وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا .                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام):مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلاَهُ اللهُ بِكِبَارِهَا.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ.                

Search form

إرسال الی صدیق
أبنية المشتقات ودلالتها السياقية في نهج البلاغة – الثاني

مِفْعَـال

وهذا البناء من أبنية المبالغة التي تـدل على تكرار وقوع الحدث والمداومة عليه،بحيث يصبح كالعادة في صاحبه[١] وسمع صياغته من اللازم والمتعدي نحو منحار، ومطعان، ومهذار...[٢].

وذهب بعض القدماء إلى ان هذا البناء لمن صار له كالآلة[٣]. وقد تبنى هذا الرأي من المحدثين الدكتور فاضل السامرائي بقوله: (ونحن نذهب إلى هذا المذهب أيضا، لان الأصل في المبـالغة النقـل.. فالأصل في (مِفْعَـال)  ان يكـون للآلة، كالمفتاح، وهو آلة الفتح، والمنشار، وهـو آلة النشر.. فاستعير إلى المبالغة، فعندما نقول: هو مهذار، كان المعنى انه كأنه آلة للهذر.. )[٤]. وهذا الرأي غير مقبول للأدلة التي ذكرناها سابقا[٥].

أما ما ورد من هذا البناء في نهج البلاغة فيتمثل في قول الإمام  من كلام له في وصف أهل بيت النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم)  قال: «أولئك مصابيح الهدى،و اعلام السرى، ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع البذر..»[٦]. في النص كلمتان هما (مساييح، ومذاييع)  وهما جمـع ومفردهما (مسياح، ومذياع)  على زنة (مِفْعال)، وهما من أبنية المبالغة، ومشتقتان من الفعل الثلاثي (ساح، وذاع).

يستدل من النص على عصمة أهل البيت،فالأمام يصفهم بأنهم الهداة الذين يهتدى بهم، ويؤخذ برأيهم، لأنهم خيرة الله من خلقه. ثم بعد ذلك ينفي عنهم الصفات الذميمة إذ يقـول: (ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع) ، والمسياح هو الذي يسيح بين الناس في الفسـاد والنمائم، أما المذياع فهو الذي إذا سمـع لغيره بفاحشة تنقص من شانه، أذاعها بين الناس ونوه بها، وتلك الأفعال بعيدة كل البعد عن أخلاق أهل بيت العصمة سلام الله عليهم[٧].

فُعَـلَة

وهـذا البناء من أبنية المبالغة[٨]، ويأتي للـدلالة على صفة من كثـر منه الفعل، وصار له كالعادة نحو: ضُحَكَة، وهُمَزة، ولُمَزة، للكثير الضحك، والهمز، واللمز[٩].

وقد ورد هذا البناء قليلا في نهج البلاغة ومنه قول الإمام( وذلك زمان لا ينجو فيه إلا كل مؤمن نُوَمَة، ان شهد لم يعرف، وان غاب لم يفتقد»[١٠]. في النص كلمة على زنة (فعلة)  هي(نومة) ، وهي من أبنية المبالغة،ومشتقة من الفعل الثلاثي المجرد (نام).

يستدل من النص على نـوع من المؤمنين، وجوده كعدمه، وهـو المؤمن الخامل الذكر، القليل الشر الذي إذا حضر لم يعرف، وان غاب لم يفتقده أحد، هذا النوع من المؤمنين هو الذي ينجو في ذلك الزمان على حد قول الإمام.

ابنية الصفة المشبهة

الصفة المشبهة: هي وصف يصاغ للدلالة على اتصاف الذات بالحدث على وجه الثبوت والدوام[١١]، وتكون صياغتها بكثـرة من الفعل اللازم من باب (فَعِـل)  المكسور العين في الماضي، وباب (فَعُـل)  المضموم العين في الماضي، وتقل في نحو (فَعَـل)  المفتوح العين في الماضي[١٢].

وذهب الرضي[١٣] إلى ان الصفة المشبهة لا تفيد الدلالة على الاستمرار، وان ما ذهبوا إليه من استمرار الحدث لصاحبها في جميع الأزمنة يعود إلى عدم وجود قرينة تخصصه لزمن دون آخـر، مما يجعله صالحا لكل الأزمنة، وكأنه بثبوته يشمل جميع الأزمنة، فليس معنى (حسن)  في الوضع إلا ذو حسن، سـواء كان في بعض الأزمنة، أو جميعها، ولا دليل في اللفظ على الاستمرار والحدوث

ولعل هذا الرأي كان السراج الذي أضاء منه الدكتـور فاضل السامرائي في قوله[١٤] بان الصفة المشبهة ليست على درجة واحدة من الثبوت، بل هي أقسام فمنها ما يفيد الثبوت والاستمرار كما في نحو: ابكم، واصم، واحور، واعور..، ومنها ما يـدل على معنى الثبوت، لكن ليس كما في(أفعل)  نحو: نحيف، وسمين، وبليغ، وكريم، وجواد...، ومنها ما يـدل على الأعراض، أي عـدم الثبوت، كما في (فَعِـل)  نحو: وجـع، و دوٍ، وعمٍ من عمي قلبه.. وكذلك في (فَعْلان)  الذي يدل على الحدوث والطروء نحو: عطشان، وشبعان، وجوعان..، فالعطش ليس صفة ثابتة، وكذلك الشبع، والجوع.

فعلى هذا لا يرى الدكتـور السامرائي ان يحكم بالثبوت عموما على الصفة المشبهة بل الأولى التفصيل[١٥]، واعطاء كل بناء الدلالة التي تميزه عن غيره من الأبنية، وهذا هو عين الصواب.

أما أبنية الصفة المشبهة التي وردت في نهج البلاغة، فسوف نذكرها حسب قوتها في الدلالة على الثبوت، وكما يأتي:

أَفْعَـل

وهذا البناء من أبنية الصفة المشبهة، ويصاغ من (فَعِل)  اللازم، ويكون فيما دل على لـون نحو: احمر، وازرق، أو حلية ويقصد بالحلية العلامة الظـاهرة للعـين نحو: أغيد، وأهيف، وأكحل، أو عيـب من العيـوب الظاهـرة نحو: أعمى، واعور، واحول[١٦].

وقد ذهب القدماء[١٧] إلى تعاور (أفعَل)  و(فعِل)  في هذه الدلالات، أي انه قد يـدخل (فعِل)  على (أفعل)  في العيوب الظـاهرة والحلي نحو: شعِث، واشعث، وحدِب، واحدب..، قال سيبويه: ( أما الألـوان فإنها تبنى على أفعل … وقد يبنى على افعل ويكون الفعل على (فَعِل يَفعَل)  … وذلك ما كان داء او عيبا، لان العيب نحو الداء ففعلوا ذلك كما قالوا اجرب، وانكد …)[١٨].

وقد يدخل (افعل)  على (فعِل) ، كما في وجر ـ أي خان ـ وهو من العيوب الباطنة، فالقياس (فعِل)  وجر، وأوجر، ومثله حمق، واحمق[١٩].

ولم يذهب الدكتور فاضل السامرائي إلى هذا الرأي، بل كان يرى ان (فعِل)  يبنى للدلالة على الأعراض والهيجانات، وما يكـره من الأدواء والعيوب الباطنة، حيث قال: ( غير اني لا اذهب إلى ما ذكـره سيبويه من نحو حمـق واحمـق، وجرب واجرب، انهما بمعنى واحد، وان كان أصحاب المعجمات يذهبون إلى ذلك أيضا، وانما أرى ان لكل منهما معنى وقصدا، فبناء (فعِـل)  يختلف عن (أفعـل)  في جملة أمـور منها انه عرض غير ثابـت، وان فيه هيجا، وانه في العيـوب الظاهرة)[٢٠].

وقد جاء هذا البناء (افعل)  في نهج البلاغة بدلالته التي عرف بها كما في قول الإمام: «فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب»[٢١].

وردت في النص كلمـة على زنة (أفعـل)  هي (الأجرب) ، وهي من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقة من الفعل الثلاثي (جرب).

المتأمل في النص يجد صورة رائعة يرسمها الإمـام (عليه السلام)  للحق وكيفية تعـامل الناس معه، حيث يصوره بصورة الأجرب الذي ينفر منه الصحيح الذي ليس به علة، خشية ان تصيبه عدوى ذلك المرض، هكذا ينفر الناس من الحـق خشية التعرض للأذى، ولا يخفى ما في كلمة الأجرب من دلالة على الثبوت، وهـو ثبـوت على وجه الدوام لا يطرأ عليه الحدوث، كما هي الحالة في الحق فانه ثابت لا يطرأ عليه تغيير.

وقال الإمام: «طبيب دوّار بطبه، قد احكم مراهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، وآذان صم، والسنة بكم، متبع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة »[٢٢]. في النص ثلاث كلمات هي (عميٌ، وصمٌ، وبكمٌ)  وهي جموع مفردها (أعمى، واصم، وابكـم)  على زنة (أفعل) ، وهي من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقة من الفعـل الثلاثي (عمي، وصم،وبكم ).

في هذا النص يشير الإمام (عليه السلام)  إلى نفسه، حيث ذكر انه يعالج من يحتاج إليه، وهم أولو القلوب العمي، والآذان الصم، والألسنة البكم، وهذا تقسيم صحيح حاصر، لان الضلال ومخالفة الحق يكون بثلاثة أمور: أما بجهل القلب، أو بعـدم سماع المواعظ والحجج، أو بالإمساك عن شهادة التوحيد وتلاوة الذكر[٢٣]. وان الحكم على هؤلاء بالضلال ليس إلا نتيجة لافعالهم هذه، والتي هي على وجه الثبوت والاستمرار.

فَعِيـل

وهذا البناء من أبنية الصفة المشبهة الكثيرة الاستعمال في العربية، ويصاغ من (فعُل)  اللازم، قال الرضي: (الغالب من باب فعُل فعيل )[٢٤] ، ويأتي هذا البناء للـدلالة على الثبوت في الأوصاف الخلقية، أو المكتسبة، نحو: طويل، وقصير، وخطيب، وفقيـه[٢٥]، وقد يشـارك(فعِل)  في الـدلالة على الصفات العارضة أو الوقتية[٢٦]، نحو سقيم، ومريض.

وقد ورد هذا البناء كثيرا في نهـج البلاغة، ومن ذلك قول الإمـام: «ان القـــرآن ظـاهره أنــيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه»[٢٧]. في النص كلمتان على زنة (فعيل)  هما (أنيـق، وعميق) ، وهما من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقتان من الفعل الثلاثي (أنق، وعمق).

يستفاد من النص في الاستدلال على انه لا ينبغي حمل جميع ما في القـرآن على ظاهره، فكم من ظاهر فيه غير مراد، بل المراد أمر آخـر باطن يمكن فهمه من القـرائن اللفظية أو الحالية المتعلقة بالنص القرآني، فإذا ما حملنا القـران على ظـاهره حكمنا حكما باطلا على كل أعمى في هذه النشأة، بانه سيحشر يوم القيامة أعمى، لقوله تعالى: «وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً»[٢٨]، وهذا في ظاهره ظلم من الله تعالى لعباده، وحاشاه سبحانه ان يظلم أحدا، أما إذا سبرنا غور هذه الآية، فسنرى ان المقصود بالأعمى هنا أعمى البصيرة، وليس أعمى البصر، إذن هناك آيات تستوجب ان يقف عندها الإنسان ويتأمل المراد منها ويتأوله، وهذا موكول للراسخين في العلم فهم اجدر المخلوقين بهذا الأمر.

وقال الإمام في صفات الله  «لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء»[٢٩]. في النص كلمتان على زنة (فعيل)  هما (لطيف، وكبير) ، وهما من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقتان من الفعل الثلاثي (لطف، وكبر).

يستفاد من قوله: (لطيف لا يوصف بالخفاء)  عدة أمور منها:

الأول: يدل النص على ان الله سبحانه لا يُرى لعدم صحة رؤية ذاته، فلما شابه اللطيف من الأجسام في استحالة رؤيته، اطلق عليه لفظ (اللطيف)  إطلاقا للفظ السبب على المسبب.

الثاني: يـدل النـص على انه سبحانه لطيف بعباده، كما قـال في الكتاب العزيز، أي يفعل الألطاف المقربة لهم من الطاعة، المبعدة لهم عن المعصية.

الثالث: يراد من قوله انه سبحانه لطيف بعباده، الدلالـة على انه يرحمهم ويرفق بهم. أما قوله: (كبير لا يوصف بالجفاء) ، فيستدل به على تنزيه البارئ جل وعلا عما تدل عليه لفظة (كبير)  إذا استعملت في الأجسام، فيلمس في وصف الله سبحانه بانه (كبير) ، عظمة شانه وجلال سلطانه.

وقال الإمام من كـلام له في صفات الله: «قريب من الأشياء غير ملامس،بعيد منها غير مباين»[٣٠]. في هذا النص كلمتان على زنة (فعيل)  هما (قريب، وبعيد)  وهما من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقتان من الفعل الثلاثي (قرب، وبعد).

يستدل من النص على عدة أمور منها:

الأول: يكشف النـص عن وظيفة عقائدية مهمة، وهي الإحاطة المطلقة لله سبحانه وتعالى بالموجودات، فلا يحده زمـان، ولا يحجبه مكان، وانما هو محيط بالزمان والمكان، ولا تخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض، وهو بكل شئ عليم.

الثاني: يدل قوله: (قريب من الأشياء غير ملامس)  على ان قربه سبحانه من الأشياء إنما هو قرب معنوي، لانه سبحانه ليس بجسم «فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ»[٣١]، فقربه منها بمعنى علمه بها، وقرب الله من الأشياء هو قرب أزلي، لا يوصف بالزوال، وانما هو ملازم لها أبدا، وغير مفارق لها.

الثالث: يدل قوله: (بعيد منها غير مباين)  ان بعده  عن الأشياء إنما هو انتفاء اجتماعه معها، لانه ليس بجسم، فلا يطلق عليه البينونة، وذلك كما يصدق على البعيد بالوضع، يصدق على البعيد بالذات الذي لا يصح الوضع وألاين عليه، فهو «مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ»[٣٢]، من غير اجتماعه سبحانه مع الأشياء.

فَعِـل

وهذا البناء من أبنية الصفة المشبهة الكثيرة الاستعمال في العربية[٣٣]، ويأتي للدلالـة على الصفات العارضة الطارئة، غير الراسخة[٣٤]، مما يحصل ويسـرع زواله. ويصاغ من (فَعِل)  اللازم للدلالة على الأدواء الباطنة نحو: وجع، و دوٍ، وعـمٍ من عمي قلبـه، وللدلالة على العيوب الباطنة، نحو: نكس، وشكس، وللدلالة على الهيجانات والخفة نحو: أشر، وبطر، وفرح، وقلق، وحمس[٣٥].

وقد ورد هذا البناء في مواضع قليـلة في نهج البـلاغة، ومنها قول الإمام: «يا أخا بني أسد، انك لقلق الوضين»[٣٦]. والوضين هو (بطـان منسوج بعضه على بعض، يشد به الـرحل على البعـير)[٣٧]. تظهر في النص كلمة على زنة (فعِـل)  هي(قـلِق)، وهي من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقة من الفعل الثلاثي (قلِقَ).

يلمس في النـص صورة رائعة رسمها الإمام للإنسان الذي يكـون مضطربا في أفعاله وأموره، لا يثبت على أمـر أو فعـل من أفعاله، ذلك ان الوضين إذا صار قلقا اضطرب القتب أو الهودج، ومن ثم فان الذي فوق الهودج لا يأمن من السقوط عن ظهره، فهذا الإنسان الذي يصفه الإمام، لا يلبث حتى تقوده حالته هذه إلى السقوط في الهاوية، كما يهوي الذي كان هودجه قلقا.

فَعْـلان

وهذا البنـاء من أبنية الصفة المشبهة الكثيرة الورود في العربية، ويصاغ من (فَعِـل)  اللازم للدلالـة على الامتلاء والخلو، نحو: ريـان، وشبعان، وعطشان، وجوعان، وللدلالة على حرارة الباطن، نحو: غضبان، ولهفان، وثكلان[٣٨].

وقد ذهب القدماء إلى تعاور بناء (فعِل) ، و(فعْلان)  وكذلك (أفعل) ، و(فعْلان)  في هذه الدلالات، أي قد يدخل (فعِل)  على (فعلان)  في الدلالة على الامتلاء وحرارة الباطن، نحو: صد وصديان، وعطش وعطشان، وكذلك يدخل (أفعـل)  على (فعـلان)  في الدلالات المذكورة، كاهيم وهيمان، واشيم وشيمان، وقد ينوب (فعلان)  عن (فعِل)  نحو: غضبان، والقياس غضب، إذ الغضب هيجان[٣٩].

ولم يذهب الدكتور السامرائي إلى ما ذهب إليه القدماء، وانما كان يرى ان لكل بناء منها دلالته التي تميزه عن غيره، ويتمثل هذا بقوله: (أما ما ذكره أهل اللغة من انه قد يدخل (فعِل)  أو (أفعل)  على (فعلان) ، فاني لا أراه، فان جربان ليس بمعنى اجرب … ان جربان وصف عارض كما تقول: حصل له الجرب ونحوه عطشان، وجوعان.. واما اجرب فهو على الثبوت …)[٤٠]

من ذلك نخلص إلى ان بناء (فعلان)  يدل على الحدوث والطروء، فالعطش ليس ثابتا، وكذلك الشبع والجوع وانما يزول

وقد ورد هذا البناء في مواضع قليلة في نهج البلاغة، منها قول الإمام  يصف فيه جمعا من العباد الذين غض أبصارهم ذكر المرجع، واراق دموعهم خوف المحشر، قال : «.. فهم بين شريـدٍ نادٍ، وخائفٍ مقموعٍ..وثكلانٍ موجعٍ»[٤١].

في هذا النص كلمة على زنة (فعـلان)  هي (ثكلان)  وهي من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقة من الفعل الثلاثي (ثكل).

يصور النص هؤلاء النخبة من المؤمنين، فحالهم كحال الثكلان الذي فقد عزيزا عليه، حالته الحزن والألم والبكاء، أما هؤلاء فما يبكون إلا توقا لملاقاة خالقهم، وليس خوفا من الموت.

فَعَـل

وهذا البناء من أبنية الصفة المشبهة القليلة الورود في العربية، ويصاغ من الفعل الثلاثي (فَعُل)  نحو: حسن، وبطل[٤٢].

وقد ورد هذا البناء في نهج البلاغة في مواضع قليلة، منها قول الإمام  من كلام له في صفات الله  قال: «… الأحد لا بتأويل عدد»[٤٣]

في النص كلمة على زنة (فعَل)  هي (أحـد)  وهي من أبنية الصفة المشبهة ومشتقة من الفعل الثلاثي (وحَد ).

يستفاد من النص في الدلالة على ان الله جل وعلا هو الفرد الذي لا نظير له، وهو المعبود الذي يأله الخـلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته، فـرد بالألوهية، متعال عن صفات خلقه، وجاء في تفسـير الميزان: (أحـدٌ وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد، غير ان الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة، لا خارجا ولا ذهنا، وبذلك لا يقبل العد، ولا يدخل في العدد، بخلاف الواحد فان كل واحد فان له ثانيا، أما خارجا واما ذهنا، بتوهم أو بفرض العقل، فيصير انضمامه كثيرا، واما الأحد فكلما فرض له ثانيا كان هو هو لم يزد عليه شئ)[٤٤].

فَعُـول

وهذا البناء من أبنية الصفة المشبهة، ويصاغ من (فَعَل)  اللازم[٤٥]، للدلالة على من دام منه الفعل، نحو: وقور، وكؤد...[٤٦]

وقد ورد هذا البناء في أماكن قليلة في نهـج البلاغة منها قول الإمام: «وليخزن الرجلُ لسانه، فان هذا اللسانَ جموحٌ بصاحبه»[٤٧].

في هذا النص كلمة على زنة (فعول) ، هي (جموح) ، وهي من أبنية الصفة المشبهة، ومشتقة من الفعل الثلاثي (جمح).

تصور كلمة (جموح)  الحدث ماثلا للعيان، حيث نرى هذا الطود العظيم ينهار أمام هذا العضو الصغير الضعيف، فلا يقوى على صيانته، ولا يتمكن من حمايته، وان تركيز الإمـام  على هذه الجارحة من قبيل استصلاح الأرض الكنود بقلع مفاسدها، فصلاح اللسان مقدمة لصلاح النفس، تنمو بنمّوه وتفسد بفساده، فإذا ما كان فاسدا ألقى بصاحبه في الهلكة،وأذاقه عذاب الحريق.ويلاحظ ان هذه الصيغة أفادت الدلالة على الثبوت والدوام غير المقترن بزمان دون آخر.

اسم المفعـول

اسم المفعول: هو الاسم الذي يصاغ للدلالة على الحدث ومن وقع عليه[٤٨]، على وجه التجدد والحدوث[٤٩].

وقد لا يخلو اسم المفعول من دلالة على الثبوت الذي يقتضيه السياق كما سيتضح ذلك لاحقا.

صياغته

يصاغ اسم المفعول من الثلاثي على زنة (مفعول)  نحو: مضروب، ومكتوب، ومأسور، ومقهور… من ضرب، وكتب، وأسر، وقهر …، ويصاغ من غير الثـلاثي على زنة مضارعه المبنـي للمجهول، بإبـدال حـرف المضارعة ميما مضمومة، وفتح ما قبل الاخر[٥٠].

أما أبنية اسم المفعول التي وردت في نهج البلاغة فهي كما يأتي:

مَفْعُـول

ويبنى من الفعل الثلاثي للدلالة على من وقع عليه الحدث، وقد ورد هذا البناء كثيرا في نهج البلاغة، من ذلك قول الإمام: «فكل من رجا عُـرِف رجاؤه في عمله ـ إلا رجـاء الله ـ فانه مدخول، وكل خـوف محقـق ـ إلا خوف الله ـ فانه معلولٌ»[٥١]. في هذا النص كلمتان على زنة (مفعول) ،هما (مدخول، ومعلول) ، وهما من أبنية اسم المفعول، ومشتقتان من الفعل الثلاثي ( دخل، وعلّ ). يستفاد من النص أمور منها:

الأول: يدل قوله: ( فكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلا رجاء الله فانه مدخول)  على ان كل رجاء كانت وجهته لغير الله هو رجاء معيب، لان رجاء المخلوق دون الخالق عيب، وقلة فهم، وسوء ظن بقدرة الله سبحانه وعظمته.

الثاني: يدل قوله: ( وكل خوف محقق إلا خوف الله فانه معلول) على ان كل خوف حاصل حقيقة، فانه مع هذا الحصول والتحقق معلول، ليس بالخوف الصريح، إلا خوف الله وحده وتقواه وهيبته وسطوته وسخطه، ذلك لان الأمر الذي يخاف من العبد المخلوق سريع الانقضاء والزوال، أما الأمر الذي يخاف من البـارئ تعالى فلا غاية له، ولا انقضاء لمحذوره[٥٢]. وبالتالي فان خوف العباد من الله تعالى، لا يقتصر على زمن من الأزمنة، بل هو خوف على وجه الدوام والثبوت.

وقال الإمام(رُبّ مفتونٍ بحسنِ القولِ فيه»[٥٣]. في هذا النص كلمة على زنة (مفعول) ، هي (مفتون)، وهي من أبنية اسم المفعول، ومشتقة من الفعل الثلاثي (فتن).

تتجلى في النـص وظيفة أخلاقية يطرحها الإمام، وهي الابتعاد عن صفة العجب، والتخـلي عنها، لأنها من الصفات الذميمة، والتي تبعـد الإنسان عن الطريق القويم، فطالما فتن الناس بالثناء عليهم، فيقصر العالم في اكتساب العلم اتكالا على ثناء الناس عليه، ويقصر العابد في عبادته اتكالا على ثناء الناس عليه.. ففي تلك الحالة يبتعد الإنسان عن دائرة العطف الإلهي، فيجره عمله إلى الهلاك المحقق.

مُفْعَـل

ويصاغ من الفعل الثلاثي المزيد بالهمزة (أفْعل) ، وقد جاء هذا البناء في قول الإمام: «.. بأرض عالمُها مُلْجَم، وجاهلها مُكْرَم»[٥٤]. في النص كلمتان على زنة (مُفعَل)  هما (ملجم، ومكرم) ، وهما من أبنية اسم المفعول، ومشتقتان من الفعل الثلاثي المزيد (الجم، واكرم).

يـدل قوله: (عالمها ملجم)  على ان من عـرف صدق محمد (صلى الله عليه وآله)  وآمن به، وسار على شريعته ومنهاجه، يكون في تقية وخوف في تلك الأرض، لا يسعه إلا السكوت. ويدل قوله: (جاهلها مكرم)  على ان من جحد نبوة الخاتم (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ، ولم يؤمن بما جاء به، وسار على غير شريعته ومنهاجه، يكون في عز وجاه وأنفة.

وقال الإمام  واعظـا: «الآن عبـاد الله، والخنـاق مهمل، والروح مرسل»[٥٥].

في النص كلمتان على زنة (مُفعَـل) ، هما (مهمل، ومرسل) ، وهما من أبنية اسم المفعول، ومشتقتان من الفعل الثلاثي المزيد (أهمل، و أرسل).

يكشف النـص عن وظيفة عقائدية تتمثل بالتذكير بعاقبة الإنسان، وانه ما من مخلوق إلا ومفارق هذه الدنـيا الفانية، ولكن كل في اجله، فإذا عرف هذا، فالأحرى بالإنسان ان يبادر إلى عمل الخير ليفوز برضا الله جل وعلا، فقوله (عليه السلام) : (الآن والخناق مهمل)  أي اعمـلوا الآن وانتم مخلّون، متمكنون لم يعـقد الحبل في أعناقكم. أما قوله: ( والروح مرسل)  فالمـراد به ان أرواحكم لم تقبض بعد، فاعملوا قبل ان تقبض أرواحكم، وتغل أعناقكم بحلول الأجل، وعدم قبـول العمل، لسقوط التكليف، فعندها لا تنفع التوبة ولا تفيد الندامة.

صياغته من الثلاثي

(مُفاعَـل) : من أبنية اسم المفعول، ويصاغ من الفعل الثلاثي المزيد (فاعَل) ، أما (مُفعَّل)  فيصاغ من الفعل الثلاثي المزيد بالتضعيف (فعّل).

وقد ورد هـذان البناءان بقلة في نهج البلاغة، من ذلك قـول الإمام  «كلّ مُعاجَل يسال الإنظار، وكل مُؤجَّل يتعلل بالتسويف»[٥٦].

في هذا النص كلمتان على زنة (مُفاعَل) ، و(مُفعَّل) ،هما ( معاجل، ومؤجّل) ، وهما من أبنية اسم المفعول، ومشتقتان من الفعل الثلاثي المزيد (عاجلَ، واجّل).

يستدل من النص على ان كل من حضره الموت، وجاءت منيته، يطلب الرجعى، والإعادة إلى الدنيا، وهذا من قوله:«حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ»[٥٧]، فهذا سؤال الانظار لمن عوجل، أما من اجّل فانه يعلل نفسه بالتسويف في التوبة، مغترا بما هو عليه من صحة وكثرة في الأموال والأولاد، ولكن في نهاية المطاف يفاجئه الأجل، وتأتيه المنية وهو على اقبح حال.

وقال الإمام: «والله لئن أبيت على حسك السعدان مسهّدا، واجر في الأغلال مصفّدا، احب اليّ من ان ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد»[٥٨]. في النص كلمتان على زنة (مفعّل) ،هما (مسهدا، ومصفدا)  وهما من أبنية اسم المفعول، ومشتقتان من الفعل الثلاثي المزيد بالتضعيف (سهّد، وصفّد).

يستفاد من النص في الاستدلال على عدالة الإمام ، فهو يقسم بالله تعالى انه لو قضى ليله على حسك السعدان ـ ذلك النبات ذو الأشواك ـ يلاقي من اثره الآلام، او يجر في الأغلال مقيدا، أهون عليه من ان يلقى الله ورسوله يوم القيامة وفي عنقه حق لبعض العباد.

وقال الإمام : «ولا تأمن على نفسك صغير معصية، فلعلك مُعذّب عليه»[٥٩]. في هذا النص كلمة على زنة (مفعّل)  هي (معذّب) ، وهي من أبنية اسم المفعول، ومشتقة من الفعل الثلاثي المزيد بالتضعيف (عذّب)  

يكشف النص عن وظيفة أخلاقية يطرحها الإمام، وهي عدم الاستهانة بالذنب مهما كان صغيرا وتافها، فلعل سخط الله سبحانه يكون في ذلك الذنب او تلك المعصية، التي هي صغيرة في نظر الإنسان، ولكنها في حقيقتها تعتبر كبيرة لأنها معصية لجبار السماوات والأرض. والعذاب الذي يترتب على هذه المعصية ليس من قبيل العذاب الدنيوي الذي يطرأ ويزول، بل هو عذاب ابدي مستمر دائم لا انقطاع له ولا زوال.

مُفْتَعَـل

ويصاغ من الفعل الثلاثي المزيد بالهمزة والتاء (افتعل). وقد ورد هذا البناء قليلا في نهج البلاغة، من ذلك قول الإمام  من كلام له في ذم أهل البصرة قال: «.. والمقيم بين أظهركم مُرتَهن بذنبه..»[٦٠]. تظهر في النص كلمة على زنة (مفتعل) ،هي (مرتهن) ، وهي من أبنية اسم المفعول، ومشتقة من الفعل الثلاثي المزيد (ارتهن).

وصف الإمام المقيـم بين أظهرهم بانه مرتهـن بذنبه، لانه ـ بإقامته بينهم ـ إما ان يشاركهم في الذنوب التي يقترفونها فيكون منهم، أو انه يراهم يفعلون المعاصي والذنوب، ولا ينكر عليهم، ولا يغير شيئا، وهذا غير جائز بالنسبة للإنسان المؤمن.

مُسْتَفْعَـل

ويبنى من الفعل الثلاثي المزيد بالهمزة والسين والتاء (استفعل). وقد جاء هذا البناء في مواضع عديدة في نهج البـلاغة، ومنها قول الإمام (عليه السلام) : «اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل، ولا يجمعهما غيرك، لان المُستَخلَف لا يكون مُستَصحَبا، والمُستَصحَب لا يكون مُستَخلَفا»[٦١].

في النص كلمتان على زنة (مُسْتَفعَل) ،هما (مستخلف، ومستصحب) ، وهما من أبنية اسم المفعول،ومشتقتان من الفعل الثلاثي المزيد ( استخلف،واستصحب).

ان قول الإمام: (لان المستخلف لا يكون مستصحبا…) ، هو قول منطقي صحيح، لان من يستصحب لا يكون مستخلفا، فانه مستحيل ان يكون الشيء الواحد في مكانين مقيما وسائرا في الوقت نفسه، وتكون هذه المسالة في الأجسام، لان الجسم الواحد لا يكون في جهتين في وقت واحد، فأما ما ليس بجسم، وهو البارئ جل وعلا، فانه في كل مكان، والمراد إحاطته سبحانه بكل شئ ونفوذ كلمته وقضائه[٦٢].

وقال الإمام: «وخلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم من مُستَمتَع خلاقهم، ومُسْتَفسَح خناقهم»[٦٣].

في هذا النص كلمتان على زنة (مستفعل)، هما (مستمتع، ومستفسح) ، وهما من أبنية اسم المفعول، ومشتقتان من الفعل الثلاثي المزيد (استمتع،واستفسح).

يكشف النص عن وظيفة أخلاقية، وهي عدم التعلق بالدنيا، ووجوب الاتعاظ بأخبار الأمم السالفة وما جرى عليها، حيث يقول الإمام: ان الله سبحانه خلّف لكم عبرا من القرون السالفة، منها تمتعهم بنصيبهم من الدنيا وزينتها ثم فناءهم، ومنها فسحة أجلهم وطول أعمارهم، ومدة إمهالهم في حياتهم الدنيا، ثم كانت عاقبتهم الهلكة. فالجدير بالإنسان ان يتعظ بما ورد من أخبار هذه الأمم ويتزود من الدنيا لسفره الأخروي بالزاد الذي ينال به رضا الله جل وعلا.

نخلص من خلال النصوص التي سبقت ان اسم المفعول قد يدل على الثبوت إلى جانب دلالته على الحدوث، والسياق هو الذي يحدد إذا ما كانت دلالة البنية على الحدوث أو الثبوت. ومما يقوي هذا القول مجيء اسم المفعول دالا على الثبوت في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى:«وَأَصْحَابُ الْيَمينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ »[٦٤]، وكذلك قوله تعالى: «وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور»[٦٥]، وكـذلك قـوله تعـالى: «وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظا»[٦٦].

فقد جاء اسم المفعول في الآيات الكريمة دالا على الدوام والاستمرار، فلفظة (ممدود)  تدل على انه دائم باق لا يزول[٦٧]، ولفظة مسكوب تدل على انه جار بصورة دائمة مستمرة[٦٨].

اسم التفضيـل

اسم التفضيل: هو الاسم الذي يبنى على زنة (أفعـل)  للدلالة على ان شيئين قد اشتركا في صفة ما، وزاد أحدهما على الآخر فيها[٦٩].

ويشترط في صياغته عدة شروط[٧٠]، وهي ما يأتي:

ان يبنى من فعل ثلاثي مجرد.

ان يكون الفعل متصرفا، فلا يشتـق من نعم، وبئس للمدح والذم، أو ليس أو عسى.

ان يكون قابلا للتفاوت، فلا يشتق من الأفعال التي لا تفاوت فيها نحو: مات، و فني، فلا يقال هو أفنى، وأموت.

ان لا يكون الوصف منه على (افعل، فعلاء)

وقد اقتصر المحدثون على هذه الشروط الأربعة في صياغة اسم التفضيل، وهي التي انتهى إليها مجمع اللغة العربية في القاهرة[٧١]، أما الشروط الأخرى، والتي ذكرها الصرفيون القدماء، بان يكون الفعل مثبتا غير منفي، ويكون تاما، وغير مبني للمجهول[٧٢]، فلم يقرها المجمع، واقتصروا على الشروط الأربعة السابقة في صياغة اسم التفضيل.

وقد ورد اسم التفضيل كثيرا في نهج البلاغة، ومن ذلك قول الإمـام  في وصف الملائكة: «هم اعلــمُ خلـقك بك، وأخوفُهم لك، وأقـــربُهم منك»[٧٣]. تظهر في النص ثلاث كلمات على زنة (أفعل)  هي (اعلم، أخوف، واقرب) ، وهي أسماء تفضيل، ومشتقة من الفعل الثلاثي (علم، وخاف، وقرب).

يستفاد من النص أمور منها:

الأول: يدل قوله: (هم اعلم خلقك)  على انهم يعلمون من تفاصيل مخلوقاته، وتدبيراته ما لا يعلمه غيرهم، ولا يعني به انهم يعلمون من ماهيته تعالى ما لا يعلمه البشر، فكما يقال: وزير الملك اعلم بالملك من الرعية، ليس المراد انه اعلم بماهيته، بل أفعاله وتدبيراته، ومراده وغرضه.

الثاني: يدل قوله: (أخوفهم لك)  على انهم اكثر خلق الله خوفا له، لان قوتي الشهوة والغضب مرفوعتان عنهم، وهما منبع الشر وبهما يقع الطمع والإقدام على المعاصي، وكذلك فان منهم من يشاهد الجنة والنار عيانا، فيكون أخوف لانه ليس الخبر كالعيان.

الثالث: ولا يراد في قوله: (وأقربهم منك)  الدلالة على القرب المكاني، لانه  منزه عن المكان والجهة، بل المراد هو كثرة الثواب، وزيادة التعظيم والتبجيل[٧٤].

وقال الإمام: «يوم المظلوم على الظالم اشدُ من يوم الظالم على المظلوم»[٧٥]. في النص كلمة على زنة (افعل) ، هي (اشد)  وهي اسم تفضيل، ومشتقة من الفعل الثلاثي (شدد).

يتجلى في النص بعد أخلاقي مهم، وهو ضرورة الابتعاد عن الظلم بكافة أنواعه، لانه يودي بالإنسان إلى سوء العاقبة، والخسران المبين. وقول الإمام (يوم المظلوم على الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم )  إنما كان كذلك، لان ذلك اليوم هو يوم الجزاء الأكبر، والانتقام الأعظم، وقصارى أمر الظالم في الدنيا ان يقتل غيره فيميته ميتة واحدة، ثم لا سبيل له بعد إماتته إلى ان يدخل عليه ألما آخر، واما يوم القيامة فانه يوم لا يموت فيه الظالم فيستريح، بل عذابه دائم مستمر، فلا يخفف عنه العذاب ولا يزول.

وقد تحذف همزة أفعل التفضيل، وذلك في لفظتي (خير، وشر)  في الغالب ان أريد بهما التفضيل، فيقال: هو خير منه، بمعنى أخير، وهذا شر من ذلك، بمعنى اشر، وقد تستعملان على الأصل كقراءة أبى قلابة «من الكذاب الأشر»[٧٦] بفتح الشين وتشديد الراء، وقول الشاعر[٧٧]:

* بلال خير الناس وابن الأخير*

وقد اختلـف في سبب حذف الهمـزة منهما، فعـزاه بعضهم إلى كثـرة الاستعمال[٧٨].

وقد جاءت هاتان اللفظتان في نهج البلاغة تحملان دلالة التفضيل، وذلك في قول الإمام : «فاعلُ الخير، خيرٌ منه، وفاعلُ الشر،شرٌّ منه»[٧٩].

في هذا النص كلمتان دلتا على التفضيل هما (خير، وشر)  وهما على زنة (افعل)  حذفت منهما الهمزة.

وصف الإمام فاعل الخير بانه خير من الخير، وفاعل الشر بأنه أسوأ من الشر، واقبح منه، مع ان (فاعل الخير إنما كان ممدوحا لاجل الخير، وفاعل الشر إنما كان مذموما لاجل الشر، فإذا كان الخير والشر هما سبب المدح والذم ـ وهما الأصل في ذلك ـ فكيف يكـون فاعلهما خيرا وشرا منهما ؟ وجواب ذلك هو ان الخير والشر ليسا عبارة عن ذات حية قادرة، وانما هما فعلان.. فلو قطع النظر عن الذات الحية القادرة التي يصدران عنها، لما انتفع أحد بهما، ولا استضر، فالنفع والضر إنما يحصلان من الحي الموصوف بهما، لا منهما على انفرادهما، فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير، وفاعل الشر شرا من الشر.

انتهى.

--------------------------------------------
[١] . ينظر المقتضب: ٢/١١٣،١١٤، أدب الكاتب: ٢٥٥، والصاحبي: ٢٢٤.
[٢] . ينظر شرح الشافية: ٢/ ١٧٩، والمزهر: ٢/٢٤٣،والمهذب في علم الصرف هاشم طه شلاش: ٢٦٢
[٣] . ينظر الكليات لأبي البقاء العكبري: ٣٩٨، وارتشاف الضرب: ٣/١٩١.
[٤] . معاني الأبنية: ١١٢.
[٥] . ينظر صفحة ٣١٣٢ من هذا الكتاب
[٦] . شرح نهج البلاغة: ٧ / ١١٠.
[٧] . نفسـه: ٧ /١١٠.
[٨] . ينظر أدب الكاتب: ٢٥٥، وشرح المراح: ١٢٥، والمزهر: ٢/٢٤٣.
[٩] . ينظر الكتاب: ٤/٣٥٩، وأدب الكاتب: ٢٥٥، والمزهر: ٢/٢٤٣.
[١٠] . شرح نهج البلاغة ٧/١٠٩.
[١١] . ينظر شرح المفصل لابن يعيش: ٦/ ٨٢، وشرح الكافية: ٢/ ٢٠٥، وشرح ابن الناظم على الألفية: ١٧٢، وشرح التصريح: ٢/٨٠، والمنهج الصوتي للبنية العربية عبد الصبور شاهين: ١١٧.
[١٢] . شذا العرف في فن الصرف احمد الحملاوي: ٧٥.
[١٣] . ينظر شرح الكافية: ٢/ ٢٠٥.
[١٤] . ينظر معاني الأبنية: ٧٦ ـ ٩٢.
[١٥] . ينظر معاني الأبنية: ٧٦ ـ ٧٧.
[١٦] . ينظـر الكتاب: ٤/٢٥،٢٦، أدب الكاتب: ٤٦٨، وشـرح الشافيـة: ١/ ١٤٤، واوضح المسالك:٣/٢٤٣، وشـرح ابن عقيل: ٤/ ١٣٤، ١٣٥، وشرح التصريح:٢/٧٨.
[١٧] . ينظر الكتاب: ٤/ ١٧، ٢٥، ٢٦، وأدب الكاتب: ٤٥٢، والمخصص: ١٤/ ١٤٠، وشـرح الشافية: ١/ ١٤٥، والمزهر: ٢/٨٢.
[١٨] . الكتاب: ٤/ ٢٥،٢٦.
[١٩] . ينظر شرح الشافية: ١/١٤٥.
[٢٠] . معاني الأبنية: ٨١.
[٢١] . شرح نهج البلاغة: ٩/ ١٠٦.
[٢٢] . شرح نهج البلاغة: ٧/ ١٨٣.
[٢٣] . نفسـه: ٧ /١٨٣.
[٢٤] . شرح الشافية: ١/ ١٤٨.
[٢٥] . ينظر الصاحبي:١٩١،١٩٢، واوضح المسالك: ٣/٢٤٣،وشرح ابن عقيل:٣/١٣٥.
[٢٦] . ينظر الصاحبي:٢٢٤،٢٢٥،والمخصص: ١٤ /١٤٠، وشرح الشافية:١/ ١٤٧.
[٢٧] . شرح نهج البلاغة: ١ / ٢٨٨.
[٢٨] . الإسراء /٧٢.
[٢٩] . شرح نهج البلاغة: ١٠/ ٦٤.
[٣٠] . نفسـه: ١٠/ ٦٤.
[٣١] . البقرة / ١٨٦.
[٣٢] . الحديد /٤.
[٣٣] . ينظر أدب الكاتب: ٤٦٧، وديوان الأدب: ٢/ ٢٤٥، والمنصف لابن جني: ١/ ٣٣٣، والصاحبي: ٢٢٤.
[٣٤] . ينظر شرح الشافية:١/ ٧٢، واوضح المسالك: ٣/ ٢٤٣،وشرح التصريح: ٢/٧٨.
[٣٥] . ينظر الكتاب: ٤/ ١٧ ـ ٢١،أدب الكاتب: ٤٦٧، والصاحبي: ٢٢٤،والمخصص: ١٤ / ١٤١.
[٣٦] . شرح نهج البلاغة: ٩/ ٢٤١.
[٣٧] . لسان العرب مادة (وضن) : ٣/ ٩٤٤.
[٣٨] . ينظر الكتاب:٤/٢١ ـ ٢٣،أدب الكاتب: ٦٦،والمخصص: ١٤/ ١٤١، وشرح الشافية: ١/ ١٤٤.
[٣٩] . ينظر الكتاب: ٤ /١٩، وشرح الشافية: ١/ ١٤٦.
[٤٠] . معاني الأبنية: ٩٤.
[٤١] . شرح نهج البلاغة: ٢/ ١٧٥.
[٤٢] . ينظر شرح الشافية: ١/١٤٨، وشرح الكافية: ٢/ ٢٠٥.
[٤٣] . شرح نهج البلاغة ٩ /١٤٧.
[٤٤] . الميزان في تفسير القران السيد محمد حسين الطباطبائي: ٢٠ / ٥٤٣.
[٤٥] . ينظر الاشتقاق عبد الله أمين: ٢٦٥.
[٤٦] . ينظر الكتاب: ٤/٣١.
[٤٧] . شرح نهج البلاغة: ١٠ /٢٨.
[٤٨] . ينظر الكتاب: ٤/ ٣٤٨، والمقتضب: ١/١٠٠، والتكملة لأبي علي الفارسي: ٥٠٧ وما بعدها، والمنصف: ١/ ٢٧٨، وشرح الكافية: ٢/ ٢٠٣، واوضح المسالك: ٣/ ٢٣٢.
[٤٩] . ينظر معاني الأبنية: ٥٩، والمرجع في اللغة علي رضا: ١/ ٨٥.
[٥٠] . ينظر المقتضب:١/ ١٠٠،والتكملة:٥٨١ ـ ٥٨٢، وشرح المراح: ١٢٩،١٣٠.
[٥١] . شرح نهج البلاغة: ٩ / ٢٢٦.
[٥٢] . ينظر نفسـه: ٩ / ٢٢٧.
[٥٣] . نفسـه: ٢٠ /١٨٠.
[٥٤] . شرح نهج البلاغة: ١/١٣٦.
[٥٥] . نفسـه: ٦ / ٢٧٥.
[٥٦] .  شرح نهج البلاغة: ١٩ / ١٧٧.
[٥٧] . المؤمنون / ٩٩ ـ١٠٠.
[٥٨] . شرح نهج البلاغة: ١١/ ٢٤٥.
[٥٩] . نفسـه: ٩ / ٥٩.
[٦٠] . شرح نهج البلاغة: ١/ ٢٥١.
[٦١] . نفسه ٣:/١٦٥.
[٦٢] . ينظر شرح نهج البلاغة: ٣/ ١٦٦.
[٦٣] . نفسـه: ٦ / ٢٥٧.
[٦٤] . الواقعة /٢٧ ـ٣١.
[٦٥] . الطور /١ ـ ٦.
[٦٦] . الأنبياء / ٣٢.
[٦٧] . ينظر التفسير الكبير للرازي: ٢٩/ ١٦٤، وصفوة البيان لمعاني القران حسنين محمد مخلوف ٦٩٤.
[٦٨] . ينظر صفوة التفاسير محمد علي الصابوني: ٣/ ٣٠٨.
[٦٩] . ينظر دقائق التصريف ابن سعيد المؤدب: ٢٣٣، وشرح الكافية: ٢ / ٢١٢.
[٧٠] . ينظر الإيضاح في شرح المفصل: ١/ ٦٥٣، وشرح الكافية: ٢/٢١٢.
[٧١] . ينظر المنهج الصوتي للبنية العربية: ١١٨ ـ ١١٩.
[٧٢] . ينظر شرح الكافية: ٢/ ٢١٢.
[٧٣] . شرح نهج البلاغة: ٧ / ٢٠٠.
[٧٤] . ينظر شرح نهج البلاغة: ٧/ ٢٠٣.
[٧٥] . نفسـه: ١٩/ ٧٤.
[٧٦] . ينظر البحر المحيط:٨ / ١٧٢،ومعجم القراءات القرآنية عبد العال سالم مكرم: ٧ / ٣٧.
[٧٧] . ينظر شرح الكافية: ٢/٢١٢، والاشتقاق فؤاد حنا: ٢٢٧.
[٧٨] . شرح الكافية: ٢/ ٢١٢.
[٧٩] . ينظر شرح نهج البلاغة: ١٨ / ١٤٩.
****************************