وقال (عليه السلام): الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.                
وقال (عليه السلام): رُبَّ مَفْتُون بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.                
وقال (عليه السلام): أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ .                
وقال (عليه السلام): الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجزِ.                
وقال (عليه السلام): الرِّزْقُ رِزْقَانِ: طَالِبٌ، وَمَطْلُوبٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا،مَنْ طَلَبَ الاْخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.                
وقال (عليه السلام): إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ .                
وقال (عليه السلام): لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.                

Search form

إرسال الی صدیق
قبسات من نهج البلاغة (الأخلاق) – الأول

السيد سامي بن حسن خضرا

أئمتنا قـُـادتـُنا:

أخي الكريم، المتأملُ والباحث والدارسُ لسيرة الأئمة عليهم السلام يراهم كجدهم النبي في أسلوب عيشهم وطريقةِ مَعاشِهِم المتوَّجَةِ بالعِفَّة والقناعة والرضا والاكتفاء والزهد والانصراف عن التعلق بالدنيا وقتالِ الآخرين من أجلها... والأئمة قُدوة ٌ وأسوةٌ للعالمين، وللمسلمين خاصة، وهم عمودُ الدين، ومنارةُ السالكين، وحَريٌ بالمؤمنين الصادقين أن يتأسَّوا بهم في أسلوب عيشهم وقلة حرصهم على الدنيا... وهكذا يجب أن يكون العلماءُ والمتعلِّمون وأهلُ الصدارة في المجتمع، ومَنْ كان محطاً لأنظار الناس، حتى نكون دُعاة بغير ألسِنَتِنا.
هذه الفئة، معلومٌ أنها قليلة ٌ عدداً، ولكنَّها عظيمة ٌ في قَدْرِها عند بارئِها، تبارك وتعالى، تماماً كما كان أئمتنا....هؤلاء أوتادُ الله في الأرض... وأمثلة ٌ شبيهة ٌ لأشباههم...وقدوةٌ للمحيطين بهم ...إنهم المحافظون على سنن الأنبياء والصديقين...وقد باتوا اليوم أُسْوة ً لاحقين كما كان أولياءُ الله من قبل، لهم قدوة.
عجبأ لأمرهم: قبِلوا ما رفضه الناس، واستَسهلوا ما استعصبوه، ورضوا بما رفضوه... قَبِلوا بصعوبة العيش في خشونة المطعم والمَلْبَسِ معاناةٍ السَهَرِ والصَبْرِ والصيام والالتزام... لقوة اليقين عندهم وحلاوة العِرْفان في أنفسهم.
عجباً لأمرهم من كل هذا... بل لا عجب ، فأبدانُهم وإن كانت تُجاوِرُنا في الدنيا إلا أن أرواحهم مُعلَّقةٌ بالمحل الأعلى لما عرفتْ من جمال الحضرة الربوبية، بعين بصيرِتها، ولا ستئناسهم بصحبة ملائكة الله المقربين.
طوبى لهم، فهم خلفاءُ الله في أرضه، والدعاةُ إلى دينه، والقِبْلة ُ السلوكيةُ لغيرهِم جباهِهم، وسكون عيونهم، وصواب منطقهم... ثم إستوثَقَ من طمأنينة جنانهم.
يقول الأمير في أفصح ما نُـقل عنه:... وكـَم ذا، وأين أولئك؟ والله، الأقَـَـلُّون عدداً، والأعظمون عند الله قَدْراً، يحفظ ُ الله بهم حُجَجَهُ وبيِّناته، حتى يُوِدعُها نُظراءَهم، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استَوْعَرَوه المُترَفون، وأنِسُوا ما استوحَشَ منه الجاهلون، وصَحِبُوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها مُعلَّقَةٌ بالمحل الأعلى، أولئِكَ خلفاءُ اللهِ في أرضه، والدعاةُ إلى دينه، آهٍ آهٍ شوقاً إلى رؤيتهم!".
أخي الكريم نور عيني، هل نستطيعُ أن نكتفي ببعض ِ ثياب وقليل طعام، وأن لا ندِّخِرَ مالاً، ولا نحوزَ من الأرض شِبراً؟!... إذا كان خلال ذلك خطراً على الورع والاجتهاد والعفة والسداد... قليل ما هم يا أخي،... وكاتب هذه السطور ليس منهم- فنقل العلم شيء، والعملُ به شيءٌ آخر.
حتى مع القدرة على ذلك، ينبغي الامتناعُ عن ذلك، إذا كان المكلَّفُ والمقصودُ أستاذاً لغيره، أو ذا منصبٍ منظورٍ ومقصود.
يقول أمير المؤمنين : ما المجاهد الشهيد في سبيل الله، بأعظم أجراً مِمَّنْ قَدَرَ فعفَّ، لكادَ العفيفُ أن يكون مَلَكاً من الملائكة".
ويقول الأميرُ أيضاً:" ألا وإنَّ إمامكُم قد اكتفى من دُنياه بِطِمْريِْه، ومن طُعْمِه بقرْصيِهْ، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكنْ أعينوني بورع واجتهاد، وعِفَّةٍ وسَدَاد، فوالله ما كنزتُ من دُنْياكُمْْ تِبراً، ولا ادخَرْتُ من عنائِمِها وَفْراً، ولا أعددتُ لِبالي ثوبي طِمْراً، ولا حُزتُ من أرضِها شِبراً..."
ويـُتابعُ قائلاً"... ولو شئتُ لاهتدَيْتُ الطريقَ إلى مُصفّى هذا العسل، ولُبابِ هذا القمح، ونسائِجِ هذا القزِّ، ولكِنْ هيهات أن يَغْلبني هوايَ، ويقودَني جشعي إلى تخيُّر الأطعمة، ولعلَّ بالحجاز أو اليمامةِ، مَنْ لا طَمَعَ له في القرص، ولا عهد له بالشِّبَعِ، أو أن أبِيْتَ مبْطاناً وحولي بطونٌ غَرْثى، وأكباد ٌ حرَّى،... أأقنع من نفسي بان يُقال: هذا أميرُ المؤمنين، ولا أشارِكُهُم في مكارِهِ الدَّهَر، أو اكُونُ أسْوَةً لهم في جُشوبَةِ العيش!....".

القـُدوة الحسنة في تواضُعِها

التواضعُ حفة ٌ عند كل البشر، سالِفِهم ولا حِقِهِم. والناس بطبعهم يتعاطفون ويتعلَّقون بمن تقرَّب منهم، وتواضع لهم، وخدمَهم وماثَـلهم في شؤون حياتهم، وقاسمهم همومَهم وأتراحَهم فلا يجدون فرقاً بينهم وبينه في الملبس والمسكن والماكل والمشرب...
لذا، كان حضورُ التواضع الفطري في حباة أهل الإيمان والصلاة مُلازماً لحركتهم اليومية مع الناس... وتميَّزَ بذلك الأنبياءُ واتباع ُ الأنبياء ذلك أنّ المتتبعَ لسيرتهم لا يجدُ مورِداً واحداً من موارد التكبر والإستعلاء في حياتهم... فهم أقربُ الناس ِ إلى الفطرة ِ السليمة والطبع القويم...
وكيف لا يكون ذلك، وهم دعاةُ الله تعالى إلى هداية البشر...وأدنى نظرةٍ إلى سيرتهم ولسوكِهِم اليومي تُظهرُ محبوبيتهم إلى قلوب الناس، وتواضُعَهم الذي لا نظير له...
ولعلَّ من أفضل النصوص وأدقها تعبيراً في ذلك، ما جاء عن أمير المؤمنين في نهج البلاغة حيث قال : "ولقد كان رسول الله ، كافٍ لَكَ في الأُسْوَةِ، ودليلٌ على ذمِّ الدنيا وعَيْبِها وكَسرْرَةِ مخازِيْها، إذْ قُبِضَتْ عنه أطرفها، ووُطِّئَتْ لِغَيْره أكنافُها وفُطِمَ عنْ رَضَاعِها، وزُوِيَ عن زخارِفها".
"وإن ثنيّت بموسى كليم الله حيث يقول: ربِّ إنِّي لِما أنْزلتَ إليَّ من خيرٍ فقير والله، ما سأله إلا خُبْزاً يأكـُلُـهُ، لأنه كان يأكُلُ بَقْلَةَ الأرض، ولقد كانَتْ خُضْرَةٌ البَقْلِ تُـرى من شفيف صِفاق ِ بطْنِهِ، لِهُزالِه وتَشَدُّبِ لَحْمِهِ.
"وإن شِئْت بداود صاحب المزامير، وقارئ أهل الجنة، فلقد كان يَعْملُ سَفَائِفَ الخُوْصِ بيده، ويقولُ لجُلسَائه: أيُّكُمْ يكفيني بَيْعَها! ويأكلُ قُرصْ الشعير ثمنها".
"ولو شئت قلت في عيس ابن مريم ، فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجشِبَ، وكان إدامُهُ الجوع، وسِراجُهُ بالليل القَمَر، وظِلالُهُ في الشتاء مشارِقُ الأرضِ ومغارِبُها وفاكهتُهُ وريْحانُهُ بالليل ما تُنْبِتُ الأرضُ للبهائم، ولم تكن له زوجة ٌ تَفْتِنُهُ، ولا وَلَدٌ يُحْزِنُهُ، ولا مالٌ يَلْفِتُهُ، ولا طَمَعٌ يُذِلُّهُ، دابَّتُهُ رجْلاه، وخادمهُ يداه!".
ثم يعودُ اميرُ المؤمنين ليُفصِّلَ في حياة النبي (ص) وتواضِعه تفصيلاً دقيقاً، فيقول :"فتَأسَّ بنبيَّكَ الأطْيَبِ الأطْهَرِ فإن فيه أُسْوَةً لِمَنْ تأسَّى، وعَزاءً لِمَنْ تعزَّى، وأحَبُّ العِبادِ إلى الله المُتأسِّي لنبيِّه، والمُقْتصُّ لأثَرِه، قَضَم الدنيا قضماً ولم يملأ فمه منها، ولمْ يٌعِرْهَا طَرفاً، أهضَم أهلِ الدنيا كَشْحاً، وأكثر أهل الدنيا جوعاً، وأخمَصهُمْ من الدنيا بطناً، عُرِضتْ عليه الدنيا، فأبى أن يَـقْبَلَها، وعَلِمَ أن الله سبحانه أبْغضَ شيئاً فأبْغَضَهُ، وحقَّر شيئاً فحقَّوه، وصَغَّرَ شيئاً فصغَّره، ولو لم يكن فينا إلا حُبُّنا ما أبغض الله ُ ورسوُلُه، وتَعْظِيمُنَا ما صَغَّر الله ُ ورسولُهُ، لكفى به شِقاقاً لله، ومُحادَّةً عن أمرِ الله، ولكن كان يأكلُ على الأرض، ويجلِسُ جِلْسَةَ العَبْدِ، ويَخْصِفُ بيده نعلْلَهُ، ويَـرْقَعُ بيده ثوبَهُ، ويَرْكبُ الحمارَ العاري، ويُرْدف خلْفَه، ويكونُ السِّتْرُ على باب بيته فتكونُ فيه التصاويرُ فيقول: يا فـُلانة ُ،(لإحدى أزْواجِهِ)، غيِّبيهِ عَنِّي، فإني إذا نظرتُ إليه ذكرتُ الدنيا وزخارِفهَا، فأعرَضَ عن الدنيا بقلبه، وأماتَ ذكْرَهَا من نفسِهِ، وأحبَّ أن تَغيبَ زينتُها عن عيِنِه، لكِيلا يتَّخِذَ منها رياشا، ولايَعتَقدِهَا قراراً، ولا يَرْجو فيها مُقاماً، فأخْرَجهَا من النَّفْسِ، وأشخَصَها عن القلب، وغيَّبها عن البصر، وكذلك من أبغضَ شيئاً أبغضَ أن يَنْظُر إليه، وأن يُذْكَرَ عِنْدَهُ".
"ولقد كان رسول الله ما يدُلُّكَ على مَسَاوِئءِ الدُنْيا وعُيوبِها: إذْ جاع فيها مع خاصته... فَـليْنظُرْ ناظرٌ بعقله: أكْرَمَ الله محمداً بذلك أم أهانهُ! فإنْ قال، أهانَه، فَـقـَدْ كَذَبَ، واللهِ العظيم، بالإفك العظيم، وإنْ قال الناس منه... فإنَّ الله جعل محمداً علَماً للساعة، ومُبشِّراً بالجنة، ومُنْذِراً بالعقوبة، خرج من الدنيا خميصا، وورد الآخرة سليماً، لم يَضَعْ حَجَراً على حَجَر، حتى مضى لسبيله، وأجاب داعي ربِّه، فما أعـْظَمَ مِنَّة اللهِ عندنا حيثُ أنْعَمَ علينا به سلفاً نَتَّبِعُهُ، وقائداً نطأُ عـَقْبَهُ.
وبعد فهذه نماذجُ عن تواضع الأنبياء(ص) خاصة ً نبيَّنا محمدا ً ...فهل مَنْ يتشرف بالإقتداء والإتباع؟!...

وجوب الشكر

يشعر الإنسان شُكْرِ مَنْ أَحْسَنَ إليه أو قدَّم له خدمة، أو سهَّل أمراً، أو احترمه وقدَّره.... مهما كان صغيراً.
والشكر لله تعالى، الذي لا يُقاس بعباده، صفة ٌ من صفات الأولياء، الذين يشكرونه تبارك وتعالى على نعمٍ لا تُحصى، وعطايا لا يُحيطُ بها عقلٌ بشري، ولو أردتَ الإحاطة َ على بِنِعَمِ الله عز وجل عليك، لتعذَّرَ ذلك واْستحال إذا كنت منصفاً في إرادتك هذه.
ومَنْ ذا الذي أحصى هِبَاتِ الله تعالى إليه... من نعمة التوحيد الإيمان، إلى التشهد والإسلام، إلى التدين الإلتزام، إلى الإمتناع عن معاصي، فالتوفيق الى إلصلاة والصيام والصدقة وخدمة الآخرين... إلى سكينة والأمن وهدوءِ البال... إلى نعمةِ العقل والإدراك، والصحة القوُة، وسلامة البدن والأطراف... إلى نعمة النظر والسمع واللسان، إلى نعمة الأهل والأولاد والإخوان... إلى نعمة المأوى والرزقِ الحسن والأمنِ في الوطن والنجاة من الهلاك... إلى ما هنالك من نعمٍ وافرة نعجِز عن إدراكها فضلاً عن اْستقصائها.
أفلا يجدُرُ بنا أن نشكُرُ ربَّنا وبارِئنا... كما نشعر بذلك تجاهَ خلق ٍ مثِلنا...والله ُ تعالى لا يُقاس بشىء قط.
هذه المسألة الهامة والحساسة، وتأثيراتُها على النفس والمنطلقات الروحية... قد أخذتْ وافراً من كلام علي أمير المؤمنين في نهج البلاغة...
ومما قاله :" لا تـَنْسَوا عند النِعَم شُكَركم" . وقال "إذا وصَلَتْ إليكم أطرافُ النعم، فلا تُنفِّروا أقصاهام بقلة الشكر".
فنحن نلاحط أنه قد أوجب علينا الشكر على النعمة لتدوم وتستمرَّ، لأن أقصاها، والمُنتّظَرَ منها الذي لي يصل، مُرْتبطٌ بأطرافها الواصلة، ودوامُ الشكر يستلزمُ دوامَ النِعمِ وكَثْرَتَها، وفي هذا إشارةٌ، لقوله تعالى لإن شكرتُمْ لأزيدنَّكم، ولئن كفرتم إنَّ عذابي لَشَديد .
ومن دواعي الشكر أيضاً، يا أخي، تركُ المعاصي، لأن الشكر الصادق والحقيقي إنما يكون بالأقوال والأفعال، بل هو بالأفعال أهمُّ وأثبتُ وأصدقُ، ومِنْ أبرز مظاهره تركُ المعصية، لأنك لا يُمكنُ أن تتصور شاكراً وهو في الوقت نفسه عاصٍ والعياذ بالله.
ويشيرُ الأمير إلى أنَّ الله تعالى لو لم يتوعدْ وَيَنْه عن المعصية لكان يجب تركُها شُكراً وحمداً وتقديراً له وتعالى، أي كمظهرٍ وتعبيرٍ عن الشكر، فكيف وقد توعَّدَ على ذلك سبحانه؟! يقول :"لو لم يتوعَّدِ اللهُ معصِيتَهِ لكان يجب أنْ لا يُعْصى شكراً لنعَمِهِ".
ومن دواعي الشكر أيضاً، وصولُ المرءِ إلى مبتغاه، ونجاحهُ في عمله وفلاحهُ في هدفه ومقْصَدِه، وهدايَتُهُ إلى رُشْدهِ... وأنا مَنْ أنا في الذنوب في كل يوم. يقول الأمير ":إذا أنتَ هُدِيتَ لقَصْدِك، فكنْ أخْشَعَ ما تكونُ لربك".
ومن صفات أهل الإيمان والتُقى، وفي كل الحالات، الشكرُ والحمدُ، خاصة ً في أوقات توفُّر وسائل الترفِ والراحة، حيث إنَّ اكثر الناسِ في مثل هذه الحالات، يَنْسون أو يَسْهون أو يَغْفُلون... ويتلهَّون بما أحاط بهم ولا يذكرون الله تعالى إلا في وقت الشدة... هذا من بطرِ النعمة، والعياذ بالله.
ويقول عليٌ في نهج البلاغة": أُصيكم أيُّها الناسُ، بتقوى الله، وكثرةِ حَمْدِهِ على آلائه إليكم، ونَعْمائِهِ عَليكُمْ، وبلائِه لَدَيْكم، فكم خَصَّكُمْ بِنعْمَة، وتدارككم برحمةٍ! أعْوَرْتُم له فستركـُم، وتعرَّضتُم لأخذه، فأمْهَلَكُم".
وقال عن المؤمن والتقي:" وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور".
وقال :نَسْألُ الله سبحانه أنْ يَجْعَلَنا وإياكُم مِمَنْ تُبْطِره نِعمة ٌ، ولا تُقصَّرُ به عن طاعة ربِّه غاية ٌ، ولا تَحُلُّ به بعد َ الموتِ ندامة ٌ ولا كآبة ٌ".
ونُذكِّرُ ختاماً، بدواعي الشكرِ، وهي: النِعَمُ، ودوامُ النِعم، والنجاحن وتركُ المعاصي، والتفضيلُ على الغير.

حقيقة الزهد

الزهد صفة مطلوبة جرى التأكيد عليها في النصوص الشريفة، والزهدُ سلوكٌ وعملٌ ملازمٌ لصاحبه... ومُدِحَ الأنبياءُ وأتباعُ الأنبياء عندما كان الزهدُ لهم مـَلـَكـَة ً نفسيَّة ً ملازمة ً لشخصهم، ولا تنفك عنهم.
والأكثرية ُ من الاس يظنون أن الزهد كناية ٌ عن البؤس والفَقـْر والجوع والحاجة وسوء التدبير ولباسٍ ممزقٍ مُتَّسِخْ... فمن ملكَ والجوع والحاجة وسوء التدبير ولباسٍ ممزق ٍ مُتَّسِخْ... فمن ملكَ هذه الصفات، كان زاهداً !!!.
وهذه شُبْهَةٌ عظيمة ٌ لا يقع فيها منْ عرَفَ شيئاً من طبيعة الإسلام الداعية إلى النظافة والتدبر والأكتفاء الذاتي وصونِ الكارمة والعيشِ الكريم.
فيُمكنُ أن يكونَ المرءُ غنيَّاً وملاكاً ، وفي الوقت عينه زاهداً. ويُمكِنُ أن يكون فقيراً غير ميسور، لا يجدُ قوت يومه، وفي نفس الوقت لا يكونُ زاهداً.
هذا ما أَثْبَتَهُ علماءُ الأخلاق والسلوك، مع حقائق أخرى كثرة، لا مجال لذكرها كلَّها، حتى لا نخرج عن موضوعنا الأساسي... وقد نتطرقُ إلى بعضها فيما بعد.
فالزهدُ ليس رهبنة ً، كما يُحِبُّ البعضُ أن يُصوِّره كذلك، جهلاً منهم بحقيقته، أو تأثراً بالأفكار الدخيلة، والبدع المقبتة. فقد دخل أميرُ المؤمنين (ص) على العلاء بن زياد الحارثي، وهو من أصحابه، يعوده في مرضه، فلمَّا راى سَعةَ داره، قال:" ما كُنْتَ تَصْنَعُ بسعةِ هذِهِ الدارِ في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنتَ أحْوَجَ؟".
لكن، وحتى لا يُفهمَ الكلامُ على ظاهره من الاستفهام والتوبيخ والإنكار...عَاَجَلَ كلامَه، وقال:" وبلى إنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بها الآخِـرَة: تَقْري فيها الضيفَ وتصِل فيها الرَّحِمَ، وتُطْلِعُ منها الحقوق مَطَالِعَهَا، فإذا أنت، قد بَلَغَتْ بها الآخرة".
فقال له العلاء: يا أميرَ المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصمَ بن زياد، قال وما له؟ قال: لِبسَ العباءَةَ وتخلَّى عن الدنيا، قال : عليَّ به، فلما جاء قال الأمير :" يا عُدَيَّ نفسه!، لقد استهام بك الخبيثُ!،أما رحِمْتَ أهْلَكَ ووَلَدَك!، أترى الله أحلَّ لك الطيِّبات، وهو يكرَهُ أنْ!، تأخُذَها أنتَ أهونُ على الله من ذلك!".
قال الرجل: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونِة ملبَسِك، وجُشوبةِ مأكَلِكَ!.
فقال :"وَيْحَكَ، إني لستُ كأنت، إنَّ الله تعالى فرض على أئمة العَدْل، أنْ يُقدِّروا أنفسهم بضَعفَةِ الناس، كيْلا يَتَبيَّغ بالفقير فَقْرُهُ".
فالأميرُ بيَّن أمرواً عديدة في هذا النص حول حقيقة ِ الزهد، كاشفاً اللثام عنها، مُبْعِداً الشبهات عن ساحتِها... ومما بَيَّنَهُ:
أولاً: أن يتعوَّد الإنسانُ، محاسبة َ نفسه، فقد تساءَلُ الأميرُ في تمهيد كلامه حولَ سعةِ الدارِ في الدنيا، وهو أحْوجُ إليها في الآخرة.
ثانياً: بيَّن أن تركَ التنعمِ بخيرات الدنيا عن طريق الرهبنة والبدع مخالفٌ لما أمر اللهُ تعالى به من عدم تحريم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من ارزق. هذا إضافة إلى إطاعة إبليس الخبيث ويصبح الانسان عدواً لنفسه.
رابعاً: فقط أئمةُ العدلِ وُولاة ُ الأمن، مفروضٌ عليهم العيشُ كما يعيشُ فقراءُ الناس، ومُسْتَضْعفُوهُم، حتى لا يراهم الفقراءُ فيتألمون ويضعفُون... فيَفسِقون أو يَهْلِكون.

آثار الزهد المعنوية والروحية:

أخي الكريم، سلوكُ الإنسان في الحياة، وطريقة ُ تعاطيه مع الأمور، لا ريب أنها تؤثر على الجانب المعنوي من شخصيته فحتى التفاصيل اليومية من الجزئيات الحياتية والنشاطات الشخصية والاجتماعية، تُساهم مباشرة في صنع الكيانِ المعنوي للإنسان. فالذي يأكلُ كثيراً وبشراهة، لا تكون نفسيَّتُهُ كالذي يأكلُ مُتوازناً... والذي يُكثِرُ من المزاح والكلام ولغوِ القول، لا تكون شخصيَّتُةُ كالحكيم الذي يزن كلامَه، ويُفشي سلامـَه، ويحبِس لَغَوَه، ويُحاسِبُ لسانَه. والذي يُحبُّ المالَ حباً جماً، ويَهِمُّ بالشهوات همَّاً هماً، ويتوثبُ على النزوات نَهَماً نهماً.... ليس كالذي يضع الأمورَ افي نصابها، ولا يقعُ في شِراكها، ويُعطي المسائلَ مهامَّها... فلا إسرافَ ولا تفريطَ ولا غدرَ ولا فجور...
فالنفوس البشريةُ المعنويةُ هي الأساس وليس الهياكلُ الجسمانيةُ المادية، والنفوس كلما شعرت بكمالاتها الخُلُقيةِ والعقلية كلما أنِستْ عن دارالوَحْشة والغربة في الدنيا، وأشتاقت إلى عالمِها العـُلْوي، كما يذكر الفلاسفة....
فنحنُ أبداً، في طريق السفر في منازل طريق الله تعالى للوصول إلى بهجة حضرته الشريفة بالاستقامة على أوامره ونواهيه... في طريق السفر، عن الدنيا والمنزل الجديب إلى الآخرة والمزلِ الخصيب...
أما المتعلِّقون بأوهام الدنيا وزيفِ متاعها، فتهجُمُ عليهم الأهوالُ بغتةً، فيستَعْظمون مقارفة َ ما هم فيه الى ما لم يستعدوا له... وإلى هذا أشار الرسولُ حيث قال: "الدنيا سجنُ المؤمنِ وجنَّة الكافر".
يقول أمير المؤمنين :" إنما مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدنيا، كمثل قومٍ سَفَر نبا بهم منزِلٌ جديب، فامُّوا منزِلاً خصيباً وجَنَاباً مَريعاً، فاحتملوا وَعْثاءَ الطريقِ، وفِراق الصَّديق، وخشونَةَ السَّفرِ، وجُشُوبَةَ المَطْعمِ، لِيأتُوا سَعَةَ دارِهم، ومنزِلَ قرارِهم، فليس يجدون لشيء من ذلك الماً، ولا يرَوْنَ نفقةً فيه مغْرَماً، ولا شيءَ أحبُّ إليهم مما قرَّبَهمُ من منزلهم، وأدناهم من محَلَّتِهِمْ".
"ومَثَلُ مَنْ اغترَّ بها كَمثَل قومٍ كانوا بمنزلٍ خصيب، فنبا بهم إلى منزلٍ جديب، فليس شيءٌ أكْرَهَ إليهم ولا افْظَعَ عنده من مُفارَقَةِ ما كانوا فيه، إلى ما يهجُمُون عليه، ويصيرون إليه..."
أخي الكريم، ومن جملة الآثار المعنوية للسلوك المتَّزنِ مع الدنيا بعدم الحرص عليها، واعتبارها نهاية المطاف... أنك ترى الآخرةَ وإن كنتَ في الدنيا، وكأنَّ الغِطاءَ قد كُشف لك... ومن علامات ذلك عدمُ الإنشغال بالبيع والتجارة وابتاعِ محارمِ الله عن الفوزِ بالآخرة...
ويقول الأمير:"... وإنَّ للذكر لأهلا ً أخذوه من الدنيا بدلاً، فلَمْ تشغلهم تجارة ٌ ولا بيعٌ عنه، يعطعون به أيام الحياةِ، ويهتِفون بالزواجر عن محارم الله، ويتناهَوْن عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراءَ ذلك، فكأنَّما اطَّلعوا غُيوبَ أهْلِ البَرْزَخ في طول الإقامةِ فيه، وحقَّقَتِ القيامةُ عليهم عِدِاتها فكَشَفُوا غِطاءَ ذلك لأهل الدنيا، حتى كأنهم يرَوْنَ ما لا يرى الناس، ويسمعون ما لا يسمعون...."
ويقول الأمير في كلامٍ بليغٍ جديرٍ بالتأمل: "من هَوَانِ الدُنْيا على الله أنه لا يُعْصى إلا فيها، ولا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلا بتَرْكِها".
فَمنَ يعصى الله في غير الدنيا؟ وما قيمتُها إذا كانت الآخرةُ ورضى الله ِ لا يكونان إلا بنبذها؟! فهل سمِعْتَ بحق ٍ يُخالفُ ذلك؟..
قال أميرُ البيان وقـُدوةُ الأنام عليه الصلاة والسلام:"... وكلُّ شيء من الدنيا سَماعُهُ أعظَمُ من عيانِهِ، وكلُّ شيء من الآخرة عِيانُهُ أعظمُ من سَماعِهِ، فَـلْيكْفِكُمْ من العيان السَّمَاعُ، ومن الغَيْبِ الخَبَرُ، وأعلموا أنَّ ما نَقَص من الدنيا وزاد في الآخرة خيرٌ ممَّا نقص من الآخرة وزاد في الدنيا، فكمْ من منقوصٍ رابحٍ ومَزيدٍ خاسِرٍ! إنَّ الذي أُمِرْتُمْ به أوْسَعُ من الذي نُهيتُم عنه، وما أحِلَّ لكم أكثرُ مما حُرِّمَ عليكم، فذروا ما قلَّ لِما كَثُرَ، وما ضاق لِما اتَّسَعَ، فقد تُكُفِّل لُكمْ بالرِّزق وأُمرتُم بالعمل... فبادِروا العَمَلَ، وخافوا بَغْتَةَ الأجَلِ، فإنه لا يُرجى من رَجْعَةِ العُمر، ما يُرجى من رجعةِ الرِّزق، ما فاتَ اليومَ من الرَّزق رُجِيَ غداً زيادَتُهُ، وما فات أمْسِ من العُمُرِ، يُرْجَ اليومَ رَجْعَتُهُ، الرجاء مع الجائي، واليأسُ مع الماضي: اتقوا الله حقَّ تُقاتِهِ، ولا تموتُنَّ إلا وأنت مُسْلمون{ .

فضيلـة ُ الأمل ِ القصير:

إن الأمل َ مهما كان عظيماً، فهو إلى انقضاء... وكأنِّي به حقيرٌ ....وإنَّ الزمن ومهما كان مديداً فهو إلى فناء... فكأني به قليل....قد يطولُ الليل... وكنّ طولَه إلى نهاية... وما من شيء له بداية إلا وله ختام ونهاية... هذا ما نَشْعُرُ به ونتلمَّسُهُ في كل يوم.
أو ليس الصباحُ يلوه مساء... وبَدْرُ القمرِ يخفِت قليلاً قليلاً ... وَوَهْجُ الشمس يخبو رُوَيْداً رُويْدا ً... ومَوْسِمُ العِنَبِ ينتهي... وثَلْجُ الشتاء يذُوب... وماءُ النهرِ يغور... والقلمُ في يدي يَنْقُصُ قليلاً قليلاً ، إلى أن يفرُغ... والكلام الذي تقرأه الآن سينتهي بعد قائق...وكل شيء مِنْ حولنا يُحدِّثُنا بذلك...وينطُقَ به.
أخي وحبيبي، إنَّك تُسْرعُ لِتَلحق بقطار الحياة والشباب أفلم تُفِكِرْ يوماً أنك تقف في مكانِ مَنْ وَقَفَ قَبْلكَ، فأنت راكبٌ وعلى حال مطيةَ الليل والنهار، فيُسارُ بك وإن كنتَ وقفاً، وتقطعُ المسافة وإنْ نِمْتَ عنها... كما يقول الأميرُ
في وصيته الخالدة لابنه الحسن سلامُ الله عليه حيث يقول:" رُوَيْدا ًيُسْفِرُ الظلامُ، كأنْ قد وَرَدَتَ الأظَعْانُ، يوشِكُ مَنْ أسْرَعَ أنْ يَلْحَقَ! واعالم يا بُنَّي أنَّ من كانت مطَّيتُهُ الليلَ والنهارَ، فإنه يُسارُ به وإنْ كان واقفاً، ويَقْطَعُ المسافَةَ وإنْ كان مقيماً وادِعاً".
ولا ننسى أننا جميعاً أبناؤه ، والرسالةَ مُوجَّهَةٌ لنا جميعاً.
ويقول أهلُ الزهدِ الحقيقي وهم يَدْعونَ الى قِصَر الأمل: إنَّ نِسْيانَ الموتِ يُقسِّي القلبَ، ويورِثُ الغفلةَ عن ذكر الله تعالى ... أوَلَيْسَ ربُّنا عزَّ وجل هو القائلَ فطال عليهِمُ الأمدُ فقسَتْ قلوبُهم، وكثيرٌ منهم فاسقون .
وهناك مسألة ٌ غاية ٌ في الأهمية، وهي: أنَّ الانصرافَ عن الدنيا، إلى الله تعالى والآخرةِ والثوابِ، بحاجةٍ الى أسبابٍ وأساليب، كشِدَّةِ الحنين والوَلَهِ إلى المِلكِ القدوسِ تبارك وتعالى، والدعاء المستمر والتبتل والتضرع وطولِ السجود... والإخلاصِ في كل شئ، والشعورِ بالعجز عن إدراكِ شكر نعمِ الله الجليلة والكثيرة، فالقيام بذلك، أو الشعورُ بوجوب القيام به والسعي إليه، هو الخطوةُ الأولى لإدراك الغاية المرجُوَّة.
يقول عليٌ :"... فأزمِعُوا عبادَ الله للرحيل عن هذه الدارِ المَقْدورِ على أهلها الزوالُ، ولا يَغْلِبنَّكُم فيها الأملُ، ولا يَطُولَنَّ عليكُمْ فيها الأمدُ، فوالله لم حنَنْتُم حنين الوُلَّهِ العِجال ودعوتُمْ بهَديلِ الحَمام، وجأرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبتِّلي الرُّهبان، وخَرَجتُم إلى الله من الاموالِ والأولاد، التماسَ القُربْةِ في ارتفاع درجة ٍ عِنْدَه، او غُفْرانِ سيِّئةٍ احصَتْها كُتُبُه، وحَفِظَتْها رُسُلُه، لكان قليلاً فيما أرجو لكم من ثوابه، وأخافُ عليكم من عقابه...".
ويُظْهرُ الأميرُ في نص آخر، أن علاماتِ الأجل حصلت، وحريٌ بنا أن نُقصِّر الأمَلَ ونَسْتَعدَّ للرحيل، ... فيومُ الفصل كان ميقاتاً، ويومُ الحساب بات حاضراً. وذلك يقول
"... فالله عبادَ اللهِ! فإنَّ الدنيا ماضية ٌ بكم على سَنَنٍ، وانتم والساعة ُ في قَرَنٍ، وكأنَّها قد جاءت بأشراطها، وأزفَتْ بأفراطِها، ووقَفَتْ بكم على صراطها، وكأنها قد أشرَفَتْ بزلازِلها، وأفاضَتْ بكلاكلها، وانْصرمت الدنيا بأهلها، وأخْرَجْتْهُم من حِصْنِها، فكانت كيومٍ مضى، أو شهرٍ انقضى، وصار جديدُها رَثَّاً، وسمينُها غثّاً، في مَوْقِفٍ ضَنْكِ المَقَام، وأمورٍ مُشْتَبِهَةٍ عظام، ونارٍ شديدٍ كَلَبُها، عالٍ لَجَبُها، ساطع لَهَبُهَا،مُتَغَيِّظٍ زفيرُها، مُتأجِّجِ سَعِيرُها، بعيدٍ خُمُودُها، ذاكٍ وُقُودُها، مَخوُفٍ وَعِيدُهَا، عَمٍ قرارُها، مُظْلِمَةٍ اقطارُها، حامِيَةٍ قُدُورُها فظيعَةٍ أمورُها، وسِيقَ الذينَ اتَّقَوْا ربَّهم إلى الجنةِ زُمَرا ً، "قَدْ أُمِنَ العذابُ، وانقطع العِتاب، وزُحزِحو عن النار، وأطّمأنَتْ بهم الدار، وَرَضُوا المثوى والقرار، الذين كانت أعمالُهُم في الدنيا زاكيةً، وأَعْيُنُهِم باكيَة،ً وكان لَيْلُهُم في دنياهُم نهاراً، تَخَشُّعًاً واستِغْفَارا،ً وكان نهارُهُم ليلاً، تَوَحُّشاً وانقطاعاً، فجعل الله لَهَمُ الجنَّة مآباً، والجزاءَ ثواباً، وكانوا أحقَّ بها وأهْلَها، في مُلْكٍ دائمٍ، ونعيم ٍ قائم...".

قِصَرُ الأمال:

حتى يكونَ المرءُ زاهداً حقاً، هناك أُسسٌ يُعرفُ بها، وتكونُ في حياته شعاراً ودثاراً، ومن هذا الأسس: قِصَرُ الأمل، والشكُرُ عند النعم، والورع عن المحارم.
فالزاهد قصيرُ الأمل، لا يَعِدُ نفسَه بطول المكوث في هذا الدنيا، لأنه يعلم أن لذاتِها فانية، ونعيمها لا يدوم، ومُلْكَها لا يبقى… فضلا ً عن عظيم شوقه للقاء الله تعالى، ونعيم الجنة الباقي الذي لا يزول. فهو الذي اْختار وبإرادته اختار الباقية على الفانية، والخالدةَ على ما يزول، والآخرة َ على الدنيا فإيمانُهُ بالآخرة قوي، ويقينُهُ راسخ، وأفنى جُلَّ حياتِه، في مكافحة شهواته، إذا ينبغي للزاهد الصادق، أن يبقى مُعْرِضاً عن الدنيا غيرَ مُتعلِّق بها، بمعنى ان لا تُنْسِيَهُ الآخرة َ، وبَغـْتـَة َ السَّفر.
والزاهدُ يعلمُ وفوقَ علمِ الآخرين ويقينهم، يعلمُ أنَّ ما مضى لا يعود وما لم يأتِ، لا تـُعْـلَم حقيقته ُ، ومقدارُ فائِدتِهِ، وزمانُ مكوثِه، ومُدَّةُ دوامِه. فضلاً عن جهلنا في أننا هل نُدْرِكُهُ أم لا؟.
وحتى يُقوِّيَ الزاهد قِصرَ الأملِ في نفسه، يُذكِّرُها بأن سرورَ الدنيا يعترضُهُ حُزْنُها، وقوةُ الرجال وعُنْفُوانُ الشبابِ مهما طال وعَنُفَ فهو إلى ضعفٍ وضياع، فلا يَغْتَرُّ بالكثير منها، وببالكثرة التي تُعْجِبُ الآخرين المحجوبين عن الحق والحقيقة.. لأن ذلك كلَّه لا يدوم، كما لم يَدُمْ للسابقين قَبْلَنا.
والزاهد، دائمُ التفكيرِ والاعتبار، وقويُ البصيرةِ والاسْتِبْصار، يعلم أن الكائن اليوم، لن يكون غداً، وأن النعيم في الحال، حسابٌ في المآل، والحِملُ الذي نحرصُ عليه، يبقى لغيرنا، فمُتْعتُهُ يسيرة ٌ، وفاجِعَتُهُ كبيرة ٌ… وحقيقةُ الآخرةِ التي هي اليومَ سُماع، غداً عِيان، وتصور اليوُّم ملموسٌ غداً.
ثم إنّ الزاهد يرى، وبعين الله يرى، أن الأيام تنقضي، وهي معدودة ٌ، والمعدودُ المنقضي، لا مفرَّ من إدراكه وقربِ أهداِفه، وسرعةِ نزوله… ومهما كان الزمانُ طويلا ً ومديداً، فالزاهدُ قصيرُ الأمل، يعلمُ أن اليوم يَتْبَغُهُ يومٌ والأيامُ أسابيع، والأسابيع أشهر، والأشهر سنوات، والسنوات وإن كثرت فهي قليلة… تنقصُ مع كل صباح ٍ واشراقة ِ شمسٍ وصِياحِ ديك… الليل يَعْقُبُهُ النهار، والنهار يندَسُّ في الليل، وهكذا مَلْحمةُ التاريخ لا تتوقفُ، ولا تنتظر احدا،ً ولا تستثني فرداً، ليلٌ يُعَسعِس وصُبحٌ يتنفَّسُ. وكلُّ معدودٍ له نهاية، والمُنْتَظَرُ وشيكُ الحضور، والآتي قريبٌ بات وراءَ الباب، أو يكاد.
يقول الأمير في نهج البلاغة:"أيها الناس، انظروا الى الدنيا نَظَرَ الزاهدين فيها، الصادفين عنها، فإنها واللهِ عمَّا قليلٍ، تُزيلُ الثاويَ الساكنَ، وتَضْجَعُ المُتْرَفَ الآجِن، لا يَرْجعُ ما تولَّى منها فأدبَرَ، ولا يُدْرَي ما هو آتٍ منها فيُنْتظَرَ، سُروْرُها مَشوبٌ بالحزن، وجَلَدُ الرجال فيها الى الضَّعـْفِ والوَهْنِ، فلا يَغرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ ما يُعْجِبُكُمْ فيها، لقلة ما يَصْحَبُكُمْ منها".
"رحم اللهُ امرَاً تَفكَّرَ فاعْتَبَرَ، واعْتَبَرَ فأبْصَرَ، فكأنَّ ما هو كائنٌ من الدنيا عن قليلٍ لم يكن، وكأنَّ ما هو كائنٌ من الآخرة عما قليلٍ لم يَزَلَ، وكلُّ معدودٍ منقضِ، وكُلُّ مُتَوجِّهٍ آتٍ، وكلُّ آتٍ قريبٌ دان".
فأين المُعِدُّونَ وأين المُسْتعدونَ للرحيل... وأين المتأهِّبون وأين المُزْمِعونَ للسفر... فالقَدَرُ السفر، ومخدوعٌ مَنْ ناجاها وواعدها بطول الأمل... والزاهد ُ حقاً هو المُستعدُّ أبداً للمفارقة، والتاركُ للَّذاتِ لأنها تُنْسي الآخرة.
قال الأمير :" واتَّقوا لله عبادَ اللهِ، وبادِروا آجالكُم بأعمالِكُمْ، وابتاعوا ما يبقى لكُمْ بما يزولُ عنكُمْ، وتَرَحَّلُوا فَقَدَ جُدَّ بِكم، واستعِدُّوا للموتِ فَقَدَ أظلَّكم، وكونوا قوماً صيْحَ بهِمْ فانْتَبَهَوا، وعَلمِوا أن الدُنيا لَيَسَتْ لهم بدارِ فاستَبْدَلوا، فإنَّ الله سُبْحانَهُ لَمَ يَخْلُقْكُمْ عبثاً، ولم يتركُكُمْ سُدى، وما بينَ أحَدِكُمْ وبينَ الجنةِ أو النارِ إلا الموتُ أنْ يَنْزِل به، وأنَّ غايةً تُنْقِصُهَا اللَّحظَةُ وتَهْدِمُها الساعة ُ لجديرة ٌ بِقصَرِ المُدَّة... فَتَزَوَّدوا في الدنيا، من الدنيا، ما تُحرِزونَ به أنفسكُمْ غدا،ً فاتَّقى عبدٌ ربَّه، نَصَحَ نَفَسَهُ، وقدَّمَ تَوْبَتَهَ وغَلَبَ شهوته، فإنَّ أَجَلَهُ مَسْتُوٌر عنه... نسأل لله سبحانَه أن يَجْعَلَنا وإيَّاكُمْ مِمَّنْ لا تُقْصَّرُ به عن طاعة ربِّهِ غايَةٌ، ولا تَحِلُّ به بَعْدَ الموتِ ندامةٌ ولا كآبةٌ".

علامات الزاهدين:

الزهدُ في الدنيا، مقامٌ شريفٌ من مقامات السالكين… وحقيقتُه الإنصرافُ عن شيء إلى ما هو خيرٌ منه ولا تبد أن يكنوم الانصراف والرغبةُ عن الشيء المحبَّبِ، كالدراهم والدنانير، حتى تُسمَّى الرغبة ُ عن الشيء زهدا،ً إلى ما هو أفضلُ منه حباً ورغبةً... وأما إذا كان لا قيمة له كالتراب والحشرات، فلا يُسمى هذا زاهداً.
ورُبَّ سائلٍ: ما علاماتُ الزهد؟! فإننا نرى قوماً، تركوا المالَ، وأظهروا الخشونة، واكتفَـوا بالقـَدْر اليسير من الطعام، ولازموا بيوتـَهم... حبَّاً بالمدح، ورغبةً في معرفة الناس عنهم أنهم زاهدون... وهم في واقع الأمر منافقون. فيقال له: إنَّ علامات الزهد ثلاث:
فالأولى: أن لا يفرح بموجود ولا يحزَنَ على مفقود، قال تعالى: } لكِيْلا تَأْسَوا على ما فاتَكُم ولا تفرَحُوا بما آتاكُم ، وهذا هوالزهد في المال.
والثانية: أن يستوي عنده ذامُّه ومادِحهُ، وهذا هو الزهد في الجاه.
الثالثة: أن يأنس بالله تعالى، وتغلب عليه الطاعة ُ، فالقلبُ إمَّا أن يُحبَّ الدنيا، وإمَّا أن يُحبَّ الآخرة، ولا يُمكنُ اجتماعُهُما أبداً، كما لا يجتمع الهواء والماءُ في إناء واحد.
يقول اميرُ المؤمنين وسيدُ المتقين، عليه صلواتُ المصلين: "الزُّهْدُ كُـلُّه بين كلمتين من القرآن: قال الله سبحانه، لكَيْلا تأْسَوْا على ما فاتكُم، ولا تَـفـْرحوا بما آتاكم، ومَنْ ليم يأْسَ على الماضي، وليم يَفْرحْ بالآتي، فَـقَـدْ أخذ الزُهْدَ بطرفَيْه".
وفي رسالة إلى عبد الله بن العباس، رحمة الله تعالى، وكان عبدُ الله يقول: ما انتفعتُ بعد كلام رسول الله (ص) :" فإن المرءَ يسُرُّهُ دَرْكُ ما لمْ يكُنْ ليَقوتَهُ، ويَسُوؤُهُ فوتُ ما لمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ، فـَلْيكُنْ سُرُورُكَ بما نِلْتَ مِن آخرِتَك، وَلْيَكُنْ أسَفُكَ على ما فاتك منها، وما نِـلْتَ من دنياك فلا تـُكْثِر به فرحاً، وما فاتَـك منها فلا تَأْسَ عـليه جَزَعاً، وَلْيَكُنْ همُّك فيما بعد الموت".
ويُبيِّنُ الأميرُ، وتأسيساً على ما تقدم، كيف تحدُثُ عند الزاهد حالة ٌ من التسليم والرضا، في كل شؤونه الحايتية والمعيشية والشخصية ما دام يُمهِّدُ ذلك، ويُعبِّدُ طريق الآخرة بسلام... فلا يلتفتُ إلى كيفية نومه، دام يُمهِّدُ، ويُعبِّد طريق الآخرة بسلام...فلا يلتفتُ إلى كيفية نومه ونعوعية فراشه، ولذيذ طعامه... فهو في الدينا ليس فيها...فكأنه سافر إلى الأخرة قبل سفره، فالقلوبُ محزونة ٌ شوقاً للقاء الله، وإنْ ضحكوا الأجسادُ هنا، والأرواحُ تُدغْدِغها خيالاتُ السفر إلى الملأ الأعلى.
قال لنوف، وهو ينظر إلى النجوم ذاتَ ليلة، وقد خرج من فراشه:" طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة أولئك قومٌ اتَّخذوا الأرضَ بساطاً ، وتُرابَهَا فِراشاً، وماءَها طيباً، والقرآن شِعاراً والدعاءُ دثاراً، ثم قَرَضُوا الدُنيا قرْضاً على مِنْهاجِ المسيح".
وقال :" كانوا قوماً من أهل الدُنْيا، ولَيْسوا من أهلِها، فكانوا فيها، كَمَنْ ليس منها، عملوا فيها بما يُبْصِرون، وبادروا فيها ما يَحْذَرون، تَقَلَّبُ أبدانُهُم بين ظهرانَيْ أهل الآخرة، ويَرَوْنَ أهْلَ الدنيا يُعظَّمُونَ موتَ أجسادهم، وهم أشَدُّ إعظاماً لِمَوْتِ قلوب أحيائهم".
وقال سلامُ الله عليه:" إنَّ الزاهدين في الدنيا تبكي قُلُبُهُمْ وإنْ ضحِكوا ويَشتدُّ حُزنُهُم وإنْ فَرِحُوا، ويكثُرُ مقتُهُمْ وإن اغتُبِطْوا بما رُزقوا".
فهذه هي بعضُ خصائص الزاهدين بالمال، فهم في مَنْأى عمَّا فاتهم وعما أتاهم... والزاهدين بالجاه، لا يتغيَّرون بمدحِ مادحٍ أو دمِّ ماقتٍ، فمقاييسُهُم واحدةٌ لا تتبدل عندهم، وإنْ تبدلتْ نظرةُ الناس إليهم،....وهم الذين يعيشون الاخرة قبلَ أوانِها، سيرتُهُم سيرةُ الأنبياء، لا يرتاحون إلا بعد سفرهم الأخيرة...محزونون وإنْ ضحك الناس، قُـوَّةُ أعينهم فيما لا يزول، وزاهادَتُهُمْ فيما لا يبقى.

فضيلــة القناعــة :

نحمده على ما أخذ وأعطى، وعلى ما أبلى وابتلى، الباطن لكل خفية والحاضر لكل سريرة، العالم بما تكن الصدور، وما تخون العيون، وتشهد أن لا إله غيره وأن محمداً نجيبه وبعيثه، شهادة يوافق فيه السر الإعلان، والقلب واللسان.
من أهم الوسائل لتحصيل سعادة الأبد، وراحة البال مع طول الأمد، القناعة بما وهب الله تعالى، والاكتفاء بما رزق، والرضى بما كتب.
فالقناعة، ملكة أخلاقية هامة، توجب اكتفاء المرء، بقدر حاجته وضرورته من المال والمتاع، بلا سعي لإضاعة الوقت في تحصيل الزائد وما لا يحتاجه، ولا يدوم له، ولا يقاوم معه...
ومن ترك القناعة، يا أخي، اضطر إلى ركوب المساوئ، والمسالك المهالك ... ومن تلبس بالقناعة، والتزمها، عف بها، وعفته عن كثير التحصيل، فهو هادئ البال، مطمئن الحال، رابح المنال، من ضرورة مطعمه وملبسه، ومصرفه ومسكنه، إلى يومه أو شهره... فرغ باله، وجمع همه، وجانب عمه، وأقام أمره، فاشتغل بأمر الدين وسلوك الآخرة، والعمل لما بعد الموت، فتأمل وتفكر، وأعد واستعد، فهو على بينة من أمره، ينظر إلى آخرته، وقيام ساعته، التي يسعى إليها، ولا بد من لقائها.
ولعنا لا نتجنب الواقع لو قلنا: إن من أهم العلاجات النفسية، في هذا الزمن، القناعة التي تجلل صاحبها سكينة وطمأنينة، فيشعر وكأنه يحلق فوق شؤون الدنيا، وينطلق إلى الآخرة، وإذا مرَّ بالبلاءَّ مر كريماً.
فسلام على أهل الله، في بلاد الله ... على أهل السماء، في سماء الأرض، سلام عليهم في سموهم، في عظيم شأنهم، في قناعتهم ... طوبى لهم في سكون أطرافهم، وهدوّ نفوسهم، وراحة قلوبهم...
مساكين نحن يا أخي، فأين نحن منهم، وأين هم منّا لا هم لهم في مالٍ ولا ولد، ووالد وما ولد، وهم وكبد ... وحياتنا همّ، ولا أدنى من ذلك : في طعام الفطور والمساء، وفي لباس الليل عن النهار، وفي مصارعة الاعوان والأقران، وغيرة الأهل والجيران، وفي ما قيل ومن قال ... وفيما لهم وليس لنا، وفيما ملكوا ولم نملك ... فآه آه، من سكرة، لا تزول إلا بخروج زفرة، ليُتَّقى بعدها سوء العذاب.
يقول عليّ (عليه السلام) في مدح القناعة وعلاج الحرص، في كلام بليغ معبر: "فلا يغرنّك سواد الناس من نفسك، وقد رأيت من كان قبلك ممن جمع المال، وحذر الإقلال، وأمن العواقب.. كيف نزل به الموت، فأزعجه عن وطنه وأخذه في مأمنه، أما رأيتم الذي يأملون بعيداً، ويبنون مشيداً، ويجمعون كثيراً. كيف أصبحت بيوتهم قبوراً، وما جمعوا بوراً، وصارت أموالهم للوارثين، وأزواجهم لقوم آخرين، لا في حسنة يزيدون، ولا من سيئة يستعتبون!".
وفي موعظة أخرى له(عليه السلام) قال : "... ومن العناء أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله تعالى، لا مالاً حمل، ولا بناء نقل! ومن عبرها أن المرء يشرف على أمله فيقتطعه حضور أجله، فلا أمل يدرك، ولا مؤمل يترك، فسبحان الله ما أعز سرورها! وأظمأ ريّها... فسبحان الله، ما أقرب الحي من الميت، للحاقه به، وأبعد الميت من الحي، لانقطاعه عنه! ... واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة، خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا ... إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم، فذروا ما قبل لما كثر، وما ضاق لما اتسع، قد تكفل، لكم بالرزق، وأمرتم بالعمل، فلا يكونن المضمون لكم طلبه، أولى بكم من المفروض عليكم عمله... حتى كأن الذي ضمن لكم قد فرض عليكم...
"فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل، فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يُرجى من رجعة الرزق، ما فات اليوم من الرزق رجي غدا ًزيادته، وما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته، الرجاء مع الجائي، واليأس مع الماضي، فاتقوا الله حق تقائه، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".
انتهى كلامه(عليه السلام) ... ويا حبذا لو نتوقف عنده أكثر، ونتأمل فيه أوفر...
وماذا يمكن لنا أن نزيد، بعد الذي سمعناه، وما يمكن لنا أن نعلق بعد الذي تلوناه... فالأجدر والأنسب أن نختم ملخصاً عما تقدم، من كلامه المبارك
الشريف (عليه السلام) حيث قال باختصار: "... ومن لهج قلبه بحب الدنيا التاط قلبه منها بثلاث: همٍّ لا يُغِبه، وحرص لا يتركه، وأمل لا يدركه".
وقال(عليه السلام) : "لكل امرئٍ في ماله شريكان: الوارث والحوادث".
نكتفي بهذا، وننزوي خجلاً وأدباً بعد كلامه(عليه السلام) ... لننتقل إلى علاج الحرص على الدنيا.

يتبع .....

****************************