الفصل الرابع
في مآخذ الشعراء من الشريف الرضي
قال السيّد الشريف راثياً :
كم راحل ولَّيت عنه وميِّت *** رجعت يدي من تربه صفراءا
وقد أحسن أخذه السيّد حيدر الحلّي فقال :
ولمّا تجاذبناكم أنا والردى *** رجعت برغمي منكم ويدي صفرُ
قال الشريف في رثاء والدته فاطمة :
كيف السلوّ وكلُّ موقع لحظة *** أثر لفضلك خالد بأزائي
فعلات معروف تُقرُّ نواظري *** فتكون أجلب جالب لبكائي
أخذه تلميذه مهيار الديلمي فقال :
وإن أحدثت عندي يد الدهر نعمة *** ذكرتك فيها فاغتدت من مصائبي
قال الشريف :
فِلمْ أنا كالغريب وراء قوم *** لو اختبروا لقد كانوا ورائي
نظر إليه إسماعيل بن الحسين الطغرائي المتوفّى عام (٥١٤هـ) فقال في لاميّته :
تقدّمتني أناس كان شوطهم *** وراء خطوي ولو أمشي على مهل
قال الشريف في مقصورته الحسينية :
لو رسول الله يحيا بعده *** قعد اليوم عليه للعزا
أخذه الشيخ حمادي الكوّاز الحلّي المترجم في كتابنا البابليّات من قصيدة له حسينية :
فلو عاد حيّاً نبىُّ الهدى *** محمّد كان المعزّى به
وقال الشريف في مقصورته المذكورة :
كم على تُربك لما صرِّعوا *** من دم سال ومن دمع جرى
أخذه الشيخ صالح الكوَّاز في حسينية له فقال :
أأنسى دموعاً أم دماء تجاريا *** من الآل يوم الطف بالسفح والسفكِ
قال السيّد الشريف :
ولقد مررت على ديارهمُ *** وطلولها بيد البلى نهبُ
ووقفت حتّى ضجَّ من لغب *** نضوي ولجَّ بعذلي الركب
وتلفّتت عيني ومنذ خفيت *** عنِّي الطلول تلفَّت القلب [١]
وقد أخذ الطغرائي البيت الثاني برمّته فقال في لاميّته الشهيرة :
وضجَّ من لغب نضوي وعجَّ لما *** ألقى ركابي ولجَّ الركب في عذلي
قال الشريف :
ولو شئت غنّتني الحمام عشية *** ولكنّني من ماء عيني أشرب
نظر إليه مهيار فقال :
واذكروا صباً إذا غنَّى بكم *** شرب الدمع وعاف القدحا
قال الشريف :
أما اتّقى الله على ضعفه *** معذّب القلب بلا ذنب
يا ماطلاً لي بديون الهوى *** من دلَّ عينيك على قلبي
وقال عبد المحسن الصوري وقد أخذ من الشريف معنى البيت الخامس من أبياته هذه :
بالذي ألهم تعذيـ *** ـبي ثناياك العذابا
والذي ألبس خدّيـ *** ـك من الورد نقابا
والذي أودع في فيـ *** ـك من الشهد شرابا
والذي صيَّر حظّـ *** ـي منك هجراً واجتنابا
ما الذي قالته عيـ *** ـناك لقلبي فأجابا
قال الشريف :
وقور فلا الألحان تأسر عزمتي *** ولا تمكر الصهباء بي حين أشرب
وقال محمود سامي البارودي :
وما أنا ممن تأسر الخمر لبَّه *** ويملك سمعيه اليراع المثقّب
وأراد باليراع المثقّب المزمار ، وهذه الجملة نظر إليها البارودي فأخذها من قول الشريف في القصيدة نفسها :
كأنّ تراجيع الحداة وراءها *** صفير تعاطاه اليراع المثقّب
قال الشريف في مدح والده :
طلوع هداه إلينا المغيّب *** ويوم تمزَّق عنه الخطوب
لقيتك في صدره شاحباً *** ومن شيمة العربىِّ الشحوب
أخذه مهيار الديلمي في قصيدة يمدح بها شبيب بن حمّاد المزيدي من أمراء النيل في بابل :
وعلامة العربىِّ دهمة وجهه *** ومن الوجوه البيض غير حسيب
والبدر أشرف طالع في أفقه *** وبياضه المرموق فوق شحوب
قال الشريف يصف قومه الهاشميّين :
تلاث برودهمُ بالرما *** ح وتلوى عمائمهم بالشهب
وقال مهيار يصف قومه الفرس :
عمّموا بالشهب هاماتِهمُ *** ومشوا فوق ظهور الحقب
وقال الشريف في الرثاء :
ولا تعقروا غير حبّ القلو *** ب إذا عقر الناس بزلاً ونيبا
أخذه الحاج حسن القيِّم الحلِّي فقال :
إذا ما عقرتم عشار الإبل *** فعقري عليه الفؤاد الوجل
قال الشريف :
مضى التليع الأعلى لطيّته *** واستأخر المنسمان والذنب
أخذه معروف الرصافي في رثاء أستاذه الآلوسي :
حتّى تقدَّم ما في القوم من ذنب *** فصار رأساً وصار الرأس في الذنب
قال الشريف :
ما أخطأتك النائبا *** ت إذا أصابت من تحب
وقال مهيار في صديقه أحمد بن عبد الله :
إذا كان سهم الموت لابدّ واقعاً *** فياليتني المرميّ من دون صاحبي
قال الشريف :
قسّموا السوء بين قلبي وعيني *** لم جنى ناظري فعُذِّب قلبي
يقول لا تجعلوا قلبي وحده معذّباً بحبّكم فإنّ عيني هي سبب هذا التعلّق ، والعدل يقتضي أن يقسّم عقاب الجناية على من اقترفوها فاجعلوا بعض العذاب لعيني وبعضه لقلبي وقد أخذه مهيار بقوله :
عيني جنت ـ يا ظالمين ـ فما لكم *** جور القضاء تعاقبون جناني
ما هذه يا قلب أوّل نظرة *** أخذ البريّ بها بذنب الجاني
والأصل فيه قول دعبل الخزاعي :
لا تأخذوا بظلامتي أحداً *** قلبي وطرفي في دمي اشتركا
قال السيّد الشريف :
البيد يا أيدي المطىِّ فإنّني *** للضيم إن أسرى إلىَّ مجانب
والبيد جمع بيداء منصوب على الإغراء بفعل محذوف أي : إلزمي البيداء واسلكيها ، وأسرى إلىّ : سار نحوي ، ومجانب : مباعد ، وقد أخذه مهيار وأحسن التصرّف فيه بقوله :
تنقّلي يا ركب العيس بي *** منجّدة طوراً وغوَّاره
لا خطر الضيم ببال امرىء *** وأنت بالبيداء خطّاره
قال الشريف :
ومالي بعلم الغيب إلاّ طليعة *** من الحزم لا يخفى عليها المغيّب
وقال مهيار مادحاً :
يطلعه نجد كلِّ مشكلة *** فكر وراء الغيوب مطلّعُ
قال الشريف :
ونثرة فوقها صبرٌ تظاهره *** أردّ منها لأذراب القنا السلبِ
والنثرة : الدرع ، والأذراب جمع ذرب ككتف : الحديد اللسان ، وقد نظر إليه السيّد حيدر الحلّي فقال في إحدى حسينيّاته :
وظاهر فيها بين درعين نثرة *** وصبر ودرع الصبر أقواهما عرى
قال الشريف :
يدي في قائم العضـ *** ـب فما الإنظار بالضرب
وقال الشيخ عبد الحسين الأعسم في خطاب الإمام المهدي :
نرى يدك ابتلّت بقائمة العضب *** فحتّام حتّام انتظارك بالضرب
قال الشريف في سموّ دوحته الهاشمية :
إذا كان في جوّ السماء عروقها *** فأين أعاليها وأين الذوائب
وقال السيّد مهدي بن السيّد داود الحلّي يصف بيت (آل كبّة) (وأين الثرى من الثريّا) :
وفي منتهى العلياء أن صيّروا له *** أساساً لعمري السقف أين يحلِّقُ
قال الشريف :
وتخذتكم لي جنّة فكأنّما *** نظر العدوّ مقاتلي من جُنّتي
أخذه الفرزدقي عليّ بن فضّال القيرواني المتوفّى عام (٤٧٩هـ) كما في المعجم :
وإخوان حسبتهمُ دروعاً *** فكانوها ولكن للأعادي
قال الشريف :
وما النفس في الأهلين إلاّ غريبة *** إذا فقدت أشكالها ولداتها
ونظيرهُ قول أبي الفتح البستي المتوفّى عام (٤٠٠هـ) ولا أدري أيّهما أسبق إلى المعنى :
وما غربة الإنسان في شقّة النوى *** ولكنّها والله في عدم الشكل
وإنّي غريب بين بست وأهلها *** وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
قال الشريف يصف الخيل :
متى سمعت صوت الصريخ تنصّبت *** قياماً إلى داعي الوغى سمعاتها
نظر إليه الشيخ صالح الكوّاز فقال :
يصغي إلى كلِّ صوت علَّ مصطرخاً *** للأخذ في حقّه من ظالميه دعا
قال الشريف في ذمّ الدنيا من أبيات :
طلّقتها ألفاً لأحسم داءها *** وطلاق من عزم الطلاق ثلاث
وقد أخذه شاعر العرب عبد المحسن الكاظمي من قصيدة :
وطلّقنا حياة الهون ألفاً *** وقد شرعوا ثلاثاً للطلاق
قال الشريف في رثاء عمِّه أحمد بن موسى :
سلا ظاهر الأنفاس عن باطن الوجد *** فإنّ الذي أخفي نظير الذي أبدي
أخذه وتصرَّف فيه الشيخ حسين جاوش الحلّي في رثاء السيّد سليمان الكبير (١٢١١هـ) وكلاهما مترجمان في (ج٢) من كتابنا البابليّات :
وما أنا من يصغي إلى العذل سمعه *** وإنّي لفي شغل عن العذل بالوجد
سلا ظاهر الأنفاس عن باطن الأسى *** فإنّ الذي أخفيه أضعاف ما أبدي
قال السيّد الشريف في رثاء الصابي :
هيهات أدرج بين برديك الردى *** رجل الرجال وواحد الآحاد
نظر إليه العلاّمة السعيد الحبّوبي فقال في رثاء السيّد ميرزا صالح القزويني :
ثوى واحد العصر الذي لفَّ برده *** قبائل فهر من جموع وآحاد
وألمَّ به السيّد حيدر الحلّي بقوله :
وأرت بقية فخرها مذ أدرجت *** في برد شخص بالكمال وحيد
قال الشريف في أبي إسحاق الصابي :
وربَّ قريب بالعداوة شاحط *** وربَّ بعيد بالمودّة دان
أخذه السيّد جعفر الحلّي فقال :
الحبُّ للرجل البعيد مقرِّب *** والبغض للرجل القريب مبعِّد
قال الشريف :
تفرَّد بالعلياء عن أهل بيته *** وكلُّ يهدِّيه إلى المجد والد
وتختلف الآمال في ثمراتها *** إذا شرقت بالرىّ والماء واحد
كذا جاء في الديوان وقد ورد البيت الثاني في محاضرات الراغب الأصبهاني هكذا :
وتختلف الأثمار في شجراتها . . . ولعلَّه أقرب إلى الصواب ممّا ورد في الديوان .
وقد أخذه الشيخ حمادي نوح الحلِّي فقال في أنجال العلاّمة القزويني :
مثل الفواكه كلٌّ فيه لذَّته *** والماء ماء ولمَّا يستوي الثمر
قال الشريف :
يضاع فينشد قعب الغبو *** ق وقلبي يضاع ولا ينشد
وقال عبد المحسن الكاظمي من قصيدة في ديوانه :
وقلب يضاع ولا ناشدٌ *** وعلق يباع ولا من رباحِ
قال الشريف :
بنى لهم الماضون أساس هذه *** وعلوا على آساس تلك القواعد
أخذه الشيخ عبد الحسين شكر النجفي بقوله عن بني أميّة :
وإن تكن فعلت بالآل ما فعلت *** فذا البناء على ذاك الأساس بني
قال السيّد الشريف في رثاء الصابي :
قد كنت أهوى أن أشاطرك الردى *** لكن أراد الله غير مرادي
وقد أخذه الأخرس في رثاء عبد الغني جميل :
وكان مرادي أن أكون لك الفدا *** ولكن أراد الله غير مراديا
وأخذه الشيخ عبد الحسين شكر في إحدى حسينيّاته لفظاً ومعنى :
لقد كنت أهوى أن أشاطرك الردى *** ولكن قضى الرحمن دون مراديا
قال الشريف :
إلى جدِّه تنمى شمائل مجده *** وهل ترجع الأشبال إلاّ إلى الأسد
وقال السيّد حيدر الحلّي :
كفى خلفاً عنه بأشبال مجده *** وهل تخلف الآساد إلاّ شبولها
قال الشريف في رثاء الصابي :
سوَّدت ما بين الفضاء وناظري *** وغسلت من عينىَّ كلَّ سواد
نظر إليه السيّد حيدر الحلّي بقوله :
غسلت سواد عيونها بدموعها *** فصبغن أردية الكرام الصيّد
ونظر إليه والدنا (رحمه الله) في رثاء الميرزا موسى القزويني وقال :
لك عيني سوادها أبيضّ لما *** غسّلته حزناً بماء البكاء
قال الشريف :
فيا ربمَّا والهوى ضلّة *** ترى العين ما لا تنال اليد
أخذ معنى الشطر الثاني معروف الرصافي في الشطر الأوّل من قوله :
ترى مقلتي ما ليس تملكه يدي *** وما زلت أسعى منفض الكفِّ محوجا
قال الشريف يصف أهل القبور :
بادون في صور الجميع وإنّهم *** متفرّقون تفرَّق الآحاد
أخذه الرصافي في وصف أبناء شعبه :
قوم أضاعوا مجدهم وتفرّقوا *** فتراهم جمعاً وهم أشتات
قال الشريف :
وهل ينفع المكلوم عضّ بنانه *** ولو مات من غيظ على الأسد الورد
أخذه السيّد حيدر الحلّي فقال :
فعضضت البنان غيظاً ولكن *** لا يفيد المكلوم عضُّ البنان
قال الشريف :
متأوِّهاً تحت الخطو *** ب تأوَّه الجمل العقير
وقال السيّد حيدر الحلّي :
عججنا إليك من الظا *** لمين عجيج الجمال من الناحر
قال الشريف :
بضوامر مثل النسو *** ر وغلمة مثل الصقور
وقال السيّد حيدر :
غداة أبو السجّاد جاء يقودها *** أجادل للهيجاء يحملن أنسرا
وقال الشريف راثياً :
ودعي الأعنّة من أكفّك إنّها *** فقدت مصرِّفها ليوم مغار
وقال السيّد حيدر :
لتلق الجياد السابقات عنانها *** فليس لها بعد الحسين مصرِّف
قال الشريف :
كأنَّ السماء بها لامة *** وزهر النجوم مساميرها
نظر إليه القيِّم الحلّي فقال :
علَّ مستطرقاً يرى الليل درعاً *** وعلى نسجها النجوم قتيرا
وقال الشريف :
وكأنَّ الأيّام يطلبن ثأراً *** عندنا فيه أو يقضين نذرا
نظر إليه الحاج حسن القيِّم فقال في الدنيا :
نذرت أن تسي فعلاً فأمست *** في بني المصطفى تقضِّي النذورا
وقال الشريف من قطعة قالها عن لسان من سأله مدح جارية سوداء :
وكيف يذهب عن قلبي وعن بصري *** من كان مثل سواد القلب والبصر
نظر إليه السيّد إبراهيم الطباطبائي بقوله :
هل العين إلاّ ما خلقت سوادها *** أو القلب إلاّ ما خلقت سويداه
قال الشريف :
يا ليلة كاد من تقاصرها *** يعثر فيها العشاء بالسحر
أخذه البهاء السنجاري لفظاً ومعنى :
لله أيّامي على رامة *** وطيب أوقاتي على حاجر
تكاد للسرعة في مرِّها *** أوّلها يعثر بالآخر
قال الشريف :
رموا لا يبالون الحشا وتروَّحوا *** خليَّين والرامي يصيب ولا يدري
نظر إليه مهيار الديلمي فقال :
بطرفك والمسحور يقسم بالسحر *** أعمداً رماني أم أصاب ولا يدري
قال الشريف :
يحنُّ إلى ما تضمر الخمر والحلى *** ويصدف عمّا في ضمان المآزر
وقال السيّد حيدر الحلّي :
وراودته لكن من الثغر قبلة *** ألذُّ وأشهى من غبوق لغابق
وأعرضت عمّا دون عقد أزاره *** عفافاً وقد زالت جميع العوائق
---------------------------------------------
١. وما لأحد من الشعراء أحسن من هذه الاستعارة في تلفُّت القلب .
يتبع ....