا يرى غيره، بل يراه اينما توجّه، بنحويستقطب مشاعره وعواطفه ليجعله ينظر ويسمع ويعقل ويتحرك بحبه ونوره، وليكون قبلته الدائمة في التوجهات والآمال.

والامام علي (ع) يصرّح (ما رأيت شيئا الاّ ورأيت الله معه وقبله وبعده وفيه).

هذا النحوواللون من التوجه الى الله سبحانه وتعالى والحضور والصلة به، يمثل طرف المعادلة السالفة ((بداهة الظهور)) والمعرفة الحقه له.

هذه المعرفة الحقيقية، والعرفان الكامل بالله سبحانه يفتح للانسان آفاقا متقدمة عن الحقائق الكبرى، ويدلّ بشكل اكبر وأعظم على شهود وتصديق بالله، بحيث لا يرى غيره، وما يراه لا يعد وعرضا يراه من خلال الله - سبحانه وتعالى -.

والأنبياء والأئمة والأولياء الصلحاء امتازوا على غيرهم في هذه الحقيقة، اذ كان توجههم الى الله سبحانه، لا يرون غيره وماعداه باطل وليس حقيقيا الاّ بمقدار ما يعبّرعن وجود المبدأ ووجود الأصل والجوهر، وهوالله تعالى.

ومثل هذه المعرفة هي الحقّة، وهي التي تريدها السّماء أن تتجسّد في النفس الانسانية كي تشقّ طريقها نحومدارج الكمال، ولتكون الأ نموذج المحدود في اخلاقها للاصل والجوهراللامتناهي في أخلاقه وصفاته وأنواره.

الانسان يدرك من خلال هذا النحومن المعرفة، حقيقة الوجود وأهميته.

فمن خلال المنظارالالهي، تجعله يدرك أن الحقيقة والأصل والكنه انما هوالله - سبحانه وتعالى - وما يرتبط به، واما سواء فلا يعدوان يكون شبحا وظلا ووهما ومظهرا وصورة ليس فيها أي محتوى،.. لا يعدوأن يكون افاضة واشراقه من المحتوى الحقيقي.

وهذه المعرفة والمشاهدة بالقلب والعقل لله سبحانه هي منشأ تكامل الانسان وسيرة نحولقاء الله، وهي التي جاءت من اجلها النبوات والرسالات والشرائع.

وهي بالتالي أعلى منازل الايمان، وأرقى مدارج الكمال التي يمكن للانسان أن يصل اليها.

المحبة وليدة المعرفة

الانسان اذا ما أدراك هذا النحومن المعرفة الحقيقة...المعرفة التي بلغها الأنبياء والأئمة - هذا محال بحسب الواقع - والتي جعلتهم لا يدركون غيرالله - سبحانه وتعالى - ادراكا واقعيا وعقليا وعاطفيا، فأن هذه المعرفة تولد حبا وتعلقا صميميا بالله.. حبا يمتلك يحتوي الانسان، ويأسر لبّه وقلبه، وتجعل سجاياه وفق ارادة الله سبحانه، ليصبح منه واليه، ذائبا فيه وفي نجواه ليرتشف من مناهل حبّه، ما يطفى سعير قلبه المحترق شوقا اليه، هذا الحب يتجسّد في شخص المعصوم بشكل واضح، وتظهرحالاته المختلفة.

فعندما يقول النبي (ص) للامام علي (ع):

(ما عرف الله الاّ أنا وأنت).

يقصد هذه المرتبة من المعرفة، الا المعرفة بمعنى اقامة الدليل والتصديق النظري على وجود الله سبحانه، فأنه تصديق اجمالي مبهم.

وهناك تصديق وعلم حيوي يؤثرعلى مشاعرالانسان..على عواطفه..هذا الذي نجده عند المعصوم، حيث يمكنّه من مشاهد حقيقة المبدأ - مشاهد قلبية وعقلية - لذلك يصّرح الرسول الكريم (ص): أن تلك المرتبة مختصّة بي وبك يا علي.

فلقد كانت لهما تلك الدرجة من التعلق بالله تعالى، الدرجة التي ما بعدها درجة تعرف في قاموس المعرفة الانسانية ومراتبها ومنازلها.

فاذا توجّها لأداء عبادة ما، اخذتهما الصّفرة.. واستعدوا للصعقة، واذا ما وفقا بين يدي حبيبهم الأوحد تراهما يذوبان في بوتقة حبّه وذكره، أي يستشعران طعم مناجاته بصدق.. ويفقدان بعدها مرتبة الاحساس بالدنيا وعوالقها..

يفنيان في قبلتهما التي وجّها قلوبهما شطرها..لتأخذ بهما الى أجواء الطّهر والنقاء، حيث النورالالهي.. واللّقاء الربّاني.

هذه المرتبة من المعرفة التي تجعلهما لايريان غيرالله - سبحانه وتعالى -، هي قمة المعرفة الممكنة لهذا المخلوق والتي ماوراءها مرتبة ودرجة للمعرفة واللقاء والدّنومنه تعالى..

(ثم دنى فتدّلى فكان قوسين أوأدنى)

اذا فهذه المرتبة من الحب، تنشأ من تلك المرتبة من المعرفة.

وكلما كانت المعرفة أعمق..كانت المشاهدة الحقيقية والعقلية والروحية لله - سبحانه وتعالى - أدق وأسمى، وبالتالي نفس الدرجة من الحب والتعلق بالله تكون مترسخة في الذات الانسانية.

أما القلب الذي لا يعرف الله بتلك المرتبة - انما يعرفه معرفة اجمالية - سوف لا يكون فيه نصيب من الحب الحقيقي لله تعالى، فتراه ترابّي الطباع والمشاعر والآمال.

لا تتسع دائرة محبته ومعرفته عن هذا النطاق المادي وما يتصل به، فيخلد الى الأرض دون السماء.

يتبع  ...

****************************