لبيب بيضون
الفقه والفقيه
قال الامام علي ( ع ) :
عن القرآن الكريم : جعله اللّه ريّا لعطش العلماء ، وربيعا لقلوب الفقهاء . ( الخطبة ١٩٦ ، ٣٩١ )
الفقيه كلّ الفقيه ، من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه ، ولم يؤيسهم من روح اللّه ، ولم يؤمنهم من مكر اللّه .( ٩٠ ح ، ٥٨٠ )
سل تفقّها ولا تسأل تعنّتا،فإنّ الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم ،وإنّ العالم المتعسّف شبيه بالجاهل المتعنّت .( ٣٢٠ ح ، ٦٣٠ )
من اتّجر بغير فقه ( وفي رواية : بغير علم ) فقد ارتطم في الرّبا . ( ٤٤٧ ح ، ٦٥٦ )
اختلاف العلماء
قال الامام علي ( ع ) :
في ذم أهل الرأي : ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه . ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الّذي استقضاهم ، فيصوّب آراءهم جميعا وإلههم واحد ، ونبيّهم واحد ، وكتابهم واحد . أفأمرهم اللّه سبحانه بالإختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه أم أنزل اللّه سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له ، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل اللّه دينا تامّا فقصّر الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن تبليغه وأدائه ، واللّه سبحانه يقول مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ وقال فِيْهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضا ، وأنّه لا اختلاف فيه فقال سبحانه وَلَوكَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ ، لَوَجَدُوا فِيْهِ اخْتِلافاً كَثِيراً .( الخطبة ١٨ ، ٦٢ )
ذم علماء السوء ذم العمل بالرأي
قال الامام علي ( ع ) :
فيمن يتصدى للحكم والقضاء بين الأمة ، وليس لذلك بأهل : إنّ أبغض الخلائق إلى اللّه رجلان :
( الاول ) : رجل وكله اللّه إلى نفسه ، فهوجائر عن قصد السّبيل ، مشغوف بكلام بدعة ، ودعاء ضلالة . فهوفتنة لمن افتتن به ، ضالّ عن هدي من كان قبله ، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته . حمّال خطايا غيره ، رهن بخطيئته .
( الثاني ) : ورجل قمش جهلا ، موضع ( أي مسرع ) في جهّال الأمّة ، عاد في أغباش الفتنة ، عم بما في عقد الهدنة . قد سمّاه أشباه النّاس عالما وليس به . بكّر فاستكثر من جمع ، ما قلّ منه خير ممّا كثر . حتّى إذا ارتوى من ماء آجن ( أي فاسد ) ، واكتنز من غير طائل ، جلس بين النّاس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره .
فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثا من رأيه ، ثمّ قطع به . فهومن لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت : لا يدري أصاب أم أخطأ . فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب . جاهل خبّاط جهالات ، عاش ركّاب عشوات . لم يعضّ على العلم بضرس قاطع .
يذري الرّوايات إذراء الرّيح الهشيم . لا مليّ واللّه بإصدار ما ورد عليه ، ولا هوأهل لما فوّض إليه . لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره ، ولا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره . وإن أظلم عليه أمر اكتتم به ، لما يعلم من جهل نفسه . تصرخ من جور قضائه الدّماء ، وتعجّ منه المواريث . ( الخطبة ١٧ ، ٥٩ )
أيّها النّاس ، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود ، وزمن كنود ، يعدّ فيه المحسن مسيئا ، ويزداد الظّالم فيه عتوا . لا ننتفع بما علمنا ، ولا نسأل عمّا جهلنا ، ولا نتخوّف قارعة حتّى تحلّ بنا . ( الخطبة ٣٢ ، ٨٥ )
وآخر قد تسمّى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال ، وأضاليل من ضلاّل . ونصب للنّاس أشراكا من حبائل غرور ، وقول زور ، قد حمل الكتاب ( أي القرآن ) على آرائه ، وعطف الحقّ على أهوائه . . . يقول أقف عند الشّبهات وفيها وقع ، ويقول أعتزل البدع وبينها اضطجع . ( الخطبة ٨٥ ، ١٥٤ )
فلا تستعملوا الرّأي فيما لا يدرك قعره البصر ، ولا تتغلغل إليه الفكر . ( الخطبة ٨٥ ، ١٥٦ )
المعروف فيهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا . مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المهمّات على آرائهم . كأنّ كلّ امريء منهم إمام نفسه ، قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات ، وأسباب محكمات.( الخطبة ٨٦ ،١٥ ) وقال ( ع ) عن القائم الحجة ( ع ) : ويعطف الرّأي على القرآن ، إذا عطفوا القرآن على الرّأي.( الخطبة ١٣٦ ، ٢٤٩ )
قد خاضوا بحار الفتن ، وأخذوا بالبدع دون السّنن . ( الخطبة ١٥٢ ، ٢٧٠ )
ومن كلام له ( ع ) كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما ، والاستعانة في الامور بهما :
فلمّا أفضت ( أي الخلافة ) إليّ نظرت إلى كتاب اللّه وما وضع لنا ، وأمرنا بالحكم به فاتّبعته ، وما استسنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فاقتديته ، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ، ولا رأي غيركما ، ولا وقع حكم جهلته ، فأستشيركما وإخواني من المسلمين . ولوكان ذلك لم أرغب عنكما ، ولا عن غيركما . وأمّا ما ذكرتما من أمر الأسوة ( أي التسوية بين المسلمين في قسمة الاموال ) فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ، ولا وليته هوى منّي ، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ اللّه من قسمه ، وأمضى فيه حكمه ، فليس لكما واللّه عندي ولا لغيركما في هذا عتبى.أخذ اللّه بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ،وألهمنا وإيّاكم الصّبر.( الخطبة ٢٠٣، ٣٩٧ )
السنن والبدع
قال الامام علي ( ع ) :
في صفة الفاسق :يقول أقف عند الشّبهات وفيها وقع ،ويقول أعتزل البدع وبينها اضطجع .( الخطبة ٨٥ ، ١٥٤ )
وما أحدثت بدعة إلاّ ترك بها سنّة . فاتّقوا البدع والزموا المهيع ( أي الطريق الواضح ) . إنّ عوازم الأمور أفضلها ، وإنّ محدثاتها شرارها . ( الخطبة ١٤٣ ، ٢٥٧ )
وقال ( ع ) عن المكذبين الضالين : قد خاضوا بحار الفتن ، وأخذوا بالبدع دون السّنن . ( الخطبة ١٥٢ ، ٢٧٠ )
. . . وإنّ السّنن لنيّرة لها أعلام ، وإنّ البدع لظاهرة لها أعلام . وإنّ شرّ النّاس عند اللّه إمام جائر ضلّ وضلّ به . فأمات سنّة مأخوذة ، وأحيا بدعة متروكة . ( الخطبة ١٦٢ ، ٢٩٢ )
وإنّ المبتدعات المشبّهات هنّ المهلكات ، إلاّ ما حفظ اللّه منها . ( الخطبة ١٦٧ ، ٣٠٣ )
وقال ( ع ) عن تحريم البدع : واعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن يستحل العام ما استحلّ عاما أوّل ، ويحرّم العام ما حرّم عاما أوّل . وأنّ ما أحدث النّاس لا يحلّ لكم شيئا ممّا حرّم عليكم . ولكنّ الحلال ما أحلّ اللّه والحرام ما حرّم اللّه . . . وإنّما النّاس رجلان : متّبع شرعة ،ومبتدع بدعة ، ليس معه من اللّه سبحانه برهان سنّة ولا ضياء حجّة.(الخطبة ١٧٤ ، ٣١٦ )
علم اللغة والشعر
قال الامام علي ( ع ) :
وسئل ( ع ) من أشعر الشعراء ؟ فقال عليه السلام : إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها ، فإن كان ولا بدّ فالملك الضّلّيل ( يريد به امرأ القيس ) . ( ٤٥٥ ح ، ٦٥٧ )
لا تواخ شاعرا فإنّه يمدحك بثمن ، ويهجوك مجّانا . ( حديد ٦٩٨ )
خير الشّعر ما كان مثلا ، وخير الأمثال ما لم يكن شعرا . ( حديد ٨٨٥ )
وقال ( ع ) : الكلام كلّه : اسم وفعل وحرف ، والإسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس بإسم ولا فعل . ثم قال ( ع ) لأبي الأسود الدؤلي : واعلم يا أبا الأسود انّ الأشياء ثلاثة ، ظاهر ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر . قال أبوالاسود : فجمعت أشياء وعرضتها عليه ، وكان من ذلك حروف النصب ، فكان منها : إنّ وأنّ وليت ولعل وكأن ، ولم أذكر لكنّ ، فقال لي : لم تركتها ؟ فقلت لم أحسبها منها ، فقال ( ع ) : بل هي منها فزدها فيها . ( مستدرك ١٦٣ )
تعلّموا شعر أبي طالب وعلّموه أولادكم ، فإنّه كان على دين اللّه وفيه علم كثير . ( مستدرك ١٧٥ )
فن الكتابة والخط
قال الامام علي ( ع ) :
لكاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع مبينا له أصول الكتابة : ألق دواتك ( أي قربها ) ، وأطل جلفة قلمك ، وفرّج بين السّطور ، وقرمط ( أي قلل ) بين الحروف . فإنّ ذلك أجدر بصباحة الخطّ . ( ٣١٥ ح ، ٦٢٩ )
ومن كتاب له ( ع ) الى عماله : أدقّوا أقلامكم ، وقاربوا بين سطوركم ، واحذفوا من فضولكم ، واقصدوا قصد المعاني ، وإيّاكم والإكثار ، فإنّ أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار ( يومي بذلك الى الاقتصاد في استهلاك الورق وخلافه ) .( مستدرك ١١١ )
منقول من كتاب تصنيف نهج البلاغة