وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): إذَا كَانَ في رَجُل خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرْ أَخَوَاتِهَا.                
وقال (عليه السلام): لَيْسَ بَلَدٌ بأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَد، خَيْرُ الْبِلاَدِ مَا حَمَلَكَ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                

Search form

إرسال الی صدیق
شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام – الثاني

لبيب بيضون

اخبار الامام بالمغيبات وما ستؤول اليه حال الناس

مدخل:

ذكرنا في المبحث السابق شيئا عن علم الامام علي (ع). وقد أفردنا هذا المبحث لإخبار الامام (ع) بالمغيبات، وهي تشمل الفتن التي ستكون من بعده، وخاصة فتنة بني أمية.

ونعيد الى الاذهان ما ذكرناه سابقا، من ان هذه العلوم هي من النبي (ص)، علّمها للامام (ع) وأملاها عليه، وهي مسجلة لديه في الجفر الاحمر، الذي فيه علم الحوادث والحروب التي ستجري على أمة محمد وآل محمد (ص).

وقد اخبر الامام علي (ع) بأشياء وحوادث وقعت بعد وفاته منها: قوله لأصحابه انكم ستعرضون بعدي على سبي والبراءة مني، واخباره عن غرق البصرة وعن هجوم التتر على بغداد وعن ظهور صاحب الزنج وعن قتل ابن ملجم اياه وغير ذلك.

النصوص:

لما ظفر الامام (ع) باصحاب الجمل، وقد قال له بعض اصحابه: وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك اللّه به على أعدائك، فقال له (ع): أهوى أخيك معنا؟

فقال: نعم. قال: فقد شهدنا. ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرّجال، وأرحام النّساء، سيرعف بهم الزّمان، ويقوى بهم الإيمان. (الخطبة ١٢، ٥٢)

قال الامام (ع) يخاطب أهل البصرة: كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة (أي صدرها)، قد بعث اللّه عليها العذاب من فوقها، ومن تحتها، وغرق من في ضمنها. (الخطبة ١٣، ٥٣)

وفي رواية: وأيم اللّه لتغرقنّ بلدتكم حتّى كأنّي أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة، أونعامة جاثمة.

وفي رواية: كجؤجؤ طير في لجّة بحر.

وفي رواية: كأنّي أنظر إلى قريتكم هذه، قد طبّقها الماء، حتّى ما يرى منها إلاّ شرف المسجد، كأنّه جؤجؤ طير في لجّة بحر. (الخطبة ١٣، ٥٤)

وقال (ع) لما بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان، وفيه يخبر الناس بما ستؤول اليه أحوالهم: ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. والّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة، ولتغربلنّ غربلة، ولتساطنّ سوط القدر (أي كما يختلط الطعام في القدر عند غليانه، فينقلب أعلاه الى أسفله وأسفله الى أعلاه)، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا (يقصد معاوية وبني أمية)، وليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا (يقصد أهل البيت)، واللّه ما كتمت وشمة (أي كلمة)، ولا كذبت كذبة، ولقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم. (الخطبة ١٦، ٥٥)

من كلام قاله (ع) بعد وقعة النهروان وقد تفرّس في جماعة من عسكره أنهم يتهمونه فيما يخبرهم به من أنباء الغيب: رضينا عن اللّه قضاءه، وسلّمنا للّه أمره، أتراني أكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟ واللّه لأنا أوّل من صدّقه، فلا أكون أوّل من كذب عليه. (الخطبة ٣٧، ٩٦)

وقال (ع) فيما ينتظر الكوفة من الشدائد والخطوب: كأنّي بك يا كوفة تمدّين مدّ الأديم العكاظيّ، تعركين بالنّوازل، وتركبين بالزّلازل. وإنّي لأعلم أنّه ما أراد بك جبّار سوءا إلاّ ابتلاه اللّه بشاغل، ورماه بقاتل. (الخطبة ٤٧، ١٠٤)

إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع. يخالف فيها كتاب اللّه، ويتولّى عليها رجال رجالا (أي يستعين عليها رجال برجال)، على غير دين اللّه. فلوأنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين (أي الطالبين للحقيقة). ولوأنّ الحقّ خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث، فيمزجان فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه، وينجوالّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى. (الخطبة ٥٠، ١٠٧)

وقال (ع) ينبي‏ء بظهور رجل مذموم: أمّا إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي. (قيل أن هذا الرجل هوزياد بن ابيه، وقيل المغيرة بن شعبة، وقيل معاوية). (الخطبة ٥٧، ١١٣)

وقال يخاطب الخارجين عليه: أما إنّكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وأثرة يتّخذها الظّالمون فيكم سنّة. (الخطبة ٥٨، ١١٤)

وقال (ع) في الخوارج: مصارعهم دون النّطفة، واللّه لا يفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة. (الخطبة ٥٩، ١١٤)

من كلام قاله (ع) لما قتل الخوارج، فقيل له: يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم. فقال: كلاّ واللّه، إنّهم نطف في أصلاب الرّجال، وقرارات النّساء، كلّما نجم منهم قرن قطع، حتّى يكون آخرهم لصوصا سلاّبين. (الخطبة ٥٩، ١١٥)

من خطبة له (ع) في ذم أهل العراق وقد وصموه بالكذب فيما يخبرهم بما لا يعرفون: ولقد بلغني أنّكم تقولون: عليّ يكذب. قاتلكم اللّه تعالى فعلى من أكذب؟ أعلى اللّه؟ فأنا أوّل من آمن به أم على نبيّه؟ فأنا أوّل من صدّقه كلاّ واللّه، لكنّها لهجة غبتم عنها، ولم تكونوا من أهلها. ويل أمّه، كيلا بغير ثمن، لوكان له وعاء. ولتعلمّن نبأه بعد حين. (الخطبة ٦٩، ١٢٥)

ومن كلام له (ع) في مروان بن الحكم:

أما وإنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه (أي قصيرة المدة وكانت تسعة أشهر) وهوأبوالأكبش الأربعة (يقصد احفاد مروان من ابنه عبد الملك، وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام، ويقال أنه لم يتول الخلافة أربعة اخوة سوى هؤلاء)، وستلقى الأمّة منه ومن ولده يوما أحمر. (الخطبة ٧١، ١٢٩)

حتّى يظنّ الظّانّ أنّ الدّنيا معقولة على بني أميّة وكذب الظّان لذلك، بل هي مجّة من لذيذ العيش، يتطعّمونها برهة، ثمّ يلفظونها جملة (كأنه ينبي‏ء بزوال الدولة الأموية سريعا على يد الدولة العباسى). (الخطبة ٨٥، ١٥٦)

فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالّذي نفسى بيده لا تسألوني عن شي‏ء فيما بينكم وبين السّاعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضلّ مائة، إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها ومحطّ رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلا، ومن يموت منهم موتا، ولوقد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور، وحوازب الخطوب، لأطرق كثير من السّائلين، وفشل كثير من المسؤولين، وذلك إذا قلّصت حربكم، وشمّرت عن ساق، وضاقت الدّنيا عليكم ضيقا، تستطيلون معه أيّام البلاء عليكم، حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم. (الخطبة ٩١، ١٨٣)

وأيم اللّه لتجدنّ بني أميّة لكم أرباب سوء بعدي، كالنّاب الضّروس (أي الناقة المسنة الشرسة): تعذم بفيها (أي تعض)، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها (أي تضرب) وتمنع درّها. لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا منكم إلاّ نافعا لهم، أوغير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم عنكم حتّى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ كانتصار العبد من ربّه، والصّاحب من مستصحبة. ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيّة، وقطعا جاهليّة. ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى. نحن أهل البيت منها بمنجاة، ولسنا فيها بدعاة. ثمّ يفرّجها اللّه عنكم كتفريج الأديم (أي يزيل دولة بني أمية ويشقهم عما أحاطوا به، كما يسلخ الجلد عن اللحم)، بمن يسومهم خسفا، ويسوقهم عنفا، ويسقيهم بكأس مصبّرة، لا يعطيهم إلاّ السّيف، ولا يحلسهم (أي لا يكسوهم) إلاّ الخوف. فعند ذلك تودّ قريش بالدّنيا وما فيها لويرونني مقاما واحدا، ولو قدر جزر جزور (أي ولومدة ذبح البعير)، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه. (الخطبة ٩١، ١٨٤)

واللّه لا يزالون (أي بني أمية) حتّى لا يدعوا للّه محرّما إلاّ استحلّوه، ولا عقدا إلاّ حلّوه، وحتّى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلاّ دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعيهم. وحتّى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه. وحتّى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيّده. إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه، وحتّى يكون أعظمكم فيها عناء أحسنكم باللّه ظنّا. فإن أتاكم اللّه بعافية فاقبلوا، وإنّ ابتليتم فاصبروا، فإنّ العاقبة للمتّقين. (الخطبة ٩٦)

فاذا أنتم ألنتم له (أي للامام علي) رقابكم، وأشرتم إليه بأصابعكم، جاءه الموت فذهب به، فلبثتم بعده ما شاء اللّه، حتّى يطلع اللّه لكم من يجمعكم ويضمّ نشركم. فلا تطمعوا في غير مقبل، ولا تيأسوا من مدبر (أي من أدبرت حاله في عمله ولم يزل طالبا)، فإنّ المدبر عسى أن تزلّ به إحدى قائمتيه (أي رجليه)، وتثبت الأخرى، فترجعا حتّى تثبتا جميعا. ألا إنّ مثل آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله كمثل نجوم السّماء، إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصّنائع، وأراكم ما كنتم تأملون. (الخطبة ٩٨، ١٩٣)

وقال (ع) يتنبأ بمجي‏ء عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية البارزين: أيّها النّاس،لا يجرمنّكم شقاقي، ولا يستهوينّكم عصياني، ولا تتراموا بالأبصار عند ما تسمعونه منّي. فوالّذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، إنّ الّذي أنبئكم به عن النّبيّ الأمّيّ صلّى اللّه عليه وآله ما كذب المبلّغ، ولا جهل السّامع. لكأنّي أنظر إلى ضلّيل قد نعق بالشّام (يقصد به عبد الملك بن مروان)، وفحص براياته في ضواحي كوفان (أي الكوفة). فإذا فغرت فاغرته (أي انفتح فمه)، واشتدّت شكيمته، وثقلت في الأرض وطأته، عضّت الفتنة أبناءها بأنيابها، وماجت الحرب بأمواجها، وبدا من الأيّام كلوحها، ومن اللّيالي كدوحها. فإذا أينع زرعه وقام على ينعه، وهدرت شقاشقه وبرقت بوارقه، عقدت رايات الفتن المعضلة، وأقبلن كاللّيل المظلم، والبحر الملتطم. هذا، وكم يخرق الكوفة من قاصف، ويمرّ عليها من عاصف. وعن قليل تلتفّ القرون بالقرون، ويحصد القائم، ويحطم المحصود. (الخطبة ٩٩، ١٩٤)

وقال (ع) عن حوادث البصرة المقبلة: فتن كقطع اللّيل المظلم، لا تقوم لها قائمة ولا تردّ لها راية. تأتيكم مزمومة مرحولة: يحفزها قائدها، ويجهدها راكبها. أهلها قوم شديد كلبهم، قليل سلبهم. يجاهدهم في سبيل اللّه قوم أذلة عند المتكبّرين، في الأرض مجهولون، وفي السّماء معروفون. فويل لك يا بصرة عند ذلك، من جيش من نقم اللّه لا رهج له (أي غبار) ولا حسّ (أي جلبة وضوضاء). وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر، والجوع الأغبر. (الخطبة ١٠٠، ١٩٥)

وذلك زمان لا ينجوفيه إلاّ كلّ مؤمن نومة (أي كثير النوم، يريد به البعيد عن مخالطة الناس). إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد. أولئك مصابيح الهدى، وأعلام السّرى (أي السير في ليالي المشاكل). ليسوا بالمساييح (جمع مسياح وهوالذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم)، ولا المذاييع (أي الذين اذا سمعوا بفاحشة أذاعوها) البذر (جمع بذور وهوالذي يكثر سفهه). أولئك يفتح اللّه لهم أبواب رحمته، ويكشف عنهم ضرّاء نقمته.

أيّها النّاس، سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام، كما يكفأ الإناء بما فيه.

أيّها النّاس، إنّ اللّه قد أعاذكم من أن يجوز عليكم، ولم يعذكم من أن يبتليكم، وقد قال جلّ من قائل إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ وإنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ. (الخطبة ١٠١، ١٩٨)

فأقسم باللّه يا بني أميّة، عمّا قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم وفي دار عدوّكم. (الخطبة ١٠٣، ٢٠٠)

وقال (ع) يحذر أصحابه من بني أمية: وأيم اللّه لوفرّقوكم تحت كلّ كوكب، لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم (أي يوم تقهرونهم فيه). (الخطبة ١٠٤، ٢٠٣)

وقال (ع) عن فتنة بني أمية المقبلة: راية ضلال قد قامت على قطبها، وتفرّقت بشعبها، تكيلكم بصاعها، وتخبطكم بباعها. قائدها خارج من الملّة قائم على الضّلّة فلا يبقى يومئذ منكم إلاّ ثقالة كثقالة القدر (الثفالة: ما يبقى في القدر من عكر)، أونفاضة كنفاضة العكم (ما يسقط من الكيس بالنفض). تعرككم عرك الأديم (أي الجلد)، وتدوسكم دوس الحصيد. وتستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطّير الحبّة البطيئة (أي السمينة) من بين هزيل الحبّ... فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه، وركب الجهل مراكبه. وعظمت الطّاغية، وقلّت الدّاعية. وصال الدّهر صيال السّبع العقور، وهدر فنيق (أي فحل الابل) الباطل بعد كظوم (أي سكون)، وتواخى النّاس على الفجور، وتهاجروا على الدّين، وتحابّوا على الكذب، وتباغضوا على الصّدق.

فإذا كان ذلك كان الولد غيظا (أي يغيظ والده لشبوبه على العقوق)، والمطر قيظا. وتفيض اللّئام فيضا، وتغيض الكرام غيضا (أي تقل). وكان أهل ذلك الزّمان ذئابا، وسلاطينه سباعا. وأوساطه أكّالا، وفقراؤه أمواتا. وغار الصّدق، وفاض الكذب. واستعملت المودّة باللّسان وتشاجر النّاس بالقلوب. وصار الفسوق نسبا، والعفاف عجبا. ولبس الإسلام لبس الفرومقلوبا. (الخطبة ١٠٦، ٢٠٦)

أما واللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف (أي الحجاج) الذّيّال الميّال. يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم. إيه أبا وذحة (الوذحة هي الخنفساء، وللحجاج قصة معها). (الخطبة ١١٤، ٢٢٥)

من كلام له (ع) فيما يخبر به عن الملاحم التي ستحدث في البصرة: يا أحنف، كأنّي به وقد سار بالجيش الّذي لا يكون له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لجم، ولا حمحمة خيل. يثيرون الأرض بأقدامهم كأنّها أقدام النّعام (يومي بذلك الى صاحب الزنج). ثم يقول (ع): ويل لسكككم العامرة، والدّور المزخرفة الّتي لها أجنحة كأجنحة النّسور، وخراطيم كخراطيم الفيلة، من أولئك الّذين لا يندب قتيلهم، ولا يفتقد غائبهم. أنا كابّ الدّنيا لوجهها، وقادرها بقدرها، وناظرها بعينها. (منه في وصف الاتراك): كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرّقة. يلبسون السّرق والدّيباج (أي الحرير)، ويعتقبون الخيل العتاق. ويكون هناك استحرار قتل،

حتّى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت أقلّ من المأسور. فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك عليه السلام.

وقال للرجل وكان كلبيا: يا أخا كلب، ليس هوبعلم غيب. وإنّما هوتعلّم من ذي علم. وإنّما علم الغيب علم السّاعة، وما عدّده اللّه سبحانه بقوله: إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ.. الآية. فيعلم اللّه سبحانه ما في الأرحام من ذكر أوأنثى، وقبيح أوجميل، وسخيّ أوبخيل، وشقيّ أوسعيد. ومن يكون في النّار حطبا، أوفي الجنان للنّبيّين مرافقا. فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه أحد إلاّ اللّه. وما سوى ذلك فعلم علّمه اللّه نبيّه، فعلّمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطمّ (أي تنضم) عليه جوانحي. (الخطبة ١٢٦)

وقال (ع) يتنبأ بمجي‏ء عبد الملك بن مروان: كأنّي به قد نعق بالشّام، وفحص براياته في ضواحي كوفان (أي الكوفة)، فعطف عليها عطف الضّروس (أي الناقة السيئة الطبع)، وفرش الأرض بالرّؤوس. قد فغرت فاغرته، وثقلت في الأرض وطأته. بعيد الجولة، عظيم الصّولة. واللّه ليشرّدنّكم في أطراف الأرض، حتّى لا يبقى منكم إلاّ قليل، كالكحل في العين. فلا تزالون كذلك، حتّى تؤوب إلى العرب عوازب أحلامها. (الخطبة ١٣٦، ٢٥٠)

ومن كلام له (ع) في وقت الشورى: فاسمعوا قولي، وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم، تنتضى فيه السّيوف، وتخان فيه العهود، حتّى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضّلالة، وشيعة لأهل الجهالة. (الخطبة ١٣٧، ٢٥١)

وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شي‏ء أخفى من الحقّ، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على اللّه ورسوله. وليس عند أهل ذلك الزّمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، ولا أنفق (أي أروج) منه إذا حرّف عن مواضعه. ولا في البلاد شي‏ء أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر. فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته. فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيّان، وصاحبان مصطحبان، في طريق واحد لا يؤويهما مؤو. فالكتاب وأهله في ذلك الزّمان في النّاس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم. لأنّ الضّلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا. فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا عن الجماعة، كأنّهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم. فلم يبق عندهم منه إلاّ اسمه، ولا يعرفون إلاّ خطّه وزبره (أي كتابته). ومن قبل ما مثّلوا بالصّالحين كلّ مثلة، وسمّوا صدقهم على اللّه فرية. وجعلوا في الحسنة عقوبة السّيّئة. (الخطبة ١٤٥، ٢٥٨)

وقال (ع) عن زمان الضلال المقبل وحال المؤمن فيه: وأخذوا يمينا وشمالا ظعنا في مسالك الغيّ، وتركا لمذاهب الرّشد فلا تستعجلوا ما هوكائن مرصد ولا تستبطئوا ما يجي‏ء به الغد. فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه. وما أقرب اليوم من تباشير غد يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود، ودنومن طلعة ما لا تعرفون. ألا وإنّ من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير، ويحذوفيها على مثال الصّالحين. ليحلّ فيها ربقا، ويعتق رقا، ويصدع شعبا، ويشعب صدعا. في سترة عن النّاس، لا يبصر القائف أثره، ولوتابع نظره. ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين (الحداد) النّصل. تجلى بالتّنزيل (أي القرآن) أبصارهم، ويرمى بالتفسير في مسامعهم، ويغبقون (أي يسقون) كأس الحكمة بعد الصّبوح (أي ما يشرب في الصباح). (الخطبة ١٤٨، ٢٦٢)

وقال (ع) محذرا من الفتن المقبلة: ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت. فاتّقوا سكرات النّعمة، واحذروا بوائق النّقمة. وتثبّتوا في قتام (أي غبار) العشوة (أي ركوب الامر على غير بيان)، واعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها، وظهور كمينها، وانتصاب قطبها ومدار رحاها. تبدأ في مدارج خفيّة، وتؤول إلى فظاعة جليّة. شبابها (أي أولها) كشباب الغلام، وآثارها كآثار السّلام. يتوارثها الظّلمة بالعهود.

أوّلهم قائد لآخرهم، وآخرهم مقتد بأوّلهم. يتنافسون في دنيا دنيّة، ويتكالبون على جيفة مريحة. وعن قليل يتبرّأ التّابع من المتبوع، والقائد من المقود. فيتزايلون بالبغضاء، ويتلاعنون عند اللّقاء. ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف، والقاصمة الزّحوف. فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضلّ رجال بعد سلامة. وتختلف الأهواء عند هجومها، وتلتبس الآراء عند نجومها (أي ظهورها). من أشرف لها قصمته، ومن سعى فيها حطمته. يتكادمون فيها تكادم (أي يعض بعضهم بعضا) الحمر في العانة (أي جماعة حمر الوحش). قد اضطرب معقود الحبل، وعمي وجه الأمر. تغيض فيها الحكمة، وتنطق فيها الظّلمة. وتدقّ أهل البدوبمسحلها، وترضّهم بكلكلها. يضيع في غبارها الوحدان (أي المتفردون)، ويهلك في طريقها الرّكبان. ترد بمرّ القضاء وتحلب عبيط الدّماء. وتثلم منار الدّين، وتنقض عقد اليقين. يهرب منها الأكياس (أي العاقلون)، ويدبّرها الأرجاس. مرعاد مبراق، كاشفة عن ساق. تقطع فيها الأرحام، ويفارق عليها الإسلام. بريّها سقيم، وظاعنها مقيم. (منها) بين قتيل مطلول، وخائف مستجير. يختلون بعقد الأيمان، وبغرور الإيمان. فلا تكونوا أنصاب الفتن، وأعلام البدع. والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطّاعة. واقدموا على اللّه مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين. واتّقوا مدارج الشّيطان، ومهابط العدوان. ولا تدخلوا بطونكم لعق الحرام. فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصيّة وسهّل لكم سبل الطّاعة (أي أن اللّه سبحانه يراكم دائما). (الخطبة ١٤٩، ٢٦٤)

ومن خطبة له (ع): فعند ذلك لا يبقى بيت مدر ولا وبر، إلاّ وأدخله الظّلمة ترحة، وأولجوا فيه نقمة. فيومئذ لا يبقى لهم في السّماء عاذر، ولا في الأرض ناصر. أصفيتم بالأمر غير أهله، وأوردتموه غير مورده. وسينتقم اللّه ممّن ظلم، مأكلا بمأكل، ومشربا بمشرب، من مطاعم العلقم، ومشارب الصّبر والمقر (أي السم). ولباس شعار الخوف، ودثار السّيف. وإنّما هم مطايا الخطيئات وزوامل الآثام. فأقسم ثمّ أقسم، لتنخمنّها أميّة من بعدي كما تلفظ النّخامة (هي ما يدفعه الصدر أوالانف من المخاط)، ثمّ لا تذوقها ولا تطعم بطعمها أبدا، ما كرّ الجديدان. (الخطبة ١٥٦، ٢٧٩)

ومن كلام له (ع) الى عثمان: وإنّي أنشدك اللّه أن لا تكون إمام هذه الأمّة المقتول، فإنّه كان يقال: يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ويلبس أمورها عليها، ويبثّ الفتن فيها، فلا يبصرون الحقّ من الباطل. يموجون فيها موجا، ويمرجون فيها مرجا. (الخطبة ١٦٢، ٢٩٢)

وقال (ع) عن فتنة بني أمية: افترقوا بعد ألفتهم، وتشتّتوا عن أصلهم. فمنهم آخذ بغصن أينما مال مال معه. على أنّ اللّه تعالى سيجمعهم لشرّ يوم لبني أميّة، كما تجتمع قزع الخريف. يؤلّف اللّه ينهم، ثمّ يجمعهم ركاما كركام السّحاب. ثمّ يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنّتين، حيث لم تسلم عليه قارة، ولم تثبت عليه أكمة، ولم يردّ سننه رصّ طود، ولا حداب أرض. يزعزعهم اللّه في بطون أوديته، ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض. يأخذ بهم من قوم حقوق قوم، ويمكّن لقوم في ديار قوم. وأيم اللّه ليذوبنّ ما في أيديهم بعد العلو والتّمكين، كما تذوب الألية على النّار.

أيّها النّاس، لولم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين البّاطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقومن قوي عليكم. لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل. ولعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافا، بما خلّفتم الحقّ وراء طهوركم، وقطعتم الأدنى ووصلتم الأبعد. (الخطبة ١٦٤، ٣٠٠)

وقال (ع) عن مدى علمه بالمغيبات: واللّه لوشئت أن أخبر كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه (أي من أين يخرج ويدخل) وجميع شأنه لفعلت. ولكن أخاف أن تكفروا فيّ (أي بسببي) برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.

ألا وإنّي مفضيه (أي موصله) إلى الخاصّة ممّن يؤمن ذلك منه. والّذي بعثه بالحقّ واصطفاه على الخلق، ما أنطق إلاّ صادقا، وقد عهد إليّ بذلك كلّه (الفاعل المستتر راجع للنبي)، وبمهلك من يهلك، ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر. وما أبقى شيئا يمرّ على رأسي إلاّ أفرغه في أذنيّ وأفضى به إليّ. (الخطبة ١٧٣، ٣١١)

.. ألا فتوقّعوا ما يكون من إدبار أموركم، وانقطاع وصلكم واستعمال صغاركم. ذاك حيث تكون ضربة السّيف على المؤمن أهون من الدّرهم من حلّه (لاختلاط المكاسب بالحرام). ذاك حيث يكون المعطى (أي الفقير) أعظم أجرا من المعطي (أي الغني المترف). ذاك حيث تسكرون من غير شراب. بل من النّعمة والنّعيم.

وتحلفون من غير اضطرار، وتكذبون من غير إخراج. ذاك إذا عضّكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير (القتب: كساء يوضع على ظهر البعير، والغارب: ما بين العنق والسنام). ما أطول هذا العناء وأبعد هذا الرّجاء. (الخطبة ١٨٥، ٣٤٦)

أيّها النّاس، سلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السّماء أعلم منّي بطرق الأرض. قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها، وتذهب بأحلام قومها. (الخطبة ١٨٧، ٣٥٠)

وقال (ع) لمعاوية يتنبأ برفع المصاحف في صفين والدعوة الى التحكيم: فكأنّي قد رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضّتك ضجيج الجمال بالأثقال. وكأنّي بجماعتك تدعوني جزعا من الضّرب المتتابع، والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع إلى كتاب اللّه، وهي كافرة جاحدة، أومبايعة حائدة. (الخطبة ٢٤٩، ٤٥٠)

وقال (ع) عن صفة آخر الزمان: يأتي على النّاس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل، ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر، ولا يضعّف فيه إلاّ المنصف. يعدّون الصّدقة فيه غرما، وصلة الرّحم منّا، والعبادة استطالة على النّاس. فعند ذلك يكون السّلطان بمشورة النّساء وإمارة الصّبيان وتدبير الخصيان. (١٠٢ ح، ٥٨٢)

يأتي على النّاس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه، ومن الإسلام إلاّ اسمه. ومساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى. سكّانها وعمّارها شرّ أهل الأرض. منهم تخرج الفتنة، وإليهم تأوي الخطيئة. يردّون من شذّ عنها فيها، ويسوقون من تأخّر عنها إليها. يقول اللّه سبحانه (فبي حلفت، لأبعثّنّ على أولئك فتنة، تترك الحليم فيها حيران) وقد فعل. ونحن نستقيل اللّه عثرة الغفلة. (٣٦٩ ح، ٦٤٠)

إنّ لبني أميّة مرودا (أي مهلة) يجرون فيه، ولوقد اختلفوا فيما بينهم، ثمّ كادتهم الضّباع لغلبتهم (أي لو حاربتهم الضباع دون الاسود لقهرتهم). (٤٦٤ ح، ٦٥٩)

يأتي على النّاس زمان عضوض (أي شديد)، يعضّ الموسر فيه على ما في يديه ولم يؤمر بذلك. قال اللّه سبحانه ولاَ تَنْسُوا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ. تنهد فيه الأشرار وتستذلّ الأخيار. ويبايع المضطرّون، وقد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن بيع المضطرّين. (٤٦٨ ح، ٦٦٠)

يتبع .......

****************************