وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، و َلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ.                
وقال (عليه السلام) : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ .                
وقال (عليه السلام) : هَلَكَ فِي رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال ، وَمُبْغِضٌ قَال .                
وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                

Search form

إرسال الی صدیق
توثيق نص نهج البلاغة

أغفلتُ عدداً كبيراً من المصادر توزّعت على ثلاثة أنواع، تلك هي:
أ ـ المصادر الشفوية التي لم يذكرها الشريف الرضي في كتاب (النهج) وهي رواياته عن معاصريه وعن آبائه، وهو كما يعرف القارئ الكريم أنّ نسبه ينتهي إلى مؤلّف (النهج) أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، إذ إنّ المتهم بالوضع هو الرضي نفسه، فلإبطال هذه الحجّة كانت غفلتي عنها.
ب ـ مصادر الشعر الذي استشهد به ابن أبي الحديد، وذكر أسماء شعرائه، دون أن ينسبه إلى دواوينهم، ولا إلى مجاميع الشعراء المدوّنة، فتركتها لئلاّ يقول قائل: إنَّ هذا المصدر أو ذاك، استشهد به الشارح وزمانه متقدّم على زمان الرضي.
ج ـ الرسائل والصحائف والوثائق وما إليها، التي ذكرها ابن أبي الحديد من دون أن ينقل عنها لا مباشرة ولا غير مباشرة، كدفاتر الأصمعي الباهلي (ت/ ١٨٧هـ) التي رآها هارون العباسي (ت/١٦٣هـ) ووزيره جعفر البرمكي (ت/١٨٧هـ)، حينما زاره في بيته، على الرغم من تأخرهم عن الرضي بثلاثة قرون، وبسبب أنّه لم ينقل عنهم مع وجود مادّة (النهج) في كتبهم.
وضربت الذكر صفحاً عن الرسائل والصحائف والوثائق، كرسائل النبي(ص)، والخلفاء، والولاة، والأمراء، والقادة، وغيرهم، كصحيفة الغدر التي تآمر كاتبوها ـ بعد خطبة الغدير ـ في حجّة الوداع، على إخراج الخلافة من يد الإمام علي (ع)  [١]، وكتاب المأمون العباسي (ت/٢١٨هـ) الذي أمر فيه بلعن (الشجرة الملعونة) على المنابر، ثم أمر المعتضد العباسي (ت/٢٩٨هـ) بقراءته على المنابر [٢]، فإنّ أمثال هذه الرسائل والصحف والكتب، ليست من مصادره المدوّنة المستقلّة، بل جاءت نصوصها في مصادره الأصلية.
فصحيفة الغدر من مواد كتاب (السقيفة) لأبي صادق سُليم بن قيس الهلالي. وكتاب المأمون والمعتضد من مواد كتاب (تاريخ الرسل والملوك) للطبري. وتأسيساً على هذه الأسباب صرفتُ النظر عنها إلى غيرها.
المصادر التي تيسرت لي, نزر من غمرـ قياساً ـ إلى مصادر الرضي, التي اعتمدها في عصره, فقد وقفتُ على جملة من خطب (النهج) وكتبه وحكمه, مذكورة في مصنّفات كُتبت قبل عصر الرضي, وفي مصنفات عاصرته, أمدّها إلى سنة ٤٨٦هـ وهي سنة وفاة آخر معاصر له, ذلك؛ هو؛ القاضي أبو المعالي, أحمد بن علي بن قدامه [٣] وسأصدف عن المصادر التي لحقت هذا التاريخ في هذا الفصل, لكنِّي سأوثّق بها دراستي لغريب (النهج) في فصول البحث كلّها.
ومن هذه المصادر ما روت كلام (النهج) بزيادة أو نقصان, ومنها؛ ماروته بطريقة السند المتصل, وثالثة؛ نقلت الكلام على نحوٍ يختلف عمّا في (النهج).

ولم تُشِر إليه من قريب أو بعيد, ممّا نعتقد معه أنّ مصدرها في النقل غير(النهج), فوجود مصدر لتلك الخطبة أو الحِكمة أو طرف من كتاب, لا يدلّ على عدم الوجود, مع أنّه إذا ثبت البعض أمكن دعوى ثبوت الكلّ؛ لأنّ ألفاظ (النهج) مترابطة مع بعضها, فكلُّ كلمةٍ فيه آخذة بعنق قرينتها, جاذبة إيّاها إلى نفسها.
هذا و سأشير إلى هذه المصادر بأنواعها الثلاثة, كلّ في موضعه من (شرح النهج) ومن موضع كلام الإمام من المصدر نفسه, إشارة واحدة خوفاً من الإطالة. ولا يفوتني أن أذكر أنّ خطب الإمام كانت كثيرة, الذي حُفظ منها في سائر مقاماته (أربعمئة و نيف وثمانون خطبة)  [٤] وقد دُوِّنت بمجلدات, لذا قال القطب الراوندي [٥]:  (سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول: إني وجدتُ في مصر مجموعاً من كلام علي (ع) في نيف وعشرين مجلداً...)  [٦].
فعلى هذا لم يكن الرضي هو السابق إلى جمع كلام الإمام, ولا الأوّل في تدوينه, فقد عُني به أناس عناية بالغة وحفظوه في أيامه, ودوّنوه ساعة إلقائه [٧]  وصنّفوا فيه مصنّفات كثيرة, تلك هي بداية المظان التي ضمّت كلام الإمام علي, التي نعدّها من أُصول (نهج البلاغة) التي عرفها الرضي, ثم نشير إلى نصوصها التي وردت في (شرح النهج) محلاً بالمنهج العلمي.

------------------------------------------------

[١] . يُنظر: السقيفة لسُليم: ٨٧، ١١٩، ١٦٥، ٢٢٣، ٢٢٤.

[٢] . يُنظر: شرح النهج: ١٥/١١٧.

[٣] . ينظر: الغدير:٤/١٨٥.

[٤] . مروج الذهب: ٢/٤٣١.

[٥] . القطب الراوندي، هو سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي، أحد فقهاء الشيعة الإمامية، وله تصانيف كثيرة ومتنوعة، وقد سبق ابن أبي الحديد في شرح (النهج) وسمّى كتابه بـ(منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة)، وتوفى سنة (٥٧٣هـ، ينظر: (شرح النهج): ١/٥، و(لسان الميزان): ٣/٤٨، و(روضات الجنات): ٣٠٢، ط: إيران، ١٣٠٤هـ.

[٦] . شرح نهج البلاغة لميثم البحراني: ١/١٠١.

[٧] . ينظر: سفينة البحار(مادة خطب):١/٣٩٢.

****************************