وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَيَنْفَدُ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                

Search form

إرسال الی صدیق
الدنيا في نهج البلاغة – الثاني

مدح الدنيا

قال امير المؤمنين عليه السلام: (و حقا اقول ما الدنيا غرتك ولكن بها اغتررت و لقد كاشفتك العظات و اذنتك على سواء و لهى بما تعدك من نزول البلاء بجسمك و النقص فى قوتك اصدق و اوفى من ان تكذبك او تغرك و لرب ناصح لها عندك متهم و صادق من خبرها مكذب و لئن تعرفتها فى الديار الخاويه و الربوع الخاليه لتجدنها من حسن تذكيرك و بلاع موعظتك بمحله الشفيق عليك و الشحيح بك و لنعم دار من لم يرض بها دارا و محل من لم يوطنها محلا و ان السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم)[١].

وقال عليه السلام وقد سمع بذم الدنيا: (أَيُّهَا اَلذَّامُّ لِلدُّنْيَا اَلْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا اَلْمُنْخَدِعُ بِأَبَاطِيلِهَا أَ تَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا أَنْتَ اَلْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا أَمْ هِيَ اَلْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ مَتَى اِسْتَهْوَتْكَ أَمْ مَتَى غَرَّتْكَ أَ بِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ اَلْبِلَى أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ اَلثَّرَى كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ وَ كَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ تَبْغِي لَهُمُ اَلشِّفَاءَ وَتَسْتَوْصِفُ لَهُمُ اَلْأَطِبَّاءَ غَدَاةَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ وَلاَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ وَلَمْ تُسْعَفْ بِطَلِبَتِكَ وَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ وَقَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ اَلدُّنْيَا نَفْسَكَ وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اِتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اَللَّهِ وَمُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اَللَّهِ وَ مَهْبِطُ وَحْيِ اَللَّهِ وَ مَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اَللَّهِ اِكْتَسَبُوا فِيهَا اَلرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا فِيهَا اَلْجَنَّةَ فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا وَنَادَتْ بِفِرَاقِهَا وَ نَعَتْ نَفْسَهَا وَأَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا اَلْبَلاَءَ وَشَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى اَلسُّرُورِ رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ وَاِبْتَكَرَتْ بِفَجِيعَةٍ تَرْغِيباً وَتَرْهِيباً وَ تَخْوِيفاً وَ تَحْذِيراً فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ اَلنَّدَامَةِ وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ذَكَّرَتْهُمُ اَلدُّنْيَا فَتَذَكَّرُوا وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا وَوعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا)[٢].

يظهر من هذه النصوص وكذلك ما ورد في ذم الدنيا امور:

الف: الدنيا ليست هي القرار ولا المقصد والمنتهى، بل هي وسيلة ومقدمة لغيرها، ومدحها او ذمها يتبع سلوك الانسان فيها،

فالنظرة اليها الية لا استقلالية، فالانسان اذا استفاد منها واحرز بها الاخرة وتزود منها تكون بالنسبة اليه حسنة، ولكن اذا اغتر ولم يعتبر ولم يتزود تكون بالنسبة له مضلة، ولو صح التعبير لقلنا انها مراة للانسان تعكس ماهو عليه من صلاح او فساد، وبتبعه تكون ممدوحة او مذمومة، وهكذا ما أكده امير المؤمنين عليه السلام في كلامه حيث قال مضافا الى ما مضى: (من ابصر بها بصرته، ومن ابصر اليها اعمته)[٣].

وقال عليه السلام: (إنما الدنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر مما وراءها شيئاً والبصير ينفذها بصره ويعلم أن الدار وراءها فالبصير منها شاخص والأعمى إليها شاخص والبصير منها متزوّد والأعمى لها متزود)[٤].

ب: ان نصيب الانسان من هذه الدنيا الذي سينفعه في العقبى هو العمل الصالح فحسب.

قال عليه السلام: (انما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك)[٥].

وقال عليه السلام: لاخير في الدنيا الا لرجلين: رجل اذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في الخيرات)[٦].

وفي غير هذه الصورة، لايكون له سوى الحسرة في يوم القيامة.

قال عليه السلام: (واعلم ان الدنيا دار بلية ل يفرغ صاحبها قط فيها ساعة، الا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة)[٧].

ولذا نرى المؤمن يحذر منها اشد الحذر، ولا يأخذ منها الا بقدر الضرورة.

قال عليه السلام: (انما ينظر المؤمن الى الدنيا بعين الاعتبار، ويقتات منها ببطن الاضطرار)[٨].

ج: ان الدنيا بالمعنى الثاني النابعة من سلوك الانسان الصحيح، يمكن ان تجتمع مع الاخرة، بل هي مقدمة للوصول اليها وسلم الترقي نحوها، ولكن الدنيا بالمعنى الاول النابعة من الاغترار بها والخلود اليها، لا يمكنها ان تجتمع مع الاخرة.

قال امير المؤمنين عليه السلام: (إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وما شي‏ء بينهما كلما قرب واحد بعد من الآخر، وهما بعدُ ضرّتان)[٩].

د: ومن عجيب امر الدنيا ان من ركض نحوها ابتعدت عنه، ومن تركها اتته.

قال عليه السلام: (من ساعاها فاتته، ومن قعد عنها واتته)[١٠].

وعلى نفس الضابطة فان من اشتغل واهتم بأمر الاخرة، سيصلح الله تعالى له امر دنياه.

قال عليه السلام:(من أصلح أمر اخرته أصلح الله أمر دنياه)[١١].

وقال عليه السلام: (من عمل لدينه كفاه الله امر دنياه)[١٢].

وقال عليه السلام: (من طلب الاخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي رزقه منها)[١٣].

وعلى العكس من هذا فان من ترك الاخرة للوصول الى الدنيا سيتضرر كثيرا.

قال عليه السلام: (لا يترك الناس شيئا من امر دينهم لاستصلاح دنياهم الا فتح الله عليهم ماهو اضر منه)[١٤].

الاعتبار من الدنيا

قال امير المؤمنين عليه السلام: (وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلَاقِهِمْ وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الْآمَالِ وَشَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الْآجَالِ لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلَامَةِ الْأَبْدَانِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ.... عِبَادَ اللهِ، أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا، وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا، وَسُلِّمُوا فَنَسُوا ؟ أُمْهِلُوا طَوِيلاً، وَمُنِحُوا جَميِلاً، وَحُذِّرُوا أَلِيماً، وَوُعِدُوا جَسِيماً)[١٥].

فأتعظوا عباد الله بالعبر والنوافع وأعتبروا بالآي السواطع  وأزدجروا بالنذر البوالغ و أنتفعوا بالذكر والمواعظ  فكأن قد علقتكم مخالب المنية و أنقطعت منكم علائق الامنية  ودهمتكم مفظعات الامور والسياقة الى الورد المورود)[١٦].

وقال عليه السلام: (فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللهِ، وَاذْكُرُوا تِيكَ الَّتي آبَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ، وَعَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ. وَلَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ وَلاَ بِهِمُ الْعُهُودُ، وَلاَ خَلَتْ فِيَما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمُ الأَحْقَابُ وَالْقُرُونُ، وَمَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلاَبِهِمْ بِبَعِيد)[١٧].

وقال عليه السلام: (أَوَلَيْسَ لَكُمْ في آثَارِ الاَْوَّلِينَ مُزْدَجَرٌ، وَفِي آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ تَبْصِرَةٌ وَمُعْتَبَرٌ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ! أَوَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْمَاضِينَ مِنْكُمْ لاَ يَرْجِعُونَ، وَإِلَى الْخَلَفِ الباقِي لاَ يَبْقَوْنَ! أوَلَسْتُمْ تَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُمْسُونَ ويُصْبِحُونَ عَلَى أَحْوَال شَتَّى: فَمَيِّتٌ يُبْكَى، وَآخَرُ يُعَزَّى، وَصَرِيعٌ مُبْتَلىً، وَعَائِدٌ يَعُودُ، وَآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُودُ، وَطَالِبٌ لِلدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وَغَافِلٌ وَليْسَ بِمَغْفُول عَنْهُ)[١٨].

وقال عليه السلام: (رَحِمَ اللَّهُ امَرأٌ تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، وَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ، فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ، وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ، وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ، وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ)[١٩].

وقال عليه السلام: (ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا، وأبقى آثارا،وأبعد آمالا،وأعدّ عديدا،وأكثف جنودا تعبّدوا للدّنيا أيّ تعبّد، وآثروها أيّ إيثار ثمّ ظعنوا عنها بغير زاد مبلّغ ولا ظهر قاطع فهل بلغكم أنّ الدّنيا سخت لهم نفسا بفدية، أو أعانتهم بمعونة أو أحسنت لهم صحبة  بل أرهقتهم بالفوادح، وأوهنتهم بالقوارع، وضعضعتهم بالنّوائب وعفّرتهم للمناخر، و وطئتهم بالمناسم، وأعانت عليهم ريب المنون، فقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها، وآثرها وأخلد لها، حتّى ظعنوا عنها لفراق الأبد  وهل زوّدته  إلاّ السّغب، أوأحلّتهم المصائب، وعفرتهم للمناخر تعفّرت وجوههم بالتراب، وذكر المناخر الأنوف لكونها موضع العزّة والانفة  إلاّ الضّنك، أو نوّرت لهم إلاّ الظّلمة، أو أعقبتهم إلاّ النّدامة، أفهذه تؤثرون، أم إليها تطمئنّون ؟ أم عليها تحرصون ؟  فبئست الدّار لمن لم يتّهمها، ولم يكن فيها على وجل منها)[٢٠].

ومن كلام له عليه السلام قبل موته: (وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظَكُمْ هُدُوئِي لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي وَخُفُوتُ إِطْرَاقِي وَسُكُونُ أَطْرَافِي فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ اَلْمَنْطِقِ اَلْبَلِيغِ وَاَلْقَوْلِ اَلْمَسْمُوعِ)[٢١].

وقال عليه السلام: (فلينتفع امرؤ بنفسه، فإنّما البصير من سمع فتفكّر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر، ثمّ سلك جددا واضحا يتجنّب فيه الصّرعة في المهاوي، والضّلال في المغاوي)[٢٢].

وقال عليه السلام: (إِنَّ لَكُمْ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً أَيْنَ الْعَمَالِقَةُ وَأَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَأَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيِّينَ وَأَطْفَئُوا سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ وَأَحْيَوْا سُنَنَ الْجَبَّارِينَ أَيْنَ الَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَهَزَمُوا بِالْأُلُوفِ وَعَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ وَمَدَّنُوا الْمَدَائِنَ؟!)[٢٣].

وقال عليه السلام: (فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ كَلَّا مَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ وَمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ)[٢٤].

وقال عليه السلام: (واعتبروا بما مضى من الدنيا ما بقي منها، فان بعضها يشبه بعضا، واخرها لاحق بأولها، وكلها حائل مفارق)[٢٥].

وقال عليه السلام: (مَعَاشِرَ النَّاسِ، اتَّقُوا اللهَ، فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لاَ يَبْلُغُهُ، وَبَانٍ مَا لاَ يَسْكُنُهُ، وَجَامِعٍ مَا سَوْفَ يَتْرُكُهُ، وَلَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعهُ، وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ، أَصَابَهُ حَرَاماً، وَاحْتَمَلَ بِهِ آثَاماً، فَبَاءَ بِوِزْرهِ، وَقَدِمَ عَلَى رَبِّهِ، آسِفاً لاَهِفاً، قَدْ (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[٢٦].

وختاما يجمع هذا كله قوله عليه السلام: (مأكثر العبر وأقل الاعتبار)[٢٧].

والخلاصة ان اوجه الاعتبار كثيرة، منها الاعتبار بأحوال الماضين، وما كانوا عليه وما صاروا اليه، ومنها احوال الموتى، ومنها تقلبات الدنيا وعدم بقائها على وتيرة واحدة، وكذلك سرعة انقضائها، ومنها أحوال ابليس وما ال امره اليه، وانه ليس بين الله وبين احد من خلقه هوادة، وان حكمه في اهل السماء واهل الارض واحد.

الاغترار بالدنيا

من الامور التي حذر منها امير المؤمنين عليه السلام كثيرا، هو الاغترار بالدنيا، وهذا ما دأب عليه دوما واكثر منه بأدنى حجة وفي اكثر مناسبة، فبين غدر الدنيا وفناءها وسرعة انقضائها وغيرها من الصفات المذمومة، ونبه على عدم الاغترار بها قائلا: (ايها الناس، ان الدنيا تغر المؤمل لها والمخلد اليها، ولا تنفس بمن نافس فيها، وتغلب من غلب عليها)[٢٨].

وقال عليه السلام: في وصف ابناء الدنيا:(أنسوا بالدنيا فغرتهم، ووثقوا بها فصرعتهم)[٢٩].

وقال عليه السلام: (وَ لَا تَغُرَّنَّكُمُ: الْحَيَاةُ الدُّنْيَا  كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا، وَأَصَابُوا غِرَّتَهَا، وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا، وَأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا)[٣٠].

وقال عليه السلام مخاطبا الدنيا: (أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ أَيْنَ الأمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ ومَضَامِينُ اللُّحُودِ واللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وقَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالأمَانِيِّ وأُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي ومُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاءِ)[٣١].

ومن نتائج الاغترار بالدنيا امور:

ألف: نسيان الله تعالى، قال عليه السلام: (من عظمت الدنيا في عينه، كبر موقعها من قلبه، اثرها على الله، فانقطع اليها وصار عبدا  لها)[٣٢].

ب: ترك الهدى والبينات، قال عليه السلام في وصف أهل البغي الذين حاربهم: (فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى، وَقَسَطَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الْأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[٣٣]  بَلَى ! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا  في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا)[٣٤].

ج: التمسك بالدنيا، قال عليه السلام: (وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ، فَنَبا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيب، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَلاَ أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فيِهِ، إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ)[٣٥].

وقال عليه السلام: (قد غاب عن قلوبكم ذكر الاجال، وحضرتكم كواذب الامال، فصارت الدنيا أملك بكم من الاخرة، والعاجلة أذهب بكم من الاجلة)[٣٦].

د: نسيان الموت، قال عليه السلام وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك: (كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ، وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ، وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الاْمْوَاتِ سَفْرٌعَمَّا قَلِيل إِلَيْنَا رَاجِعُونَ! نُبَوِّئُهُمْ  أَجْدَاثَهُمْ،نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ، كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ، قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظ وَوَاعِظَة، وَرُمِينَا بِكُلِّ جَائِحَة)[٣٧].

هـ: الغفلة، قال عليه السلام: (فَإِنَّكُمْ لَوْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ، وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ، وَلكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا عَايَنُوا، وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الحِجَابُ)[٣٨].

وقال عليه السلام: (ألا واني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها)[٣٩].

وقال عليه السلام: (وَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى اَلصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَتَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ لَهَا وَلاَ خَالِفَ عَلَيْهَا وَلَهَمَّتْ كُلَّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ نَفْسُهُ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا ذُكِّرْتُمْ وَ أَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ وَتَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ)[٤٠].

وقال عليه السلام: (كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَمَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وِمَا ابْتَلَى اللهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلاَءِ لَهُ)[٤١].

وقال عليه السلام: (يا أسرى الرغبة أقصروا فان المعرج على الدنيا لا يروعه منها الا صريف أنياب الحدثان)[٤٢].

وأخيرا ندعو الله تعالى ونقول كما قال امير المؤمنين عليه السلام: (ونحن نستقبل الله عثرة الغفلة)[٤٣].

التحذير من الدنيا

قال امير المؤمنين عليه السلام: (أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ اَلدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ وَتَحَلَّتْ بِالآْمَالِ وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِلاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا وَلاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ لاَ تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ اَلرَّغْبَةِ فِيهَا وَاَلرِّضَاءِ بِهَا أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ اَلسَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ اَلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ اَلرِّياحُ وَكانَ اَللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً)[٤٤].

لَمْ يَكُنِ اِمْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَةٍ إِلاَّ أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً وَلَمْ يَلْقَ مِنْ سَرَّائِهَا بَطْناً إِلاَّ مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً وَلَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ إِلاَّ هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَلاَءٍ وَحَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اِعْذَوْذَبَ واِحْلَوْلَى أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى لاَ يَنَالُ اِمْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً إِلاَّ أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً وَلاَ يُمْسِي مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْنٍ إِلاَّ أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ غَرَّارَةٌ غُرُورٌ مَا فِيهَا فَانِيَةٌ فَانٍ مَنْ عَلَيْهَا لاَ خَيْرَ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلاَّ اَلتَّقْوَى.

مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اِسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ وَمَنِ اِسْتَكْثَرَ مِنْهَا اِسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ وَزَالَ عَمَّا قَلِيلٍ عَنْهُ كَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ وَذِي طُمَأْنِينَةٍ قَدْ صَرَعَتْهُ وَذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً وَذِي نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلاً سُلْطَانُهَا دُوَلٌ وَعَيْشُهَا رَنَقٌ رَنِقٌ وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ وَحُلْوُهَا صَبِرٌوَ غِذَاؤُهَا سِمَامٌ وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ وَصَحِيحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ وَعَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ وَمَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ وَ جَارُهَا مَحْرُوبٌ.

أَ لَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً وَأَبْقَى آثَاراً وَ أَبْعَدَ آمَالاً وَأَعَدَّ عَدِيداً وَأَكْثَفَ جُنُوداً تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيَا أَيَّ تَعَبُّدٍ وَآثَرُوهَا أَيَّ إِيْثَارٍ ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَيْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ وَلاَ ظَهْرٍ قَاطِعٍ فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ اَلدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْيَةٍ أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْفَوَادِحِ وَأَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ رَيْبَ اَلْمَنُونِ فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ اَلْأَبَدِ

فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ اَلدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْيَةٍ أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْفَوَادِحِ وَأَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ وَ ضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ رَيْبَ اَلْمَنُونِ فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا وَآثَرَهَا وَ أَخْلَدَ إِلَيْهَا حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ اَلْأَبَدِ

وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ اَلسَّغَبَ أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ اَلضَّنْكَ أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ اَلظُّلْمَةَ أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ اَلنَّدَامَةَ أَ فَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ فَبِئْسَتِ اَلدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا فَاعْلَمُوا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا وَاِتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلاَ يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً وَأُنْزِلُوا اَلْأَجْدَاثَ فَلاَ يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ اَلصَّفِيحِ أَجْنَانٌ وَمِنَ اَلتُّرَابِ أَكْفَانٌ وَ من اَلرُّفَاتِ جِيرَانٌ فَهُمْ جِيرَةٌ لاَ يُجِيبُونَ دَاعِياً وَلاَ يَمْنَعُونَ ضَيْماً وَلاَ يُبَالُونَ مَنْدَبَةً إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ وَجِيرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ مُتَدَانُونَ لاَ يَتَزَاوَرُونَ وَ قَرِيبُونَ لاَ يَتَقَارَبُونَ حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ وَجُهَلاَءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ لاَ يُخْشَى فَجْعُهُمْ وَلاَ يُرْجَى دَفْعُهُمْ اِسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ اَلْأَرْضِ بَطْناً وَبِالسَّعَةِ ضِيقاً وَ بِالْأَهْلِ غُرْبَةً وَبِالنُّورِ ظُلْمَةً فَجَاءُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا حُفَاةً عُرَاةً قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى اَلْحَيَاةِ اَلدَّائِمَةِ وَاَلدَّارِ اَلْبَاقِيَةِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ)[٤٥] [٤٦].

وقال عليه السلام: (وَأُحَذِّرُكُمُ اَلدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ وَلَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا وَغَرَّتْ بِزِينَتِهَا دَارٌ هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلاَلَهَا بِحَرَامِهَا وَخَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَحَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَحُلْوَهَا بِمُرِّهَا لَمْ يُصْفِهَا اَللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ وَلَمْ يَضِنَّ بِهَا عَنْ عَلَى أَعْدَائِهِ خَيْرُهَا زَهِيدٌ وَشَرُّهَا عَتِيدٌ وَجَمْعُهَا يَنْفَدُ وَمُلْكُهَا يُسْلَبُ وَعَامِرُهَا يَخْرَبُ فَمَا خَيْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ اَلْبِنَاءِ وَعُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ اَلزَّادِ وَمُدَّةٍ تَنْقَطِعُ اِنْقِطَاعَ اَلسَّيْرِ)[٤٧].

وقال عليه السلام: (... وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا وَزَوَالَهَا وَانْتِقَالَهَا فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ فَغُضُّوا عَنْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ غُمُومَهَا وَأَشْغَالَهَا لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالَاتِهَا فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ وَالْمُجِدِّ الْكَادِحِ وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ وَزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا وَبِصُحْبَةِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا لَا يَتَفَاخَرُونَ وَلَا يَتَنَاسَلُونَ وَلَا يَتَزَاوَرُونَ وَلَا يَتَحَاوَرُونَ فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ وَالْعَلَمَ قَائِمٌ وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ)[٤٨].

وقال عليه السلام: (أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ، بِتَقْوَى اللهِ، وَأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا، فإِنَّهَا دَارُ شُخُوص، وَمَحَلَّةُ تَنْغِيص، سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ، وَقَاطِنُهَا بَائِنٌ، تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ تَقْصِفُهَا الْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ وَمِنْهُمُ النَّاجِي عَلى مُتُونِ الاْمْوَاجِ، تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا، وَتَحْمِلُهُ عَلى أَهْوَالِهَا، فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَك، وَمَا نَجَا مِنْهَا فَإِلى مَهْلَك)[٤٩].

وقال عليه السلام: (فاحذروا الدُنيا فإنها غدّارةٌ غرّارةُ خدُوعٌ، مُعطيَة مَنوعٌ، مُلبسة نَزوعٌ، لا يَدُومُ رَخاؤها، ولا ينقضي عَناؤها، ولا يركُدُ بَلاؤهَا)[٥٠].

وقال عليه السلام: (اتَّق الله في كلّ صباحٍ ومساء، وخَفْ على نفسك الدنيا الغَرور، ولا تأمنها على حال، واعلم أنّك إن لم تردع نفسك عن كثير ممّا تحبّ، مخافة مكروه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعاً رادعاً، ولنزوتك عند الحفيظة واقماً قامعا)[٥١].

يتبع  ...

-----------------------------------------------
[١] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٢٢٢.
[٢] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١٢٤.
[٣] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨١.
[٤] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٣٣.
[٥] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٣١.
[٦] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٨٩.
[٧] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٥٩.
[٨] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٥٧.
[٩] . نهج البلاغة، قصار الحكم رقم ٩٨.
[١٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨١.
[١١] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٨٤.
[١٢] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٤١١.
[١٣] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٤١٩.
[١٤] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١٠١.
[١٥] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٨٢.
[١٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨٤.
[١٧] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٨٨.
[١٨] . المصدر نفسه، الخطبة رقم ٩٨.
[١٩] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٠٢.
[٢٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم ١١٠.
[٢١] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٤٩.
[٢٢] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٥٣.
[٢٣] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٨٢.
[٢٤] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٩٢.
[٢٥] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٦٩.
[٢٦] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٣٤.
[٢٧] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٢٨٨.
[٢٨] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٧٨.
[٢٩] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٨٨.
[٣٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٢٩.
[٣١] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٤٥.
[٣٢] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٦٠.
[٣٣] . القصص: ٨٣.
[٣٤] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٣.
[٣٥] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٣١.
[٣٦] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١١٢.
[٣٧] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١١٦.
[٣٨] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ٢٠.
[٣٩] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٨.
[٤٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١١٥.
[٤١] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ١١٠.
[٤٢] . المصدر نفسه، قصار الحكم ك ٣٤٩.
[٤٣] . المصدر نفسه، قصار الحكم: ٣٦١.
[٤٤] . الكهف: ٤٥.
[٤٥] . الانبياء: ١٠٤.
[٤٦] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١١٠.
[٤٧] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١١٢.
[٤٨] . نهج البلاغة، الخطبة رقم: ١٦١.
[٤٩] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ١٩٦.
[٥٠] . المصدر نفسه، الخطبة رقم: ٢٢٩.
[٥١] . المصدر نفسه، الكتاب رقم: ٥٦.
****************************