وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ.                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ.                
وقال (عليه السلام): عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ،أَنْ يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ .                

Search form

إرسال الی صدیق
حول تحقيق نهج البلاغة

بسم الله الرحمن الرحيم

تاريخنا الاسلامي غني بالذكريات التي لو استغلت بجد واخلاص وفق هدف واضح غايته نفع هذه الامة وتمكين ماضيها في نفوس أبنائها ليكون عيش الحاضر وزاد المستقبل . . . لو استغلت هكذا لجادت على الامة بشآبيب من خيرها ، ولابانت لها السبيل بشموس من تلاميذ مدرسة محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين .
وفي هذا العام المبارك ـ ١٤٠٦ هـ ـ ذكريات كثيرة للامة ، منها الذكرى الالفية لوفاة الشريف الرضي ، جامع الكتاب الخالد ـ نهج البلاغة ـ مما وصله من كلام أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام .
والشريف ذلك الشاعر المبدع ، والاديب المتمكن ، والبليغ العارف بخفايا اللغة العربية وأسرارها ، المتذوق لها ، المعتني بها ، الذي يظهر ولوعه بها في مؤلفاته التي خصها بهذا الجانب مثل « تلخيص البيان في مجازات القرآن » و « المجازات النبوية » .
وثلث هذين بجمعه مختارات تتسم بالبلاغة من كلام امام البلغاء ـ أمير المؤمنين عليه السلام ـ وكان نظر الشريف في جمعه قاصدا هذه الناحية من الكلام العلوي الكريم .
هذه المختارات هي ما بقي مقرونا باسمه طوال القرون الماضية والى أن يرث الله الارض ومن عليها . وقد اعتنى العالم الاسلامي بهذه الذكرى ، فعقدت الندوات ،وجمعت المجامع ،وكتب الكاتبون ـ باحثين ودارسين ـ فيما يتعلق بالشريف الرضي . حياته . آثاره . أدبه . فقهه . شعره . . .
ولم ينسوا نهج البلاغة ، الكتاب الذي خلد الشريف على مر العصور ، فشهدت الاوساط العلمية والاندية الثقافية والادبية عودة الى الحديث عن ضرورة القيام بتحقيق كتاب نهج البلاغة وتقويم نصه وتصحيحه على أقدم مخطوطاته الموثوقة ، المعتمد عليها ـ وما أكثرها ـ وطبعه طبعة فنية محققة ، تتلاءم وقد سيّته عند الشيعة ، ومكانته المرموقة في المكتبة العربية الاسلامية ، ومستواه الرفيع في النصوص الادبية .
والشيعة ـ في هذا العصر ـ لابد أن يعترفوا بتقصيرهم تجاه هذا التراث العظيم والمجد الخالد ، فقد كان الواجب عليهم ـ قبل غيرهم ـ أن يتولوا تحقيقه واخراجه ـ كما يليق بشأنه ـ قبل يومنا هذا بعهد طويل .
ومن المؤسف حقا ، أن كتابا بهذه الاهمية لم يطبع الى الان ـ رغم كثرة طبعاته ـ طبعة محققة تعتمد على مناهج تحقيق النص واسسه ، من عرضه على مخطوطاته الاصلية . . . وغير ذلك .
والغريب العجيب أن محققا كمحمد محيي الدين عبدالحميد ، على الرغم من مكانته العلمية وكونه في حاضرة كالقاهرة من حواضر التراث العربي الاسلامي المهمة ، يعتمد في تحقيق كتاب نهج البلاغة ـ الذي له عشرات المخطوطات القديمة النفيسة ـ (١)[١] على ثماني طبعات سابقة ، ذكرها في المقدمة ، وذكر نسخة واحدة خطية من شرح البحراني ، ولكنها لم تبق عنده الى نهاية المعارضة ! !
وطبعات « نهج البلاغة » المصرية والبيروتية ، وان كانت أجمل منظرا من الطبعات الايرانية الحجرية ، الا انها لا يعتمد شيء منها على نسخ مخطوطة معتبرة ، ولذلك لاتجد نسخة مطبوعة خالية من التصحيف والتحريف والسقط والاسقاط والتلاعب ، لان الايدي التي تولت نشر نهج البلاغة أيد غير مأمونة على مثله .
ونذكر هنا نماذج من التصحيف والتحريف والسقط والزيادة التي مني بها النهج :  [٢]
١ ـ في الخطبة الاولى من نهج البلاغة ، في جميع النسخ المخطوطة ، قال عليه السلام : « فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن أشار اليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال فيم فقد ضمنه » .
وفي جميع النسخ المطبوعة زيادة [ ومن جهله فقد أشار اليه ] ، بعد قوله عليه السلام : ومن جزأه فقد جهله .
وهذا تحريف للنص وزيادة مستنكرة .
٢ ـ في الخطبة (١٠٤) في جميع النسخ المخطوطة : « فهو أبلج المناهج ، واضح الولائج » .
وفي النسخ المطبوعة ، ابدلت كلمة « واضح » بكلمة [ أوضح ] .
٣ ـ في الحكمة (١٩٠) في جميع النسخ الخطية : « واعجباه ! أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة !؟ » .
وفي أكثر النسخ المطبوعة ، ومن جملتها نسخة محمد عبده ، (وهي نسخة محمد محيي الدين عبدالحميد نفسها ، ونسخة صبحي الصالح : [ واعجباه ! أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة ! ؟ ] .
وعقب على هذه الحكمة الشريف الرضي بقوله : وروي له عليه السلام شعر في هذا المعنى وهو :

فان كنت بالشورى ملكت امورهـم ***** فـكـيـف بهذا والمشـيرون غيب
وان كنت بالقربى حججت خصيمهم ***** فغـيـرك أولـى بالنبي وأقرب 

هذا الشعر يناسب تمام المناسبة النسخ المخطوطة ، وجعله ذيلا لما حرفته النسخ المطبوعة يفقده معناه ، ويخالف المعروف المشهور من مذهبه عليه السلام ومذهب شيعته في الخلافة .
هذا ، وقد دأب الشراح السابقون ـ كابن أبي الحديد وميثم البحراني ـ على شرح هذه العبارة بما يتفق مع النسخة المخطوطة ، ويتنافر مع النسخة المطبوعة مع أن متن نهج البلاغة في هذه النسخ محرف .
وهذا من أوضح الادلة على صحة المخطوطة .
٤ ـ في الخطبة (١٩٠) ـ الخطبة القاصعة ـ في جميع النسخ المخطوطة : « وضعني في حجره وأنا وليد يضمني الى صدره » .
وفي بعض النسخ المطبوعة ومنها نسخة صبحي الصالح ابدلت كلمة « وليد » بكلمة [ ولد ] .
وهذا تحريف يفقد العبارة معناها ، فانه عليه السلام يقصد تربية النبي صلى الله عليه وآله منذ الصغر ، وكلمة [ ولد ] لاتدل على ذلك .
٥ ـ في الحكمة (٢٥٢) في النسخ المخطوطة : « فرض الله الايمان تطهيرا من الشرك . . . والامامة نظاما للامة ، والطاعة تعظيما للامامة » .
ولكن كلمة « الامامة » تحرفت في نسخة صبحي الصالح الى [ الامانة ] ـ بالنون ـ ، وفي نسخة محمد عبده (وهي نسخة محمد محيي الدين عبدالحميد) الى الامانات .
وهذا غيض من فيض مما ابتلي به كتاب نهج البلاغة من محققيه وناشريه ، وطابعيه ، فقد دخل عليه منهم الذوق الخاص ، في زمان فسد فيه الذوق ، وماتت السليقة .
ودخل عليه منهم ـ أيضا ـ الهوى والتعصب ، فحذفوا ما يخالف فرقهم ومذاهبهم ، ولو كان يخل بسياق النص ، الذي تولوا ضبطه وتحقيقه .
ودخل الجهل ـ والعياذ بالله من الجهل ـ فبدل الجاهلون ما لم يفهموه. وأنى لهم أن يفهموا مطالب العرفان السامية ودقائق الفلسفة المتعالية ، التي لم يصل الفكر البشري الى بعض دقائقها الا بعد ألف من السنين أو يزيد .
ونحن بهذه المناسبة نبتهل الى العلي القدير أن يقيض لنهج البلاغة من يأخذ بناصره ، ويجلو عن زجاج مشكاته سواد أيدي من تلاعب به .
ولعل أهله يستفيقون من نومتهم ، ويأخذون عدتهم بأيديهم ، ويعطون القوس باريها ، وما ذلك على الله بعزيز .
وعودا على بدء ، فاننا في « تراثنا » قد خصصنا هذا العدد من النشرة ـ الذي هو آخر أعداد سنتها الاولى ـ لاحياء ذكرى هذا العلم الفذّ ، متنقلين بين الشريف الرضي وبين آثاره الخالدة ، لما في الصلة بين الاثنين من اكمال صورة ذكراه الالفية .
وقد عقدنا في آخر النشرة ملفا خاصا لتغطية البحوث العربية التي قدمت الى مؤتمر
الشريف الرضي ، الذي تولته مؤسسة نهج البلاغة في طهران ، باتفاق خاص مع المؤسسة .
والحمد لله رب العالمين
------------------------------------------

[١] . انظر : « المتبقي من مخطوطات نهج البلاغة حتى نهاية القرن الثامن » ، السيد عبدالعزيز الطباطبائي ، المنشور في هذا العدد من النشرة .

[٢] . انظر : « تصحيح نهج البلاغة » ـ بالفارسية ـ ، السيد جواد مصطفوي ، مجلة مشكاة ، العدد الرابع ، سنة ١٣٦٣ هـ . ش ، ص ٧٨ ـ ٩٣ .

منقول من مجلة تراثنا

****************************