وقال (عليه السلام): إِذَا وَصَلَتْ إِليْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلاَ تُنْفِرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ .                
وقال (عليه السلام): ما أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.                
وقال (عليه السلام): إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أحَد أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ .                
وقال (عليه السلام): مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ.                
وقال (عليه السلام): قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِير مَمْلُول مِنْهُ .                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                
وقال (عليه السلام): الْحِلْمُ وَالاَْنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
دعوات وشبهات أثارها البعض حول نهج البلاغة – الخامس

الشيخ عبـد الرسول الغفاري

أمّا الشكّ السابع :
قال البعض إنّ في بعض الخطب تقسيم المعاني والمسائل إلى أصناف كتقسيم الاستغفار إلى ست معان و . . .
أقول :
وهل غاب عن هذا المعترض ما جاء في القرآن الكريم عندما قسّم سبحانه وتعالى الناس فقال : ( وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . . . )  [١] .
ثمّ يردف سبحانه هذه الآيات المجملة بتفصيل وهذا ما يعرف في البلاغة بالّلفّ والنشر .
وموارد أُخرى في القرآن الكريم فيها ذلك التقسيم والتصنيف ، ثمَّ التقسيم الذي جاء في كلام صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث جمّة لا تحصى خذ مثالاً منها ، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ستّة أشياء حسنة ولكنّها من ستّة أحسن ، العدل حسن وهو من الأمراء أحسن ، والصبر حسن وهو من الفقراء أحسن ، والتوبة حسنة وهي من الشباب أحسن ، والحياء حسن وهو من النساء أحسن ، وأمير لا عدل له كغمام لا غيث له ، وفقير لا صبر له كمصباح لا ضوء له ، وعالم لا ورع له كشجرة لا ثمرة لها ، وغنيّ لا سخاء له كمكان لا نبت له ، وشابٌّ لا توبة له كنهر لا ماء فيه ، وامرأة لا حياء لها كطعام لا ملح لـه »   [٢].
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « معشر المسلمين إيّاكم والزنا فإنّ فيه ستّ خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، فأمّا التي في الدنيا فإنّه يذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأمّا التي في الآخرة فإنّه يوجب سخط الربّ ، وسوء الحساب ، والخلود في النّار »  [٣] .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ثلاث من كنّ فيه استوجب الثواب واستكمل الإيمان : خلق يعيش به في النّاس ، وورع يحجزه عن محارم الله ، وحلم يردّ به جهل الجاهل » [٤] .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهنّ ، كانت فيه خصلة من النفاق حتّى يدعها ، إذا اؤتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر »  [٥] .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ثلاث من كنّ فيه آواه الله في كنفه ، وستر عليه برحمته ، وأدخله في محبّته : من إذا أعطى شكر ، وإذا قدر غفر ، وإذا غضب فتر »  [٦] .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ثلاث منجيات ، وثلاث مهلكات : فأمّا المنجيات : فالعدل في الغضب والرضا ، وخشية الله في السرّ والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر ، وأمّا المهلكات : فشحٌّ مُطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه » [٧] .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحدٌ قبلي ، كان كلّ نبيٍّ يبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى كلّ أحمر وأسود ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي ، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصلِّ حيث كان ، ونُصرت بالـرعب مسيرة شهر ، وأعطيت الشفاعة »  [٨] .
وعن أبي هريرة قال : قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : « سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : إمام عادل ، وشابٌّ نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلّق بالمساجد ، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إنّي أخاف الله ، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه » [٩] .
والشواهد من أقوال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرة جدّاً فما بال المعترض يعجب من التقسيم الوارد في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو ربيب رسول الله نشأ في حجره ونهل من معينه الزلال الصافي ؟ !
وغير ذلك من الشواهد فعن عبـد الرحمن بن عوف قال : « دخلت على أبي بكر الصديق في مرضه الذي توفّي فيه فأصابه مهتمّاً ، فقال لـه عبـد الرحمن في جملة كلام لـه : إنّك لا تأسى على شيء من الدنيا قال أبو بكر : أجل لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهن وددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ ووددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهنّ .
فأمّا الثلاث التي وددت أنّي تركتهنّ ، فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإنْ كانوا قد غلقوه على الحرب ، ووددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة السلمي وأنّي قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ يريد بهما عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً .
وأمّا اللاتي تركتهنّ : فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ، فإنّه تخيل إليّ أنّه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه ، ووددت أنّي حين سيّرت خالد بن الوليد إلى أهل الردّة كنت أقمت بذي القصّة ، فإن ظفر المسلمون ظفروا وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد ، ووددت أنّي إذ وجّهت خالد إلى الشام كنت وجّهت عمر بن الخطّاب إلى العراق ، فكنت قد بسطت يديّ كليهما في سبيل الله ومدّ يديه ، ووددت أنّي سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ ووددت أنّي كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمّة فإنّ في نفسي منهما شيئاً » [١٠] .
وللمزيد من الشواهد والنصوص عليك بكتاب المواعظ العددية وهكذا تجد بغيتك في كتاب الخصال فراجع .
وخلاصة القول : ما جاء في نهج البلاغة من تقسيم المعاني وتصنيف المطالب هو إقتداء بكلام الله سبحانه وتعالى واقتفاء بكلام نبيّه الأكرم .

أمّا الشكّ الثامن :
إنّ في النهج وصفاً دقيقاً للحيوانات كالطاووس ، فمتى رأى الإمام هذا الحيوان حتّى يصفه بتلك الدقّة المتناهية ؟ !
أقول :
إنّ اعتراض البعض ليس بوجيه ، ولا يخضع للمنطق والعقل ، إذ هل أنّ المعترض قد صاحب الإمام (عليه السلام) في سفراته وغزواتها وهجرته حتّى ينكر عليه مشاهدته للطاووس وغيره من الحيوانات ؟ !
إنّ الإمام (عليه السلام) هاجر إلى اليمن ، واشترك في كلّ المعارك والغزوات ، وتنقّل بين ربوع الحجاز والعراق والشام ، وكانت تصل إليه هدايا الملوك والأمراء ، فهل من الصعب أن يرى الإمام (عليه السلام) الطاووس وغيره من الحيوانات التي قد لم تكن موفورة في مكّة أو المدينة ؟
وقد يكون أنّ الإمام رأى الطاووس في البصرة والتي تعدّ ذلك اليوم مركز التجارة وحلقة وصل بين الهند وبلاد فارس وبلاد العرب ، وربّما شاهده (عليه السلام) في المدائن عاصمة الأكاسرة فيما مضى ، فقد بقيت عامرة حتّى عصر الإمام وما بعده .

أمّا الشكّ التاسع :
أنّهم قالوا : في بعض النهج يوجد سجع منمّق وصناعة لفظية ، لا تعرف لذلك العصر ، بل إنّما برز هذا اللون من الصناعة في العصر العبّاسي ، والقائل بذلك أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام [١١] ، والردّ عليه من وجوه :
أوّلاً : إنّ أدنى التفات من الباحث المختصّ في الأدب العربي سيجد هناك فرقاً كبيراً بين ما هو سجع منمّق صدر عفو الخاطر وبين سجع متكلّف عليه آثار الصنعة .
ثانياً : إنّ في القرآن الكريم آيات عديدة بل سور كثيرة جاء فيها السجع وهو بمثابة تنميق لفظي له وقعه الجميل في النفوس ولم يكن فيه أيّ تكلّف أو صنعة ، اقرأ قوله تعالى من سورة النازعات : ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ )  [١٢] إلى آخر السورة المباركة .
واقرأ في سورة عبس : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ) [١٣] إلى آخر السورة المباركة .
وهكذا في سورة التكوير وسورة الانفطار والمطفّفين والانشقاق وحتّى آخر الجزء الثلاثين ناهيك عن السور الأخر من الأجزاء المتقدّمة .
فهل الأستاذ كرد علي وابن تيميّة ـ وغيرهما ـ قد غفلا عن هذه السور والآيات المباركة حتّى يدّعيا أنّ هذا السجع هو من أسلوب العصر العبّاسي أو هناك شيٌ آخر قد انطوت عليه السرائر فكشفه نفث الصدور ؟ !
ثالثاً : تطالعنا نصوص عديدة من العصر الجاهلي فيها من ذلك السجع فما بال المعترض ؟ !
انظر واقرأ النصّ الوارد من قس بن ساعدة الأيادي الذي يُعدّ من كبار حكماء العرب في العصر الجاهلي قال : « أيّها النّاس : اجتمعوا فاسمعوا وعوا ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكلّ ماهو آت آت ، في هذه آيات محكمات مطر ونبات ، وآباء وأمّهات ، وذاهب وآت ، ونجوم تمور ، وبحور لاتغور ، وسقف مرفوع ، ومهاد موضوع ، وليل داج ، وسماء ذات أبراج » [١٤].
وهو القائل :
« يا معشر إياد ، أين ثمود وعاد ، وأين الآباء والأجداد ، أين المعروف الذي لم يُشكر ، والظلم الذي لم ينكر ، أقْسَمَ قُسٌ قسماً بالله ، إنّ الله لدينا هو أرضى لـه من دينكم هذا »  [١٥] .
ومن السجع « قول هند بنت الخُسّ ( الزرقاء ) قيل لها أي الرجال أحبّ اليك ؟
قالت : القريب الأمَد ، الواسع البلَد [١٦] ، الذي يُوفَد اليه ولا يَفِد » [١٧] .
ومن السجع « قول جُمعة بنت حابس ، قيل لها أيّ الرجال أحبّ اليك ؟
قالت : الشنِق الكتَد [١٨] ، الظاهر الجلد ، الشديد الجذب بالمسَدِ » [١٩].
ومن السجع قوله : « إنّ الأعمار تفنى ، والأجسام تبلى ، والأيّام تطوى ، والليل والنهار يتطاردان تطارد البريد ، يقرّبان كلّ بعيد ، ويخلقان كلّ جديد . . الخ »  [٢٠] .
وقوله (عليه السلام) : « افشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا بالليل والنّاس نيام » [٢١] .
وهكذا لو تصفّحت خطب الصحابة وخطب أبي بكر وعمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وغيرهم لوجدت الكثير من ذلك السجع والتنميق ويجدر بالمعترض أن يقرأ قبل أن يدلي بشكوكه ولبنات أفكاره الواهية ، عليه أن يقرأ : البيان والتبيين للجاحظ ، وعيون الأخبار لابن قتيبة ، والعقد الفريد لابن عبـد ربّه الأندلسي ، وجمهرة خطب العرب ، ففي تلك المصادر ما يشفي الغليل وبها يصحو العليل فما أكثر النصوص ، وما أكثر السجع والمقابلة فيها ، فهي جميعاً من مختارات بلغاء العرب وخطبائهم في الجاهلية وصدر الإسلام .

أمّا الشكّ العاشر :
وهو أنّ النهج اشتمل على صيغ فلسفية وكلامية وعلوم لم تعرف إلاّ بعد زمن الإمام (عليه السلام) . . . والردّ عليه بإمور :
أوّلا : إنّ في القرآن مئات الآيات تؤكّد على فكرة التوحيد ، وتحثّ النّاس على التدبّر في تلك الآيات والإمعان فيها :
قال تعالى : ( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ )  [٢٢] ، وقال تعالى : ( أَفَلاَ يَنظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) [٢٣] ، وقال تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا ) [٢٤] ، وآيات التدبّر كثيرة .
هذه الدعوة إلى التدبّر تسوقنا إلى أنّ المسلمين الأوائل هم الذين فتحوا باب الجدل وعلم الكلام والمناظرة وبهذا العلم اهتدى الكثير من النّاس وذلك بسبب الحوار الذي كان يتمّ بين المسلم الداعية وبين المشركين وذوي النحل وأصحاب الأديان ، وهذا أمر قد ألِفه المسلمون في زمن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ثانياً : إنّ تعذّر الرؤية ، وكلام الخالق ، ونفي الجسمية ، والاستدلال على وجوده ومطالب عقائدية أخرى كثيرة تطرّق إليها القرآن الكريم في آيات عديدة من ذلك قوله تعالى : ( لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ . . )  [٢٥] .
وفي نفي الجسمية عنه وأنّه ليس في جهة معينة قوله تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ )  [٢٦] .
وفي الاستدلال على وجود الخالق قوله تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأَفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ ) [٢٧] ، وقوله تعالى : ( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ) [٢٨] .
وفي نفي الشريك يستدلّ القرآن الكريم بقولـه تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا ) [٢٩] .
هذه الإستدلات القرآنية ليست هي بعيدة عن المسلمين الأوائل ، لذا فهي تشكّل جذور علم الكلام والفلسفة وقد استنطق أمير المؤمنين (عليه السلام)القرآن الكريم وكانت خطبه عبارة عن شرح لتلك الدلالات فهو نبع الفصاحة ، وسرّ البلاغة ، وقد عكف على مدارسة القرآن منذ أن هجره القوم وتركوا بيعته .
وفي فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) وسابقته إلى الإسلام وغزارة علمه يقول الحسن البصري حين سئل عن عليٍّ « قال : لم يكن بالنؤمة عن أمر الله ، ولا بالملومة في دين الله ، ولا بالسروقة لمال الله ، أعطى القرآن عزائمه فيما عليه وله ، فاحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، حتّى أورده ذلك رياضاً مونقة وحدائق مغدقة . . » [٣٠] .

ثالثاً : تُعدّ الكوفة حاضرة العالم الإسلامي وقتئذ عندما نزلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ونقل عاصمة خلافته إليها .
والكوفة ليست كالحجاز والشام ومصر ، بل هي قبلة العلماء ، ومرجع الأدباء والفلاسفة والمتكلّمين ، ومهبط الأفكار والعلوم ، إذ نزلها الفرس ، والسريانيّون والكلدانيّون ، وفيها راجت الديصانية والزندقة والأفكار الهندية واليونانية . .
ولمّا كانت المذاهب والأفكار لها رواج بين الناس وتأثيرها في العوام أكثر من غيرهم ممّا دفع بالإمام (عليه السلام) أن يوضّح العقائد ويبيّن ما التبس على أصحاب الأهواء والنحل ، فكانت خطبه في التوحيد على رأس تلك الخطب وذلك تلبية لحاجة المجتمع ، وترسيخاً للعقائد والمفاهيم الإسلامية في النفوس .
إذن يحتّم علينا أن نقول إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي فتق علم التوحيد ، وهو الذي عالج قضاياه على ضوء القرآن الكريم ، وهو الذي علّم تلامذته أن يسلكوا هذا النهج مع الخصوم من الملاحدة ، والزنادقة ، وأهل البدع ، وأرباب الفلسفة ، وبالتالي أنّ لـه السبق ممّن نطق بهذه الفنون ، وأنّ علم التوحيد برز على يد الإمام قبل أن يخلق عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء .

---------------------------------------------------------
[١] . سورة الواقعة ٥٦ : ٧ ـ ١٠ .
[٢] . ارشاد القلوب للديلمي : ٢٣٣ .
[٣] . الخصال ١ / ١٤١ .
[٤] . مدارك الأحكام ٧ / ١٤ ، الوسائل ٩ / ٣٦٤ أبواب مقدمات الطواف .
[٥] . المحلى ٨ / ٢٨ و١١ / ٢٠٢ ، كنز العمّال ٨٤٩ ، صحيح البخاري ١ / ١٤ .
[٦] . محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) المثل الكامل : ٩٤ .
[٧] . محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) المثل الكامل : ٣٢٢ .
[٨] . رواه جابر وأخرجه البخاري . وفي تلخيص الحبير ٢ / ٣١٦ ، تنوير الحوالك : ٧٢٧ ، المبسوط ١٥ / ٣ ، حاشية ردّ المختار ١ / ٢٤٦ .
[٩] . رواه البخاري ومسلم ، المجموع ٤ / ١٩٥ و٦ / ٢٣٨ ، إعانة الطالبين ٢ / ٢٣٧ ، فقه السنّة ١ / ٤١٢ ، والمجازات النبوية : ٤١٢ .
[١٠] . أخرج الحديث بطوله أبو عبيدة في كتاب الأموال صفحة ١٣١ والطبري في تاريخه ٤ / ٥٢ ، وابن قتيبة في الامامة والسياسة ١ / ١٨ والمسعودي في مروج الذهب ١ / ٤١٤ وابن عبـد ربّه الاندلسي في العقد الفريد ٢ / ٢٥٤ .
[١١] . فجر الإسلام ١٤٨ ـ ١٤٩ .
[١٢] . سورة النازعات ٧٩ : ١ ـ ٩ .
[١٣] . سورة عبس ٨٠ : ١ ـ ٦ .
[١٤] . البيان والتبيين ٢ / ٢٥٣ .
[١٥] . البيان والتبيين ٢ / ٢٥٤ .
[١٦] . البلد : الدار .
[١٧] . البيان والتبيين ٢ / ٢٥٦ .
[١٨] . الشنق : الطويل ، الكتد : أعلى الكتف .
[١٩] . البيان والتبيين ٢ / ٢٥٦ .
[٢٠] . البيان والتبيين ٢ / ٢٥٦ .
[٢١] . المجموع للنووي ٤ / ٥٩٣ ، بدائع الصنائع ٥ / ١٠١ ، المحاسن ٢ / ٣٨٧ .
[٢٢] . سورة الذاريات ٥١ : ٢٠ ـ ٢١ .
[٢٣] . سورة الغَاشِيَة ٨٨ : ١٧ .
[٢٤] . سورة مُحمّـد ٤٧ : ٢٤ .
[٢٥] . سورة الأنعام ٦ : ١٠٣ .
[٢٦] . سورة الحديد ٥٧ : ٣ .
[٢٧] . سورة فصلت ٤١ : ٥٣ .
[٢٨] . سورة الذاريات ٥١ : ٢٠ ـ ٢١ .
[٢٩] . سورة الانبياء ٢١ : ٢٢ .
[٣٠] . انظر : البيان والتبيين للجاحظ ٢ / ٨٨ وهامش الصفحة .

يتبع .....

****************************