قال الامام علي ( ع ) :
عباد اللّه إنّ أنصح النّاس لنفسه أطوعهم لربّه ، وإنّ أغشّهم لنفسه أعصاهم لربّه .
والمغبون من غبن نفسه . والمغبوط من سلم له دينه . والسّعيد من وعظ بغيره . والشّقيّ من انخدع لهواه وغروره . واعلموا أنّ يسير الرّياء شرك . ومجالسة أهل الهوى منساه للإيمان ، ومحضرة للشّيطان . جانبوا الكذب فإنّه مجانب للإيمان . الصّادق على شفا منجاة وكرامة ، والكاذب على شرف مهواة ومهانة . ولا تحاسدوا ، فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب . ولا تباغضوا فإنّها الحالقة ( أي الماحية لكل خير وبركة ) . واعلموا أنّ الأمل يسهي العقل ، وينسي الذّكر . فاكذبوا الأمل فإنّه غرور ،وصاحبه مغرور .( الخطبة ٨٤ ، ١٥٢ )
يا أيّها النّاس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس . وطوبى لمن لزم بيته ، وأكل قوته ، واشتغل بطاعة ربّه ، وبكى على خطيئته . فكان من نفسه في شغل ، والنّاس منه في راحة.( الخطبة ١٧٤ ، ٣١٧ )
ومن وصية له ( ع ) لابنه الحسن ( ع ) كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين :
أحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّة باليقين . ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء . وبصّره فجائع الدّنيا ، وحذّره صولة الدّهر ، وفحش تقلّب اللّيالي والأيّام . . . فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك . ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلّف . وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال . وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك . وجاهد في اللّه حقّ جهاده ، ولا تأخذك في اللّه لومة لائم . وخض الغمرات للحقّ حيث كان . وتفقّه في الدّين . وعوّد نفسك التّصبّر على المكروه ، ونعم الخلق التّصبّر في الحقّ . وألجى نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك ، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز . وأخلص في المسألة لربّك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الإستخارة ( أي إجالة الرأي في الأمر لاختيار أفضل الوجوه ) . وتفهّم وصيّتي ، لا تذهبنّ عنك صفحا . فإنّ خير القول ما نفع . واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه . ( الخطبة ٢٧٠ ، ١ ، ٤٧٥ )
. . . وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرّغائب ، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا . ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حرّا . وما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ ، ويسر لا ينال إلاّ بعسر . وإيّاك أن توجف بك مطايا الطّمع ، فتوردك مناهل الهلكة .
وإن استطعت ألا يكون بينك وبين اللّه ذونعمة فافعل . فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك . وإنّ اليسير من اللّه سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كلّ منه .
وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك . وحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء ( الوكاء : رباط القربة ) . وحفظ ما في يديك أحبّ إليّ من طلب ما في يدي غيرك . ومرارة اليأس خير من الطّلب إلى النّاس . والحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور . والمرء أحفظ لسرّه . وربّ ساع فيما يضرّه من أكثر أهجر ، ومن تفكّر أبصر . قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشّرّ تبن عنهم . بئس الطّعام الحرام وظلم الضّعيف أفحش الظّلم . إذا كان الرّفق خرقا كان الخرق ( أي العنف ) رفقا . ربّما كان الدّواء داء ، والدّاء دواء . وربّما نصح غير النّاصح ، وغشّ المستنصح . وإيّاك والإتّكال على المنى فإنّها بضائع النوكى ( وفي رواية : النوكى ، جمع أنوك وهوالأحمق ) . والعقل حفظ التّجارب ، وخير ما جرّبت ما وعظك . بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة . ليس كلّ طالب يصيب ، ولا كلّ غائب يؤوب . ومن الفساد إضاعة الزّاد ، ومفسدة المعاد . ولكلّ أمر عاقبة ، سوف يأتيك ما قدّر لك . التّاجر مخاطر . وربّ يسير أنمى من كثير لا خير في معين مهين ، ولا في صديق ظنين .
ساهل الدّهر ما ذلّ لك قعوده . ولا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه . ( الخطبة ٢٧٠ ، ٣ ، ٤٨٥ )
واعلم يا بنيّ أنّ الرّزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن أنت لم تأته أتاك .
ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى إنّما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك . وإن كنت جازعا على ما تفلّت من يديك ، فاجزع على كلّ ما لم يصل إليك .
استدلّ على ما لم يكن بما قد كان ، فإنّ الأمور أشباه . ولا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت في إيلامه ، فإنّ العاقل يتّعظ بالآداب ، والبهائم لا تتّعظ إلاّ بالضّرب .
اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصّبر وحسن اليقين . من ترك القصد جار .
والصّاحب مناسب . والصّديق من صدق غيبه . والهوى شريك العمى . وربّ بعيد أقرب من قريب ، وقريب أبعد من بعيد . والغريب من لم يكن له حبيب . من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه ، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له . وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين اللّه سبحانه . ومن لم يبالك ( أي يهتم بك ) فهوعدوّك . قد يكون اليأس إدراكا ، إذا كان الطّمع هلاكا . ليس كلّ عورة تظهر ، ولا كلّ فرصة تصاب . وربّما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده . أخّر الشّرّ فإنّك إذا شئت تعجّلته . وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل . من أمن الزّمان خانه ، ومن أعظمه أهانه . ليس كلّ من رمى أصاب . إذا تغيّر السّلطان تغيّر الزّمان . سل عن الرّفيق قبل الطّريق ، وعن الجار قبل الدّار . إيّاك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا ، وإن حكيت ذلك عن غيرك . ( الخطبة ٢٧٠ ، ٤ ، ٤٨٨ )
ومن كتاب له ( ع ) الى الحارث الهمذاني :
وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه . وصدّق بما سلف من الحقّ ، واعتبر بما مضى من الدّنيا ما بقي منها ، فإنّ بعضها يشبه بعضا ، وآخرها لاحق بأوّلها . وكلّها حائل مفارق . وعظّم اسم اللّه أن تذكره إلاّ على حقّ . وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت ، ولا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق . واحذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكره لعامّة المسلمين . واحذر كلّ عمل يعمل به في السّرّ ، ويستحى منه في العلانيّة . واحذر كلّ عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أواعتذر منه . ولا تجعل عرضك غرضا لنبال القول . ولا تحدّث النّاس بكلّ ما سمعت به ، فكفى بذلك كذبا . ولا تردّ على النّاس كلّ ما حدّثوك به ، فكفى بذلك جهلا . واكظم الغيظ ، وتجاوز عند المقدرة . واحلم عند الغضب ، واصفح مع الدّولة ( أي السلطة ) ، تكن لك العاقبة . واستصلح كلّ نعمة أنعمها اللّه عليك ، ولا تضيّعنّ نعمة من نعم اللّه عندك . ولير عليك أثر ما أنعم اللّه به عليك .
واعلم أنّ أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه وأهله وماله ، فإنّك ما تقدّم من خير يبق لك ذخره ، وما تؤخّره يكن لغيرك خيره . واحذر صحابة من يفيل رأيه ( أي يضعف ) وينكر عمله ، فإنّ الصّاحب معتبر بصاحبه . واسكن الأمصار العظام فإنّها جماع المسلمين . واحذر منازل الغفلة والجفاء وقلّة الأعوان على طاعة اللّه . واقصر رأيك على ما يعنيك . وإيّاك ومقاعد الأسواق ، فإنّها محاضر الشّيطان ومعاريض الفتن . وأكثر أن تنظر إلى من فضّلت عليه ، فإنّ ذلك من أبواب الشّكر . ولا تسافر في يوم جمعة حتّى تشهد الصّلاة ، إلاّ فاصلا ( أي خارجا ) في سبيل اللّه ، أوفي أمر تعذر به . وأطع اللّه في جميع أمورك . فإنّ طاعة اللّه فاضلة على ما سواها . وخادع نفسك في العبادة ، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ( أي وقت راحتها وفراغها ) ونشاطها ، إلاّ ما كان مكتوبا عليك من الفريضة ، فإنّه لا بدّ من قضائها وتعاهدها عند محلّها .
وإيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربّك في طلب الدّنيا . وإيّاك ومصاحبة الفسّاق ، فإنّ الشّرّ بالشّرّ ملحق . ووقّر اللّه وأحبب أحبّاءه . واحذر الغضب فإنّه جند عظيم من جنود إبليس ، والسّلام . ( الخطبة ٣٠٨ ، ٥٥٦ )
وقال ( ع ) : أوصيكم بخمس لوضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا : لا يرجونّ أحد منكم إلاّ ربّه ، ولا يخافنّ إلاّ ذنبه . ولا يستحينّ أحد منكم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول لا أعلم ، ولا يستحينّ أحد إذا لم يعلم الشّيء أن يتعلّمه . وعليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه . ( ٨٢ ح ، ٥٧٩ )
لا مال أعود من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا عقل كالتّدبير ، ولا كرم كالتّقوى ، ولا قرين كحسن الخلق ، ولا ميراث كالأدب ، ولا قائد كالتّوفيق ، ولا تجارة كالعمل الصّالح ، ولا ربح كالثّواب ، ولا ورع كالوقوف عند الشّبهة ، ولا زهد كالزّهد في الحرام ، ولا علم كالتّفكّر ، ولا عبادة كأداء الفرائض ، ولا إيمان كالحياء والصّبر ، ولا حسب كالتّواضع ، ولا شرف كالعلم ، ولا عزّ كالحلم ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة . ( ١١٣ ح ، ٥٨٦ )
طوبى لمن ذلّ في نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من لسانه ، وعزل عن النّاس شرّه ، ووسعته السّنّة ، ولم ينسب إلى البدعة . ( ١٢٣ ح ، ٥٨٨ )
الجود حارس الأعراض ، والحلم فدام السّفيه ، والعفوزكاة الظّفر ، والسّلوعوضك ممّن غدر ، والإستشارة عين الهداية . وقد خاطر من استغنى برأيه ، والصّبر يناضل الحدثان ، والجزع من أعوان الزّمان . وأشرف الغنى ترك المنى . وكم من عقل أسير تحت هوى أمير . ومن التّوفيق حفظ التّجربة . والمودّة قرابة مستفادة ، ولا تأمننّ ملولا . ( ٢١١ ح ، ٦٠٥ )
بكثرة الصّمت تكون الهيبة ، وبالنّصفة يكثر المواصلون ، وبالإفضال تعظم الأقدار ، وبالتّواضع تتمّ النّعمة ، وباحتمال المؤن يجب السّؤدد ، وبالسّيرة العادلة يقهر المناوئ ، وبالحلم عن السّفيه تكثر الأنصار عليه . ( ٢٢٤ ح ، ٦٠٦ )
من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضي برزق اللّه لم يحزن على ما فاته ، ومن سلّ سيف البغي قتل به ، ومن كابد الأمور عطب ، ومن اقتحم اللّجج غرق ، ومن دخل مداخل السّوء اتّهم . ومن كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه ، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار ومن نظر في عيوب النّاس فأنكرها ، ثمّ رضيها لنفسه ، فذلك الأحمق بعينه . والقناعة مال لا ينفد . ومن أكثر من ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير ، ومن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه . ( ٣٤٩ ح ، ٦٣٥ )
لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا عزّ أعزّ من التّقوى ، ولا معقل أحسن من الورع ، ولا شفيع أنجح من التّوبة ، ولا كنز أغنى من القناعة ، ولا مال أذهب للفاقة من الرّضى بالقوت .
ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الرّاحة ، وتبوّأ خفض الدّعة . والرّغبة مفتاح النّصب ، ومطيّة التّعب . والحرص والكبر والحسد دواع إلى التّقحّم في الذّنوب ،والشّرّ جامع مساوىء العيوب . ( ٣٧١ ح ، ٦٤١ )