وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام): زُهْدُكَ فِي رَاغِب فِيكَ نُقْصَانُ حَظّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِد فِيكَ ذُلُّ نَفْس.                
وقال (عليه السلام): مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلاَّ مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.                

Search form

إرسال الی صدیق
الأمثال في نهج البلاغة – باب العين والفاء والقاف

باب العين

العين مَعَ النّون

٢٧ـ عِنْدَ الصَّباحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرى[١].

من خطبة آخرها: (واللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا. ولَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلا تَنْبِذُهَا عَنْكَ ؟! فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى).

قال المفضل: (أول من قال ذلك خالد بن الوليد...:

للّه دَرُّ رَافِع أَنَّي اهْتَدَى

 

فَوّزَ من قُرَاقِر إلى سُوَى

عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى

 

وَتَنْجَلِي عَنهُمُ غَيَابَاتُ الْكَرَى[٢]

قال الزمخشري: (أي إذا أصبح الذين قاسوا كدّ السّرى وقد خلّفوا تبجحوا بذلك وحمدوا ما فعلوا، يضرب في الحّث على مزاولة الأمر بالصبر وتوطين النفس حتّى تحمد عاقبته، قال الجليح:

إنّي إذا الجِبس على الكور انثنى

 

لو سئل الماءُ فداءً لافتدى

وقال: كم أتعبت ؟! قلت: قد أرى

 

عند الصّباح يحمد القوم السُّرى

وتنجلي عنه عمايَّات الكرى[٣]

(يضرب للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة)[٤]. (مثل يضرب لمتحمل المشقّة العاجلة رجاء الراحة الآجلة)[٥]. اختلف في قائله وقد عرفت نسبته إلى الخالد، وقيل: هو للجليح، وقيل: للأغلب العجلي، أو غيرهم.

بان معنى المثل في مورده الأول. وأمّا تمثّل الإمام (عليه السّلام) به عند ترقيع مدرعته التي تعدل جبب السلاطين وألبستهم المزيّفة، بل لا قياس بينها وجميع ما في الدنيا، فلوهن المادّة وصغرها في عينه ولاقتداء الفقراء به قال ذلك، قيل له لِمَ ترقّع قميصك ؟! قال (عليه السّلام): (ليخشع القلب ويقتدي به المؤمنون)[٦].

قيل: كان راقعه ابنه الحسن (عليه السّلام)، أو أهله، ومن هنا قال (عليه السّلام): (حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا). لا يستطيع واصف يصف زهده، فعلى شيعته الاقتداء به والاستضاءة بنور علمه وتقوى الله (عزّ وجلّ) كما كان هو كذلك.

باب الفاء

الفاء مَعَ الألف

٢٨ ـ فاعِلُ الخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ، وفاعِلُ الشَّرِ شَرٌّ مِنْهُ[٧].

يماثل المثل الذي ضربه (عليه السّلام) أو هو هو بتغيير ما ما ذكره الميداني: (إنّ خيراً من الخير فاعله، وإنّ شراً من الشّر فاعله) وقال: هذا المثل لأخ للنعمان بن المنذر يقال له علقمة، قاله لعمرو بن هند في مواعظ كثيرة، كذا ذكره أبو عبيد في كتابه)[٨].

وللشارح شعر وبيان، قال:

(قد نظمت أنا هذا اللفظ والمعنى فقلت في جملة أبيات لي:

خير البضائع للانسان مكرمة

 

تنمى وتزكو إذا بارت بضائعه

فالخير خير وخير منه فاعله

 

والشّر شّر وشّر منه صانعه

فإن قلت: كيف يكون فاعل الخير خيراً من الخير وفاعل الشّر شراً من الشّر، مع أنّ فاعل الخير إنّما كان ممدوحاً لأجل الخير، وفاعل الشّر إنّما كان مذموماً لأجل الشّر، فإذا كان الخير والشّر هما سببا المدح والذّم، وهما الأصل في ذلك، فكيف يكون فاعلاهما خيراً وشرّاً منهما ؟

قلت: لأنّ الخير والشّر ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرة، وإنّما هما فعلان، أو فعل وعدم فعل، أو عدمان. فلو قطع النظر عن الذات الحيّة القادرة التي يصدران عنها، لما انتفع أحدٌ بهما ولا استضّر، فالنفع والضّر إنما حصلا من الحيّ الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما، فلذلك كان فاعل الخير خيراً من الخير، وفاعل الشّر شر من الشّر)[٩].

ويؤيّده من بعض الوجوه أنّ العلم إنّما يقوم بأهله، وكذا الجهل لا يكون إلاّ بالجاهل، فالعلم والجهل بما هما لا وجود لهما، وهكذا الصدق والكذب، وقد جاء: (أحسن من الصدق قائله، وخير من الخير فاعله)[١٠]، (وهل الخير قبل الشّر) كما في الخبر[١١].

وهنا بحوث لا تسع المقام.

باب القاف

القاف مَعَ الدّال

٢٩ـ قَدْ أضَاءَ الصُّبحُ لِذي عَينَيْنِ[١٢].

(هذا الكلام جار مجرى المثل ومثله: (والشمس لا تخفى عن الإبصار)، ومثله: (إن الغزالة لا تخفى عن البصر).

وقال ابن هانئ يمدح المعتز:

فاسْتَيْقظوا من رَقْدَةٍ وتَنَبّهوا

 

ما بالصّباحِ عن العيونِ خفَاء

ليستْ سماءُ اللّهِ ما تَرَوْنَها

 

لكنّ أرضاً تحتويهِ سَماء[١٣]

قال الميداني: (قد بَيَّنَ الصبح لذي عينين: بَيَّنَ هنا بمعنى تَبَيَّنَ، يضرب للأمر يظهر كلّ الظهور)[١٤].

وذكره العسكري أيضاً وقال: (يضرب مثلاً للأمر ينكشف ويظهر)[١٥].

فالمثل الجاري الذّي ضربه الإمام (عليه السّلام) متّحد مع المثل السائر مع تغيير ما في لفظه. وهل المقصود من الانكشاف لجميع خلافتُه الكبرى المنصوص عليها بنصّ الغدير، حيث جمع الرّسول (صلّى الله عليه وآله) الناس عند الوصول إلى هذا المكان، وقد نزل عليه جبرائيل بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ)[١٦]، (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)[١٧].

وهكذا ولْده الأحد عشر الأوصياء المعصومون، نصّت على وصايتهم النصوص المعتبرة كما ذكرها علماؤنا في مجامعهم والجمهور: (أنّ الأئمة من قريش يملكها اثنا عشر منهم)[١٨]، وحديث الثقلين الدالّ على أنّ من لم يتمسّك بالكتاب وعترته أهل بيته ضالّ والمتمسّك غير ضالّ، ذلك بأنّ أهل البيت (عليهم السّلام) معهم الشرائع من الحلال والحرام، بل وجميع أحكام الإسلام، وبعد ذلك على الأمّة الرجوع إليهم والأخذ عنهم (عليهم السّلام) في كلّ شيء ؟

يتبع........

-------------------------------------------

[١] . النهج ٩ : ٢٣٣ ، ١٦١/ط.

[٢] . الفاخر ١٩٣ ـ ١٩٤.

[٣] . المستقصي ٢: ١٦٨.

[٤] . المجمع ٢: ٣ حرف العين.

[٥] . شرح النهج ٩: ٢٣٤.

[٦] . المصدر: ٢٣٥.

[٧] . النهج ١٨: ١٤٩، ٣٢/ح.

[٨] . مجمع الأمثال ١: ٥٨ حرف الهمزة.

[٩] . شرح النهج ١٨: ١٤٩.

[١٠] . السفينة ١: ٤٣٢ في (خير).

[١١] . مصابيح الأنوار ١: ١١١ فيه إشارة‌ إليه.

[١٢] . النهج ١٨: ٣٩٥، ١٧١/ح.

[١٣] . المصدر.

[١٤] . مجمع الأمثال ٢: ٩٩ حرف القاف.

[١٥] . الجمهرة على هامش مجمع الأمثال ٢: ١٣٥ حرف القاف.

[١٦] . سورة المائدة الآية ٦٧.

[١٧] . سورة النمل الآية ١٤.

[١٨] . مسند أحمد ٥: ٨٦ ـ ٨٨.

****************************